إضاءة على –

القرار 242 (1967)

إضاءة على –
القرار 242 (1967)
بنود ملتبسة لتسوية في الشرق الأوسط

عرض جدول الأحداث

مجلس الأمن يعتمد قراراً يتعلق بالشرق الأوسط

مشهد لمجلس الأمن أثناء التصويت بالإجماع على القرار رقم 242 بشأن إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط . يظهر في مواجهة الكاميرا، بأيدٍ مرفوعة للأعلى للإشارة على التصويت لصالح القرار، (من اليسار إلى اليمين): فاسيلي كوزنيتسوف ، النائب الأول لوزير خارجية الاتحاد السوفييتي ؛ واللورد كارادون ، ممثل المملكة المتحدة الدائم لدى الأمم المتحدة؛ وآرثر غولدبرغ ، ممثل الولايات المتحدة  الدائم لدى الأمم المتحدة.

22 تشرين الثاني 1967
Source: 
UN Photo/Yutaka Nagata

شكَّل قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي تم اعتماده بعد حرب حزيران/ يونيو 1967، علامة فارقة في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي، لأنه أسبغ صفة دولية على مفهوم "الأرض مقابل السلام": انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حرب 1967 مقابل السلام مع العالم العربي.

وظل كل من القرار والمفهوم لعقود بعد ذلك، الأساسَ للجهود الرامية إلى حل سلمي للصراع، على رغم الرفض الفلسطيني الأولي للقرار وادعاء بعض أنصار إسرائيل (واستمروا في الادعاء) أن القرار لم يدعُ إلى انسحاب إسرائيل من كامل الأراضي المحتلة. أما منظمة التحرير الفلسطينية، فقد قبلت عملياً بالقرار 242، بعد إعلانها الاستقلال في تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1988، ووافقت على أنه - إلى جانب قرار مجلس الأمن رقم 338 - ينبغي أن يكون أساساً للمفاوضات مع إسرائيل.

أثارت حرب سنة 1967 جهوداً دولية متجددة لإيجاد حل للنزاع بين إسرائيل والدول العربية، وفي الشهور التي تلتها عمل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جاهداً على إصدار قرار يوفر أساساً لسلام عربي إسرائيلي بعد قرابة عشرين عاماً من الصراع.

وكان أحد صائغي القرار الرئيسيين، الدبلوماسي البريطاني اللورد كارادون، نسّق مع الأميركيين لوضع نص يخلو من آليات واضحة وملزمة ويكون غامضاً، بما يؤمّن قبول المجلس برمته به، وهو ما حدث في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967، مع تمرير المجلس بالإجماع مشروع القرار الذي نص على "عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب، والحاجة إلى العمل من أجل سلام دائم وعادل تستطيع كل دولة في المنطقة أن تعيش فيه بأمان"، ومن أجل ذلك، وضع القرار 242 أسساً لتسوية دائمة تقوم على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة والتزام الدول العربية بقبول حقيقة أن لإسرائيل (على رغم عدم ذكر اسمها في النص) الحق في الوجود في سلام وأمن. ودعا القرار تحديداً إلى "انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير"، و"إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب، واحترام سيادة أراضي كل دولة في المنطقة ووحدتها والاعتراف بسيادتها واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها، حرة من التهديد بالقوة أو استعمالها".

ولتحقيق هذه النتيجة، دعا القرار الأمينَ العام للأمم المتحدة إلى تعيين ممثل خاص للسفر إلى الشرق الأوسط والتوسط للوصول إلى سلام دائم، فعيَّن الأمينُ العام للأمم المتحدة يو ثانت، السويديَّ غونار يارينغ ممثلاً خاصاً له لهذا الهدف، فبدأ مهمته في كانون الأول/ ديسمبر 1967، بعد قبول كل من حكومات الأردن ومصر وإسرائيل القرار 242 وموافقتها على العمل معه.

غير أن غياب أي تقدم في العملية، بسبب الدعم الأميركي المفرط لإسرائيل وميزان القوى الاقليمي المائل إلى الأخيرة، أدى إلى قيام مصر وسوريا بشن الحرب على إسرائيل في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وإلى إصدار مجلس الأمن القرار رقم 338 (في 22 من الشهر نفسه) الذي فرض وقفاً لإطلاق النار وتنفيذاً فورياً للقرار 242 من خلال المفاوضات بين الأطراف المعنية. ومع قبول سوريا بالقرار 338 (ما يعني القبول ضمناً بالقرار 242)، أعيد تأكيد مبدأ الأرض مقابل السلام أساساً للجهود الأميركية والدولية لإحلال السلام على الجبهات الثلاث، المصرية والأردنية والسورية، مع إسرائيل.

وفي السنوات التي تلت تبني القرار 242، أصر العديد من أنصار إسرائيل على أن القرار لا يعني إلزامها بالانسحاب من جميع الأراضي التي احتلتها في سنة 1967، مستشهدين بعبارات في الصيغة الإنجليزية للقرار تدعو إلى انسحاب إسرائيلي من "أراضٍ محتلة" (occupied territories) بدلاً من: الأراضي المحتلة (the occupied territories). ولاحقاً كتب كارادون وآخرون إنهم تعمدوا عدم استخدام عبارة "الأراضي".

