مجلس حقوق الإنسان
حالة حقوق الإنسان في فلسطين وفي الأراضي العربية المحتلة الأخرى
تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة
(تقرير غولدستون)
A/HRC/12/48
جنيف، 25 أيلول/ سبتمبر 2009
الموجز التنفيذي
ألف- مقدمة
1- في 3 نيسان/أبريل 2009 ،أنشأ رئيس مجلس حقوق الإنسان بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بـشأن النزاع في غزة مُسنداً إليها ولاية قوامها "التحقيق في جميع انتهاكات القانون الـدولي لحقوق الإنسان والقـانون الإنساني الدولي التي تكون قد ارتُكبت في أي وقت في سياق العمليات العسكرية التي جرى القيام بها في غزة في أثناء الفترة من 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008 إلى 18 كانون الثاني/ يناير 2009، سواء ارتكبت قبل هـذه العمليات أو أثناءها أو بعدها".
2- وقام رئيس المجلس بتعيين القاضي ريتشارد غولدستون، القاضي السابق بالمحكمة الدسـتورية لجنـوب أفريقيـا والمدعي السابق للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين ليوغوسلافيا السابقة ورواندا، لكي يرأس هذه البعثة. وكـان الأعـضاء الثلاثة الآخرون المعيَّنون هم: الأستاذة الجامعية كريستين تشينكين، أستاذة القانون الدولي بكلية لندن للاقتصاد والعلـوم السياسية، التي كانت أحد أعضاء البعثة الرفيعة المستوى لتقصي الحقائق الموفدة إلى بيت حانون (2008)؛ والسيدة هينا جيلاني المحامية لدى المحكمة العليا لباكستان والممثلة الخاصة سابقاً للأمين العام المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، والتي كانت عضواً في لجنة التحقيق الدولية المعنية بدارفور (2004)؛ والعقيد ديزموند ترافيرس، وهو ضـابط سـابق في قوات الدفاع الآيرلندية وعضو مجلس إدارة معهد التحقيقات الجنائية الدولية.
3- وحسب الممارسة المعتادة، قامت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بتعيين أمانة لدعم أعمال البعثة.
4- وفسَّرت البعثة ولايتها على أهنا تتطلب منها وضع السكان المدنيين في المنطقة في محور اهتماماتها بخصوص انتهاكات القانون الدولي.
5- واجتمعت البعثة لأول مرة في جنيف في الفترة من 4 إلى 8 أيار/ مايو 2009. وبالإضافة إلى ذلك، اجتمعـت البعثة في جنيف في 20 أيار/ مايو، وفي 4 و5 تموز/ يوليو، وفي الفترة من 1 إلى 4 آب/ أغسطس 2009 .وقامت البعثـة بثلاث زيارات ميدانية: اثنتان منها إلى قطاع غزة في الفترة ما بين 30 أيار/ مايو و6 حزيران/ يونيو، والفتـرة ما بين 25 حزيران/ يونيو و1 تموز/ يوليو 2009؛ وزيارة واحدة إلى عمان في 2 و3 تموز/ يوليو 2009. ونُشر في قطاع غزة عدة موظفين تابعين لأمانة البعثة في الفترة من 22 أيار/ مايو إلى 4 تموز/ يوليو 2009 بغية إجراء تحقيقات ميدانية.
6- وأُرسلت مذكرات شفوية إلى جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وإلى أجهزة وهيئات الأمم المتحـدة في 7 أيار/ مايو 2009 .وفي 8 حزيران/ يونيو 2009 ،أصدرت البعثة نداءً لتقديم عرائض دعت فيه جميع المهتمين من أشخاص ومنظمات إلى تقديم المعلومات والوثائق ذات الصلة بالموضوع بغية المساعدة على تنفيذ ولايتها.
7- وعُقدت جلسات استماع علنية في غزة في 28 و29 حزيران/ يونيو وفي جنيف في 6 و7 تموز/ يوليو 2009 .
8- وسعت البعثة مراراً إلى الحصول على تعاون حكومة إسرائيل. وبعد فشل محاولات عديدة، التمست البعثة مساعدة حكومة مصر وحصلت عليها لتمكينها من دخول قطاع غزة عن طريق معبر رفح.
9- وحظيت البعثة بالدعم والتعاون من السلطة الفلسطينية ومن بعثة المراقبة الدائمة لفلسطين لدى الأمـم المتحدة. وبالنظر إلى عدم تعاون الحكومة الإسرائيلية، لم تتمكن البعثة من الالتقاء بأعضاء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. بيد أن البعثة اجتمعت في عمان بمسؤولين من السلطة الفلسطينية، من بينهم وزير بمجلس الوزراء،. وعقدت البعثة اجتماعات، أثناء زيارتيها إلى قطاع غزة، مع مسؤولين كبار من سلطات غزة قـدموا تعـاونهم ودعمهم الكاملين للبعثة.
10- وعقب جلسات الاستماع العلنية التي عُقدت في جنيف، أُبلغت البعثة بأن قو ات الأمن الإسرائيلية قـد اعتقلت السيد محمد سرور أثناء عودته إلى الضفة الغربية وساورها القلق من أن يكون احتجازه نتيجة لمثوله أمام البعثة. والبعثة على اتصال به وهي ما زالت ترصد التطورات.
باء- المنهجية
11- قررت البعثة أنه من المطلوب منها، تنفيذاً لولايتها، أن تنظر في أي إجراءات اتخذتها جميع الأطراف ويمكن أن تشكل انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان أو للقانون الإنساني الدولي. وتطلبت هذه الولاية منها أيضاً أن تستعرض الإجراءات ذات الصلة في كامل الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل.
12- وفيما يتعلق بالمدى الزمني للتغطية، قررت البعثة التركيز بصورة رئيسية على الأحداث أو الإجراءات أو الظروف التي حدثت منذ 19 حزيران/ يونيو 2008 ،عندما تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار بـين حكومـة إسرائيل وحماس. وأخذت البعثة في الاعتبار أيضاً الأمور التي حدثت بعد انتهاء العمليات العسكرية والتي تشكل استمراراً لانتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي وتكون ذات صلة بالعمليات العسكرية أو جـاءت نتيجة لها، وذلك حتى 31 تموز/ يوليو 2009 .
13- وحلَّلت البعثة السياق التاريخي للأحداث التي أدت إلى العمليات العسكرية في غزة بـين 27 كـانون الأول/ ديسمبر 2008 و 18 كانون الثاني/ يناير 2009 والصلات بين هذه العمليات والسياسات الإسرائيلية العامة تجاه الأرض الفلسطينية المحتلة.
14- ورأت البعثة أن الإشارة في ولايتها إلى الانتهاكات المُرتكَبة "في سياق" العمليات العسكرية التي جرت في كانون الأول/ ديسمبر - كانون الثاني/ يناير تتطلب منها إدراج القيود المفروضة على حقوق الإنسان والحريـات الأساسية والمتعلقة بالاستراتيجيات والإجراءات الإسرائيلية المتبعة في سياق عملياتها العسكرية.
15- أما الإطار المعياري للبعثة فقد تمثل في القانون الدولي العام وميثاق الأمم المتحدة والقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي.
16- ولا يدعي هذا التقرير أنه جامع شامل من حيث توثيق العدد المرتفع للغاية من الحوادث ذات الصلة التي وقعت في الفترة المشمولة بولاية البعثة. ومع ذلك ترى البعثة أن التقرير يوضِّح الأنماط الرئيسية للانتهاكات. ففي غزة، حقَّقت البعثة في 36 حادثة من الحوادث التي وقعت في غزة.
17- واستندت البعثة في أعمالها إلى تحليل مستقل ونزيه لمدى امتثال الأطراف لالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في سياق النزاع الأخير في غزة، وإلى معايير التحقيق الدولية التي وضعتها الأمم المتحدة.
18- واعتمدت البعثة نهجاً شاملاً بشأن جمع المعلومات والتماس الآراء . وقد شملت أساليب جمع المعلومات ما يلـي: (أ) استعراض التقارير المتأتية من المصادر المختلفة؛ (ب) إجراء مقابلات مع الضحايا والـشهود والأشـخاص الآخرين الذين لديهم معلومات ذات صلة؛ (ج) إجراء زيارات موقعية إلى أماكن محددة في غزة وقعـت فيهـا حوادث؛ (د) تحليل صور الفيديو والصور الفوتوغرافية، بما في ذلك الصور المُلتقَطة بواسطة السواتل؛ (هـ) استعراض التقارير الطبية المتعلقة بالإصابات التي وقعت للضحايا؛ (و) إجراء تحليل عدلي للأسلحة وبقايا الذخائر التي جُمعت في مواقع الأحداث؛ (ز) عقد اجتماعات مع مجموعة متنوعة من المتحدثين؛ (ح) توجيه دعوات إلى تقديم معلومات تتعلق بمتطلبات التحقيق الذي تقوم به البعثة؛ (ط) تعمـيم نداء عام على نطاق واسع لتقديم إفادات خطية؛ (ي) عقد جلسات استماع علنية في غزة وفي جنيف.
19- وأجرت البعثة 188 مقابلة فردية. وقامت باستعراض أكثر من 300 تقرير وإفادة ومستندات أخرى إما بُحثت بمبادرة منها أو وردت رداً على ندائها الداعي إلى تقديم إفادات ومذكرات شفوية أو قُدِّمت أثناء الاجتماعات أو على نحو آخر، وهو ما يبلغ أكثر من 10000 صفحة وأكثر من 30 شريط فيديو و1200صورة فوتوغرافية.
20- وإذ رفضت حكومة إسرائيل التعاون مع البعثة، فإنها منعتها من الاجتمـاع بمـسؤولين حكـوميين إسرائيليين بل إنها منعتها أيضاً من السفر إلى إسرائيل لمقابلة الضحايا الإسرائيليين وإلى الضفة الغربية للاجتماع بممثلي السلطة الفلسطينية وضحايا فلسطينيين.
21- وقامت البعثة بزيارات ميدانية في قطاع غزة، شملت إجراء تحقيقات في مواقع الأحداث. وقد سمح ذلك للبعثة بأن تُعاين مباشرة الحالة على أرض الواقع وبأن تتحدث إلى كثير من الشهود والأشخاص الآخـرين ذوي الصلة بالموضوع.
22- وكان الغرض من جلسات الاستماع العلنية، التي بُثَّت بثاً حياً مباشراً، هو تمكين الضحايا والشهود والخبراء من جميع الأطراف في النزاع من أن يتحدثوا مباشرة مع أكبر عدد ممكن من الناس في المنطقة وكذلك في المجتمـع الـدولي .وأولت البعثة أولوية في هذه الجلسات لمشاركة الضحايا والأشخاص المنتمين إلى المجتمعات المحلية المتأثرة وقـد تناولـت الشهادات العامة، وعددها 38 شهادة، الوقائع كما تناولت مسائل قانونية وعسكرية. وكانت البعثة تعتزم في بادئ الأمر عقد جلسات استماع في غزة وإسرائيل والضفة الغربية، بيد أن رفض إمكانية وصولها إلى إسرائيل والضفة الغربية قد أسفر عن اتخاذ قرار بعقد جلسات استماع لمشاركين من إسرائيل والضفة الغربية في جنيف.
23- وقد سعت البعثة، وهي تضع استنتاجاتها، إلى الاعتماد في المقام الأول وحيثما كان ذلك ممكنـاً علـى المعلومات التي جمعتها مباشرة. أما المعلومات المقدَّمة من آخرين، بما في ذلك التقارير والإفادات الخطية المشفوعة بقسم وتقارير وسائط الإعلام، فقد استُخدمت بصورة رئيسية كبرهان إضافي.
24- واستندت الاستنتاجات النهائية للبعثة فيما يتعلق بمدى إمكانية التعويل على ما ورد إليها من معلومات إلى تقييمها هي لمصداقية الشهود الذين التقت بهم وإمكانية التعويل عليهم، مع التحقق من المـصادر والمنهجيـة المُستخدَمة في التقارير والوثائق المقدَّمة من آخرين، والمضاهاة بين المواد والمعلومات ذات الصلة، وتقييم مـا إذا كانت توجد، في جميع الظروف، معلومات كافية ذات مصداقية ويعوَّل عليها تستند إليها البعثة في التوصـل إلى استنتاج بشأن الوقائع.
25- وعلى هذا الأساس، حدَّدت البعثة، بقدر ما سمحت به أفضل قدراتها، الوقائع التي ثبتت، وفي كثير من الحالات تبين لها أنه قد ارتُكبت أفعال تنطوي على مسؤولية جنائية فردية. وفي جميع هذه الحالات، قـررت البعثة وجود معلومات كافية لإثبات العناصر الموضوعية للجرائم المعنية. وتمكنت البعثة أيضاً، في جميع الحالات تقريباً، من تحديد ما إذا كان يبدو أن الأفعال المعنية قد ارتُكبت عمداً أو على نحو متهوِّر أو في ظل معرفـة أن العواقب التي نتجت كانت ستحدث في السياق المعتاد للأحداث . وهكذا، أشارت البعثة في كثير من الحالات إلى عناصر الخطأ ذات الصلة (ركن القصد الجنائي). وتُقدِّر البعثة تمام التقدير أهمية افتراض البراءة: فالاسـتنتاجات المقدَّمة في التقرير لا تقوِّض العمل بهذا المبدأ. ولا تحاول الاستنتاجات تحديد هوية الأفراد المسؤولين عن ارتكاب الجرائم كما أهنا لا تدعي أنها ترقى إلى مستوى البرهان الواجب التطبيق في المحاكم الجنائية.
26- ومن أجل إتاحة الفرصة للأطراف لتقديم المعلومات الإضافية ذات الصلة وللإعراب عن موقفها والـرد علـى الادعاءات، قدمت البعثة أيضاً قوائم شاملة بالأسئلة إلى حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية وسلطات غزة قبـل إتمام تحليلها ووضع استنتاجاتها. وتلقت البعثة ردوداً من السلطة الفلسطينية ومن سلطات غزة ولكن ليس من إسرائيل.
جيم- الوقائع التي حققت فيها البعثة والاستنتاجات الوقائعية والقانونية
الأرض الفلسطينية المحتلة: قطاع غزة
1- الحصار
27- ركَّزت البعثة (الفصل الخامس) على عملية العزل الاقتصادي والسياسي الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، والمشار إليه بصورة عامة باسم الحصار. ويشمل الحصار تدابير مثل فرض قيود على الـسلع الـتي يمكـن استيرادها إلى غزة وقفل المعابر الحدودية أمام الأشخاص والسلع والخدمات، وهو ما يستمر أحياناً لأيام، بمـا في ذلك إجراء تخفيضات في الإمداد بالوقود والكهرباء. كما يتأثر اقتصاد غزة تأثراً شديداً بتقليص مساحة الصيد المـسموح بها للصيادين الفلسطينيين وإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود بين غزة وإسرائيل، مما يُخفِّض مساحة الأرض المتاحـة للزراعة والصناعة. وبالإضافة إلى أن الحصار يخلق حالة طوارئ، فإنه قد أضعف كثيراً من قدرات الـسكان وقـدرات قطاعات الصحة والمياه والقطاعات العامة الأخرى على الاستجابة لحالة الطوارئ الناشئة عن العمليات العسكرية.
28- ومن رأي البعثة أن إسرائيل ما زالت مُلزَمة بموجب اتفاقية جنيف الرابعة وإلى أقصى حد تـسمح بـه الوسائل المتاحة لها، بضمان توريد المواد الغذائية واللوازم الطبية ولوازم المستشفيات والسلع الأخرى بغية تلبيـة الاحتياجات الإنسانية لسكان قطاع غزة دون قيد من القيود.
2- استعراض عام للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة والإصابات الواقعة
29- نشرت إسرائيل قواتها البحرية والجوية وجيشها في العملية التي أطلقت عليها الاسم الرمزي "عمليـة الرصـاص المصبوب". واشتملت العمليات العسكرية في قطاع غزة على مرحلتين رئيسيتين، مرحلة القصف الجوي والمرحلة الجويـة الأرضية، واستمرت طوال الفترة من 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008 إلى 18 كانون الثاني/ يناير 2009 .وبدأ الهجوم الإسرائيلي بهجوم جوي استمر أسبوعاً، في الفترة من 27 كانون الأول/ ديسمبر إلى 3 كـانون الثـاني/ ينـاير 2009 . وواصلت القوات الجوية القيام بدور هام في مساعدة وتغطية القوات الأرضية في الفترة من 3 كانون الثاني/ ينـاير إلى 18 كانون الثاني/ يناير 2009. وكان الجيش مسؤولاً عن الغزو البري، الذي بدأ في 3 كانون الثاني/ ينـاير 2009 ،عنـدما دخلت القوات البرية غزة من الشمال والشرق. وتشير المعلومات المتاحة إلى أن ألوية غولاني وجيفاتي والمظليين وألويـة سلاح المدرعات الخمسة قد اشتركت في العملية. واستُخدمت البحرية جزئياً لقصف ساحل غزة أثناء العمليات. ويحدد الفصل السادس مواقع الأحداث التي حققت فيها البعثة، والتي يرد وصف لها في الفصول السابع إلى الخامس عـشر، في سياق العمليات العسكرية.
30- وتتباين الإحصاءات المتعلقة بالفلسطينيين الذين فقدوا أرواحهم أثناء العمليات العسكرية . فبالاستناد إلى بحوث ميدانية مستفيضة، حددت منظمات غير حكومية الرقم الإجمالي للقتلى بما بين 1387 و 1417 شخصاً. وتقدم سلطات غزة رقماً قدره 1444 قتيلاً. أما حكومة إسرائيل فتقدم رقماً قدره 1166 قتـيلاً. وتتـسم البيانات المقدمة من المصادر غير الحكومية بشأن النسبة المئوية للمدنيين في صفوف هؤلاء القتلى بأنها متسقة معاً بصورة عامة وتثير أوجه قلق بالغة الخطورة بشأن الطريقة التي اتبعتها إسرائيل في العمليات العسكرية في غزة.
31- ووفقاً لحكومة إسرائيل، سقط أربعة قتلى إسرائيليين في جنوبي إسرائيل أثناء العمليات العسكرية، منـهم ثلاثة مدنيين وجندي. وقد قتلوا بفعل هجمات الصواريخ وقذائف الهاون التي أطلقتـها الجماعـات المـسلحة الفلسطينية. وبالإضافة إلى ذلك، قُتل تسعة جنود إسرائيليين أثناء القتال الواقع داخل قطاع غزة، مات أربعة منهم نتيجة لنيران صديقة.
3- هجمات القوات الإسرائيلية على المبـاني الحكوميـة
وأفـراد سلطات قطاع غزة، بما في ذلك الشرطة
32- شنت القوات المسلحة الإسرائيلية هجمات عديدة ضد المباني وأفراد سلطات قطاع غزة. ففيما يتعلـق بالهجمات التي شُنت على المباني، عاينت البعثة الهجمات الإسرائيلية على مبنى المجلس التـشريعي الفلـسطيني والسجن الرئيسي بقطاع غزة (الفصل السابع). وقد دُمر كلا المبنيين ولم يعودا صالحين للاستخدام. وبررت البيانات الصادرة عن ممثلي الحكومة والقوات المسلحة الإسرائيلية هذه الهجمات بحجة مفادهـا أن المؤسـسات السياسية والإدارية في غزة هي جزء من "البنية الأساسية الإرهابية لحماس". وترفض البعثة هذا الموقـف. فهـي لا تجد أي دليل على أن مبنى المجلس التشريعي والسجن الرئيسي بقطاع غزة قد قدما إسهاماً فعالاً في العمل العـسكري. وترى البعثة، بالاستناد إلى المعلومات المتاحة لها، أن الهجمات التي شُنت على هذين المبنيين تشكل هجمات متعمدة على أهداف مدنية بما يشكل انتهاكاً لقاعدة القانون الإنساني الدولي العرفي ومفادها وجوب قصر الهجمات قصراً حصرياً على الأهداف العسكرية. وتشير هذه الوقائع كذلك إلى ارتكاب خرق خطير يتمثل في التدمير الواسع النطاق للممتلكـات، الذي لا تبرره ضرورة عسكرية والذي تم القيام به على نحو غير مشروع ومفرط.
33- وقد فحصت البعثة الهجمات التي شُنت على ستة مرافق للشرطة، أربعة منـها أثنـاء الـدقائق الأولى للعمليات العسكرية في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008 ،مما أسفر عن وفاة 99 شرطياً وتسعة أفراد من عامة الناس. وعلى وجه الإجمال، فإن أفراد الشرطة الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية والبالغ عددهم تقريبـاً 240 شـرطياً يشكلون أكثر من سدس عدد الخسائر الفلسطينية في الأرواح. ويبدو أن ملابسات الهجمات تشير إلى أن أفراد الشرطة قـد استُهدِفوا وقُتِلوا عمداً، وهو ما يؤكده التقرير الصادر عن حكومة إسرائيل في تموز/ يوليو 2009 بشأن العمليات العسكرية، على أساس أن الشرطة تمثل من وجهة نظر إسرائيل جزءاً من القوات العسكرية الفلسطينية في غزة، سواء نظر إلى الشرطة كمؤسسة أو مـن ناحيـة العدد الكبير من الشرطيين الذين يشكلون كأفراد جزءاً من هذه القوات.
34- ولبحث ما إذا كانت الهجمات التي شُنت على الشرطة تتمشى مع مبادئ التمييز بين الأهداف المدنيـة والأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين والأشخاص العسكريين، قامت البعثة بتحليل التطور المؤسسي لـشرطة غزة منذ استيلاء حماس الكامل على غزة في تموز/ يوليو 2007 ودمج شرطة غزة في "القوة التنفيذية" التي كانت قد أنشأتها بعد فوزها بالانتخابات. وتخلص البعثة إلى أنه بينما عُين عدد كبير من أفراد شرطة غزة من بين أنـصار حماس أو أعضاء الجماعات المسلحة الفلسطينية، فإن شرطة غزة هي هيئة مدنية مكلفة بإنفاذ القوانين. وتخلـص البعثة أيضاً إلى أنه لا يمكن القول بأن أفراد الشرطة الذين قُتِلوا في 27 كانون الأول/ ديـسمبر 2008 كـانوا يضطلعون بدور مباشر في أعمال القتال ومن ثم فإنهم لم يفقدوا حصانتهم المدنية من الهجوم المباشر باعتبـارهم مدنيين على هذا الأساس. وتسلّم البعثة بأنه قد يوجد بعض الأفراد من شرطة غزة كانوا هم في الوقت ذاته أعضاء في جماعات مسلحة فلسطينية ومن ثم كانوا مقاتلين. بيد أهنا تخلص إلى أن الهجمات التي شُنت على مرافق الشرطة في اليوم الأول من العمليات المسلحة لم توازِن على نحو مقبول بين الميزة العسكرية المباشرة المتوقعة (أي قتل أفراد الشرطة هؤلاء الذين ربما كانوا أعضاء في جماعات مسلحة فلسطينية) وفقدان الأرواح المدنية (أي أفراد الشرطة الآخرون الذين قُتِلوا وأفراد الجمهور الذين كان لا بد أن يكونوا متواجدين في هذه المرافق أو بالقرب منـها)، ولذلك فإنها تشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي.
