توفيق ابراهيم
ولد في قرية إندور التي تبعد عشرة كيلومترات إلى الجنوب الشرقي من مدينة الناصرة، وأخذ يشارك في النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني والمشروع الصهيوني منذ نعومة أظفاره.
التحق توفيق ابراهيم بحركة الشيخ المجاهد عز الدين القسام، وغدا من أبرز قادتها بعد استشهاد الشيخ في معركة أحراج يعبد في تشرين الثاني/ نوفمبر 1935، وأُطلق عليه لقب أبو ابراهيم الصغير تمييزاً له عن قائد قسّامي آخر كُنّي بـأبي ابراهيم الكبير، الذي هو خليل محمد عيسى من المزرعة الشرقية.
تولى توفيق ابراهيم، بعد اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى في سنة 1936، قيادة عدة مناطق في لواء الجليل، فنشط على الطرق بين كلٍ من صفد في الشرق، وطبريا في الجنوب الشرقي، والناصرة في الوسط وعكا في الغرب، وكان أسلوبه المفضّل في حرب العصابات نصب الكمائن على هذه الطرق لقوافل الجيش البريطاني وخفراء المستعمرات اليهودية، وأبلى بلاءً حسناً في العديد من هذه الاشتباكات، كما تمكن من اقتحام مقر الحاكم البريطاني في طبريا والاستيلاء على بعض ملفاته.
وفي سنتي 1938 و1939، تصدى لمحاولات القوات اليهودية، المدعومة من القوات البريطانية، اختراق الجليل الغربي العربي عن طريق إنشاء مستعمرات عسكرية ضمن خطّة "سور وبرج". وكان خلال هذه السنوات على اتصال دائم بقيادة الثورة الفلسطينية في دمشق، التي كان يرسل إليها التقارير الدورية باسم: "المتوكل على الله عبد الغفّار".
أزعجت العمليات العسكرية التي قادها السلطات البريطانية التي أعلنت عن مكافآة مالية للقبض عليه. وحين توقفت الثورة في سنة 1939، لجأ أبو ابراهيم إلى سوريا، ثم عاد إلى فلسطين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
في سنة 1948، عقب اندلاع القتال بين العرب واليهود في إثر صدور قرار هيئة الأمم المتحدة بتقسيم البلاد، أسندت "الهيئة العربية العليا" إلى توفيق ابراهيم قيادة قوة قوامها 200 مجاهد مسلح شاركت في الدفاع عن الناصرة وفي رد القوات الصهيونية عن القرى القريبة منها.
تمركزت قوات أبي ابراهيم (التي رفدتها "فزعات" محلية آتية من القرى المجاورة) في قريتَي كفركنا وعين ماهل، وأخذ في تطبيق تكتيكات حرب العصابات ذاتها ضد قوات "البالماخ" و"الهاغاناه" اليهودية التي كان قد اعتمدها ضد الجيش البريطاني في العقد السابق. وكان الهدف الاستراتيجي لهذه العمليات عزل مستعمرات الجليل الشرقي اليهودية، الممتدة من طبريا شمالاً إلى الحدود اللبنانية، عن مستعمرات مرج ابن عامر. ونجح أبو ابراهيم في تعطيل حركة المرور على الطرق الرئيسية وفي إجبار العدو على التنقل على طرق فرعية التفافية ألحقت أضراراً وخلقت إرباكاً في حياة سكان المستعمرات اليومية والاقتصادية.
احتفظ أبو ابراهيم بزمام المبادرة حتى أواخر شهر آذار/ مارس 1948، كما نجح في صد هجوم في 11 آذار قامت به قوة مشتركة من كتيبة البالماخ الأولى ولواء "جولاني" على مقره في كفركنا. ولم يكتفِ أبو ابراهيم بصد الهجوم بل قام بهجوم مضاد حازم وصفه التاريخ الرسمي الإسرائيلي لحرب 1948 بأنه كان "المرة الأولى التي يطارد فيها العدو [أي العرب] وحدة مهاجمة إلى هذا الحد".
وعلى الرغم من نجاحات أبي ابراهيم المحلية، ونجاحات رفاقه من المجاهدين في حرب العصابات في مناطق أخرى من فلسطين خلال أشهر الحرب الأهلية، التي سبقت الحرب النظامية في أواسط أيار/ مايو 1948، فإن الدوائر دارت على الشعب الفلسطيني بدءاً من الأسبوع الأول من شهر نيسان/ أبريل عندما أخذت القوات الصهيونية بتنفيذ خطتها العسكرية لفرض التقسيم بقوة السلاح والقائمة على سياسة التطهير العرقي.
لجأ توفيق ابراهيم بعد وقوع النكبة في سنة 1948 إلى دمشق، وتوفي ودفن فيها.
توفيق ابراهيم (أبو ابراهيم الصغير) مجاهد قسّامي بارز، قوي الشكيمة طاهر النفس صلب العود، ومثال للمرؤة والوطنية في الريف الفلسطيني في التصدّي لسياسة بريطانيا الكولونيالية وللغزو الصهيوني الإجلائي. قال عنه أكرم زعيتر في "يومياته": "إنه من أخلص وأشجع من عرفت من قادة الثورة".
المصادر:
حمادة، محمد عمر. "أعلام فلسطين. الجزء الثاني". دمشق- بيروت: دار قتيبة، 1988.
زعيتر، أكرم. "يوميات أكرم زعيتر: الحركة الوطنية الفلسطينية، 1935- 1939". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1980.
العارف، عارف. "النكبة: نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود، 1947- 1949". تقديم وليد الخالدي. المجلدان الأول والثاني. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط 2، 2015.
عودة، زياد. "القائد الشيخ توفيق ابراهيم أبو ابراهيم الصغير". في "من رواد النضال في فلسطين 1929-1948. الكتاب الثاني". عمّان: دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطينية، 1988.
"الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، المجلد الأول". دمشق: إصدار هيئة الموسوعة الفلسطينية، 1984.