إن عدم وجود "ال" التعريف يعني أن إسرائيل لن تكون خلال تفاوضها اللاحق مع الدول العربية للتوصل إلى "حدود آمنة ومعترف بها"، مجبرة على الانسحاب من كل الأراضي المحتلة سنة 1967، بل من بعضها. ويرفض آخرون يعتمدون الصيغة الفرنسية (وهي صيغة رسمية أيضاً) للقرار هذا التفسير، مشيرين إلى أنها تتضمن أداة التعريف (des territoires).

وفي ما يخص الجبهة المصرية- الإسرائيلية، فقد أشارت معاهدة السلام بين الدولتين (آذار/ مارس 1979) إلى القرار 242، ونصت على الانسحاب الإسرائيلي حتى الحدود الدولية بين مصر وفلسطين الانتدابية (دون الإجحاف بوضع قطاع غزة). وقد دعمت هذه الإشارة كلاً من التفسيرين المتعلقين ببند الانسحاب الإسرائيلي المنصوص عليه في القرار 242. وبينما يؤكد أنصار إسرائيل أنها بالانسحاب من سيناء وفت بالتزاماتها بموجب القرار ولم يعد يتوجب عليها الانسحاب من أماكن أخرى، يرى آخرون العكس، وهو أن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من سيناء يشكل سابقة يجب تطبيقها على الجبهات الأخرى.

وفي ما يخص البعد الفلسطيني في النزاع، فلم يشر القرار إلا إلى "تسوية عادلة لقضية اللاجئين"، الأمر الذي سمح لبعض أنصار إسرائيل بادعاء أن الدعوة إلى حل عادل لقضية اللاجئين تشير أيضاً إلى اليهود الذين تركوا الدول العربية وانتقلوا إلى إسرائيل.

تعامَلَ القرار مع النزاع العربي- الإسرائيلي وكأنه بين دول قائمة، ولذلك لم يعامل الضفة الغربية (التي كانت قبل الحرب ملحقة بالأردن) وقطاع غزة (الذي كان تحت الإدارة المصرية) كإقليمين مستقلين. ومن الجدير ذكره أيضاً، أنه جرى تبني القرار في وقت لم تكن منظمة التحرير الفلسطينية معترفاً بها بعدُ ممثلاً للشعب الفلسطيني، غير أن الأمر لم يعد كذلك بعد حرب 1973، عندما احتلت فكرة المفاوضات من أجل تسوية شاملة جدول الأعمال الدولي، فعندها طلبت المنظمة الشراكة الكاملة في العملية السلمية، وأن تكون مخولة - محل الأردن ومصر - التفاوض بشأن مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي حين كانت منظمة التحرير  قد رفضت سنة 1967 القرار 242 لأنه نص ضمناً على اعتراف عربي بالسيادة والسلامة الإقليمية والاستقلال السياسي لإسرائيل، فإنها رفضته أيضاً غداة حرب 1973 من منطلق كونه لم يذكر البعد السياسي والوطني للقضية الفلسطينية، وحصرها في المسائل الإنسانية.

وفي خضم الجهود الدبلوماسية الأميركية في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، كان قبول منظمة التحرير غير المشروط بالقرار 242 أساسياً لقبولها طرفاً في المفاوضات، وحتى عندما كانت المنظمة ترسل إشارات بأنها قد تقبل بالقرار إذا تم تعديله لينص على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، ظل الموقف الأميركي منها سلبياً، إلى أن وافقت في النهاية على القرار رسمياً في تشرين الثاني سنة 1988، عندما أعلنت قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، معتبرة أنه نظراً إلى أن القرار يتعامل مع دول قائمة، فليس ما يمنع الدولة الجديدة المعلنة من التفاوض بشأن انسحاب إسرائيل من الإقليم الفلسطيني وفق المبادئ المنصوص عليها في القرار.

واليوم، وبعد قرابة نصف قرن على صدور قرار مجلس الأمن، وبعد أكثر من ربع قرن على إنشاء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لا يزال القرار غير مطبق على الجبهة الفلسطينية (ولا على الجبهة السورية). والمفارقة هي أن منظمة التحرير الفلسطينية، وبعد رفضها القرار فترة طويلة، أضحت تتمسك به بقوة، لأنه يشكل الأداة القانونية المشتركة التي تعترف بها الولايات المتحدة وإسرائيل، ويسمح بالتالي بالمطالبة بأن تجرى المفاوضات على أساس خطوط ما قبل الرابع من حزيران عام 1967. وفي الوقت ذاته، فإن قبول إسرائيل الرسمي بالقرار تناقضه أعمالها المستمرة على الأرض، من خلال ضم القدس وبناء المستعمرات اليهودية في المناطق المحتلة.

 

قراءات مختارة: 

الخالدي، وليد. "فلسطين والدراسات الفلسطينية بعد قرن من الحرب العالمية الأولى ووعد بلفور". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 99، صيف 2014.

خوري، الياس، ومحمود سويد، وماهر الشريف، وكميل منصور. "قرار مجلس الأمن 242 ... حق قانوني أم جثة هامدة". ملف على موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية:

www.palestine-studies.org/ar

Quandt, William B. Decade of Decisions: American Foreign Policy Toward the Arab-Israeli Conflict, 1967-1976. Berkeley: University of California Press, 1977.

Quigley, John. “Security Council Resolution 242 and the Right of Repatriation.Journal of Palestine Studies 37, 1 (Autumn 2007).

t