4- الالتزام الواقع على الجماعات المسلحة الفلسطينية في غزة باتخاذ
الاحتياطات الممكنة لحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية
35- بحثت البعثة ما إذا كانت الجماعات المسلحة الفلسطينية قد انتهكت التزامها بممارسة الحرص واتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لحماية السكان المدنيين في غزة من الأخطار المتأصلة في العمليات العسكرية، ومدى حدوث ذلك (الفصل الثامن). وقد واجهت البعثة تردداً معيناً من جانب الأشخاص الذين أجرت معهم مقابلات في غزة لمناقشة أنشطة الجماعات المسلحة. وتبين للبعثة، على أساس المعلومات المجمَّعـة، أن الجماعـات المـسلحة الفلسطينية كانت موجودة في مناطق حضرية أثناء العمليات العسكرية وأنها أطلقت صواريخ من منـاطق حـضرية. وربما حدث أن المقاتلين الفلسطينيين لم يميزوا أنفسهم تمييزاً كافياً في جميع الأوقات عن السكان المدنيين. بيد أن البعثة لم تعثر على أدلة تشير إلى أن الجماعات المسلحة الفلسطينية قد وجهت المدنيين إلى مناطق كانت تُشن فيها هجمات أو أنها أجبرت المدنيين على البقاء بالقرب من أماكن الهجمات.
36- وعلى الرغم من أن الأحداث التي حققت فيها البعثة لم تثبت استخدام المساجد لأغراض عـسكرية أو كدروع لحماية أنشطة عسكرية، فإنها لا تستطيع استبعاد احتمال أن يكون ذلك قد حدث في حالات أخرى. ولم تقف البعثة على أي أدلة تدعم الادعاءات القائلة بأن سلطات غزة أو الجماعات المسلحة الفلسطينية استخدمت مرافق المستشفيات كدروع لحماية أنشطة عسكرية أو أن سيارات الإسعاف قد استُخدِمت لنقـل مقـاتلين أو لأغراض عسكرية أخرى. وبالاستناد إلى التحقيقات التي أجرتها البعثة بنفسها والبيانـات الصادرة عن مسؤولي الأمم المتحدة، تستبعد البعثة أن تكون الجماعات المسلحة الفلـسطينية قد باشرت أنشطة قتالية من منشآت الأمم المتحدة التي استُخدمت كملاجئ أثناء العمليات العسكرية. بيد أنه لا يمكن للبعثة أن تستبعد احتمال أن تكون الجماعات المسلحة الفلسطينية قد عملت بالقرب من هذه المنشآت التابعة للأمم المتحدة أو من هذه المستشفيات. وفي حين أن مباشرة أعمال القتال في المناطق المبنية لا يشكل في حد ذاته انتهاكاً للقـانون الـدولي، فإن الجماعات المسلحة الفلسطينية، في الحالات التي تكون فيها قد أطلقت هجمات بالقرب من مبانٍ مدنية أو مبانٍ محمية، تكون قد عرضت سكان غزة المدنيين للخطـر علـى نحـو غير ضروري.
5- الالتزام الواقع على إسرائيل باتخاذ الاحتياطات الممكنة
لحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية في غزة
37- بحثت البعثة كيفية قيام القوات المسلحة الإسرائيلية بأداء التزامها باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لحماية السكان المدنيين في غزة، بما في ذلك بوجه خاص الالتزام بتوجيه تحذير فعال مسبقاً بالهجمات (الفصل التاسـع) وتسلم البعثة بالجهود الملحوظة التي بذلتها إسرائيل لإصدار تحذيرات عن طريق المكالمات الهاتفية والمنشورات والإعلانات الإذاعية، وتسلم بأن هذه التحذيرات، وخاصة في الحالات التي كانت فيها محددةً بوجه كافٍ، قـد شجعت السكان على ترك المنطقة والابتعاد عن موقع الخطر. بيد أن البعثة تلاحظ أيضاً وجود عوامل قوّضت كثيراً فعالية التحذيرات الصادرة. وتشمل هذه العوامل الافتقار إلى عنصر التحديد في كثير من الرسائل الهاتفية المسجلة مسبقاً والمنشورات، ومن ثم عدم مصداقيتها. كما أن مصداقية التعليمات الصادرة بالانتقال إلى مراكز المدن توخياً للسلامة قلَّل منها أيضاً حقيقة أن مراكز المدن ذاتها كانت موضع هجمات مكثفة أثناء المرحلة الجويـة مـن العمليات العسكرية. وبحثت البعثة أيضاً الممارسة المتمثلة في إسقاط متفجرات أخف على أسطح المباني (ما يطلق عليه "طَرْق الأسطح"). وهي تخلص إلى أن هذا الأسلوب غير فعال كتحذير ويشكل نوعاً من أنواع الهجوم على المدنيين الذين يقطنون المبنى. وأخيراً، تشدد البعثة على أن إصدار التحذير لا يُعفي القادة وتابعيهم من مسؤولية اتخاذ جميع التدابير الممكنة الأخرى للتمييز بين المدنيين والمقاتلين.
38- وبحثت البعثة أيضاً الاحتياطات التي اتخذتها القوات المسلحة الإسرائيلية في سياق ثلاث هجمات محددة قامت بها. ففي 15 كانون الثاني/ يناير 2009، تعرض مجمع المكاتب الميداني لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) في مدينة غزة للقصف بالذخائر العالية التفجير وذخائر الفوسفور الأبيض. وتلاحظ البعثة أن الهجوم كان خطيراً إلى أبعد حد، بالنظر إلى أن هذا المجمع كان يتيح المأوى لما بـين 600 و700 شخص من المدنيين وكان يتضمن مستودعاً ضخماً للوقود . واستمرت القوات المسلحة الإسرائيلية في هجومها على امتداد ساعات عديدة على الرغم من أنه جرى تنبيهها بشكل كامل إلى الأخطار التي أحدثتها. وتخلص البعثة إلى أن القوات المسلحة الإسرائيلية قد انتهكت ما يتطلبه القانون الدولي العرفي من اتخـاذ جميـع الاحتياطات الممكنة في اختيار وسائل الهجوم وأسلوبه بقصد تجنب حالات الخسائر العرضية في أرواح المدنيين، وإصابة المدنيين، وإلحاق الضرر بالأعيان المدنية والتقليل منها إلى أدنى حد في كل الأحوال.
39- وتخلص البعثة أيضاً إلى أن القوات المسلحة الإسرائيلية قامت في اليوم نفسه على نحو مباشر ومتعمد بمهاجمة مستشفى القدس في مدينة غزة ومستودع سيارات الإسعاف المجاور بقذائف الفوسفور الأبيض. وتسبب الهجوم في نشوب حرائق استغرقت عملية إطفائها يوماً كاملاً وأوقع الذعر في نفوس المرضى والجرحى الذين تعين إجلاؤهم. وقد وجدت البعثة أنه لم يصدر في أي وقت تحذير بوقوع هجوم وشيك. وترفض البعثة الادعاء القائل بأن نيراناً قد وُجهت إلى القوات المسلحة الإسرائيلية من داخل المستشفى، وهي تستند في ذلك إلى تحرياتها هي.
40- وبحثت البعثة أيضاً الهجمات المكثفة بالمدفعية، بما في ذلك مرة أخرى باستخدام ذخائر الفوسفور الأبيض، ضد مستشفى الوفاء في شرقي مدينة غزة، وهو منشأة للمرضى الذين يتلقون رعاية طويلة الأجل ويعانون إصابات خطيرة بشكل خاص. وخلصت البعثة، بالاستناد إلى المعلومات التي جمعتها، إلى حدوث انتهاك للحظر المفروض على شن هجمات على المستشفيات المدنية في كلتا الحالتين . وتسلط البعثة الضوء أيضاً علـى أن التحـذيرات الصادرة عن طريق المنشورات والرسائل الهاتفية المسجَّلة مسبقاً في حالة مستشفى الوفاء تبرهن على أن أنواعـاً معينة من التحذيرات الروتينية والعامة هي عديمة الفعالية بتاتاً.
6- الهجمات العشوائية التي شنتها القوات الإسـرائيلية
وأسفرت عن خسائر في الأرواح وإصابات بين المدنيين
41- بحثت البعثة ما حدث من قصف بقذائف الهاون على تقاطع الفاخورة في منطقة جباليا بـالقرب مـن مدرسة تابعة للأونروا، كانت تأوي في ذلك الوقت أكثر من 1300 شخص (الفصل العاشر). فقـد أطلقـت القوات المسلحة الإسرائيلية أربع قذائف هاون على الأقل. وسقطت إحداها في فناء منزل إحدى الأسر فقُتل 11 شخصاً مستجمعين هناك. وسقطت ثلاث قذائف أخرى في شارع الفاخورة، فقتلت ما لا يقل عن 24 شخـصاً آخرين وأصابت عدداً كبيراً يصل إلى 40 شخصاً. وقد فحصت البعثة بالتفصيل البيانات الصادرة عـن ممثلـي الحكومة الإسرائيلية التي تدعي أن الهجوم قد شُن رداً على هجوم بقذائف الهاون من مجموعة فلسطينية مسلحة. وبينما لا تستبعد البعثة احتمال أن يكون ذلك قد حدث، فإنها ترى أن مصداقية الموقف الإسرائيلي تتردى بفعل سلسلة من أوجه عدم الاتساق والتناقضات وعدم الدقة الوقائعية في البيانات التي تبرر الهجوم.
42- وتعترف البعثة، وهي تضع استنتاجاتها القانونية بشأن الهجوم الذي شُنّ على تقاطع الفـاخورة، بـأن القرارات المتعلقة بالتناسب والتي توازن بين الميزة العسكرية التي يُنتظر تحقيقها والخطر المتمثّل في قتل مدنيين هي قـرارات تطرح على جميع الجيوش مُعضلات حقيقية فعلاً في حالات معينة. ولا ترى البعثة أن ذلك كان هو الحال في هذا المقام. فـإطلاق أربعة قذائف هاون على الأقل لمحاولة قتل عدد صغير من الأفراد المحدَّدين في سياق كانت تقوم فيه أعداد كبيرة من المدنيين بتصريف شؤون حياتها اليومية ويلجأ فيه 1368 شخصاً إلى مأوى قريب هو أمر لا يمكن أن يستقيم مع الشروط التي يكون قد حددها قائد متعقل لما هو خسارة مقبولة في أرواح المدنيين مقابل الميزة العسكرية المنشودة. ولذا، ترى البعثة أن هذا الهجوم كان عشوائياً، مما يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، وأنه انتهك حق الحياة للمدنيين الفلسطينيين الذين قُتِلـوا في هذه الأحداث.
7- الهجمات المتعمَّدة على السكان المدنيين
43- حققت البعثة في 11 حادثة شنّت فيها القوات المسلحة الإسرائيلية هجمات مباشرة على المدنيين مما أسفر عـن نتائج مميتة (الفصل الحادي عشر). وتشير الوقائع المتعلقة بجميع هذه الحوادث، عدا واحدة منها فقط، إلى عدم وجود هـدف عسكري له ما يبرره. وقد وقع الهجومان الأولان على منازل في منطقة السّموني جنوب مدينة غزة، وشمل قصف مـنزل أجبرت القوات المسلحة الإسرائيلية مدنيين فلسطينيين على التجمع فيه. وتتعلق المجموعة التالية المؤلفة من سبعة حـوادث إطلاق النار على المدنيين أثناء محاولتهم مغادرة منازلهم في اتجاه أماكن أكثر أمناً، وهم يلوحون برايات بيضاء بل وهم يتبعون، في بعض الحالات، أمراً صادراً من القوات الإسرائيلية بالقيام بذلك. وتشير الحقائق التي جمعتها البعثة إلى أن جميع الهجمات قد وقعت في ظل ظروف كانت تسيطر فيها القوات المسلحة الإسرائيلية على المنطقة المعنية وكانت قد دخلت من قبل في اتصال مع الأشخاص الذين هاجمتهم لاحقاً أو كانت تراقبهم على الأقل، بحيث إنها كان يجب أن تكون على علم بوضعهم كمدنيين. وقد فاقم من النتائج المترتبة على الهجمات الإسرائيلية ضد المدنيين، في أغلبية هـذه الحـوادث، رفض القوات الإسرائيلية بعد ذلك السماح بإخلاء الجرحى أو إتاحة وصول سيارات الإسعاف إليهم.
44- وتشير هذه الحوادث إلى أن التعليمات الصادرة إلى القوات المسلحة الإسرائيلية المتوغلة في غزة كانت تنص عتبة منخفضة لاستعمال النيران الفتاكـة ضـد الـسكان المدنيين. وقد وجدت البعثة في الشهادات المقدمـة مـن الجنود الإسرائيليين والمجمّعة في منشورين تلقتهما براهين قوية تُثبت هذا الاتجاه.
45- وبحثت البعثة كذلك حادثاً استُهدِف فيه أحد المساجد بقذيفة أثناء صلاة المغرب، مما أسفر عـن مـوت 15 شخصاً كما بحثت هجوماً استُخدمت فيه ذخائر سهمية ضد حشد أسري ومعهم جيران في خيمة عزاء، مما أدى إلى قتل خمسة أشـخاص. وتـرى البعثـة أن كـلا الهجـومين يـشكلان اعتـداءات متعمَّـدة علـى سـكان مـدنيين وأهداف مدنية.
46- وتخلص البعثة، استناداً إلى الوقائع المتحقَّق منها في جميع هذه الحالات المذكورة أعلاه، إلى أن سـلوك القـوا ت المسلحة الإسرائيلية يشكل خرقاً خطيراً لاتفاقية جنيف الرابعة من حيث القتل العمد والتسبب عمداً في إحداث معانـاة كبيرة للأشخاص المحميين وعلى ذلك فإنه يُنشئ المسؤولية الجنائية الفردية. وهي تخلص أيضاً إلى أن الاستهداف المباشـر والقتل التعسفي للمدنيين الفلسطينيين يشكل انتهاكاً للحق في الحياة.
47- ويتعلق الحادث الأخير بقصف منزل أسفر عن مقتل 22 فرداً من أفراد إحدى الأسر. وكان موقف إسرائيل في هذه الحالة هو أنه حدث "خطأ يتعلق بالعمليات" وأن الهدف المقصود كان منزلاً مجاوراً تُخزَّن فيه أسـلحة . وتعـرب اللجنـة، بالاستناد إلى التحقيق الذي أجرته، عن شكوكها الجدية بشأن رواية السلطات الإسرائيلية للحدث. وتخلص البعثة إلى أنه إذا كان قد حدث حقاً خطأ في هذا الصدد فلا يمكن القول بوجود حالة قتل عمد. بيد أنه تبقى مع ذلك مسؤولية الدولة التي تقع على إسرائيل لارتكابها فعلاً غير مشروع دولياً.
8- استعمال أسلحة معينة
48- استناداً إلى التحقيق الذي أجرته البعثة في الحوادث التي تنطوي على استعمال أسلحة معينة مثل الفوسفور الأبيض والقذائف المسمارية، فإنها، بينما توافق على أن الفوسفور الأبيض ليس محظوراً بموجب القانون الدولي في هذه المرحلة، تخلص أيضاً إلى أن القوات المسلحة الإسرائيلية اتسمت بالاستهتار على نحو منهجي في تقرير اسـتخدامه في مناطق مبنية. وعلاوة على ذلك فإن الأطباء الذي عالجوا مرضى مصابين بجروح ناتجة عن استخدام الفوسفور الأبيض قد تحدثوا عن شدة الحروق الناجمة عن هذه المادة بل وأحياناً عن طبيعتها غير القابلة للعلاج. وتعتقد البعثة أنه ينبغي النظـر بجديّة في حظر استخدام الفوسفور الأبيض في المناطق المبنية . أما فيما يتعلق بالمقذوفات المسمارية، فتلاحظ البعثة أنها سلاح من أسلحة المناطق يفتقد القدرة على التمييز بين الأهداف بعد التفجير . ولذلك فإن هذه المقـذوفات غـير ملائمـة للاستعمال في السياقات الحضرية في الحالات التي يوجد فيها ما يدعو إلى الاعتقاد باحتمال وجود مدنيين.
49- وفي حين أن البعثة ليست في وضع يمكِّنها من أن تعلن على نحو مؤكد أن القوات المسلحة الإسرائيلية قد استعملت متفجرات الفلزات الخاملة الكثيفة (DIME)، فإنها لم تتلق تقارير من الأطباء الفلسطينيين والأجانب ممن عملوا في غزة أثناء العمليات العسكرية تفيد بوجود نسبة مئوية مرتفعة من المرضى ذوي الإصـابات الـتي تتمشى مع تأثير هذه الذخائر. وأسلحة هذه الذخائر، إضافة إلى الأسلحة المزودة بمعادن ثقيلة، غير محظـورة بموجـب القانون الدولي كما هو قائم حالياً، لكنها تثير أوجه قلق صحية محددة. وأخيراً، تلقت البعثة ادعاءات مفادها أن القوات المسلحة الإسرائيلية قد استخدمت في غزة يورانيوم منضّباً ويورانيوم غير منضّب. ولم تقم البعثة بمزيد من التحقيق في هذه الادعاءات.
9- الهجمات على مقومات الحياة المدنية في غـزة:
تدمير الهياكل الأساسية للصناعة، وإنتاج الأغذية،
ومنشآت المياه، ووحدات معالجة الصرف الصحي، والمساكن
50- قامت البعثة بالتحقيق في عدة حوادث تنطوي على تدمير بنية أساسية صناعية ووحدات لإنتاج الأغذية ومنشآت مياه ووحدات لمعالجة الصرف الصحي ومساكن (الفصل الثالث عشر). ففي بداية العمليات العسكرية، كان مطحن البدر هو مطحن الدقيق الوحيد الذي كان ما يزال يعمل في قطاع غزة. وقد ضُرب هذا المطحن بسلسلة من الضربات الجويـة في 9 كانون الثاني/ يناير 2009 بعد إصدار عدة تحذيرات زائفة في الأيام السابقة. وتخلص البعثة إلى أن تدمير هذا المطحن لم يكن له مبرر عسكري. ذلك أن طبيعة الضربات، وبخاصة الاستهداف الدقيق للآلات الحاسمة الأهمية، يوحي بأن القصد المتوخى هو تعطيل القدرة الإنتاجية للمصنع. وتخلص البعثة، من الوقائع التي تحققت منها، إلى أنه قـد حـدث انتـهاك لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة فيما يتعلق بارتكاب الخروق الخطيرة. فهذا التدمير غير المشروع والمفرط الـذي لا تـبرره ضرورة عسكرية هو بمثابة جريمة حرب. وتخلص البعثة أيضاً إلى أن تدمير هذا المطحن نُفِّذ بغية حرمان السكان المدنيين من قوهتم، وهو ما يشكل انتهاكاً للقانون الدولي العرفي ويمكن أن يشكل جريمة حرب. وفضلاً عن ذلك، يشكل الهجوم على مطحن الدقيق هذا انتهاكاً للحق في الحصول على ما يكفي من الغذاء وأسباب العيش.
51- وأفادت التقارير أن مزارع دواجن السيد سامح الصوافيري في حي الزيتون جنوبي مدينة غزة كانت تورد أكثـر من 10 في المائة من احتياجات سوق البيض في غزة. وقد قامت البلدوزرات المدرعة التابعة للقوات المسلحة الإسـرائيلية بتسوية حظائر الدجاج بالأرض على نحو منهجي فقضت بذلك على جميع الدجاج بداخلـها بما مقـداره 31000 دجاجـة، ودمّرت المعمل والمواد اللازمة لمزاولة العمل. وتخلص البعثة إلى أن ذلك كان فعلاً متعمداً من أفعال التدمير المفرط الذي لا تبرره أي ضرورة عسكرية وتخلص بشأنه إلى نفس الاستنتاجات القانونية التي خلصت إليها في حالة تدمير مطحن الدقيق.
52- وقامت القوات المسلحة الإسرائيلية أيضاً بتوجيه ضربة إلى جدار إحدى برك الصرف الصحي غير المعالَج التابعة لمصنع معالجة المياه المستعملة بغزة، مما تسبب في تدفق أكثر من 200000 متر مكعب من الصرف الصحي غير المعـالَج في الأراضي الزراعية المجاورة. وتشير ملابسات توجيه هذه الضربة إلى أنها ارتُكِبت عمداً ومع سبق الإصرار. وكان مجمع آبار نمر في جباليا يتألف من بئري مياه وآلات للضخ ومولد كهرباء ومستودع وقود ووحدة مستودع كلورة ومبان ومعدات ذات صلة بالنشاط. وقد دُمِّر ذلك كله بفعل الضربات الجوية المتعددة في اليوم الأول مـن الهجـوم الجـوي الإسرائيلي. وترى البعثة أنه من غير المحتمل أن يكون هدف بحجم آبار نمر قد ضُرِب بهجمات عديدة على سبيل الخطأ. ولم تعثر البعثة على أي أسباب تشير إلى وجود أي ميزة عسكرية يمكن كسبها عن طريق ضرب الآبار وقد لاحظـت عـدم وجود إشارة إلى أن الجماعات المسلحة الفلسطينية قد استخدمت الآبار لأي غرض من الأغراض. وإذ تعتبر البعثة الحق في الحصول على مياه الشرب جزءاً من الحق في الحصول على غذاء كاف فإنها تخلص هنا إلى نفس الاستنتاجات القانونيـة المتوصَّل إليها في حالة مطحن دقيق البدر.
53- وشاهدت البعثة، أثناء زيارتيها لقطاع غزة، مدى تدمير المباني السكنية الذي تسببت فيه الهجمات الجوية والقصف بقذائف الهاون والمدفعية والهجمات الصاروخية واستخدام البلدوزرات والشحنات التفجيرية. وفي بعض الحالات، خضعت أحياء سكنية للقصف بالقنابل من الجو وللقصف المكثف بالقذائف في سياق تقدم القوات البرية الإسرائيلية. وفي حالات أخرى، فإن الحقائق التي جمعتها البعثة تبين بقوة أن تدمير المساكن قد تم القيام به في غياب أي صلة له بمواجهات المعارك مع جماعات مسلحة فلسطينية أو دون أن تكون له أي صلة بأي إسهام فعال آخر في الأعمال العسكرية. وبتجميع النتائج المستخلَصة من تقصي الحقائق الذي قامت به البعثة على أرض الواقع والصور الساتلية الملتقطة عن طريق برنامج التطبيقات الساتلية العملية التابع لمعهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث والشهادات المنشورة للجنود الإسرائيليين، تخلص البعثة إلى أنه بالإضافة إلى التدمير الواسع النطاق للمساكن لما يسمى بدواعي الضرورة العملياتية أثناء تقدم القوات المسلحة الإسرائيلية، باشـرت هذه القوات موجة أخرى من التدمير المنهجي للمباني المدنية أثناء الثلاثة أيام الأخيرة من وجودها في غزة، وهي تعلم انسحابها الوشيك. ويشكل سلوك القوات المسلحة الإسرائيلية في هذا الصدد انتهاكاً لمبدأ التمييز بين الأعيان المدنية والعسكرية، بل ويعد بمثابة إخلال خطير يتمثل في "التدمير الواسع النطاق ... للممتلكات، الذي لا تبرره الضرورة العسكرية والمضطلع به على نحو غير مشروع ومفرط". وانتهكت القوات المسلحة الإسرائيلية كذلك حق الأسر المعنية في العيش في سكن لائق.
