فريح أبو مدين
ولد فريح أبو مدين في بئر السبع سنة 1871 وهو ينتمي إلى فخذ من أفخاذ عشيرة الحناجرة التي يقال إن أفرادها قدِموا إلى فلسطين عن طريق شرق الأردن منذ بداية الفتوحات الإسلامية، وتمتد أراضيهم من شمال بئر السبع حتى سواحل غزة.
والده: فرحان. أبناؤه: عُرف منهم عبد الدايم، مصطفى. زوجته: مقبولة. حفيده: المحامي فريح أبو مدين، الذي شغل منصب وزير العدل في الحكومات الفلسطينية الثلاث التي شكّلها ياسر عرفات ما بين سنة 1994 وسنة 2002، ثم شغل منصب رئيس سلطة الأراضي ما بين سنة 2002 وسنة 2007.
تربّى فريح أبو مدين يتيماً بعد أن قُتل والده، وهو طفل صغير السن، في معركة دارت رحاها بين عشائر التياهة والترابين سنة 1293 هـ/ 1876، ودفن في الظاهرية.
بدأ فريح أبو مدين حياته المهنية سنة 1910، عندما عيّنته السلطات العثمانية عضواً في مجلس إدارة قضاء بئر السبع، وظل في هذا المنصب حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى.
في أثناء الحرب العالمية الأولى، عُيّن أبو مدين مأموراً لجباية الحبوب للجيش العثماني، الذي كان مرابطاً في جنوب فلسطين.
اعتقلته القوات البريطانية خلال أحداث الحرب واقتادته إلى معتقل في دير البلح، وهناك تعرّف إلى مدير الاستخبارات الذي قدمه إلى الضباط البريطانيين فأكرموه وقربوه إليهم، وسمحوا له بأن يحصد زرع المهاجرين من عشيرته، وساعده في ذلك عدد كبير من أهالي خان يونس وبني سهيلة ودير البلح. وبقي في دير البلح حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى سنة 1918، فرجع إلى مضارب عشيرته وصار شيخاً لها.
شارك الشيخ فريح أبو مدين في كانون الثاني/ يناير 1919، مندوباً عن مدينة بئر السبع، في المؤتمر الفلسطيني الأول الذي عُقد في مدينة القدس، وقرر رفض سلخ فلسطين، أو سوريا الجنوبية، عن سوريا العربية، وضمان استقلال سوريا بلا حماية ولا وصاية، ورفض وعد بلفور والهجرة اليهودية إلى فلسطين.
اختير الشيخ فريح أبو مدين عضواً عن مدينة بئر السبع في المجلس الاستشاري الأول الذي شكّله المندوب السامي البريطاني الأول هربرت صامويل في تشرين الأول/أكتوبر 1920. ثم عيّنه البريطانيون في سنة 1922 رئيساً لبلدية بئر السبع.
وتقديراً لخدماته، منحته الحكومة البريطانية وساماً من درجة عضو فخري في الإمبراطورية.
في أيار/ مايو 1922، قررت السلطات البريطانية تشكيل مجلس استشاري ثانٍ، وجددت تعيين الشيخ فريح أبو مدين عضواً فيه، لكن اللجنة التنفيذية للمؤتمر العربي الفلسطيني عارضت هذا المجلس، وشجعت أعضاءه على الاستقالة. بيد أن فريح أبو مدين كان ضمن الذين رفضوا الاستقالة، وأكدوا أن مشاركتهم ترمي إلى منع سلطات الانتداب البريطاني من اتخاذ إجراءات وتدابير تلحق الظلم بالعرب. وقد أنهت السلطات البريطانية عمل هذا المجلس في شباط/ فبراير 1923.
في 15 آذار/ مارس 1923، اختير الشيخ فريح أبو مدين عضواً في محاكم عشائر بئر السبع، التي خولتها سلطات الانتداب البريطاني بت قضايا الدم وملكية الأراضي بصورة رسمية.
