مذبحة الدوايمة، 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1948
شهادة جندي إسرائيلي
8 تشرين الثاني/ نوفمبر 1948
الرفيق إليعيزر بيري.. تحية وبعد،
قرأت اليوم المقالة الافتتاحية لصحيفة "عل همشمار" والتي نوقشت فيها مسألة سلوك جيشنا الذي يستطيع فعل كل شيء ما عدا كبح جماح غرائزه.
إليك شهادة نقلها لي جندي تواجد في الدوايمة غداة احتلالها. هذا الجندي مثقف وذو صدقية لا غبار عليها، وهو رجل محسوب علينا. لقد أفصح أمامي عما يختلج في صدره بغية إزاحة العبء الجاثم على صدره جراء إدراكه هول حقيقة أن رجالنا المتحضرين يمكن لهم أن يبلغوا هذا الحد من الهمجية، وقد فعل ذلك أمامي نظراً لأنه لم يعد هناك الكثير ممن لديهم القدرة على الإصغاء. لم يكن هناك قتال ولا مقاومة. لقد قَتَلَ طلائع المحتلين ما بين ثمانين ومائة عربي من النساء والأطفال. قتلوا الأطفال بسحق جماجمهم بالعصي. لم يبق بيت واحد إلا وفيه قتلى. الفوج الثاني من قوات الجيش المُقتحمة للقرية، كان فصيلة ينتمي الجندي صاحب الشهادة إلى صفوفها.
بقي في القرية رجال ونساء عرب حاصرهم الجنود داخل البيوت وتركوهم بدون طعام أو شراب. بعد ذلك جاء خبراء متفجرات وأُمروا بنسف البيوت على رأس من فيها. أحد القادة أمَرَ خبير متفجرات بإدخال امرأتين مسنتين إلى أحد البيوت المزمع نسفها على من فيها. رفض خبير المتفجرات وقال إنه غير مستعد لتلقي الأوامر سوى من قائِدهِ المباشر. عندئذ أمر القائد جنوده بإدخال المرأتين المسنتين لينفذ بعد ذلك هذا الفعل الدنيء. أحد الجنود تفاخر بأنه اغتصب امرأة عربية وأطلق الرصاص عليها. كان ثمة امرأة تحتضن طفلاً وضعته في نفس اليوم، أُجبرت على تنظيف الساحة التي يتناول الجنود فيها طعامهم. وبعد مرور يوم أو يومين من عملها أطلقوا الرصاص عليها وعلى طفلها الرضيع. ويروي الجندي أن قادتهم الذين يُنظر إليهم في المجتمع كأشخاص مهذبين ومتحضرين، تحولوا إلى قَتَلة سَفَلة، ولم يكن ذلك في خضم عاصفة قتال أو ثورة غضب، وإنما انطلاقًا من نهج يقوم على الطرد والإبادة. فالمهم والمرغوب هنا بقاء أقل ما يمكن من العرب. هذا المبدأ شكل المحرك السياسي لارتكاب سائر أعمال الطرد والفظائع التي لا يعارضها أحد، سواء في صفوف الهيئة المكلفة بقيادة العملية، أو في صفوف القيادة العسكرية العليا. لقد مَكثتُ شخصيًا في الجبهة مدة أسبوعين واستمعت إلى قصص على لسان جنود وقادة تنم عن تفاخر وتبجح بتفوقهم في أعمال مطاردة وقنص "فرائسهم". كان الإجهاز على العرب، بصورة عبثية وعشوائية، وفي كل الظروف، يشكل مهمة جليلة، وكانت ثمة منافسة على الفوز في هذه المهمة.
نحن في مأزق... فأي محاولة لإطلاق صرخة احتجاج إزاء ما يجري، من خلال الصحف ووسائل الإعلام، سوف تُفسر على أنها مساعدة لجامعة الدول العربية، ذلك لأن ممثلنا سيرفض الشكاوى بحجج واهية.
في الوقت عينه، فإن الامتناع عن الرد أو التعليق على ما جرى، يعتبر بمثابة تأييد لمثل هذه الأعمال الدنيئة. لقد قال لي الجندي إن (مذبحة) دير ياسين لا تشكل ذروة الفلتان. وهل يعقل أن نرفع صوتنا احتجاجاً على ما جرى في دير ياسين، وأن نصمت تجاه ما هو أفظع بكثير؟!
يجب إثارة ضجة في القنوات الداخلية، والمطالبة بإجراء تحقيق داخلي ومعاقبة المتهمين.
كما ينبغي، أولا وقبل أي شيء، إقامة شعبة خاصة في الجيش لكبح جماح الجيش ذاته. إنني أتهم أولًا الحكومة التي لا تعبأ بمكافحة مثل هذه الظواهر، بل ولربما تقوم بتشجيعها بصورة غير مباشرة، فالتقاعس في حد ذاته عن القيام بما يجب، يعتبر تشجيعًا. لقد أخبرني قائدي العسكري بوجود أمر غير مكتوب يقضي بعدم الاحتفاظ بأسرى، والتفسير لـ"أسرى" يعطيه كل جندي وقائد وفق ما يرى. ولذلك فإن الأسير يمكن أن يكون رجلا عربياً، أو امرأة أو طفلاً عربياً. وهذا لا يتم فقط في فاترينات [واجهات] العرض مثل المجدل والناصرة.
إنني أكتب لك ذلك كي يعلموا في المؤسسة والحزب (مبام) الحقيقة، وكي يقوموا بعمل شيء فعال حيال ذلك. وعلى الأقل لا يجوز لهم الانجراف خلف الدبلوماسية المزيفة التي تتستر على الدماء والقتل، كما يجب عليكم في الصحيفة أن لا تمروا على هذه القضية، طالما كان ذلك ممكناً، مرور الكرام.
ش. كابلان
المصدر: "هآرتس"، 5 شباط/ فبراير 2016. نقله من العبرية إلى العربية أنطوان شلحت، موقع "العربي الجديد". 29 آب/ أغسطس 2017.