54- وتشكل الهجمات التي شُنّت على المنشآت الصناعية وعلى الهياكل الأساسية في مجال إنتاج الغذاء والإمداد بالمياه، وهي الهجمات التي حققت فيها البعثة، جزءاً من نمط أوسع نطاقاً للتدمير، شمل تدمير مصنع تعبئة الإسمنت الوحيد في غزة (مصنع عطا أبو جبَّه) ومصانع أبو عيده للإسمنت المسلح، ومزارع دجاج أخرى، ومصانع الأغذية والمشروبات التابعة لمجموعة الواديّة. وتشير الوقائع التي تحققت منها البعثة إلى أنه كانت توجد سياسة متعمَّـدة ومنهجية من جانب القوات العسكرية الإسرائيلية لاستهداف المواقع الصناعية ومنشآت المياه.
10- استخدم المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية
55- حققت البعثة في أربعة حوادث أجبرت فيها القوات المسلحة الإسرائيلية رجالاً مدنيين فلسطينيين تحـت تهديد السلاح بالاشتراك في عمليات تفتيش لمنازل أثناء العمليات العسكرية (الفصل الرابع عشر). وكان هـؤلاء الرجال عند إجبارهم على دخول المنازل قبل الجنود الإسرائيليين معصوبي الأعين ومصفّدي الأيدي . وفي أحـد الحوادث المعنية، قام الجنود الإسرائيليون بإجبار رجل على نحو متكرر بدخول منزل كان يختبئ فيـه مقـاتلون فلسطينيون. وتؤكد الشهادات المنشورة لجنود إسرائيليين اشتركوا في العمليات العسكرية مواصلة هذه الممارسة، على الرغم من الأوامر الواضحة الصادرة عن المحكمة العليا الإسرائيلية إلى القوات المسلحة بوضع حد لها وعلـى الرغم من الضمانات العامة المتكررة الصادرة عن القوات المسلحة والتي مفادها أن هذه الممارسة قـد أوقفِـت .وتخلص البعثة إلى أن هذه الممارسة هي بمثابة استخدام للمدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية ولذلك فإنها محرّمـة بموجب القانون الإنساني الدولي. وتعرِّض هذه الممارسة حق المدنيين في الحياة للخطر بطريقة تعسفية وغير مشروعة كما أنها تشكل ضرباً من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية. واستخدام الأشخاص كدروع بشرية يشكل أيضاً جريمة حرب. وقد استُجوِب الرجال الفلسطينيون الذين استُخدِموا كدروع بشرية في ظل التهديد بالقتل أو الإصابة بغية انتـزاع معلومات حول حماس والمقاتلين الفلسطينيين والأنفاق. ويشكل ذلك انتهاكاً آخر للقانون الإنساني الدولي.
11- الحرمان من الحرية: الغزيّون المحتجَـزون
أثنـاء العمليـات العسكرية الإسرائيلية
خلال الفترة من 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008 إلى 18 كانون الثاني/ يناير 2009
56- قامت القوات المسلحة الإسرائيلية أثناء العمليات العسكرية باعتقال أعداد كبيرة من المدنيين واحتجزتهم في منازل وأماكن مفتوحة في غزة وقامت أيضاً، في حالة كثير من الرجال الفلسطينيين، باقتيادهم إلى مرافق احتجاز في إسرائيل. وفي الحالات التي حققت فيها البعثة، تشير المعلومات المجمّعة إلى أنه لم يكن أي من هـؤلاء المدنيين مسلحاً أو يشكل أي تهديد ظاهر للجنود الإسرائيليين. ويرتكز الفصل الخامس عشر من التقريـر علـى المقابلات التي أجرتها البعثة مع رجال فلسطينيين ممن تعرضوا للاحتجاز كما يرتكز على استعراض البعثة لمواد أخرى ذات صلة بالموضوع، بما في ذلك مقابلات أُجريت مع الأقارب وأقوال صادرة عن ضحايا آخرين قُدِّمت إلى البعثة.
57- وتخلص البعثة، من الحقائق المجمّعة، إلى أن انتهاكات عديدة للقانون الإنساني الدولي والقـانون الدولي لحقـوق الإنسان قد ارتُكِبت في سياق عمليات الاحتجاز هذه. فقد احتُجِز أشخاص مدنيون، من بينهم نساء وأطفال، في أوضاع مزرية، حُرِموا فيها من الطعام والمياه واستخدام المرافق الصحية وتعرضوا فيها للعوامل الجوية في كانون الثاني/ يناير دون وجود أي مأوى. وكان الرجال معصوبي الأعين ومصفّدي الأيدي وأُجبِروا مراراً علـى نـزع ملابسهم، وأحياناً على التعري، في مراحل مختلفة من احتجازهم.
58- وفي منطقة العطاطرة في شمال غربي غزة، حفرت القوات الإسرائيلية حُفراً رملية احتُجِز فيها رجال ونساء وأطفال فلسطينيون. وكانت مواقع الدبابات والمدفعية الإسرائيلية موجودة داخل هذه الحفر الرمليـة وحولهـا وكانت تُطلق نيرانها وهي بجانب المحتجزين.
59- واقتيد الرجال الفلسطينيون إلى مرافق احتجاز في إسرائيل حيث خـضعوا لأوضـاع احتجاز مزريـة، واستجواب قاس وعمليات ضرب وأشكال أخرى من إساءة المعاملة البدنية والذهنية . وقد اتُّهِم بعضهم بـأنهم مقاتلون غير شرعيين. وكان أولئك الذين أجرت معهم البعثة مقابلات قد أُطلق سراحهم بعد وقـف النظـر في الدعاوى المرفوعة ضدهم.
60- وبالإضافة إلى الحرمان التعسفي من الحرية وانتهاك الحقوق المتعلقة باتباع الأصول القانونيـة الواجبـة التطبيق، فإن حالات بعض المدنيين الفلسطينيين المحتجزين تبرز خيطاً مشتركاً يميز التفاعل بـين الجنـود الإسرائيليين والمدنيين الفلسطينيين ظهر أيضاً بشكل جلي في كثير من الحالات التي نوقشت في أماكن أخرى من هذا التقرير ويتمثل في إساءة المعاملة بصورة مستمرة ومنهجية، والاعتداءات على الكرامة الشخصية، والمعاملة المذلة والمهينة التي تتناقض مع المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي ولقانون حقوق الإنسان. وتخلص البعثة إلى أن هـذه المعاملة تُعدّ توقيعاً لعقوبة جماعية على هؤلاء المدنيين وهي بمثابة تدابير لترهيبهم وإيقاع الرعب بهم. وتشكل هذه الأفعال خروقاً خطيرة لاتفاقيات جنيف وتشكل جريمة حرب.
12- أهداف واستراتيجية العمليات العسكرية التي قامت بها إسرائيل في غزة
61- استعرضت البعثة المعلومات المتاحة بشأن تخطيط العمليات العسكرية الإسرائيلية، وبشأن التكنولوجيـا العسكرية المتقدمة المتاحة للقوات المسلحة الإسرائيلية، وبشأن تدريب هذه القوات فيما يتصل بالقانون الإنـساني الدولي (الفصل السادس عشر). ووفقاً للمعلومات الحكومية الرسمية، يوجد لدى القوات المسلحة الإسرائيلية نظام مفصل بشأن تقديم المشورة القانونية والتدريب يسعى إلى ضمان المعرفة بالالتزامات القانونية ذات الـصلة وإلى تقديم الدعم إلى القادة فيما يتصل بالامتثال لهذه الالتزامات في الميدان. وتمتلك القوات المسلحة الإسرائيلية معدات متقدمة جداً كما أنها تتصدر أسواق الإنتاج فيما يتعلق ببعض منتجات التكنولوجيا العسكرية المتاحة الأكثر تقدماً، بما في ذلك الطائرات الموجهة بلا طيار. ولديها قدرة فائقة على توجيه الضربات الدقيقة باستخدام مجموعة متنوعة من الأساليب، بما في ذلك إطلاق القذائف من الجو والبر . وإذا أُخذت في الحسبان القدرة علـى التخطيط ووسائل تنفيذ الخطط بأكثر أشكال التكنولوجيا المتاحة تطوراً والبيانات الصادرة عن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ومفادها أنه لم تحدث أخطاء تقريباً، ترى البعثة أن الحوادث وأنماط الأحداث التي بُحثت في هذا التقرير قد جاءت نتيجة تخطيط متعمّد وقرارات متخذة على مستوى السياسات.
62- وتتسق التكتيكات التي استخدمتها القوات المسلحة الإسرائيلية في هجوم غزة مع ممارسات سابقة، كان أحدثها أثناء حرب لبنان في عام 2006 .فقد ظهر حينئذ مفهوم يُعرف باسم نظرية "الضاحية" والذي ينطوي على استخدام قوة غير متناسبة ويتسبب في إحداث ضرر ودمار كبيرين للممتلكات والهياكل الأساسية المدنية، والمعاناة للسكان المدنيين. وتخلص البعثة، بالاستناد إلى استعراض للحقائق على أرض الواقع إلى أنها شهدت بنفسها أن ما كان يوصف بأنه أفضل استراتيجية يبدو أنه قد طُبِّق تطبيقاً دقيقاً.
63- وفي سياق صياغة الأهداف العسكرية الإسرائيلية فيما يتعلق بعمليات غزة، فإن مفهوم "البنية الأساسية الداعمة" لحماس يبعث على القلق بوجه خاص بالنظر إلى أنه في ما يبدو، يُحوِّل المدنيين والأعيان المدنية إلى أهداف مشروعة. وتـشير البيانات الصادرة عن القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين قبل العمليات العسكرية في غزة وأثناءها إلى أن التـصور العسكري الإسرائيلي لما هو ضروري في الحرب مع حماس ينظر إلى التدمير غير المتناسب وإلى إحداث أقصى قـدر مـن الخلل في حياة كثير من الناس على أنه وسيلة مشروعة لتحقيق أهداف ليست عسكرية فقط بل سياسية أيضاً.
64- كذلك فإن البيانات الصادرة عن القادة الإسرائيليين ومفادها أن تدمير الأهداف المدنية يكون ما يبرره كرد فعل لهجمات الصواريخ ("دمِّروا 100 منزل مقابل كل صاروخ يُطلق") تشير إلى إمكانية اللجوء إلى الأعمـال الانتقامية. ومن رأي البعثة أن الأعمال الانتقامية ضد المدنيين في سياق الأعمال العدائية المسلحة تتعـارض مـع القانون الإنساني الدولي.
13- أثر العمليات العسكرية والحصار
على اهالي غزة وحقوق الإنسان الخاصة بهم
65- بحثت البعثة الأثر المركب للعمليات العسكرية والحصار على أهالي غزة وتمـتعهم بحقـوق الإنسان. فعندما بدأ الهجوم الإسرائيلي كان الاقتصاد وفرص العمل وأسباب العيش الأسرية قد تأثرت بالفعل تأثراً شديداً من الحصار المفروض. وكان لنقص الإمداد بالوقود لأغراض توليد الكهرباء تأثير سلبي على النشاط الصناعي وعلى عمل المستشفيات وإمدادات المياه للمنازل وعلى معالجة الصرف الصحي . كما أن فرض قيود الاستيراد والحظر المفروض علـى جميع الصادرات من غزة قد أثرا على القطاع الصناعي وعلى الإنتاج الزراعي. وارتفعت مستويات البطالة والنسبة المئويـة للسكان الذين يعيشون في حالة فقر أو فقر بالغ.
66- وفي ظل هذا الوضع الحرج، دمّرت العمليات العسكرية جزءاً كبيراً من الهياكل الأساسية الاقتصادية . فبالنظر إلى أنه جرى استهداف مصانع كثيرة وتدميرها أو إلحاق الضرر بها، تفاقمت بصورة حادة أوضاع الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي. وبالمثل، عانى القطاع الزراعي من تدمير الأراضي الزراعية وآبار المياه ومراكـب الـصيد أثنـاء العمليات العسكرية. كما أن استمرار الحصار يعرقل إعادة بناء الهياكل الأساسية الاقتصادية التي دُمِّرت.
67- ومن المتوقع أن يؤدي تجريف الأراضي الزراعية وتدمير الصَّوْبات الزراعية إلى زيادة تفاقم انعدام الأمن الغـذائي على الرغم من زيادة كميات المواد الغذائية المسموح بدخولها إلى غزة منذ بداية العمليات العسكرية . ويتزايد الاعتماد على المساعدات الغذائية. وكانـت معدلات الإصابة بتوقف النمو والنحافة لدى الأطفال وانتشار فقر الدم بين الأطفال والحوامل قد بلغت مستويات تدعو إلى القلق حتى قبل بداية العمليات العسكرية. وأدت المشاق الناجمة عن التدمير الواسـع النطـاق للمساكن (أفاد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأن 3354 منزلاً دمرت تدميراً كاملاً وأن 11112 منزلاً لحقت بها أضرار جزئية) وما نجم عن ذلك من تشرُّد إلى التأثير بصورة خاصة على الأطفال والنساء . كما أن تدمير البنية الأساسية المتعلقـة بإمدادات المياه والصرف الصحي (مثل تدمير آبار نمر والهجوم على مصنع معالجة المياه، على النحو المـبين في الفـصل الثالث عشر) قد أدى إلى تفاقم الوضع القائم من قبل. وكانت نسبة 80 في المائة من إمدادات المياه في غزة لا تفي بمعـايير منظمة الصحة العالمية لمياه الشرب، حتى قبل العمليات العسكرية . كما أن صرف المياه المستعملة غير المعالجة أو المعالَجـة جزئياً في البحر يشكل خطراً صحياً آخر ازداد تفاقماً بفعل العمليات العسكرية.
68- وأدت العمليات العسكرية وما نجم عنها من خسائر إلى تعرض القطاع الصحي في غزة المحاصَرة لعبء إضافي مرهق. واستهدفت الهجمات الإسرائيلية المستشفيات وسيارات الإسعاف. ولم يمكن إعطاء المرضى ذوي الحالات الصحية المزمنة الأولوية في المستشفيات التي واجهت تدفقاً كبيراً من المرضى ذوي الإصابات المهدِّدة لحياتهم. وكثيراً ما كان يجري بسرعة صرف المرضى بغية إخلاء الأسرّة. وما زال أحد دواعي القلق يتمثل في التأثير الصحي الطويل الأجـل المترتـب علـى عمليات الصرف المبكرة هذه، والمترتب كذلك على الأسلحة التي تحتوي على مواد مثل التنغستن والفوسفور الأبيض. وفي حين أنه مـا زال من غير المعروف العدد الدقيق للأشخاص الذين سيعانون عجزاً دائماً، تفهم البعثة أن كثيراً من الأشخاص الذين تعرضوا لإصابات أثناء النزاع ما زالوا يواجهون خطر العجز الدائم بسبب المضاعفات وعدم كفاية كل من المتابعة وإعادة التأهيل البدني.
69- ولا بد أن يزداد أيضاً عدد الأشخاص الذين يعانون مشاكل تتعلق بالصحة العقلية. وقد حققت البعثة في عدد من الحوادث التي شهد فيها أشخاص بالغون وأطفال عملية قتل ذويهم. وقدم أطباء البرنامج المجتمعي للصحة النفسية في غزة معلومات إلى البعثة عن الاضطرابات البدنية النفسية، وعن حالة انتشار واسعة للشعور بالاستلاب لدى السكان وعن الإحساس بحالة من "الذهول" نتيجة لهول الخسارة. وأبلغوا البعثة بأن هذه الحالات يُحتمـل أن تـؤدي بدورها إلى زيادة الاستعداد للجوء إلى العنف والتطرف. كما أبلغوا البعثة بأن 20 في المائة من الأطفال في قطاع غزة يعانون اضطرابات نفسية لاحقة للإصابات.
70- ومما يُضاعف من الصعوبات النفسية للتعلُّم لدى الأطفال التأثير الذي ألحقه الحصار والعمليات العسكرية بالبنية الأساسية التعليمية. فقد دُمر نحو 280 مدرسة ودار حضانة في ظل وضع أدت فيه القيود المفروضة علـى استيراد مواد البناء إلى جعل كثير من المباني المدرسية في حاجة شديدة إلى الإصلاح بالفعل.
71- وقد وُجِّه انتباه البعثة أيضاً إلى الأسلوب الذي تأثرت به النساء بوجه خاص من جراء العمليات العسكرية. فحالات النساء اللاتي أجرت معهن البعثة مقابلات في غزة توضح بشكل مأساوي المعاناة الناجمة عن الإحساس بالعجز عن توفير ما يحتاج إليه الأطفال من رعاية وأمن. وكثيراً ما تُجبر مسؤولية المرأة عن الأسرة المعيشية وعن الأطفـال النساء على إخفاء معاناتهن مما يؤدي إلى أن تبقى القضايا التي يواجهنها دون معالجة. وقد ازداد عدد النساء اللائي يشكلن العائل الوحيد، ولكن فرص العمالة المتاحة لهن ما زالت أدنى من فرص الرجال بكثير . وأدت العمليـات العسكرية وزيادة الفقر إلى تزايد احتمالات حدوث منازعات في الأسرة وبين الأرامل وأسر أزواجهن.
72- وتسلِّم البعثة بأن توريد السلع الإنسانية، وبخاصة المواد الغذائية، التي تسمح إسرائيل بمرورها إلى غزة قـد ازداد موقتاً أثناء العمليات العسكرية. بيد أن مستوى السلع المسموح بدخولها إلى غزة قبل العمليات العسكرية كان غير كافٍ لتلبية احتياجات السكان حتى قبل بدء أعمال القتال، كما أنه تناقص مرة أخرى منذ نهاية العمليات العسكرية. وتعتقـد البعثة، بالاستناد إلى الوقائع التي تحققت منها، أن إسرائيل قد انتهكت التزامها بالسماح بأن تمر بحرية جميع شحنات المواد الطبية ومواد المستشفيات والأغذية والملابس (المادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة). وتخلص البعثة أيضاً إلى أن إسرائيل قد انتهكت التزاماتها المحدَّدة التي تقع عليها بوصفها سلطة الاحتلال والمنصوص عليها بوضوح في اتفاقية جنيف الرابعة، مثل واجب المحافظة على المنشآت والخدمات الطبية ومنشآت وخدمات المستشفيات والموافقة على خطط الإغاثة إذا لم تتوفر للأرض المحتلة إمدادات جيدة.
73- وتخلص البعثة أيضاً إلى أن قيام القوات المسلحة الإسرائيلية بتدمير المنازل السكنية الخاصة وآبار الميـاه وصهاريج المياه والأراضي الزراعية والصَّوْبات كان ينطوي على غرض محدد يتمثل في حرمان سكان قطاع غزة مما يقيم أودهم. وعلاوة على ذلك، تبيَّن للبعثة حدوث انتهاكات لأحكام حقوق الإنسان المحـددة المتعلقـة بحمايـة الأطفال، وخصوصاً الأطفال ضحايا النزاع المسلح، والنساء والمعوَّقين.
74- ومما يشير بصورة مطردة إلى توافر النية لتوقيع عقوبة جماعية على سكان قطاع غزة، مما يشكل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي، ما آلت إليه أوضاع المعيـشة في غـزة نتيجـة للأعمال المتعمدة من جانب القوات المسلحة الإسرائيلية، والسياسات المعلنة لحكومة إسرائيل، حسبما عرضها ممثلوها المأذون لهم والشرعيون، فيما يتعلق بقطاع غزة قبل العملية العسكرية وأثناءها وبعدها..
75- وأخيراً، نظرت البعثة فيما إذا كانت سلسلة الأفعال التي تحرم الفلسطينيين في قطاع غزة من أسباب عيشهم ومن فرص العمل والسكن والمياه، والتي تحرمهم من حرية التنقل ومن حقهم في مغادرة بلدهم ودخوله، والتي تحد من إمكانية لجوئهم إلى المحاكم القانونية وسُـبل الانتصاف الفعالة يمكن اعتبارها اضطهاداً، أو جريمة ضد الإنـسانية. ومـن رأي البعثـة، بالاستناد إلى الحقائق المتاحة لها، أن بعض أفعال حكومة إسرائيل قد تُبرر قيام محكمة مختصة بتقرير أن جرائم ضد الإنسانية قد ارتُكبت..
14- استمرار احتجاز الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط
76- تلاحظ البعثة استمرار احتجاز جلعاد شاليط، وهو أحد أفراد القوات المسلحة الإسـرائيلية، أَسَـرته مجموعة مسلحة فلسطينية في عام 2006 .وأمرت الحكومة الإسرائيلية، كرد فعل على أسره، بشن عـدد مـن الهجمات على البنية الأساسية في قطاع غزة وعلى مكاتب السلطة الفلسطينية فضلاً عن إلقاء القبض على ثمانية وزراء بالحكومة الفلسطينية و 26 عضواً بالمجلس التشريعي الفلسطيني. واستمعت البعثة إلى شـهادات تفيـد أن الجنود الإسرائيليين قاموا، أثناء العمليات العسكرية التي وقعت في كانون الأول / ديسمبر 2008 - كانون الثاني/ يناير 2009 ،باستجواب فلسطينيين أسرى حول أماكن وجود جلعاد شاليط. وقد مثُل أمام البعثـة في جلـسة الاستماع العلنية التي عُقدت في جنيف في ٦ تموز/ يوليو 2009 ناعوم شاليط، والد جلعاد شاليط.
77- ومن رأي البعثة أن جلعاد شاليط، بوصفه جندياً ينتمي إلى القوات المسلحة الإسرائيلية أُسر أثناء عملية توغل من جانب العدو في إسرائيل، يُلبي متطلبات الوضع الخاص بأسرى الحرب بموجب اتفاقية جنيف الثالثة. وهو بصفته هذه، ينبغي حمايته ومعاملته معاملة إنسانية والسماح له بالاتصال الخارجي على النحو المناسب وفقاً لتلك الاتفاقية. وينبغي السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارته دون تأخير. كما ينبغي أن تُقدَّم إلى أسرته دون تأخير معلومات عن حالته.
78- وتشعر البعثة بالقلق إزاء التصريحات الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين شتى أوضحوا عزمهم على الإبقاء على الحصار إلى حين إطلاق سراح جلعاد شاليط. ومن رأي البعثة أن ذلك يشكل عقوبة جماعية للسكان المدنيين في قطاع غزة.
15- العنف الداخلي واستهداف التابعين لحركة فتح
من جانـب دوائر الأمن الخاضعة لسيطرة سلطات غزة
79- حصلت البعثة على معلومات عن عنف ارتكبته قوات الأمن التابعة لسلطات غزة ضد معارضين سياسيين. وقد اشتمل هذا العنف على قتل عدد من سكان غزة في الفترة ما بين بداية العمليات العسكرية الإسرائيلية و 27 شباط/ فبراير. وكان يوجد بين هؤلاء بعض المحتجزين الذين كانوا محبوسين في مرفق السرايا للاحتجـاز في 28 كانون الأول/ ديسمبر والذين لاذوا بالفرار عقب الهجوم الجوي الإسرائيلي. ولم يكن جميع من قُتلوا عقب الهروب من الاحتجاز من التابعين لفتح، المحتجزين لأسباب سياسية، أو من المتهمين بالتعـاون مـع العدو. إذ كان بعض الهاربين مُدانين بجرائم شتى، مثل الاتجار بالمخدرات أو القتل، ومحكوماً عليهم بالإعدام. وأُبلغت البعثة بأن حركة كثير من أعضاء فتح قد قُيِّدت أثنـاء العمليـات العسكرية الإسرائيلية في غزة وأن كثيراً منهم وُضعوا قيد الإقامة الجبرية : ووفقـاً لـسلطات غزة، فإن عمليات الاعتقال لم تتم إلا بعد العمليات العسكرية الإسرائيلية وفيما يتصل فقط بالأفعال الجنائية وباستعادة النظام العام.