في سنة 1931، وجّه الشيخ فريح أبو مدين، مع مشايخ بئر السبع، عريضة إلى المندوب السامي البريطاني تطالب بالعفو عن الأسرى الفلسطينيين الذين اعتقلتهم السلطات البريطانية خلال أحداث "هبّة البراق" في صيف سنة 1929، ورد فيها أن المشايخ، بعد أن علموا "بمزيد السرور" أن ملك بريطانيا أوكل حق العفو عن سجناء اضطرابات سنة 1929 إلى المندوب السامي، "يرجون فخامتكم استعمال حقكم وإطلاق سراحهم رأفة بهم ولإدخال السرور على عائلاتهم وأطفالهم."
انتخب فريح أبو مدين شيخاً لمشيخة الحناجرة خلال الانتخابات التي جرت في 26 آذار/ مارس 1932 بحضور قائمقام بئر السبع عارف العارف، ورعاية سلطات الانتداب البريطاني.
ولما استفحلت حركة شراء الأراضي العربية من جانب اليهود، الذين قدموا إلى بئر السبع، كان الشيخ فريح أبو مدين من أهم المشاركين في المؤتمر الذي عقده مشايخ بئر السبع، سنة 1934، في مضارب التياهة
لبحث أفضل الطرق الواجب اتخاذها لمنع بيع الأراضي في بئر السبع لليهود ومحاربة سماسرة الأراضي.
امتلك الشيخ فريح أبو مدين مساحات واسعة من الأراضي وعدداً من الأبنية في بئر السبع وغزة، وقد عُرف بأنه على درجة عالية من الكرم، إذ تبرع بمبنى مكوّن من طبقتين، ليكون مقراً لنادي الشباب العربي في مدينة بئر السبع.
وعندما وقعت نكبة فلسطين في سنة 1948، أبى الشيخ فريح أبو مدين أن يبقى في البادية وهو أعزل من السلاح ولا قِبَل له بمجابهة اليهود، فنزح إلى غزة مع عشيرته، حيث له فيها أملاك وأراضٍ، وأقام بمخيم البريج.
الشيخ فريح أبو مدين من أبرز مشايخ العربان في منطقة بئر السبع في أواخر العهد العثماني وفترة الانتداب البريطاني، يعرف سيناء والنقب والصحراء ووادي عربة حتى العقبة شبراً شبراً. وقد تولى العديد من المناصب الإدارية، وأهمها رئاسة بلدية بئر السبع. كان بدوياً بسيطاً وأميّاً، وُصف بأنه "طويل القامة، طولاً فارعاً، لحيته على شيء من الاسترسال، في عينيه بريق أشد لمعاناً من بريق السيف الطويل النجاد" الذي "يجرجره" عندما كان يأتي إلى دار الحكومة في القدس أو إلى المجلس الإسلامي في المناسبات الاجتماعية الوطنية والمؤتمرات. ومع أنه ماشى الحركة الوطنية العربية الفلسطينية، إلاّ إنه سعى، في الوقت نفسه، للحفاظ على علاقات جيدة مع البريطانيين، حتى يُقال إنه عندما خضع لعلمية جراحية سنة 1946 في مستشفى غزة، قام المندوب السامي البريطاني بزيارته في المستشفى متمنياً له الشفاء، وهي مبادرة لم يسبقه إليها أي مندوب بريطاني، إزاء أي عربي في فلسطين مهما علا كعبه.
توفي الشيخ فريح أبو مدين في قطاع غزّة سنة 1955 ودفن فيه.
المصادر:
العارف، عارف. تاريخ بير السبع وقبائلها. القدس: مطبعة بيت المقدس، 1934؛ القاهرة: مكتبة مدبولي، ط 2، 1999.
منّاع، عادل. أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني (1800- 1918). ط 2. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1995.
النصاصرة، منصور. "مقتطفات من تاريخ عرب النقب وقضاء بئر السبع". مدى الكرمل- المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية (ملفات مدى)، 2013.
https://mada-research.org/wp-content/uploads/2013/11/Prawer_Plan_nasasra...
نويهض، عجاج. رجال من فلسطين. بيروت: منشورات فلسطين المحتلة، 1981.
Abdul Hadi, Mahdi, ed. Palestinian Personalities: a Biographic Dictionary. 2nd edition, revised and updated. Jerusalem: Passia Publication, 2006.