80- وجمعت البعثة معلومات مباشرة عن خمس حالات لأشخاص تابعين لفتح قام أفراد قوات الأمن أو أفراد جماعات مسلحة في غزة باعتقالهم أو قتلهم أو إخضاعهم لإساءة المعاملة البدنية. وفي معظم الحالات، أفادت التقارير بأن من اختُطفوا من منازلهم أو اعتُقلوا بطريقـة أخرى لم يُتهموا بارتكاب جرائم تتصل بحوادث مُحددة بل استُهدفوا فقط بسبب انتمـائهم السياسي. وعند توجيه الاتهامات، كانت ترتبط دائماً بأنشطة سياسية مشتبه فيها. وتوجـد أوجه تماثل قوية بين شهادات الشهود والتقارير المقدمة من منظمات دولية ومحلية تعمـل في مجال حقوق الإنسان، وهي تشير إلى أن هذه الاعتداءات نُفِّذت عشوائياً لكنها شكلت جزءاً من نمط من العنف المنظم الموجه مباشرة ضد التابعين لفتح وأنصار فتح. وتخلص البعثة إلى أن هذه الإجراءات تشكل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ولا تتفق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو مع القانون الأساسي الفلسطيني.
الأرض الفلسطينية المحتلة: الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية
81- نظرت البعثة في التطورات الحادثة في غزة والضفة الغربية باعتبارها مترابطة على نحو وثيق، وحلَّلت هذه التطورات في كلتا المنطقتين للتوصل إلى فهم مستنير للقضايا الداخلة ضمن ولايتها وللإبلاغ عنها.
82- ونتيجة لعدم تعاون إسرائيل مع البعثة، لم تتمكن البعثة من زيارة الضفة الغربية للتحقيق في الانتهاكات للقانون الدولي المُدعاة هناك. بيد أن البعثة قد تلقت كثيراً من التقارير الشفوية والخطية ومواد أخرى ذات صلة من منظمات ومؤسسات فلسطينية وإسرائيلية ودولية تعمل في مجال حقوق الإنسان. وبالإضافة إلى ذلك، التقت البعثة بممثلين لمنظمات حقوق إنسان وأعضاء في السلطة التشريعية الفلسطينية وقيادات مجتمعية. واستمعت إلى خبراء وشهود وضحايا في الجلسات العامة، وأجرت مقابلات مع أفراد متأثرين وشهود، واستعرضت أشـرطة فيـديو وصوراً فوتوغرافية.
1- معاملة الفلسطينيين في الضفة الغربية من جانب قوات الأمن الإسرائيلية،
بما في ذلك استعمال القوة المفرطة أو الفتاكة أثناء المظاهرات
83- أبلغ شهود وخبراء شتى البعثة بحدوث ارتفاع حاد في استخدام القوة مـن جانـب قوات الأمن الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ بداية العمليـات العـسكرية الإسرائيلية في غزة (الفصل العشرون). وقتلت القوات الإسرائيلية عدداً من المحـتجين أثنـاء مظاهرات فلسطينية، من بينها مظاهرات نُظِّمت دعماً لسكان غزة الواقعين تحت الهجـوم، وأُصيب العشرات بجروح. وظل مستوى العنف المستخدَم في الضفة الغربية أثنـاء العمليـة العسكرية في غزة مستمراً أيضاً بعد العملية.
84- وأثار قلق البعثة بوجه خاص الادعاءات القائلة باستعمال قوات الأمن الإسـرائيلية لقوة فتاكة لا داعي لها، والنص في "لوائح فتح النار" الخاصة بالقوات المسلحة الإسـرائيلية على قواعد مختلفة للتعامل مع الاضطرابات التي يكون الفلسطينيون وحدهم حاضرين فيهـا وتلك التي يكون الإسرائيليون حاضرين فيها. ويُثير ذلك قلقاً خطيراً فيما يتعلق بالـسياسات التمييزية تجاه الفلسطينيين. وقد أبلغ شهود عيان أيضاً البعثة باستخدام نيران قناصة في سياق السيطرة على الحشود. وتحدث الشهود عن جو مختلف اختلافاً بيِّناً شاهدوه في المواجهات مع الجنود وحرس الحدود أثناء مظاهرات أُزيلت منها جميع الضوابط والموازنات. وأبلغ شـهود عديدون البعثة بأن الإحساس في الضفة الغربية، أثناء العملية العسكرية في غزة، هو وجـود جو قوامه "افعل ما شئت" يكون أي شيء فيه مُباحاً.
85- ولا تقوم السلطات الإسرائيلية إلا بالقليل، إن هي قامت بأي شيء، للتحقيـق في العنف المُرتكب ضد الفلسطينيين، بما في ذلك أعمال القتل، من جانب المستوطنين وأفـراد قوات الأمن أو لمقاضاتهم ومعاقبتهم، مما يُسفر عن وضع قوامه الإفلات من العقاب. وتخلص البعثة إلى أن إسرائيل لم تفِ بالتزاماتها بحماية الفلسطينيين من العنف الذي يرتكبـه أفـراد عاديون، وهي الالتزامات المقررة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنـساني الدولي على السواء.
2- احتجاز الفلسطينيين في سجون إسرائيلية
86- يُقدَّر أن إسرائيل قد قامت، منذ بداية الاحتلال، باحتجاز قرابة 700000 فلسطيني من الرجال والنساء والأطفال. ووفقاً للتقديرات، كان يوجد، في 1 حزيران/ يونيو 2009، قرابة 8100 "سجين سياسي" فلسطيني محتجزين في إسرائيل، من بينهم 60 امرأة و390 طفلاً. ومعظم هؤلاء المحتجزين يقـوم باتهـامهم أو إدانتهم نظام من المحاكم العسكرية الإسرائيلية يعمل فيما يتعلق بالفلسطينيين بالضفة الغربية وتُقيَّد في ظله تقييداً شديداً حقوق الفلسطينيين فيما يتعلق بإجراءات القانونية الواجبة. ويُحتجز كثير منهم احتجازاً إدارياً كما يُحتجز البعض بموجب "قانون المقاتلين غير الشرعيين" الإسرائيلي.
87- وركَّزت البعثة على عدة مسائل فيما يتصل بالمحتجزين الفلسطينيين ترتبط في رأيها بالعمليات العسكرية التي قامت بها إسرائيل في كانون الأول/ ديسمبر - كانون الثاني/ يناير في غزة أو ترتبط بسياق هذه العمليات.
88- وقد أسفرت التدابير القانونية المُتخذة منذ فك الارتباط الإسرائيلي في غزة في عام 2005 عـن معاملـة المحتجزين الغزيين معاملة مختلفة. فقد صدر في عام 2006 قانون يغيِّر ضمانات المحاكمة العادلة ولا ينطبق إلا على المشتبه فيهم الفلسطينيين وأغلبيتهم الساحقة من غزة، وفقاً لمصادر الحكومة الإسرائيلية. وقد عُلِّق في عام 2007 تطبيق برنامج الزيارات الأُسرية التابع للجنة الصليب الأحمر الدولية في قطاع غزة، مما يمنع جميع وسائل الاتصال بين السجناء المنتمين إلى غزة والعالم الخارجي.
89- وأثناء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، كان عدد الأطفال الذين تحتجزهم إسرائيل أعلى منـه في الفترة ذاتها من عام 2008 .وأفادت التقارير أن كثيراً من الأطفال قد أُلقي القبض عليهم في الشارع و/ أو أثناء مظاهرات في الضفة الغربية. وظل عدد المحتجزين الأطفال مرتفعاً في الأشهر التالية لانتهاء العمليات، وهو ما كان مصحوباً بتقارير تتحدث عن تجاوزات قامت بها قوات الأمن الإسرائيلية.
90- وتمثلت إحدى سمات ممارسات الاحتجاز الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين منذ عام 2005 في إلقاء القبض على المنتمين لحماس. فقبل انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في عام 2005، ألقت إسرائيل القـبض علـى أشخاص عديدين كانوا مشاركين في الانتخابات البلدية أو انتخابات المجلس التشريعي. وعقب قيـام جماعـات مسلحة فلسطينية بأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في حزيران/ يونيو 2006 ،اعتقلت القـوات المـسلحة الإسرائيلية 65 شخصاً من أعضاء المجلس التشريعي ورؤساء البلديات والوزراء، ومعظمهم أعـضاء في حمـاس . واحتُجزوا جميعاً عامين على الأقل، في ظل أوضاع غير ملائمة بصورة عامة. وأُجريت عمليات اعتقال أخـرى لزعماء من حماس أثناء العمليات العسكرية في غزة. وأدى احتجاز أعضاء المجلس التشريعي إلى تعطيل المجلـس عن العمل وعن ممارسة مهامه التشريعية والرقابية على السلطة التنفيذية الفلسطينية.
91 -وتخلص البعثة إلى أن هذه الممارسات قد أسفرت عن ارتكاب انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك الأحكام المتعلقة بحظر الاحتجاز التعسفي، والحق في الحماية المتساوية بموجب القـانون وفي عدم التعرُّض للتمييز على أساس المعتقدات السياسية والحماية الخاصة التي يتمتعبهاالأطفال. وتخلص البعثة أيـضاً إلى أن احتجاز أعضاء المجلس التشريعي قد يكون بمثابة عقوبة جماعية بما يتعارض مع القانون الإنساني الدولي.
3- القيود المفروضة على حرية التنقل في الضفة الغربية
92- ظلت إسرائيل لأمد طويل تفرض نظاما من القيود على التنقل في الـضفة الغربيـة. فالتنقل يقيّده مزيج من العقبات المادية، مثل حواجز الطرق ونقاط التفتيش والجدار الفاصل، والتدابير الإدارية، مثل بطاقات الهوية والتصاريح وتحديد الإقامة، والقوانين المتعلقة بإعادة جمع شمل الأُسر والسياسات المتعلقة بالحق في الدخول من الخارج وحق العودة للاجئين. ويُرفض السماح للفلسطينيين بالوصول إلى المناطق المنزوع ملكيتها لبناء الجدار الفاصـل والهياكـل الأساسية المتعلقة به، أو لاستخدامها كمستوطنات أو مناطق عازلة أو قواعد عـسكرية أو مناطق للتدريب العسكري والطُرق التي تُبنى للربط بين هذه الأماكن. وكثير من هذه الطرق هي "للإسرائيليين فقط" ومُحرَّم استعمالها على الفلسطينيين. ويخضع عشرات الآلاف مـن الفلسطينيين اليوم لحظر على السفر تفرضه إسرائيل يمنعهم من السفر إلى الخارج. فعدد مـن الشهود والخبراء الذين دعتهم البعثة للالتقاء بها في عمان والمشاركة في جلسات الاستماع في جنيف لم يستطيعوا مقابلة البعثة بسبب هذا الحظر على السفر.
93- وتلقت البعثة تقارير تفيد بأن القيود المفروضة على التنقل في الضفة الغربية قد شُدّدت أثنـاء الهجـوم الإسرائيلي في غزة. فقد فرضت إسرائيل "إغلاقاً" على الضفة الغربية لعدة أيام. وبالإضافة إلى ذلك، أنشئ طوال فترة العملية مزيد من نقاط التفتيش في الضفة الغربية، بما في ذلك في القدس الشرقية. وكان يُطلق على معظم هذه النقاط ما يسمى ب "نقاط التفتيش الطيارة". وفي كانون الثاني/ يناير 2009، أُعلن أن عدة مناطق من الضفة الغربية بين الجدار الفاصل والخط الأخضر هي "مناطق عسكرية مغلقة".
94- وأثناء العمليات في غزة وبعدها، شددت إسرائيل من قبضتها على الضفة الغربية عن طريق زيادة مصادرة الممتلكات وهدم البيوت وإصدار أوامر الهدم ومنح مزيد من التراخيص لبناء منازل في المـستوطنات وتكثيـف استغلال الموارد الطبيعية في الضفة الغربية. وقامت إسرائيل، عقب العمليات في غزة، بتعديل الأنظمة التي تُحـدد مدى قدرة الأشخاص الذين لديهم "بطاقة هوية من غزة" على التحرك إلى الضفة الغربية أو العكس، مما يزيد من الهوة الفاصلة بين الشعب في الضفة الغربية وغزة.
95- وتخطط وزارة الإسكان والتخطيط الإسرائيلية لبناء عدد إضافي من المنازل في المـستوطنات في الـضفة الغربية قدره 73000 منزل. وقد ووفق فعلاً على بناء 15000 منزل من هذه المنازل ولذلك، إذا تم تحقيق جميع الخُطط، سيتضاعف عدد المستوطنين في الأرض الفلسطينية المحتلة.
96- وتعتقد البعثة أن القيود المفروضة على التنقل والحركة التي يخضع لها الفلسطينيون في الـضفة الغربيـة، بصورة عامة، وتشديد القيود أثناء العمليات العسكرية في غزة وكذلك، إلى حد ما، بعد هذه العمليـات هـي بصورة خاصة أمور غير متناسبة مع أي هدف عسكري منشود. وبالإضافة إلى ذلك، يساور البعثة القلق لإضفاء الطابع الرسمي على الفصل بين غزة والضفة الغربية ومن ثمّ بين جزأين من الأرض الفلسطينية المحتلة.
4- العنف الداخلي واستهداف أنصار حماس مـن جانـب الـ سلطة الفلسطينية،
والقيود المفروضة على حرية التعبير والتجمّع
97- تلقت البعثة ادعاءات بحدوث انتهاكات تتصل بولايتها ارتكبتها الـسلطة الفلـسطينية في الفتـرة المـشمولة بالتحقيق. وهي تشمل انتهاكات تتصل بمعاملة التابعين لحماس "المشتَبَه فيهم" من جانب الأجهزة الأمنية، بما في ذلـك إلقاء القبض عليهم واحتجازهم بصورة غير مشروعة. وأفادت عدة منظمات تعمل في مجال حقوق الإنسان أن الممارسات التي تستخدمها قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية هي بمثابة ممارسة للتعذيب والمعاملـة والعقوبـة القاسية واللاإنسانية والمهينة. وقد حدث عدد من حالات الوفاة في الاحتجاز يُشتبه أن التعذيب وضروب إساءة المعاملـة الأخرى قد أسهمت فيها أو ربما تسببت فيها. وقد جرى التحقيق في الشكاوى المتعلقة بهذه الممارسات.
98- ووردت أيضاً ادعاءات تتعلق باستخدام القوة المفرطة وقمع المظاهرات من جانب أجهز ة الأمـن الفلـسطينية - وخاصة المظاهرات التي نُظِّمت دعماً لسكان غزة أثناء العمليات العسكرية الإسرائيلية. إذ يُدَّعى أن أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية قد قامت في هذه المناسبات بإلقاء القبض على كثير من الأفراد ومنعت وسائط الإعلام من تغطية هذه الأحداث. وتلقت البعثة أيضاً ادعاءات مفادها قيام أجهزة الأمن الفلسطينية بارتكاب مضايقات ضد الصحفيين الـذين أعربوا عن آراء انتقادية.
99- وأدى تعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني عقب قيام إسرائيل بإلقاء القبض على العديد من أعـضائه واحتجازهم إلى التقليص الفعلي للرقابة البرلمانية على الفرع التنفيذي للسلطة الفلسطينية. وأصدرت الـسلطة التنفيذية مراسيم وأنظمة تمكِّنها من مواصلة عملياتها اليومية.
100- وتشمل الادعاءات الأخرى الإقفال التعسفي للهيئات الخيرية والجمعيات والجماعات الإسلامية الأخرى أو إلغاء وعدم تجديد التراخيص الصادرة لها، والقيام قسراً باستبدال أعضاء مجـالس إدارة المـدارس الإسـلامية ومؤسسات أخرى، وفصل المدرسين المنتمين إلى حماس.
101- وما زالت السلطة الفلسطينية تسرِّح عدداً كبيراً من الموظفين العاملين في هيئات مدنيـة وعـسكرية أو توقف صرف مرتباتهم بذريعة "عدم ولائهم للسلطة الشرعية" أو "عدم الحصول على موافقة أمنية" عند تعيينهم، وهو ما أصبح شرطاً مسبقاً للانخراط في الخدمة العامة. وفي الواقع، فإن هذا التدبير يستبعد أنـصار حمـاس أو الأشخاص التابعين لها من العمل في القطاع الحكومي العام.
102- وترى البعثة أن التدابير المذكورة لا تتفق مع التزامات السلطة الفلسطينية الناشئة عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعن القانون الأساسي الفلسطيني.
إسرائيل
1- الهجمات على جنوبي إسرائيل بالصواريخ وقذائف الهاون
من جانب الجماعات المسلحة الفلسطينية وتأثيرها على المدنيين
103- أطلقت الجماعات المسلحة الفلسطينية نحو 8000 صاروخ وقذيفة هاون على جنوبي إسرائيل منذ عام 2001 (الفصل الرابع والعشرون). وفي حين أن مجتمعات محلية مثل سديروت وكيبوتس نيرعام كانت تقع ضمن مدى هـذه الصواريخ وقذائف الهاون منذ البداية، فإن مدى الصواريخ قد ازداد إلى نحو 40 كيلومتراً من حدود غزة ممـا ضـمّ إلى مداها مدناً تقع بعيداً في الشمال مثل أشدود وذلك أثناء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
104- وفيما بين 18 حزيران/ يونيو 2008 و 18 كانون الثاني/ يناير 2009، أسفرت الـصواريخ الـتي أطلقتـها الجماعات المسلحة الفلسطينية في غزة عن مقتل ثلاثة مدنيين داخل إسرائيل ومدنيين اثنين في غـزة عنـدما سـقط صاروخ على مقربة من الحدود في 26 كانون الأول/ ديسمبر 2008. وأفادت التقارير بأن أكثر من 1000 شخص مـن المدنيين داخل إسرائيل قد أُصيبوا بدنياً بجروح نتيجة للهجمات بالصواريخ وقذائف الهاون، كان 918 منهم قد أصيبوا بجراح أثناء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
105- وأحاطت البعثة علماً على نحو خاص بارتفاع معدل الإصابة بالصدمات النفسية بين السكان المدنيين داخل إسرائيل. فقد تبيَّن من البيانات التي جمعتها منظمة إسرائيلية في تشرين الأول/ أكتوبر 2007 أن 28,4 في المائة من البالغين وما بين 72 و 94 في المائة من الأطفال في سديروت قد عانوا اضطرابات نفسية لاحقة للإصابة. وأفادت التقارير بأن 1596 شخصاً قد عولجوا من حالات تتصل بالتوتر أثناء العمليات العسكرية في غزة، بينما بلغ عدد الذين خضعوا للعلاج بعد ذلك أكثر من 500 شخص.
106- وقد أدت الصواريخ وقذائف الهاون إلى إلحاق أضرار بالمنازل والمدارس والسيارات في جنوبي إسـرائيل. وفي 5 آذار/ مارس 2009، أصاب أحد الصواريخ كنيساً في نيتيفوت. وأضرت عمليات إطـلاق الـصواريخ وقذائف الهاون بحق الأطفال والبالغين المقيمين في جنوبي إسرائيل في التعليم. وجاء ذلك نتيجـة لإغلاق المدارس وانقطاع الدراسة بفعل التحذيرات الموجَّهة والانتقال إلى الملاجئ وأيضاً نتيجة لضعف القدرة على التحصيل مما يُشاهد لدى الأفراد الذين يعانون أعراض الصدمات النفسية.
107- كما أضرت عمليات إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون بالحياة الاقتصادية والاجتماعيـة للمجتمعـات المحلية المتأثرة. ففي بلدات مثل أشدود ويافان وبئر السبع التي تعرضت للهجمات بالصواريخ لأول مـرة أثنـاء العمليـات العسكرية الإسرائيلية في غزة، حدث انقطاع قصير في أنشطتها الاقتصادية والثقافية جاء بفعل الانتقال الموقـت لـبعض المقيمين فيها. وفيما يتعلق بالبلدات الأقرب من حدود غزة، التي ظلت في مرمى نيران الصواريخ وقذائف الهـاون منـذ عام 2001، أدى التصعيد الأخير إلى زيادة نزوح المقيمين فيها.
108- وخلصت البعثة إلى أن الصواريخ، وبدرجة أقل قذائف الهاون، التي تطلقها الجماعات المسلحة الفلسطينية لا يمكن توجيهها لإصابة أهداف عسكرية محددة وقد أُطلقت على مناطق يعيش فيها سكان مدنيون. وخلصت البعثة كذلك إلى أن هذه الهجمات تشكل هجمات عشوائية ضد السكان المدنيين في جنوبي إسرائيل وأنه في الحالات التي لا يوجد فيهـا هدف عسكري مقصود وتُطلق الصواريخ وقذائف الهاون على سكان مدنيين فإن الهجمات تشكل هجوماً متعمداً علـى سكان مدنيين. ويمكن أن تشكل هذه الأفعال جرائم حرب وقد تكون بمثابة جرائم ضد الإنسانية. وبالنظر إلى ما يبـدو من عدم قدرة الجماعات المسلحة الفلسطينية على توجيه الصواريخ وقذائف الهاون إلى أهداف محـددة وبـالنظر إلى أن الهجمات لم تتسبب إلا في حدوث أضرار ضئيلة جداً بالأصول العسكرية الإسرائيلية، تخلص البعثة إلى أنه توجد أدلة يُعتدّ بها تشير إلى أن أحد الأغراض الرئيسية لهجمات الصواريخ وقذائف الهاون هو نشر الرعـب لـدى الـسكان المـدنيين الإسرائيليين، مما يشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
109- وإذ تلاحظ البعثة أن بعض الجماعات المسلحة الفلسطينية ومن بينها حماس قد أعربت علانية عن عزمها علـى استهداف المدنيين على سبيل الانتقام من إصابات المدنيين في غزة نتيجة للعمليات العسكرية الإسرائيلية، فهي ترى أن الأعمال الانتقامية ضد المدنيين أثناء الأعمال العدائية المسلحة تتعارض مع القانون الإنساني الدولي.
110- وتلاحظ البعثة أن الإصابات الضئيلة نسبياً التي لحقت بالمدنيين داخل إسـرائيل تعزى بقـدر كـبير إلى الاحتياطات التي اتخذتها إسرائيل. وهي تشمل نظاماً للإنذار المبكِّر وتوفير ملاجئ عامة وعمليات تحصين المدارس والمباني العامة الأخرى بتكلفة مالية كبيرة على حكومة إسرائيل - تبلغ تقديراتها 460 مليون دولار مـن دولارات الولايـات المتحدة فيما بين عامي 2005 و 2011 .بيد أن البعثة تشعر بقلق بالغ إزاء عدم وجود نظام للإنذار المبكِّر وعدم وجود ملاجئ عامة وتحصينات من أجل تجمعات الإسرائيليين من أصل فلسطيني الذين يعيشون في قرى غير مُعتـرَف بهـا وفي بعض القرى المُعترَف بها التي تقع ضمن مدى الصواريخ وقذائف الهاون التي تُطلقها الجماعات المسلحة الفلسطينية في غزة.
2- قمع المنشقين في إسـرائيل، والحـق في الوصـول إلى المعلومات،
ومعاملة المدافعين عن حقوق الإنسان
111- تلقت البعثة تقارير تفيد بأن الحكومة الإسرائيلية تقمع أو تحاول قمع الجماعات والأفراد، الذين يُنظر إليهم على أنهم مصادر نقد للعمليات العسكرية التي تقومبهاإسرائيل. فوسط وجود مستوى مرتفع من التأييد للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة من جانب السكان اليهود الإسرائيليين، كانت توجد أيضاً احتجاجـات واسـعة الانتشار داخل إسرائيل ضد العمليات العسكرية. فقد احتج عليها مئات الآلاف من الأشخاص - هم بـصورة رئيسية، ولكن ليست حصرية، من مواطني إسرائيل الفلسطينيين. وبينما سُمح، بصورة رئيسية، بأن تجري هـذه الاحتجاجات، حدثت مناسبات أفادت التقارير فيها بأن المحتجين قد واجهوا صعوبة في الحصول على تصاريح – وخاصة في المناطق التي يقطنها بصورة رئيسية إسرائيليون من أصل فلسطيني. وقد ألقي القبض في هذه الاحتجاجات على 715 شخـصاً في إسـرائيل والقدس الشرقية المحتلة. ويبدو أنه لم تحدث أي اعتقالات للمشاركين في احتجاجات مضادة، وكانت نسبة 34 في المائة من الذين اُلقي القبض عليهم تقل أعمارهم عن 18 عاماً. وتلاحظ البعثة أنه تم اعتقال نسبة ضئيلة من هؤلاء المحتجين. وتحث البعثة حكومة إسرائيل على ضمان أن تحترم سلطات الـشرطة حقـوق جميـع مواطنيها، دون تمييز، بما في ذلك حرية التعبير والحق في التجمع السلمي، على النحو الذي يكفله العهد الـدولي الخـاص بالحقوق المدنية والسياسية.
112- وتلاحظ البعثة مع القلق ما ذُكر في التقارير عن حالات لارتكاب العنف البدني من جانب أفـراد مـن الشرطة ضد محتجين، بما في ذلك ضرب المحتجين واتباع سلوك غير ملائم آخر معهم مثل إخضاع مواطني إسرائيل ذوي الأصل الفلسطيني ممن أُلقي القبض عليهم لمعاملة سيئة عنصرية وإبداء تعليقات جنسية بخـصوص الإنـاث أفراد أسرهم. وتتطلب المادة 10 من العهد أن يعامل المحرومون من حريتهم معاملة تتسم بالإنسانية والاحتـرام للكرامة المتأصلة في أفراد البشر.
113- ومن بين المحتجين الذين عرضوا على المحاكم الإسرائيلية، فإن الإسرائيليين من أصل فلسطيني جرى الـتحفظ عليهم في الاحتجاز على نحو غير متناسب انتظاراً للمحاكمة. ويشكل عنصر التمييز والمعاملة التفاضلية بـين مـواطني إسرائيل الفلسطينيين واليهود، حسبما بينته التقارير الواردة، أحد بواعث القلق الأساسية.
114- ووصفت علميات الاستجواب التي تجريها أجهزة الأمن العام الإسرائيلية للنـشطاء السياسيين بأنها من الأفعال التي تسهم أشد الإسهام في إيجاد مناخ من القمع داخل إسرائيل . وتشعر البعثة بالقلق إزاء إرغام النشطاء على حضور مقابلات مع الشاباك (الذي يعرف أيضاً باسم "شين بيت" وهو جهاز الأمن الداخـلي)، دون وجود أي التزام قانوني عليهم بـأن يفعلوا ذلك، وبصورة عامة إزاء عمليات الاستجواب المدعاة للنشطاء الـسياسيين حـول أنشطتهم السياسية.
115- وتلقت البعثة تقارير بشأن التحقيق الذي تجريه حكومة إسرائيل مع منظمة "نيو بروفايل" بخصوص الادعاءات القائلة بأنها تحرض على التهرب من التجنيد، وهو جريمة جنائية، والتقارير القائلة بأن الحكومـة تسعى إلى إنهاء التمويل المقدم من حكومات أجنبية من أجل منظمة "كسر جدار الصمت"، عقب نشر شـهادات لجنـود إسرائيليين بخصوص سلوك القوات المسلحة الإسرائيلية في غزة في كانون الأول/ ديسمبر 2008 وكانون الثاني/ يناير 2009. وتشعر البعثة بالقلق لأن تصرف حكومة إسرائيل مع هذه المنظمات قد يكون له أثر ترهيبي على منظمات حقـوق الإنسان الإسرائيلية الأخرى. فإعلان الأمم المتحدة المتعلق بالمدافعين عن حقوق الإنسان يكفل الحق "في التمـاس وتلقـي واستخدام موارد يكون الغرض منها صراحة هو تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية بالوسائل الـسلمية ". وإذا كان بذل المساعي لدى الحكومات الأجنبية لإنهاء التمويل قد جاء كرد فعل لممارسة المنظمة المعنية لحرية التعبير فإن ذلـك يكون متعارضاً مع روح الإعلان.
116- وقد فرضت حكومة إسرائيل حظراً على وصول وسائط الإعلام إلى غزة بعد 5 تشرين الثاني/ نـوفمبر 2008. وفضلاً عن ذلك، لم يسمح بوصول منظمات حقوق الإنسان إلى القطاع وما زال هذا الحظر قائماً فيما يتعلـق ببعض المنظمات الدولية والإسرائيلية. ولا ترى البعثة أي مبرر لذلك. فوجود الصحفيين والمراقبين الدوليين لحقوق الإنسان يُساعد في التحقيق وفي إبلاغ الجمهور عموماً بسلوك الأطراف في النزاع وربما يحول دون سوء التصرف .وتلاحظ البعثة أن إسرائيل حاولت، في الإجراءات التي اتخذتها ضد النشطاء السياسيين والمنظمات غير الحكومية ووسائط الإعلام، أن تحد من التدقيق العام لسلوكها أثناء عملياتها العسكرية في غزة وكذلك للآثار التي ألحقتها هذه العمليات بسكان غزة، ربما سعياً منها إلى منع التحقيق فيها والإبلاغ العلني عنها.
دال- المساءلة
1- إجراءات إسرائيل وردود فعلها بشأن الادعـاءات القائلـة
بارتكاب قواتها المسلحة انتهاكات ضد الفلسطينيين
117- من الضروري إجراء تحقيقات وكذلك - عندما يكون ذلك ملائماً - محاكمات للمشتبه في ارتكابهم انتهاكات خطيرة من أجل ضمان احترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني ومنع نشوء جو قوامه الإفلات مـن العقاب. وعلى الدول بموجب القانون الدولي واجب التحقيق في الادعاءات القائلة بارتكاب انتهاكات.
118- وقد استعرضت البعثة المعلومات العامة والتقارير المقدمة من حكومة إسرائيل بشأن الإجراءات المتخذة للوفـاء بالتزامها بالتحقيق في الانتهاكات المدعاة (الفصل السادس والعشرون). ووجهت البعثة إلى إسرائيل عدداً من الأسـئلة بشأن هذه المسألة ولكنها لم تتلق أي رد.
119- ورداً على الادعاءات المتعلقة بارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي، أمر المدعي العام العسكري بإجراء تحقيقات جنائية أُغلقت بعد ذلك بأسبوعين وخلصت إلى أن تلك الادعاءات "تستند إلى شهادات سماعية". وأصدرت القوات المسلحة الإسرائيلية أيضاً نتائج خمسة تحقيقات خاصة أجراها ضباط عسكريون ذوو رتب رفيعة خلصت إلى أن "قوات الدفاع الإسرائيلية قد عملت وفقاً للقانون الدولي طوال فترة القتال في غزة "، ولكن تفيد التقارير بأن التحقيقات كشفت عن عدد ضئيل من الأخطاء . وفي 30 تموز/ يوليو 2009، أفادت وسائط الإعلام أن المدعي العام العسكري أمر الشرطة العسكرية بفتح تحقيقات جنائية في 14 حالة من أصـل قرابـة 100 شكوى تتعلق بسلوك جنائي من جانب الجنود. ولم تقدَّم أي تفاصيل.
120- واستعرضت البعثة النظام الداخلي الإسرائيلي للتحقيق والمقاضاة وفقاً للتشريعات الإسرائيلية الوطنية وفي ضـوء الممارسة المعمول بها. ويشمل هذا النظام ما يلي: (أ) الإجراءات التأديبية؛ (ب) عمليات استخلاص المعلومات العملياتية (المعروفـة أيضاً باسم "التحقيقات العملياتية")؛ (ج) التحقيقات الخاصة التي يتولاها ضابط كبير بناء على طلب رئيس الأركـان؛ (د) تحقيقات الشرطة العسكرية التي تجريها شعبة التحقيق الجنائي بالشرطة العسكرية. ويقع في قلب هذا النظام ما يسمى بعملية استخلاص المعلومات العملياتية. وتتمثل عمليات استخلاص المعلومات العملياتية في إجراء مراجعـات للحـوادث والعمليات التي قامبهاالجنود من الوحدة ذاتها أو من التسلسل القيادي نفسه إلى جانب ضابط من رتبة أعلى. والقصد من عمليات استخلاص المعلومات هذه هو خدمة أغراض العمليات.
121- ويتطلب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي من الدول التحقيق وكذلك، عندما يكون ذلك ملائماً، المقاضاة بشأن الادعاءات المتعلقة بارتكاب الأفراد العسكريين لانتهاكات خطيرة. وقد حدد القانون الدولي أيضاً أن هذه التحقيقات ينبغي أن تتسم بالامتثال لمعايير النزاهة والاستقلالية والاستعجال والفعالية . وتؤكد البعثـة أن نظـام التحقيق الإسرائيلي لا يمتثل لجميع هذه المبادئ. ففيما يتصل بـ "استخلاص المعلومات العملياتية" الذي تستخدمه القـوات المسلحة الإسرائيلية كأداة للتحقيق، ترى البعثة أن أداةً مصممة لمراجعة الأداء ولتعلّم الدروس المستفادة لا يمكن أن تكون آلية تحقيق فعالة ونزيهة ينبغي الأخذ بها بعد كل عملية عسكرية قدّمت بشأنها ادعاءات بارتكاب انتهاكات خطيرة. فهي لا تمتثل لمبدأي النزاهة والاستعجال في التحقيقات المسلّم بهما دولياً. فثمة عيب رئيسي في نظام التحقيق الإسرائيلي يتمثل في أن التحقيقات الجنائية الحقيقية لا يمكن أن تبدأ إلا بعد انتهاء "استخلاص المعلومات العملياتية".
122- وتخلص البعثة إلى أنه توجد شكوك جدية حول استعداد إسرائيل لإجراء تحقيقات حقيقية بطريقة نزيهة و مستقلة وعاجلة وفعالة على نحو ما يتطلبه القانون الدولي. ومن رأي البعثة أيضاً أن النظام الإسرائيلي على وجه الإجمال يتـصف بسمات تمييزية متأصلة فيه تجعل من العسير إتاحة سُبل نيل العدالة أمام الضحايا الفلسطينيين.
2- الإجراءات المتخذة من جانب السلطات الفلسطينية
(أ) الإجراءات المتصلة بالأفعال التي وقعت في قطاع غزة
123- لم تجد البعثة أي دليل على أن سلطات غزة قد أقامت أي نظام للمراقبـة العامـة أو المساءلة فيمـا يتـصل بالانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي وللقانون الدولي لحقوق الإنسان. ويساور البعثة القلق إزاء التجاهل المستمر للقانون الإنساني الدولي الذي تقوم في ظله الجماعات المسلحة في قطاع غزة بأنشطتها العسكرية، عن طريـق عمليـات إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون، الموجهة ضد إسرائيل. وعلى الرغم مما أوردته بعض تقارير وسائط الإعلام، ما زالت البعثـة غير مقتنعة بأن السلطات قد اتخذت أي مبادرات حقيقية وفعالة لتناول القضايا الخطيرة المتعلقـة بانتـهاكات القـانون الإنساني الدولي في إطار مباشرة الأنشطة المسلحة من جانب الجماعات المتشددة في قطاع غزة.
124- وعلى الرغم من بيانات صادرة عن سلطات غزة وأي إجراء ربما تكون قد اتخذته، لا تعلم به البعثة، ترى البعثة أيضاً أن الادعاءات المتعلقة بأعمال القتل والتعذيب وإساءة المعاملة في قطاع غزة قد مرت إلى حد كبير دون التحقيق فيها.
(ب) الإجراءات المتصلة بالأفعال الواقعة في الضفة الغربية
125- في ما يتعلق بالانتهاكات ذات الصلة التي حُددت في الضفة الغربية، يبدو، مع استثناءات قليلة، أنه توجد درجـة من التغاضي إزاء انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد المعارضين السياسيين، مما أسفر عن عدم وجود المساءلة عن هذه الإجراءات. كما أن وزارة الداخلية قد تجاهلت قرارات المحكمة العليا بإطلاق سراح عدد من المحتجزين أو بإعادة فـتح بعض الجمعيات التي أغلقتها السلطات.
126- وفي ظل هذه الظروف، لا تستطيع البعثة اعتبار التدابير التي اتخذتها السلطة الفلسطينية تدابير يعتد بها لغرض محاسبة مرتكبي الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي، وهي تعتقد أنه يجب بقدر أكبر من الالتزام الوفاء بالمسؤولية عن حماية حقوق الأشخاص وهي المسؤولية التي تدخل في صلب السلطات التي تتولاها السلطة الفلسطينية.
3- الولاية القضائية العالمية
127- في سياق القدر المتزايد من عدم استعداد إسرائيل لفتح تحقيقات جنائية تمتثل للمعايير الدولية، فإن البعثة تدعم الاعتماد على الولاية القضائية العالمية كسبيل متاح أمام الدول للتحقيق في انتهاكات أحكام اتفاقيات جنيف لعام 1949 المتعلقة بارتكاب خروق خطيرة، ولمنع الإفلات من العقاب، وللنهوض بالمسؤولية الدولية (الفصل الثامن والعشرون).
4- التعويضات
128- يقرر القانون الدولي أيضاً أنه عند وقوع انتهاك لالتزام دولي، ينشأ التزام بتقديم تعويضات. ومـن رأي البعثة أن الهيكل الدستوري الحالي والتشريعات الموجودة في إسرائيل لا يتيحان مجالاً كبيراً، إن كانا أصلاً يتيحان أي مجال، أمام الفلسطينيين لالتماس التعويض. ويتعين على المجتمع الدولي أن يتيح آلية إضافية أو بديلة للتعويض عن الأضرار أو الخسائر التي تكبدها المدنيون الفلسطينيون أثناء العمليات العسكرية (الفصل التاسع والعشرون).
هاء- الاستنتاجات والتوصيات
129- تضع البعثة في الفصل الثلاثين، الذي يتضمن أيضاً موجزاً باستنتاجاتها القانونية، استنتاجات عامة بشأن التحقيقات التي أجرتها.
130- ثم تقدم البعثة توصيات إلى عدد من هيئات الأمم المتحدة وإلى إسرائيل والسلطات الفلسطينية المـسؤولة والمجتمع الدولي بشأن ما يلي: (أ) المحاسبة عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي؛ (ب) التعويضات؛ (ج) الانتهاكات الخطيرة لقانون حقوق الإنسان؛ (د) الحصار والتعمير؛ (هـ) استعمال الأسلحة والإجراءات العسكرية؛ (و) حماية منظمات حقوق الإنسان والمدافعين عن حقوق الإنسان؛ (ز) متابعة توصيات البعثة. وترد التوصيات بالتفصيل في الفصل الحادي والثلاثين.
----
الجزء الخامس: الاستنتاجات والتوصيات
ثلاثون- الاستنتاجات
ألف- ملاحظات ختامية
1874- إن تقييم الأحداث التي حققت فيها البعثة وأسبابها وسياقها تقييم اً موضوعياً أمر حاسم لنجاح أي جهد يرمي إلى إحقاق العدالة لضحايا الانتهاكات ولتحقيق السلام والأمن في المنطقة، وهو بذلك يخدم مصلحة جميع المعنيين والمتأثرين بهذا الوضع، بما في ذلك طرفا الأعمال العدائية المستمرة. وبهذه الروح، وفي ظل التقدير الكامل لمدى تعقيد هذه المهمة، تلقت البعثة ولايتها وقامت بتنفيذها.
1875- ويتحمل المجتمع الدولي وكذلك إسرائيل، وكذلك السلطات الفلسطينية بالقدر الذي تحدده سلطتها ووسائلها، المسؤولية عن حماية ضحايا الانتهاكات وضمان عدم استمرار معاناتهم ويلات الحرب أو اضطهادهم وإذلالهم على يد الاحتلال أو من الهجمات العشوائية بالصواريخ. وللشعب الفلسطيني الحق في أن يقرر بحرية نظامه السياسي والاقتصادي، بما في ذلك الحق في أن يقاوم حرمانه قسر اً من حقه في تقرير مصيره، والحق في أن يعيش في دولته في سلام وحرية. ولشعب إسرائيل الحق في أن يعيش في سلام وأمن. ولكلا الشعبين الحق في العدالة وفقاً للقانون الدولي.
1876- ولدى اضطلاع البعثة بولايتها، فإنها استرشدت حصراً بالقانون الدولي العام والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي والالتزامات التي تقع على عاتق الدول بمقتضاها والواجبات التي تلقيها على الأطراف من غير الدول، وفوق ذلك كله بالحقوق والامتيازات التي تخولها للأفراد. ولا يعني هذا بحال مـن الأحوال المساواة بين وضع إسرائيل كسلطة احتلال ووضع الشعب الفلسطيني المحتل أو الكيانات التي تمثله. فالاختلافات واضحة بين الوضعين من حيث القوة والقدرة على إلحاق الأذى أو توفير الحماية، بما في ذلك عن طريـق إحقاق العدل عند وقوع انتهاكات، كما أنه لا سبيل، أو ضرورة، للمقارنة بينهما . بيد أن ما يتطلب نفس القدر من العناية والجهد هو حماية جميع الضحايا وفقاً للقانون الدولي.
باء- العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة: صلتها وارتباطاتها
بالسياسات الإسرائيلية تجاه الأرض الفلسطينية المحتلة
1877- ترى البعثة أن العملية العسكرية الإسرائيلية التي وقعت في غزة في الفترة بين 27 كـانون الأول/ ديسمبر 2008 و18 كانون الثاني/ يناير 2009 وما ترتب عليها من أثر لا يمكن فهمهما أو تقييمهما بمعزل عن التطـورات السابقة على هذا العملية واللاحقة لها. فهذه العملية تندرج في إطار سلسلة متوالية من السياسات الرامية إلى مواصلة السعي لتحقيق الأهداف السياسية الإسرائيلية تجاه غزة والأرض الفلسطينية المحتلة ككل. والعديد من هذه السياسات يستند أو يفضي إلى انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. والأهداف العسكرية كما بيّنتها حكومة إسرائيل لا تشرح الوقائع التي أكدتها البعثة، ولا تتوافق مع الأنماط التي حـددتها البعثة أثناء التحقيق.
1878- وتتجلى أقرب صورة لهذه السلسلة المتواصلة من الـسياسات في سياسـة الحصار التي سبقت العمليات والتي ترقى، في نظر البعثة، إلى عقوبة جماعيـة تفرضـها الحكومة الإسرائيلية عمداً على سكان قطاع غزة. فعندما اندلعت العمليـات، كـان قطاع غزة يخضع لنظام صارم من الإغلاق وتقييد حركة السكان والسلع والخـدمات على مدى ثلاث سنوات تقريباً. وقد شمل ذلك الاحتياجات الأساسية للحيـاة، مثـل الغذاء والإمدادات الطبية والمنتجات المطلوبة لاستمرار الحيـاة اليوميـة، كـالوقود والكهرباء واللوازم المدرسية ومواد الترميم والبناء. وقد فرضت إسرائيل هذه التدابير بدعوى عزل وإضعاف حماس على إثر فوزها في الانتخابات، بالنظر إلى ما تـشعر بـه إسرائيل من أن حماس تشكل تهديداً مستمراً لأمنها. وقد تفاقم أثر تلك التدابير بفعـل اللجوء، للأسباب ذاتها، إلى حجز بعض المساعدة المالية وغيرها من المـساعدات الـتي قدمها المانحون. ومما زاد من صعوبة الوضع المتأزم أصلاً في قطاع غزة أن آثار الحـصار المتواصل لم يسلم منها أي جانب من جوانب حياة الغزيين. وقبل العملية العـسكرية، كان اقتصاد قطاع غزة مستنزفاً، وقطاعه الصحي محاصراً من كل جانـب، وسـكانه مرغمين على الاعتماد على المساعدة الإنسانية للبقاء على قيد الحياة ومواصلة حيـاتهم اليومية. وكان الرجال والنساء والأطفال يعانون نفسياً من فقر طال أمده، ومن انعدام الأمن ومن العنف، ومن إكراههم على الانحباس في إقليم مكتظ اكتظاظاً شديدا. لقـد جرى النَيل بشدة من كرامة سكان قطاع غزة. وهذا الوضع هو الذي كان سائداً في القطاع عندما شنت القوات المسلحة الإسرائيلية هجومها في كانون الأول/ ديسمبر 2008. وقـد أدت العمليات العسكرية والطريقة التي جرت بها إلى تفاقم آثار الحصار المذكورة تفاقماً كبيراً. وكانت النتيجة التي حدثت، في وقت قصير جداً، هي وقوع أضرار طويلة الأمد لم يسبق لها مثيل للسكان ولآفـاق تنميتهم وتعافيهم معاً.
1879- وتحليل طرائق وأثر العمليات العسكرية التي جرت في كانون الأول/ ديـسمبر - كانون الثاني/ يناير يضع هذه العمليات أيضاً، في نظر البعثة، في سياق سلسلة متواصلة تضم أيضا عددا من السياسات الإسرائيلية الأخرى القائمـة مـن قبـل إزاء الأرض الفلسطينية المحتلة. فعزل وفصل قطاع غزة تدريجياً عن الضفة الغربية، وهي الـسياسة التي بدأت قبل ذلك بكثير وجرى تدعيمها على وجه الخصوص بفرض عمليات إغلاق صارمة وقيود على الحركة ثم الحصار في نهاية المطاف، هي من بين أكثر هذه الإجراءات وضوحاً. كما أدت عدة تدابير اتخذتها إسرائيل تجاه الـضفة الغربيـة أثنـاء وعقـب العمليات العسكرية على قطاع غزة إلى زيادة تعميق السيطرة الإسرائيلية على الـضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وهو ما يؤشر إلى تلاقي الأهـداف مـع العمليـات العسكرية على غزة. وتشمل هذه التدابير زيادة مصادرة الأراضـي وهـدم المنـازل وإصدار أوامر بالهدم وتصاريح لبنـاء مـساكن في المـستوطنات، وتـشديد زيـادة الإجراءات الرسمية على حركة الفلسطينيين والقيود على تنقلاتهم، وفرض إجـراءات جديدة أكثر صرامة على المقيمين في قطاع غزة بخصوص تحويل إقامتـهم إلى الـضفة الغربية. وكانت الجهود المنهجية لعرقلة وتقييد العمليات الديمقراطيـة الـتي قررهـا الفلسطينيون بأنفسهم، ليس أقلها باعتقال الممثلين السياسيين المنتخبين وأعـضاء مـن الحكومة ومعاقبة سكان غزة بسبب ما تعتبره إسرائيل دعمهم لحماس، قد تُوجت بشن هجمات على مبانٍ حكومية أثناء الهجوم على غزة، وعلى رأس هذه المباني مبنى المجلس التشريعي. ولهذه السياسات والإجراءات أثر تراكمي هو ما يجعل احتمالات التكامـل السياسي والاقتصادي بين قطاع غزة والضفة الغربية أبعد منالاً.
جيم- طبيعة العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة وأهدافها وغاياتها
1880- لقد شدد الفلسطينيون والإسرائيليون الذين التقت بهم البعثة مراراً وتكراراً علـى أن العمليـات العسكرية التي شنتها إسرائيل على غزة في الفترة من 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008 حتى 18 كانون الثاني/ يناير 2009 كانت مختلفة نوعياً عن أي عمل عسكري سابق قامت به إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة. وبالرغم من الظروف القاسية التي كانت سائدة في قطاع غزة لأمد طويل، ذكر ضحايا ومراقبون منذ فترة طويلة للوضع الفلسطيني أن هذه العمليات لم يسبق لها مثيل في قسوتها وأن عواقبها ستدوم طويلاً.
1881- وعندما قامت البعثة بزيارتها الأولى إلى قطاع غزة في أوائل حزيران/ يونيو 2009 ،كانت خمـسة أشهر تقريباً قد مضت على نهاية العمليات العسكرية الإسرائيلية. بيد أن الآثار المدمرة التي خلفتـها هـذه العمليات على السكان كانت بادية بوضوح. وبالإضافة إلى التدمير الظاهر للعيان الذي لحق بالمنازل والورش والآبار والمدارس والمستشفيات ومراكز الشرطة وغيرها من المباني العامة، فإن مشاهد الأسر، بشيوخها وأطفالها، وقد ظلت تعيش وسط ركام بيوتها المهدمة – حيث لا يمكن إجراء أي عملية إعادة بنـاء بسبب استمرار الحصار - كانت دليلاً على طول أمد أثر هذه العمليات على ظروف معيشة سـكان غـزة .وكانت التقارير التي تحدثت عن حدوث صدمات نفسية أثناء الهجمات، وإجهاد نتيجة الإحساس بعدم اليقين إزاء المستقبل، ومشقة العيش، والخوف من التعرض لهجمات أخرى، قد أشارت إلى وقوع آثار أقل ظهوراً ولكنها ليست أقل خطراً على المدى البعيد.
1882- وقد تأثرت النساء من أوجه عدة. ويجب أن يولى وضعهن عناية خاصة في أي جهد يرمي إلى معالجة عواقب الحصار، واستمرار الاحتلال، والعمليات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة.
1883- ووفقاً لما ذكرته الحكومة الإسرائيلية، كانت العمليات العسكرية على غـزة موضع تخطيط دقيق وشامل. وبينما سعت الحكومة الإسرائيلية إلى تصوير عملياتها على أنها تأتي أساساً رداً على هجمات الصواريخ، ممارِسة بذلك حقها في الدفاع عن النفس، فإن البعثة تعتبر أن الخطة قد وُجّهت، جزئياً على الأقل، إلى هـدف مغـاير ألا وهـو استهداف سكان غزة بأسرهم.
1884- وفي هذا الصدد، كانت هذه العمليات تنفيذاً لسياسة شاملة تهدف إلى معاقبة سـكان غـزة علـى صمودهم ودعمهم الظاهر لحماس، وربما بنية إحداث تغيير بالقوة في هذ ا الدعم. وترى البعثة أن هذا الموقـف يستند استناداً راسخاً إلى أساس من الواقع بالنظر إلى ما شاهدته وسمعته على الأرض، وإلى ما اطّلعت عليه ممـا رواه جنود خدموا في هذه الحملة، وإلى ما سمعته وقرأته من أقوال الضباط العسكريين والقادة السياسيين الحاليين والسابقين الذين ترى البعثة أنهم يمثلون الفكر الذي تشكلت على أساسه سياسة واستراتيجية هذه العمليات العسكرية.
1885- وتدرك اللجنة أن التركيز الرئيسي في أعقاب العمليات العسكرية غالباً ما ينصب على السكان الـذي قُتلوا - أكثر من 1400 في ظرف ثلاثة أسابيع فقط. وذلك عين الصواب. ويكمن جزء من مهام تقرير كهذا في محاولة القيام، وإن بقدر يسير للغاية، باستعادة كرامة أولئك الذين انتُهكت حقوقهم في أبسط أشكالها على الإطلاق، وهو الحرمان من الحياة تعسفاً. ومن المهم أن يؤكد المجتمع الدولي رسمياً وبوضوح لا لبس فيه على أن مثل هذا العنف الذي ينال من أبسط الحقوق والحريات الأساسية للأفراد ينبغي عدم تجاهله وينبغي إدانته.
1886- وفي هذا الصدد، تسلم البعثة بأن حالات الوفاة لا تشكل جميعها انتهاكات للقانون الإنساني الدولي. فمبدأ التناسبية يقر بأن الأعمال التي تسفر عن إزهاق أرواح مدنيين قد لا تكون خارجة عـن القـانون إذا توافرت شروط صارمة معينة. وما يجعل تطبيق وتقدير مبدأ التناسبية صعباً بخصوص الكثير من الأحداث التي حققت فيها البعثة هو أن أفعال القوات المسلحة الإسرائيلية وأقوال القادة العسكريين والسياسيين قبل وأثناء العمليات تشير إلى أن تلك الأحداث استندت بشكل عام إلى سياسة متعمدة قوامها ممارسة القوة غير المتناسبة الموجهة ليس إلى العدو بل "الهياكل الأساسية الداعمة له". ويبدو من الناحية العملية أن المقصود بذلك هـم السكان المدنيون.
1887- فتوقيت الهجوم الإسرائيلي الأول، أي الساعة 11:30 من صباح يوم من أيام العمل، عندما كان الأطفال عائدين من المدارس وشوارع غزة مكتظة بالناس الذين يقضون حوائجهم اليوميـة، كـان علـى ما يبدو محسوباً لإحداث أكبر قدر من الخلل والفزع على نطاق واسع بين السكان المدنيين. وكانت معاملـة الكثير من المدنيين المحتجزين أو حتى الذين قتلوا وهم يحاولون الاستسلام أحد مظاهر الطريقة التي يبـدو أن القواعد الفعلية للاشتباك، والإجراءات القياسية للعمليات، والتعليمات التي أعطيت للجنود على الأرض قد صيغت بها من أجل إحداث بيئة استعيض فيها عن مراعاة أرواح المدنيين، وأبسط أسس كرامة الإنسان علـى النحو الواجب، بتجاهل المعايير الأساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
1888- وتسلم البعثة تسليماً كاملاً بأن القوات المسلحة الإسرائيلية، شأنها شأن أي جيش يحاول التصرف في حدود معايير القانون الدولي، يجب عليها تجنب تعريض حياة جنودهـا لمخـاطر لا لـزوم لهـا، ولكـن ليس بوسعها أن تنقل تلك المخاطر إلى أرواح المدنيين رجالاً ونساءً وأطفالاً. فالمبدآن الأساسيان المتمثلان في التمييز والتناسبية ينطبقان في ساحة المعركة، سواء كانت ساحة المعركة تلك واقعة في منطقة حضرية مبنيـة أو في ميدان مفتوح.
1889- والإخفاق المتكرر في التمييز بين المقاتلين والمدنيين بدا للبعثة أنه كان ناتجاً عن توجيهات مقـصودة صدرت للجنود، على غرار ما أوضحه بعضهم، وليس ناتجاً عن هفوات تحدث من حين لآخر.
1890- وتقر البعثة أن بعض الذين قتلوا كانوا مقاتلين مشاركين بشكل مباشر في الأعمال القتالية ضد إسرائيل، ولكن الكثير منهم لم يكونوا كذلك. وتُبين نتيجة العمليات وأساليبها أنها لم تكن، في نظر البعثة، موجهة إلا جزئياً فقط لقتل قادة وأعضاء حماس وكتائب القسّام والجماعات المسلحة الأخرى. فقد كانت هذه العمليات إلى حـد كبير أيضاً تستهدف تدمير الممتلكات المدنية وسبل عيش السكان المدنيين أو تعطيل صلاحيتها.
1891- ويتضح من الأدلة التي جمعتها البعثة أن تدمير منشآت التزويد بالغذاء، وشبكات الميـاه والمرافـق الصحية، ومصانع الخرسانة، والوحدات السكنية، كان نتيجة لسياسة مقصودة ومنهجية انتهجتها القـوات المسلحة الإسرائيلية. وقد نفذت هذه السياسة ليس لأن تلك الأهداف كانت تمثل تهديداً عسكرياً أو بمحض الصدفة، بل لجعل مسار الحياة اليومية والعيش الكريم للسكان المدنيين أكثر صعوبة.
1892- ويبدو أن ثمة أيضاً اعتداءً على كرامة السكان صاحب الهدم المنهجي للقدرة الاقتصادية لقطاع غزة. وقد شوهد ذلك ليس فقط في استخدام الـدروع البـشرية والاحتجاز غير المشروع في ظروف غير مقبولة أحياناً، بل أيضاً في تخريب البيوت عند احتلالها وفي الطريقة التي يعاملبهاالناس عند اقتحام بيوتهم. فالكتابات على الجـدران والتصرفات القبيحة والشعارات العنصرية في كثير من الأحيان، شكلت كلها صـورة إجمالية لنهج يقصد به إذلال الشعب الفلسطيني وامتهان كرامته..
1893- لقد كانت العمليات مخططة بعناية في جميع مراحلها. وقد قُدّمت آراء واستشارات قانونية طـوال مراحل التخطيط وعلى مستويات تنفيذية معينة أثناء الحملة. ووفقاً لما أعلنته حكومة إسرائيل، لم تكن هناك، تقريباً، أية أخطاء. وفي ظل هذه الظروف بالذات، تخلص البعثة إلى أن ما حدث على مدى فترة تزيد قليلاً على ثلاثة أسابيع، من أواخر عام 2008 إلى بداية عام 2009 ،كان هجوماً غير متناسب بشكل متعمد قصد به معاقبة السكان المدنيين وإذلالهم وإرهابهم، وتقويض قدرتهم الاقتصادية المحلية على العمل وعلى سـد احتياجـاتهم بأنفسهم معاً تقويضاً جذرياً، ولتعميق الشعور المتزايد لديهم باستمرار الاعتماد على الغير وبالضعف.
1894- ولاحظت البعثة بقلق البيانات العامة التي أدلىبهامسؤولون إسرائيليون، بمن فيهم كبار المسؤولين العسكريين، ومؤداها أن استعمال القوة على نحو غير متناسب وشن هجمات على السكان المدنيين وتـدمير الممتلكات المدنية أساليب مشروعة لتحقيق الأهداف العسكرية والسياسية الإسرائيلية. وتعتقد البعثة أن مثل هذه البيانات لا تقوض نظام القانون الدولي برمته فحسب، بل هي تتنافى مع روح ميثاق الأمم المتحدة، ومن ثم فهي تستحق الإدانة بصورة قاطعة.
1895- وأياً كانت الانتهاكات التي ارتكبت في حق القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، فإن الطبيعة المنهجية والمتعمدة للأنشطة المبيّنة في هذا التقرير لا تترك أدنى شك لدى البعثة بأن المسؤولية تقع في المقام الأول على الذين صمموا هذه العمليات وخططوا لها وأصدروا الأوامر لتنفيذها وأشرفوا عليها.
دال- الاحتلال والصمود والمجتمع المدني
1896- إن الروايات التي تحدثت عن احتدام العنف أثناء العمليات العسكرية الأخيرة لم تحجب حقيقة أن مفهوم "الأوضاع الطبيعية" في قطاع غزة قد أعيد تحديده منذ أمد بعيد بسبب حالة التعسف وانعدام الحماية التي طال أمدها نتيجة للاحتلال على مدى عقود من الزمن.
1897- ومع تركيز البعثة تحقيقها وتحليلها على المسائل المحددة التي تندرج في إطـار ولايتـها، بـرز الاحـتلال الإسرائيلي المستمر لقطاع غزة والضفة الغربية على أنه العامل الأساسي الذي تكمن وراءه انتهاكات القانون الدولي لحقـوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي المرتكبة في حق السكان المشمولين بالحماية والذي يقوض احتمالات تحقيق التنمية والسلام. لقد أدى فشل إسرائيل في الإقرار بمسؤولياتها وممارستها بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال، ولا يزال يـؤدي إلى زيادة وطأة آثار الاحتلال على الشعب الفلسطيني. وفضلاً عن ذلك، فإن ممارسات الاحتلال القاسية وغير المشروعة، هي أبعد من أن تخمد المقاومة، بل تغذيها وتغذي معها مظاهر العنف التي تفرزها. وترى البعثة أن إنهـاء الاحـتلال شرط مسبق لعودة الحياة الكريمة للفلسطينيين، فضلاً عن تحقيق التنمية والتوصل إلى حل سلمي للنزاع.
1898- وقد ذُهلت البعثة إزاء مدى صمود الشعب وشعوره بالعزة في ظل الظروف العصيبة التي يمر بهـا .فقد نقل مدير عمليات الأونروا في غزة، السيد جون جينغ، إلى البعثة جواب معلم في غزة أثناء مناقشة جرت معه بعد انتهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية بشأن تعزيز تدريس حقوق الإنسان في المدارس. فبـدلاً مـن الإعراب عن تشكيكه في جدوى تدريس حقوق الإنسان في ظل التنكر المتجدد للحقوق، أيّد المعلم بدون تردد استئناف دروس تدريس حقوق الإنسان، قائلا: "إنها حرب قيم، ولن نخسر هذه الحرب".
1899- إن العمل الدؤوب الذي قامت به المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني الفلـسطينية في مجال تقديم الدعم للسكان في مثل هذه الظروف البالغة الشدة، وفي مجال إسماع صوت ضحايا الانتهاكات في معاناتهم وتطلعاتهم، يستحق منا التقدير الكامل. وليس من المغالاة في شيء التأكيد على الدور الذي اضطلعت به هذه المنظمات في المساعدة على استمرار الشعب في صموده وفي اعتزازه بنفسه. فقد استمعت البعثـة إلى عدة شهادات عن عاملين في منظمات غير حكومية وأطباء وسائقي سيارات إسعاف وصحفيين ومراقبين لحقوق الإنسان خاطروا بأرواحهم، في أوج العمليات العسكرية، في سبيل خدمة السكان المحتاجين. وكثيراً ما أعربوا عن قلقهم إذ كان عليهم الاختيار بين البقاء بالقرب من ذويهم أو مواصلة العمل لمساعدة الآخرين المحتاجين للمساعدة، ومن ثم الانقطاع في كثير من الأحيان عن الأخبار التي تطمئنهم على سلامة أفراد أسرهم وأماكن وجودهم. وتود البعثة أن تشيد بشجاعة وعمل الأفراد العديدين الذين ساهموا على هذا النحو في التخفيف من معاناة السكان وفي الإبلاغ عن الأحداث التي وقعت في غزة.
هاء- الهجمات بالصواريخ وبقذائف الهاون داخل إسرائيل
1900- لقد أطلقت الجماعات المسلحة الفلسطينية آلاف الصواريخ وقذائف الهاون داخل إسرائيل منـذ نيسان/ أبريل 2001. وقد نجحت عمليات الإطلاق هذه في إحداث رعب في أوسـاط الـسكان المـدنيين الإسرائيليين، بدليل ارتفاع معدلات الإصابة بالصدمات النفسية في أوساط المجموعات السكانية المتأثرة. وقد أدت الهجمات أيضاً إلى تآكل أسباب الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لهذه المجتمعات المحلية في جنوب إسرائيل، كما أثرت في الحق في التعليم لعشرات الآلاف من الأطفـال والـشباب الملـتحقين بالمـدارس في المناطق المتأثرة.
1901- وخلال الفترة ما بين 27 كانون الأول/ ديـسمبر 2008 و 18 كـانون الثاني/ يناير 2009، خلفت هذه الهجمات، خلال فترة ولاية البعثة، أربعة قتلى ومئات الجرحى. ويُعزى عدم وقوع مزيد من الضحايا إلى مزيج من الحظ والتدابير التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك تحصين البنايـات العامة وبناء الملاجئ وغلق المداس في أوقات التصعيد في العمليات القتالية.
1902- وتلاحظ البعثة مع القلق أن إسرائيل لم توفر نفس المستو ى من الحماية من الصواريخ وقذائف الهـاون للمواطنين الفلسطينيين المتأثرين كما فعلت للمواطنين من اليهود. فقد أخفقت على وجه الخصوص في توفير ملاجئ عامة أو تحصينات للمدارس على سبيل المثال للسكان الفلسطينيين الذين يعيشون في القرى غير المعترف بها وحتى في بعض القرى المعترف بها. ولا بد أن يكون مسلماً به أن الآلاف من فلسطينيي إسرائيل - ومنهم عدد كبير من الأطفال - الذين يعيشون داخل مدى نيران الصواريخ، يستحقون نفس الحماية التي تقدمها الحكومة الإسـرائيلية على مواطنيها من اليهود.
واو- الأصوات المعارضة في إسرائيل
1903- إذا كان الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة قد حظي بدعم الرأي العام الإسرائيلي على نطـاق واسع، فقد كانت هناك أصوات معارضة، عبّرت عن نفسها بالتظاهر والاحتجاج، وكذلك بالإبلاغ العام عـن تصرفات إسرائيل. وترى البعثة أن الأعمال التي قامت بها الحكومة الإسرائيلية أثناء وبعد العمليات العسكرية على قطاع غزة، بما في ذلك استجواب الناشطين السياسيين، وقمع الأصوات الناقدة ومصادر الانتقاد الممكنـة للأعمال العسكرية الإسرائيلية، ولا سيما المنظمات غير الحكومية، قد ساهمت إلى حد كبير في إيجاد مناخ سياسي لا يُسمح فيه بالاعتراض على الحكومة وعلى الأعمال التي تقومبهافي الأرض الفلسطينية المحتلة. ورفْض السماح لوسائط الإعلام بالدخول إلى غزة واستمرار رفض السماح لمراقبي حقوق الإنسان من الـدخول إلى غـزة ما هو، في نظر البعثة، إلا محاولة لحجب الأعمال التي تقوم بها الحكومة في الأرض الفلسطينية المحتلة عن أنظـار الجمهور ولعرقلة التحقيقات وعمليات الإبلاغ عن تصرف طرفي النزاع في قطاع غزة.
1904- وفي ظل هذا السياق الذي يتسم بزيادة عدم التسامح إزاء الآراء المعارضة في إسرائيل، ترغب البعثة في الإشادة بالعمل الصعب الذي قامت به المنظمات غير الحكومية في إسرائيل، والتي تستمر بشجاعة في توجيه النقد لعمل الحكومة الذي ينتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. فعمل هذه المنظمات ضروري ليس لضمان تزويد الإسرائيليين والرأي العام الدولي بمعلومات مستقلة فحسب، بل أيضاً لتشجيع إجراء حوار قائم على الوقائع بشأن هذه المسائل داخل المجتمع الإسرائيلي.
زاي- أثر التجريد من الإنسانية
1905- إن إحدى سمات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما هو الحال في كثير من الصراعات، هي تجريد الآخر، ولا سيما الضحية، من صفته الإنسانية. وقد شرح الدكتور إياد السراج، الطبيب النفساني الفلسطيني، دورة العدوان والشعور بالوقوع ضحية التي يكون فيها "الفلسطيني في أعين الجندي الإسرائيلي ليس كائناً بشرياً مساوياً له. وأحياناً [...] يصبح بمثابة شيطان [...]" فهذه "الثقافة التي تقوم على شيطنة الآخر وعلى نزع صـفته الإنـسانية" تـأتي استمراراً لحالة جنون الاضطهاد السائدة. "ولهذه الحالة مظهران، مظهر شعور المرء بأنه ضحية، فأنا ضحية هذا العالم، والعالم أجمع ضدي ويقف في الجانب الآخر، وأنا في منزلة أعلى من هذا العالم وأستطيع قمعـه. وهـذا يـؤدي إلى ما يُطلق عليه غطرسة القوة". ونحن كفلسطينيين، "ننظر إلى الإسرائيليين عموماً على أنهـم شـياطين وبوسـعنا أن نبغضهم، وما نقوم به هو ردة فعل، ونقول إن الإسرائيليين لا يفهمون إلا لغة القوة. وما نقوله عن الإسـرائيليين يقولونه عنا، أي أننا لا نفهم إلا لغة العنف أو القوة. وعندئذ نرى غطرسة القوة التي يـستخدمها [الإسـرائيلي] دون التفكير في الجانب الإنساني مطلقاً. وأرى أننا نشاهد ليس حالة حرب فحسب بل أيضاً حالة ثقافية ونفسية، وآمل، أتمنى أن يبدأ الإسرائيليون، وهناك يهود كثيرون جداً حول العالم وفي إسرائيل ممن يلقون نظرة فاحصة على أنفسهم، ولديهم بصيرة تجعلهم، يخففون من الخوف الذي يتملكهم، لأن هناك حالة خوف في إسرائيل بالرغم من كل القـوة التي تملكها، وأن يبدأوا في السير في طريق معالجة آثار شعورهم بأنهم ضحايا والبدء في معاملة الفلسطيني كواحد من البشر، ككائن بشري من جميع الوجوه يتساوى مع الإسرائيلي في الحقوق؛ والعكس صحيح أيضاً، إذ يجـب علـى الفلسطيني أن يتعامل مع نفسه، وأن يحترم نفسه ويحترم اختلافاته لكي يستطيع الوقوف أمام الإسرائيلي أيضاً باعتباره كائناً بشرياً كاملاً له نفس الحقوق والواجبات. وهذا هو الطريق الحق لتحقيق العدل والسلام".
1906- وقدم عوفر شينار، وهو معلم إسرائيلي في إحدى الكليات، تحليلاً مماثلاً حين قال: "مـشكلة المجتمـع الإسرائيلي تكمن في أنه مجتمع يشعر، بسبب النزاع، أنه ضحية، وهو أمر له ما يبرره إلى حد كبير، ومن الصعب جداً على المجتمع الإسرائيلي أن يتحول، وأن يشعر بأنه يستطيع أيضاً أن يرى الجانب الآخر وأن يدرك أن الجانب الآخر ضحية أيضاً. وهنا تكمن في نظري المأساة الكبرى لهذا الصراع ومن الصعب جداً التغلب عليها [...]وأعتقد أن المبادرة التي اتخذتموها للاستماع إلى [...] الناس [...] تكتسي أهمية بالغة. فالرسالة التي توجهونها إلى المجتمع الإسرائيلي لا لبس فيها على الإطلاق وهي أنكم محايدون، وأن من الضروري أن تتمكنـوا مـن الوقوف على حقيقة أن الشعور بالوقوع ضحية أمر يميز كلا الجانبين. ويقتضي نهوضكم بهـذه المسؤولية أن تدركوا مدى صعوبة تمرير هذه الرسالة إلى المجتمع الإسرائيلي، ومدى انغلاق المجتمع الإسرائيلي، وإلى أي مدى يصعب على المجتمع الإسرائيلي إدراك أن الجانب الآخر ليس فقط الطـرف الذي ينتهك حقوقنا الإنسانية، بل إنه يتعرض هو الآخر إلى انتهاك حقوقه الإنسانية، وأنه يعاني هو أيضاً".
1907- ولدى اضطلاع البعثة بولايتها المتمثلة في التحقيق في الانتهاكات المدّعاة للقانون الدولي التي حدثت في سياق العمليات العسكرية التي وقعت في الفترة من كانون الأول/ ديسمبر 2008 إلى كانون الثاني/ يناير 2009 في غزة، فإنها تحدثت في الأغلب إلى أشد المتضررين من آخر أحداث هذا الصراع الذي امتد لعقود من الزمن. وكما هو متوقع، وجدت البعثة المجتمعات في المنطقة مثخنة بالجراح من أثر العيش في خضم هذ ا الصراع وما ترتب عن ذلك مـن صدمات نفسية كبيرة من جراء حياة قد تبدو لأولئك الذين يعيشون في بلدان تنعم بقدر أكبر من الـسلم بأنهـا لا تطاق، وهم محقون في ذلك.
1908- فالفلسطينيون والإسرائيليون على السواء ينتابهم شعور مشروع بالغضب إزاء الحياة التي يُحبرون على عيشها. وبالنسبة للفلسطينيين، فإن الغضب من أحداث فردية - الخسائر في صفوف المدنيين، والإصابات والتدمير في غزة من جراء الهجمات العسكرية، والحصار، واستمرار بناء الجدار الفاصـل خـارج حـدود عام 1967 - تزيد من الغضب المتأصل الذي يؤججه استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وإذلاله اليومي لهـم، وعـدم إعمال حقهم في تقرير مصيرهم حتى الآن. أما بالنسبة للإسرائيليين، فإن التصريحات العامـة الـتي تطلقهـا الجماعات المسلحة الفلسطينية احتفالاً بهجمات الصواريخ وقذائف الهاون على المدنيين تضاعف من القلق العميق بأن المفاوضات لن تفضي إلى شيء يذكر وأن بلدهم لا يزال يتعرض لخطر يهدد وجوده ولا يسع إسرائيل إلا أن تحمي شعبها منه. وعلى هذا النحو، يشترك الإسرائيليون والفلسطينيون في خوف مستتر - أو هو عقيدة في نظر البعض - وهو أن كل طرف لا نية لديه لقبول حق الآخرين في وطن خاص بهم. ومن سوء الطالع أن كثيراً من السياسيين يشكلون تجسيداً حقيقياً لهذا الغضب والخوف.
1909- وذكر بعض الإسرائيليين للبعثة أن سياسات الحكومة الإسرائيلية بخصوص عزل قطاع غزة وتشديد القيود على حركة الفلسطينيين داخل الأرض الفلسطينية المحتلة وفيما بين الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل، ساهمت في زيادة الشقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقلّصت فرص التفاعل فيما عدا التفاعـل في سـياق السيطرة والقسر مثل نقاط التفتيش والمواقع العسكرية.
1910- وفي هذا السياق، رحبت البعثة بالتقارير التي أفادت بحدوث تبادل وتعاون بين الفلـسطينيين والإسرائيليين، كما هو الحال فيما يتعلق بأخصائيي الصحة العقلية العاملين مع فلسطينيين من غزة والمجتمعات المحلية التي تعيش في جنوبي إسرائيل، وفيما يتعلق بالتعاون بين جمعية ماغن دافيد أدوم وجمعيـة الهـلال الأحمـر الفلسطيني، ولا سيما في الضفة الغربية لكونهما تضطلعان بالتزام مشترك هو تقديم المساعدة الإنـسانية إلى المجتمعات المحلية التي تعملان فيها بغض النظر عن الأصل العرقي للمرضى الذين يتلقون العلاج.
حاء- الحالة فيما بين الفلسطينيين
1911- من شأن حالة الانقسام والعنف بين فتح وحماس، التي بلغت ذروتها بإنشاء كيانين وهـيكلين متـوازيين للحكم في قطاع غزة والضفة الغربية، أن تكون لها عواقب وخيمة على تمتع السكان الفلسطينيين بحقـوق الإنسان في المنطقتين، فضلاً عن أهنا تسهم في تقويض سيادة القانون في الأرض الفلسطينية المحتلة إضـافة إلى التهديدات المرتبطة أصلاً بالاحتلال الأجنبي. وحتى مع تركيز البعثة الضيق النطاق على الانتهاكات المتصلة بسياق العمليات العسكرية التي وقعت في كانون الأول/ ديسمبر 2008 - كانون الثاني/ يناير 2009، فإن تقلص أنواع الحماية للفلسطينيين يتضح من حالات الحرمان من الحياة تعسفاً، والاحتجاز التعسفي للنشطاء الـسياسيين أو المتعاطفين، وفرض قيود على حرية التعبير وتكوين الجمعيات، وتجاوزات قوات الأمن. ومما يزيد الوضع سوءاً التناقص المستمر لدور جهاز القضاء في كفالة سيادة القانون وسبل الانتصاف القانوني عند حدوث انتهاكات. ومن شأن تسوية الانقسام الداخلي على أساس الإرادة الحرة للفلسطينيين وبقرار منهم دون تدخل خارجي أن يعزز قدرة السلطات الفلسطينية ومؤسساتها على حماية حقوق الشعب الواقع ضمن مسؤوليتها.
طاء- الحاجة إلى الحماية، ودور المجتمع الدولي
1912- ينشئ القانون الدولي مسؤوليات على الدول ليس فقط من أجل احترام القانون الإنساني الدولي، بـل أيضاً لضمان احترام هذا القانون. وذكرت محكمة العدل الدولية في فتواها بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة أن "جميع الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة 12 آب/ أغسطس 1949،] تتحمل] بالإضافة إلى احترامها لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، التزاماً إضافياً بكفالة امتثال إسرائيل للقانون الإنساني الدولي على النحو الوارد في تلك الاتفاقية".
1913- وسلمت الوثيقة الختامية لمؤتمر القمة العالمي لعام 2005 بأنه يقع على عاتق المجتمع الدولي أيضاً، من خلال الأمم المتحدة، الالتزام باستخدام ما هو ملائم من الوسائل الدبلوماسية والإنسانية وغيرهـا مـن الوسائل السلمية، وفقاً للفصلين السادس والثامن من الميثاق، للمساعدة في حماية السكان من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية. وتشدد الوثيقة على أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مستعدة لاتخاذ إجراء جماعي، في الوقت المناسب وبطريقـة حاسمـة في إطـار مجلـس الأمـن ووفقاً للميثاق، بما في ذلك الفصل السابع، في حال قصور الوسائل السلمية وعجز السلطات الوطنية البـيِّن عن حماية سكانها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم المرتكبة ضد الإنـسانية . وفي عام 2009، لاحظ الأمين العام في تقريره عن تنفيذ المسؤولية عن الحماية أن تعداد هذه الجرائم لا "ينتقص بأي شكل من الأشكال من مجموعة الالتزامات الواسعة النطاق السارية بموجب القانون الإنـساني الـدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وقانون اللاجئين، والقانون الجنائي الدولي".
1914- وبعد عقود من الصراع المتواصل، لم ينقص مـستوى التهديـد الـذي يواجهـه الفلـسطينيون والإسرائيليون على حد سواء، بل إنه إذا كان هناك شيء ما تفاقم مع كل هذا الوقت فهو تصاعد العنـف والقتل ومعاناة السكان المدنيين، ولم تكن العمليات العسكرية التي وقعت في غزة في كانون الأول/ ديسمبر 2008 - كانون الثاني/ يناير 2009 سوى أحدث الحلقات في هذه الأحداث. وبالتالي، فإن إسرائيل فشلت أيضاً في حماية مواطنيها وذلـك بـرفض الاعتراف بعدم جدوى اللجوء إلى أساليب العنف والقوة العسكرية.
1915- ولم تتوقف التوغلات والأعمال العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة بعد نهاية العمليات العـسكرية التي وقعت في كانون الأول/ ديسمبر 2008 - كانون الثاني/ يناير2009.
1916- وقد أدرج مجلس الأمن مسألة حماية السكان المدنيين في جدول أعماله كبند دائم، مسلماً بذلك أنها مسألة تقع ضمن مسؤوليته. وتلاحظ البعثة أن المجتمع الـدولي قد التزم الصمت إلى حد كبير، وفشل حتى الآن في التحرك لضمان حمايـة الـسكان المدنيين في قطاع غزة وفي الأرض الفلسطينية المحتلة بشكل عام. وتكفي الإشـارة إلى عدم وجود رد فعل ملائم على الحصار وما ترتب عليه من عواقب، وعلى العمليـات العسكرية على غزة، وعلى استمرار فرض العراقيل على إعادة البناء في أعقاب تلـك العمليات. وترى البعثة أيضاً أن فرض العزل على السلطات القائمة في غزة والعقوبات المفروضة على القطاع لهما أثر سلبي على حماية السكان. وليس من شك في أنه يلـزم اتخاذ إجراء عاجل للتمكين من تنفيذ أعمال الإعمار في غزة. على أن هـذا الإجـراء يحتاج أيضاً لأن يكون مصحوباً بموقف ثابت ومبدئي من جانب المجتمع الـدولي إزاء انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وباتخاذ إجراء تأخر كثيراً لوضع حد لهذه الانتهاكات. وتقتضي حماية السكان المدنيين احتـرام القـانون الدولي والمحاسبة على ارتكاب الانتهاكات. وعندما لا يفي المجتمع الـدولي بمعـاييره القانونية، فلا غرو أن يترتب على ذلك تهديد لسيادة القانون على الـصعيد الـدولي، الأمر الذي يمكن أن تكون له عواقب بعيدة المدى.
1917- والبعثة تقدر وتؤكد الدور المذهل والضروري الذي قام به موظفو العديد من وكـالات الأمم المتحدة وهيئـاتها العاملة في مجال مساعدة سكان الأرض الفلسطينية المحتلة في جميع مجالات الحياة اليومية. وثمة سمة إضافية تبعث على القلق في العمليات العسكرية التي وقعت في كانون الأول/ ديسمبر - كانون الثاني/ يناير وهـي عـدم الاكتراث في العديد من الحوادث، وبعضها موثق في هذا التقرير، بحرمة المباني التابعة للأمم المتحدة ومرافقها وموظفيها. وغني عن البيان أن الهجمات على الأمم المتحدة غير مقبولة وهي تقوض قدرتها على الاضـطلاع بدورها في توفير الحماية والمساعدة للسكان الذين هم في أمس الحاجة إليهما.
ياء- موجز الاستنتاجات القانونية
1918- ترد في كل فصل من فصول التقرير الاستنتاجات القانونية المفصلة التي توصلت إليها البعثة حيث جرى تحليل وقائع وأحداث بعينها. وفيما يلي موجز لهذه الاستنتاجات.
1- الأعمال التي قامت بها إسرائيل في غزة في سياق العمليات العسكرية التي وقعت في الفترة
من 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008 إلى 18 كانون الثاني/ يناير 2009
(أ) الاحتياطات في شن الهجمات
1919- ترى البعثة أن إسرائيل فشلت، في عدد من الحالات، في اتخاذ الاحتياطات الممكنة المطلوبة بموجب القانون العرفي كما نصت على ذلك المادة 57 (2) (أ) ’٢‘ من البروتوكول الإضافي الأول بضرورة تفـادي إيقاع خسائر عرضية في أرواح المدنيين، وإصابات للمدنيين، وأضرار بالأعيان المدنية، أو التقليل منها إلى أدنى حد ممكن. وقصف مجمّع الأونروا في مدينة غزة بقذائف الفوسفور الأبيض هو أحد هذه الحالات التي لم تُتخذ فيها الاحتياطات في اختيار نوع الأسلحة وأساليب الهجوم، وقد زاد هذه الوقائع وطأة الاستهتار الطـائش بعواقب هذا الفعل. كما أن قصف مستشفى القدس عمداً باستخدام قذائف مدفعية شديدة الانفجار وفوسفور أبيض داخل المستشفى وفي محيطه إنما يشكل أيضاً انتهاكاً للمادتين 18 و19 من اتفاقية جنيـف الرابعـة. أما فيما يتعلق بالهجوم على مستشفى الوفاء، فقد خلصت البعثة إلى حدوث انتهاك لهذه الأحكام ذاتها، فضلاً عن انتهاك حظر القانون العرفي للهجمات التي قد يتوقع أن تحدث أضراراً مفرطة بالمدنيين وبالأعيان المدنية.
1920- وترى البعثة أن مختلف أنواع الإنذارات التي أطلقتها إسرائيل في غزة لا يمكن أن تعتبر فعالة بما فيـه الكفاية في تلك الظروف لكي يتحقق الامتثال للقانون العرفي كما نصت عليه المادة 57 (2) (ج) من البروتوكول الإضافي الأول. وإذا كانت بعض الإنذارات في شكل منشورات محددة بطبيعتها، فإن البعثة لا ترى أن الرسائل العامة التي تطلب من السكان ترك أماكن وجودهم حيثما كانوا والتوجه إلى مراكز المدن، في الظروف المحددة لهذه الحملة العسكرية، تفي بالحد الأدنى للفعالية المطلوبة. كما أن إطلاق صواريخ داخل المباني أو فوقها باعتبار ذلك "إنذاراً" هو أساساً ممارسة خطيرة، ويعد شكلاً من أشكال الهجوم وليس الإنذار.
(ب) الحوادث التي انطوت على قتل مدنيين
1921- وجدت البعثة أمثلة عديدة على هجمات متعمدة على مدنيين وأعيان مدنيـة (أفـراد وأسـر بأكملها ومساكن ومساجد) وانتهاك لمبدأ التمييز الذي يعدّ من مبادئ القانون الإنساني الدولي الأساسية، مما أسفر عن وفيات وإصابات بليغة. وفي هذه الحالات، تبيّن للبعثة أن وضع المـدنيين المشمولين بالحماية لم يُحترم وأن الهجمات كانت متعمدة، وتشكل خرقاً صارخاً للقانون العرفي كما نـصت على ذلك المادتان 51 (2) و75 من البروتوكول الإضافي الأول والمادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة والمادتان 6 و7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وفي بعض الحالات، استنتجت البعثة فضلاً عـن ذلك أن الهجوم شُنّ أيضاً بنية بث الرعب في أوساط السكان المدنيين. وبالإضافة إلى ذلك، لم تكتف فقط القوات المسلحة الإسرائيلية، في العديد من الأحداث التي جرى التحقيق فيها، بعدم بذل مـا في وسـعها للسماح للمنظمات الإنسانية بالوصول إلى الجرحى وتقديم الإغاثة الطبية، على النحو المطلوب في القـانون الدولي العرفي كما نصت على ذلك المادة 10 (2) من البروتوكول الإضافي الأول، بل رفضت السماح بذلك بشكل تعسفي.
1922- وفيما يتعلق بحادث واحد جرى التحقيق فيه، وانطوى على وفاة ما لا يقل عـن 35 فلـسطينياً، استنتجت البعثة أن القوات المسلحة الإسرائيلية شنت هجوماً من شأن أي قائد متعقل أن يتوقع له أن يتسبب في خسائر مفرطة في حياة المدنيين بالمقارنة بالميزة العسكرية المنشودة، وفي ذلك انتهاك للقانون الإنساني الدولي العرفي كما نصت عليه المادة 57 (2) (أ) ’2‘ و’3‘ من البروتوكول الإضافي الأول. وتخلص البعثـة إلى وقوع انتهاك للحق في الحياة (المادة ٦ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) للمدنيين الـذين قتلوا في الحادث.
1923- وتخلص البعثة أيضاً إلى أن إسرائيل، بتعمدها شن هجمات على مراكز الشرطة وقتلها أعداداً كبيرة من رجال الشرطة (99 في الحوادث التي حققت فيها البعثة) خلال الدقائق الأولى للعمليات العسكرية، تكون قد فشلت في احترام مبدأ التناسبية بين الميزة العسكرية المتوقعة بقتل بعض رجال الشرطة الذين قد يكونون أعضاءً في جماعات فلسطينية مسلحة، والخسائر في أرواح المدنيين (أي معظم رجال الشرطة وأفراد الجمهـور الحاضرين في مراكز الشرطة أو بمقربة منها أثناء الهجوم). وبالتالي، فقد كانت تلك الهجمات غير متناسبة، وفي ذلك انتهاك للقانون الدولي العرفي. وتستنتج البعثة وقوع انتهاك للحق في الحياة (المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) لرجال الشرطة الذين قتلوا في هذه الهجمات والذين لم يكونوا أعضاءً في الجماعات المسلحة الفلسطينية.
(ج) استعمال القوات المسلحة الإسرائيلية أسلحة معينة
1924- فيما يتعلق بالأسلحة التي استعملتها القوات المسلحة الإسرائيلية أ ثناء العمليات العسكرية، فـإن البعثة تسلّم بأن الفوسفور الأبيض والقذائف المسمارية والفلزات الثقيلة (مثل التنغستن) لا يحظرهـا القـانون الدولي في الوقت الحاضر. على أن استخدامها مقيّد، بل محظور في ظروف معينة طبقاً لمبادئ التناسبية وضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة في الهجمات. وفيما يخص استعمال القذائف المسمارية، باعتبارها سلاحاً يُستخدم داخل المناطق، فهو غير مناسب على وجه الخصوص في المناطق الحضرية؛ أما استعمال الفسفور الأبيض، للتعمية على الأقل، فترى البعثة ضرورة حظره بسبب عدد وتنوع المخاطر المرتبطة باستعمال هـذه المـادة الكيميائيـة الذاتية الاشتعال.
(د) معاملة الفلسطينيين الواقعين في قبضة القوات المسلحة الإسرائيلية
’1‘ استعمال الدروع البشرية
1925- حققت البعثة في عدة حوادث استعملت فيها القوات المسلحة الإسرائيلية السكان الفلسطينيين المحليين للدخول إلى البيوت التي يمكن أن تكون ملغمة أو تأوي مقاتلين أعداء (وهذه الممارسة التي تعرف في الضفة الغربية باسم "إجراء الجار"، أطلق عليها "إجراء جوني" أثناء العمليات العسكرية في غزة). واستنتجت البعثة أن هذه الممارسة تشكل استخداماً للدروع البشرية، وهو أمر يحظره القانون الإنساني الدولي. وهـي تشكل كذلك انتهاكاً للحق في الحياة المكفول بمقتضى المادة 6 من العهد الدولي الخاص بـالحقوق المدنيـة والسياسية، وانتهاكاً لحظر المعاملة القاسية واللاإنسانية المنصوص عليه في المادة 7 من العهد.
1926- كما يشكل استجواب المدنيين الفلسطينيين تحت التهديد بالقتل أو إلحاق الضرر بهم لانتزاع معلومات عـن حماس والمقاتلين الفلسطينيين والأنفاق انتهاكاً للمادة 31 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر ممارسـة الإكراه الجسدي أو النفسي على الأشخاص المشمولين بالحماية.
’2‘ الاحتجاز
1927- استنتجت البعثة أن القوات المسلحة الإسرائيلية في غزة اعتقلت واحتجزت مجموعات كبيرة من الأشخاص المشمولين بالحماية بمقتضى اتفاقية جنيف الرابعة. وتخلص البعثة إلى أن احتجاز هؤلاء الأشخاص لا يمكن تبريره سواء كان ذلك باعتبارهم "مقاتلين غير شرعيين" أو باعتباره احتجازاً لمدنيين لأسباب أمنية حتمية. وتـرى البعثة أن أعمال الضرب المبرح والإذلال المستمر والمعاملة المهينة في ظروف شنيعة هي ممارسات عانى منـها، حسبما يدعى، أفراد في قطاع غزة يخضعون لسيطرة القوات المسلحة الإسرائيلية ومعتقلون فلـسطينيون في إسرائيل وهي تشكل إخفاقاً في معاملة الأشخاص المشمولين بالحماية معاملة إنسانية، مما يشكل انتهاكاً للمادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة، والمادتين 7 و10 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن التعذيب ومعاملة الأشخاص أثناء احتجازهم، والمادة 14 منه بشأن الـضمانات المتعلقة باتبـاع الإجراءات القانونية الواجبة. وكانت معاملة النساء أثناء احتجازهن منافية لشرط الاحترام الخـاص للنساء بمقتضى القانون العرفي حسبما يرد في المادة 76 من البروتوكول الإضافي الأول. وتخلص البعثة إلى أن اعتقال مجموعات كبيرة من المدنيين وطول أمد احتجازهم في ظل الظروف المبيّنة في هذا التقرير يشكلان عقاباً جماعياً لهؤلاء الأشخاص، مما يشكل انتهاكاً للمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة 50 من قواعد لاهاي. وهذه المعاملة ترقى إلى تدابير التخويف والترويـع المحظـورة بموجـب المـادة 33 مـن اتفاقيـة جنيف الرابعة.
(هـ) تدمير الممتلكات
1928- ترى البعثة أن الهجمات على مبنى المجلس التشريعي الفلسطيني والسجن الرئيسي في غزة تـشكل هجمات متعمدة على أهداف مدنية، مما يشكل انتهاكاً لقاعدة من قواعد القانون الإنساني الدولي العرفي مؤداها أن الهجمات يجب أن تكون مقصورة بشكل صارم على الأهداف العسكرية.
1929- وترى البعثة أيضاً أن القوات المسلحة الإسرائيلية هاجمت ودمرت، بشكل غير مـشروع وبتـهور ودون أن تكون هناك ضرورة عسكرية، عدداً من الأهداف والمرافق المخصصة لإنتاج الأغذيـة أو تـجهيزها (بما في ذلك المطاحن والأراضي والصوبات الزراعية)، ومحطات مياه الشرب، والمزارع والحيوانات، انتهاكاً لمبدأ التمييز. وتستنتج البعثة، من الوقائع التي تأكدت لديها، أن هذا التدمير جرى بغـرض حرمان السكان المدنيين من قوهتم، مما يعد انتهاكاً للقانون العرفي على النحو المبين في المادة 45 (2) مـن البروتوكول الإضافي الأول. وتخلص البعثة كذلك إلى أن القوات المسلحة الإسرائيلية قامت على نحـو غـير مشروع وباستهتار بتدمير واسع النطاق للبيوت السكنية الخاصة ولآبار المياه وخزانات المياه.
1930- وهذه الأفعال المتعمدة من أفعال التدمير الواسع النطاق، فضلا عـن أنهـا تشكل انتهاكات للقانون الإنساني الدولي، هي بمثابة انتـهاكات لواجبـات إسـرائيل باحترام حق سكان قطاع غزة في مستوى معيشي لائق، بما يشمل حقهـم في الغـذاء والماء والسكن، ، فضلاً عن الحق في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغـه، وهـي الحقوق المكفولة بموجب المادتين 11 و12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
(و) تأثير الحصار والعمليات العسكرية على سكان غزة
1931- تخلص البعثة إلى أن سياسات الحصار التي نفذتها إسرائيل ضد قطاع غزة، ولا سيما إغلاق المعـابر الحدودية أو فرض قيود عليها في الفترة التي سبقت العمليات العسكرية مباشرة، وتعريض السكان المحلـيين لأقصى أشكال المشقة والحرمان، هي بمثابة انتهاك من جانب إسرائيل لالتزاماتها بوصفها سلطة قائمة بالاحتلال بموجب اتفاقية جنيف الرابعة. فقد أدت تلك التدابير إلى تدهور وتراجع شديدين في مستويات تمتع الفلسطينيين في قطاع غزة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وإلى إضعاف النسيج الاجتماعي والاقتصادي للقطاع بحيث أضحت خدمات الصحة والتعليم والصرف الصحي وغيرها من الخدمات الضرورية في وضع ضعيف للغاية تعجز معـه عـن مواجهة الآثار المباشرة للعمليات العسكرية.
1932- وتخلص البعثة إلى أن إسرائيل، ورغم المعلومات التي وزعتها بشأن خطط الإغاثة الإنسانية القائمة أثناء العمليات العسكرية، قد انتهكت بشكل جوهري التزامها بالسماح بحرية مرور جميع شـحنات المـواد الطبية ولوازم المستشفيات وشحنات الأغذية والألبسة الضرورية لتلبية الاحتياجات الإنسانية الطارئة للسكان المدنيين في سياق العمليات العسكرية، وهو ما يشكل انتهاكاً للمادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة.
1933- وبالإضافة إلى الاستنتاجات العامة السالفة الذكر، فإن البعثة ترى أيضاً أن إسرائيل انتهكت التزامها المحدد بموجب اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بما في ذلك الحقوق المتعلقة بالسلام والأمن، وحرية التنقل، وسبل العيش، والصحة.
1934- وتخلص البعثة إلى أن الأوضاع المترتبة على الأعمال المتعمدة التي قامت بهـا القـوات المـسلحة الإسرائيلية والسياسات المعلنة للحكومة تجاه قطاع غزة قبل وأثناء وبعد العملية العسكرية تـشير على نحو متزايد إلى النية المبيتة لإلحاق عقاب جماعي بسكان قطاع غزة. وبالتالي تستنتج البعثة حدوث انتهاك لأحكام المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة.
(ز) الخروق الخطيرة لاتفاقيات جنيف والأفعال التي تنشأ عنها مسؤولية جنائية فردية بموجب القانون الجنائي الدولي
1935- خلصت البعثة، من الوقائع التي جمعتها، إلى أن القوات المسلحة الإسرائيلية ارتكبت في غزة الخروق الجسيمة التالية لاتفاقية جنيف الرابعة: القتل العمد، والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، والتسبب عمـداً في معاناة شديدة أو أضرار بليغة بالأبدان أو بالصحة، والتدمير الهائل للممتلكات، دون أن تكون هذه الأعمال مبررة بضرورة عسكرية كما أنها نفذت بشكل غير مشروع وبشكل مفرط. وباعتبار هذه الأفعال خروقـاً خطيرة، فإنه تنشأ عنها مسؤولية جنائية فردية. وتلاحظ البعثة أن استخدام الدروع البشرية يشكل هو الآخر جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
1936- وترى البعثة كذلك أن سلسلة الأعمال التي تحرم الفلسطينيين في قطاع غزة مـن سـبل عيـشهم ووظائفهم ومساكنهم ومياههم، وتحرمهم من حرية تنقلهم ومن حقهم في العيش والدخول إلى وطنهم، وتقيّد حقوقهم في اللجوء إلى المحاكم وفي الحصول على تعويض فعال، يمكن أن تحدو بمحكمة مختصة إلى الاسـتنتاج بأن جريمة الاضطهاد، وهي جريمة ضد الإنسانية، قد ارتُكبت.
2- الأعمال التي قامت بها إسرائيل في الضفة الغربية في سـياق العمليـات العسكرية التي وقعت في غزة
في الفترة من 27 كـانون الأول/ ديسمبر 2008 إلى 18 كانون الثاني/ يناير 2009
(أ) معاملة قوات الأمن الإسرائيلية للفلسطينيين في الضفة الغربية، بما في ذلك استخدام القـوة المفرطة أو الفتاكة أثناء المظاهرات
1937- تخلص البعثة، فيما يتعلق بأعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين، إلى أن إسرائيل فشلت في الوفاء بالتزاماتها الدولية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الـدولي بحمايـة الفلسطينيين من أعمال العنف التي يرتكبها أفراد عاديون. وقد قبلت قوات الأمن في بعض الحالات بأعمال العنف هذه، مما يشكل انتهاكاً للحظر المفروض على المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وعندما يحدث هذا القبول فقط في حالة العنف من جانب المستوطنين ضد الفلسطينيين وليس العكس، فإن يعد بمثابة تمييز على أساس الأصل القومي، وهو ما يحظره العهـد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
1938- وانتهكت إسرائيل أيضاً مجموعة من حقوق الإنسان من خلال قمعها مظاهرات عامة سلمية بغير وجه حـق واستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين. ومما يشكل انتهاكاً للمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية استخدام أسلحة نارية، بما في ذلك الذخيرة الحية، واستخدام القناصة بما أسفر عن قتل متظاهرين، باعتبار ذلك حرماناً تعسفياً من الحياة وهو يشير في ما يبدو، في الظروف التي بحثتها البعثة، إلى توافر ركن النية، أو على الأقل عدم الاكتراث، إزاء إلحاق الضرر بالمدنيين، الأمر الذي قد يكون بمثابة القتل العمد.
1939- ويشكل استخدام القوة المفرطة التي تؤدي إلى حدوث إصابات وليس إلى الوفاة انتهاكاً لعدد من المعايير، بما في ذلك المادتان 7 و9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ومما يزيد هذه الانتهاكات خطـورة "لوائح إطلاق النار"، التمييزية في ما يبدو، التي تصدر إلى قوات الأمن التي تتعامل مع المتظاهرين، على أسـاس وجود أشخاص من جنسية معينة، وفي ذلك انتهاك لمبدأ عدم التمييز بموجب المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وكذلك بموجب المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة.
1940- وتخلص البعثة إلى عدم قيام إسرائيل بالتحقيق، أو الملاحقة القضائية، عند الاقتضاء، بالنسبة للأفعال التي ارتكبتها عناصرها أو أطراف ثالثة وأدت إلى وقوع انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الـدولي وللقانون الدولي لحقوق الإنسان.
1941- وشعرت البعثة بالانزعاج إزاء ما أوردته التقارير عن تزايد العنف التيم قام به المستوطنون في العام الماضي وعدم قيام قوات الأمن الإسرائيلية بمنع هجمات المستوطنين على المدنيين الفلسطينيين وعلى ممتلكاتهم. وتقترن هذه الهجمات بسلسلة من الانتهاكات ارتكبتها القوات الإسرائيلية أو قبلت بها، بما في ذلك سحب بطاقات الإقامة من الفلسطينيين، وهو ما قد يفضي في نهاية المطاف إلى حالة من الإبعاد الافتراضي، الأمر الذي ينطوي على انتهاكات إضافية لحقوق أخرى.
(ب) احتجاز الفلسطينيين من قبل إسرائيل
1942- تناولت البعثة بالتحليل المعلومات التي تلقتها عن احتجاز فلسطينيين في السجون الإسرائيلية أثناء أو في سياق العمليات العسكرية التي وقعت في الفترة من كانون الأول/ ديسمبر 2008 - كانون الثاني/ يناير 2009، وخلصت إلى أن هذه الممارسات لا تتفق بشكل عام مع حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. فنظام المحاكم العسكرية الذي يخضع له فلسطينيو الأرض الفلسطينية المحتلة يحرمهم من ضمانات المحاكمة العادلة تماشياً مع القانون الدولي.
1943- وتخلص البعثة إلى أن احتجاز إسرائيل أعضاء في المجلس التشريعي الفلسطيني ينتـهك الحـق في عـدم التعرض للاحتجاز تعسفاً، على النحو الذي تكفله المادة ٩ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والـسياسية .وحيث إن هذا الإجراء يستند إلى الانتماء السياسي ويمنع هؤلاء الأعضاء من المشاركة في تصريف الشؤون العامة، فهو يشكل أيضاً انتهاكاً للمادة 25 من العهد التي تسلّم بالحق في المشاركة في الشؤون العامة، والمادة 26 الـتي تنص على الحق في التمتع بحماية القانون على قدم المساواة. وما دام احتجازهم غير مرتبط بسلوكهم الشخـصي، فهو يشكل عقاباً جماعياً محظوراً بموجب المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة. وأشارت المعلومات التي تناولت احتجاز أعداد كبيرة من الأطفال ومعاملتهم على أيدي قوات الأمن الإسـرائيلية إلى ارتكـاب انتـهاكات لحقوقهم التي يكفلها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية حقوق الطفل.
(ج) انتهاكات الحق في حرية التنقل والوصول إلى المصالح
1944- تستنتج البعثة أن القيود الواسعة النطاق التي تفرضها إسرائيل على تنقل الفلسطينيين ووصولهم إلى مصالحهم في الضفة الغربية غير متناسبة مع أي هدف مشروع تسعى إلى تحقيقـه وأنهـا تـشكل انتـهاكاً للمادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اللتين تكفلان حرية التنقل.
1945- وحيثما تصبح نقاط التفتيش مواقع لإذلال السكان المشمولين بالحمايـة علـى أيـدي عـسكريين أو متعهدين مدنيين، فإن ذلك قد ينطوي على انتهاك لقاعدة القانون العرفي المنصوص عليها في المادة 75 (2) (ب) من البروتوكول الإضافي الأول.
1946- ويشكل استمرار بناء المستوطنات في الأرض المحتلة انتهاكاً للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة. كما أن التدمير الهائل والاستيلاء على الممتلكات، بما في ذلك مصادرة الأراضي وهدم البيـوت في الـضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، دون أن تبرر ذلك ضرورة عسكرية ويتم بغير وجه حق وتعسفاً، هما بمثابة خرق خطير للمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة.
1947- ومادامت القيود المفروضة على التنقل والوصول إلى المـصالح، ومعهـا المـستوطنات وهياكلـها الأساسية، والسياسات الديمغرافية إزاء القدس و"المنطقة جيم" من الضفة الغربية، فضلاً عن عزل قطاع غزة عن الضفة الغربية، تحول دون قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتصلة وذات سيادة، فإنها تشكل انتـهاكاً للحق في تقرير المصير الذي يدخل ضمن القواعد الآمرة.
3- الأعمال التي قامت بها إسرائيل داخل إسرائيل
1948- خلصت البعثة، فيما يخص الانتهاكات المدَّعاة داخل إسرائيل، بالرغم مما يبدو من عدم وجود سياسة بهذا الخصوص، إلى أنه قد حدثت مناسبات أُفيد فيها بأن السلطات قد وضعت فيها عراقيل أمام المحتجين أثناء محاولتهم ممارسة حقهم في التجمع السلمي وحرية التعبير لانتقاد الأعمال العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. وهذه الحقوق يحميها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وأحداث العنف الجسدي ضد المحتجين وغيرها من أعمال الإذلال، التي لا تصل إلى حد العنف الجسدي، في حق المحتجين على يد الشرطة هي انتهاك لالتزامات إسرائيل بموجب المادة 10 من العهد. وتشعر البعثة بالقلق أيضاً إزاء إرغام النشطاء على حـضور استجوابات مع جهاز الأمن العام (الشاباك)، الأمر الذي يخلق، حسبما يدَّعى، مناخاً يضيق ذرعـاً بـالرأي المخالف داخل إسرائيل. وقيام حكومة إسرائيل بأعمال عدائية انتقامية ضد منظمات المجتمع المدني بـسبب انتقادها السلطات الإسرائيلية وكشفها الانتهاكات المدَّعاة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي أثناء العمليات العسكرية لا ينسجم مع الإعلان المتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئـات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترفبهاعالمياً.
1949- وتستنتج البعثة أن قرار فرض ما يشبه الاستبعاد الكامل لوسائط الإعلام ومراقبي حقوق الإنـسان من غزة في الفترة منذ 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008 وطوال فترة العمليات لا ينسجم مع التزامات إسرائيل فيما يتعلق بالحق في الحصول على المعلومات.
4- الأعمال التي قامت بها الجماعات المسلحة الفلسطينية
1950- استنتجت البعثة، فيما يتعلق بإطلاق الجماعات المسلحة الفلسطينية العاملة في قطاع غزة صواريخ وقذائف هاون على جنوب إسرائيل، أن الجماعات المسلحة الفلسطينية لم تميّز بـين الأهـداف العـسكرية والسكان المدنيين والأعيان المدنية في جنوب إسرائيل. فإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون التي لا يمكن تصويبها بدقة كافية لتصيب أهدافاً عسكرية يشكل خرقاً للمبدأ الأساسي المتمثل في ضرورة التمييز. وعندما لا يوجد أي هدف عسكري مقصود وتطلق الصواريخ وقذائف الهاون على مناطق مدنية، فإن ذلك يشكل هجوماً متعمداً على سكان مدنيين. وهذه الأفعال يمكن أن تشكل جرائم حرب وقد تكون بمثابة جرائم ضد الإنسانية.
1951- وتخلص البعثة إلى أن الهجمات بالصواريخ وقذائف الهاون، التي شنتها جماعات مسلحة فلسطينية عاملة في غزة، قد سببت رعباً لدى المجتمعات السكانية المتأثرة في جنوب إسرائيل. وألحقت الهجمـات خـسائر في الأرواح وضرراً بدنياً ونفسياً بالمدنيين، فضلاً عن أهنا ألحقت أضراراً بمساكن خاصة ومبانٍ دينية وممتلكات، وقوضت الحيـاة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المحلية المتأثرة، وأثرت بشدة على تمتع السكان بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
1952- وفيما يتعلق بمواصلة احتجاز الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، ترى البعثة أن شاليط، بوصفه جندياً ينتمي إلى القوات المسلحة الإسرائيلية أُسر أثناء توغل للعدو داخل إسرائيل، يستوفي متطلبات وضع أسـير الحرب بموجب اتفاقية جنيف الثالثة وينبغي توفير الحماية له ومعاملته معاملة إنسانية والسماح له بالاتصالات الخارجية على النحو المناسب طبقاً للاتفاقية.
1953- وبحثت البعثة أيضاً ما إذا كانت الجماعات المسلحة الفلسطينية قد امتثلت لالتزاماتها بموجب القـانون الإنساني الدولي بأن تتوخى العناية المستمرة للتقليل إلى أدنى حد ممكن من مخاطر الإضرار بسكان غزة المـدنيين الذين تجري الأعمال القتالية بين ظهرانيهم. ولا تشكل مباشرةُ أعمال القتال في مناطق مبنية، في حـد ذاتهـا، انتهاكاً للقانون الدولي. على أن شن الهجمات - سواء بالصواريخ وقذائف الهاون على سكان جنوب إسرائيل أو على القوات المسلحة الإسرائيلية داخل غزة - بالقرب من المدنيين أو المباني المحمية يشكل إخفاقاً في اتخـاذ جميع الاحتياطات الممكنة. وفي الحالات التي حدث فيها ذلك، تكون الجماعات المسلحة الفلسطينية قد عرّضت بلا مبرر سكان غزة المدنيين للأخطار الكامنة في حدوث عمليات عسكرية من حولهم. ولم تقف البعثة علـى أي دليل يوحي بأن الجماعات المسلحة الفلسطينية وجهت المدنيين إلى مناطق يجري القيام فيها بهجمـات أو أنهـا أرغمت المدنيين على البقاء بمقربة من ساحة الهجمات. ولم تقف البعثة أيضاً على أي دليل بـأن أعـضاءً مـن الجماعات المسلحة الفلسطينية شاركوا في القتال بلباس مدني. ورغم أن البعثة لم تقف، في حالة واحدة حققـت فيها بخصوص تعرض مسجد لهجوم إسرائيلي، على أي دليل بأن المسجد كان مستخدماً لأغـراض عـسكرية أو لإيواء نشطاء عسكريين، فإن البعثة لا يمكنها استبعاد إمكانية أن يكون ذلك قد حدث في حالات أخرى.
5- الأعمال التي قامت بها السلطات الفلسطينية المسؤولة
1954- على الرغم من أن سلطات غزة تنفي أي سيطرة لها على الجماعات المسلحة وأي مسؤولية لها عن أفعالهـا، فإن البعثة ترى أن سلطات غزة، إذا لم تتخذ التدابير اللازمة لمنع الجماعات المسلحة الفلـسطينية مـن تعـريض السكان المدنيين للخطر، فإنها تتحمل المسؤولية عن الضرر الذي لحق بالمدنيين الذين يعيشون في غزة.
1955- وتستنتج البعثة أن أجهزة الأمن الخاضعة لسيطرة سلطات غزة قامت بعمليات إعـدام خـارج نطـاق القضاء، وبعمليات اعتقال تعسفي، واحتجاز أشخاص وإساءة معاملتهم، لا سيما المعارضين السياسيين، وهي أعمال تشكل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في الحياة، وفي الحرية وأمن الشخص على نفسه، وفي عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وفي التمتع بالحماية مـن التعـرض للاعتقال والاحتجاز تعسفاً، وفي الاستفادة من إجراءات قانونية منصفة ونزيهة، وفي حرية الرأي والتعبير، بما في ذلك حرية اعتناق الآراء دون تدخّل.
1956- وتخلص البعثة أيضاً إلى أن الإجراءات التي قامت بها السلطة الفلسطينية ضد المعارضين السياسيين في الضفة الغربيـة، والتي بدأت في كانون الثاني/ يناير 2006 وتكثفت أثناء الفترة ما بين 27 كانون الأول/ ديـسمبر 2008 و18 كانون الثاني/يناير 2009، تشكل انتهاكات لحقوق الإنسان وللقانون الأساسي الفلسطيني. فالاحتجاز لاعتبارات سياسية انتهاك للحق في الحرية وأمن الشخص على نفسه، وفي المحا كمة العادلة، وللحق في عـدم التعرض للتمييز على أساس الرأي السياسي، وهي حقوق تشكل جميعها جزءاً من القانون الـدولي العـرفي. ويتطلب الأمر التحقيق فوراً في التقارير التي تفيد بوقوع أعمال تعذيب وغيرها من أشكال سوء المعاملـة أثناء الاعتقال والاحتجاز وحدوث حالات وفاة أثناء الاحتجاز ومحاسبة المسؤولين عن هذه الأعمال.
كاف- ضرورة المساءلة
1957- استلفت اهتمام البعثة التعليق الذي تكرر على لسان ضحايا فلسطينيين، ومدافعين عن حقوق الإنسان، وأشخاص من المجتمع المدني تحدثت إليهم البعثة، ومسؤولين، والذي أعربوا من خلاله عن أملهم في أن تكون بعثة التحقيق هذه آخر بعثة من نوعها، لأنه ربما يتمخض عنها اتخاذ إجراءات لإحقاق العدل. كما اسـتلفت اهتمامها تعليق مؤداه أنه في كل مرة يصدر فيها تقرير ولا يُتبع بأي إجراء، فإن ذلـك "يزيد إسرائيل جرأة ويزيدها اقتناعا بأنها لا تُمس". فعدم إعمال أساليب المساءلة مـن شأنه أن يعزز الإفلات من العقاب، ويشوه مصداقية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. وتعتقد البعثة أن هذه التعليقات يجب أن تكون في صدارة اهتمام الدول الأعضاء وهيئات الأمم المتحدة لدى نظرها في استنتاجات البعثة وتوصياتها واتخاذ إجراءات تبعاً لذلك.
1958- والبعثة مقتنعة اقتناعاً راسخاً بأن العدالة واحترام سيادة القانون أساس لا غنى عنه لتحقيق السلام. فحالة الإفلات من العقاب التي طال أمدها أوجدت أزمـة عدالـة في الأرض الفلـسطينية المحتلـة، وهـو ما يتطلب اتخاذ إجراءات.
1959- وبعد استعراض النظام الإسرائيلي للتحقيق والمقاضاة في الانتهاكات الخطـيرة لحقـوق الإنـسان وللقانون الإنساني، ولا سيما جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المشتبه في ارتكابها ، وجدت البعثة عيوباً هيكلية كبرى تجعل هذا النظام، في نظرها، غير منسجم مع المعايير الدولية. فنظراً إلى أن "عمليات استخلاص المعلومات العملياتية" العسكرية تشكل لب هذا النظام، لا توجد أي آلية فعالة ونزيهة للتحقيق، عـلاوة علـى أن ضحايا هذه الانتهاكات المدَّعاة محرومون من أي سبيل انتصاف فعال أو عاجل. وفضلاً عن ذلك، فإن هـذه التحقيقات، ولكونها داخلية تخص السلطة العسكرية الإسرائيلية، لا تمتثل للمعيارين الـدوليين المتمـثلين في الاستقلالية والحياد. وتعتقد البعثة أن التحقيقات القليلة التي أجرتها السلطات الإسرائيلية بشأن الانتهاكات الخطيرة المدَّعاة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي، ولا سيما في جرائم الحرب المدَّعاة، في سياق العمليات العسكرية في غزة في الفترة بين 27 كانون الأول /ديسمبر 2008 و18 كانون الثاني/ يناير 2009، قد تأثرت بالعيوب التي تعتري هذا النظام، وجرى تأخيرها بدون مبرر رغم خطورة الادعـاءات، وهي بالتالي تفتقر إلى المصداقية وإلى الانسجام مع المعايير الدولية. وتشعر البعثة بالقلق لأن التحقيقـات في الانتهاكات الأقل خطورة نسبياً التي تدعي حكومة إسرائيل أنها تحقق فيها قد جرى إطالة أمدها بدون مـبرر هي الأخرى.
1960- ولاحظت البعثة النسق الذي تتبعه السلطات الإسرائيلية في تأخير التحقيقات والمحاكمات وتوجيـه الإدانات لأفراد الجيش أو المستوطنين لارتكابهم أعمال عنف وجرائم ضد فلسطينيين، بما في ذلك في الـضفة الغربية، أو عدم تحريك ساكن إزاء هذه الأعمال أو معالجتها على نحو غير مرضٍ، فضلاً عما يترتب عليها من نتائج تمييزية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الإمكانات التي يتيحها الإطار الدستوري والقانوني الحالي في إسرائيل للفلسطينيين لطلب التعويض والجبر قليلة جداً، إن وجدت أصلاً.
1961- وفي ضوء المعلومات التي استعرضتها البعثة والتحليلات التي أجرتها، فهي تستنتج أن ثمة شـكوكاً حقيقية بشأن استعداد إسرائيل لإجراء تحقيقات جادة بطريقة محايدة ومستقلة وعاجلة وفعالة على نحو ما يطلبه القانون الدولي. وترى البعثة أيضاً أن النظام القائم ينطوي بشكل متأصل على خصائص تمييزية تجعل السعي لتحقيق العدالة للضحايا الفلسطينيين صعباً للغاية.
1962- أما عن الادعاءات المتعلقة بانتهاكات القانون الإنساني الدولي التي تقع ضمن ولايـة الـسلطات الفلسطينية المسؤولة في غزة، فإن البعثة تستنتج أن هذه الانتهاكات لم يجر التحقيق فيها.
1963- وتشير البعثة إلى أن المسؤولية عن التحقيق في انتهاكات القانون الـدولي لحقوق الإنسان والقـانون الإنساني الدولي، ومقاضاة مرتكبي هذه الانتهاكات إذا لزم الأمر ومحاكمتهم تقع في المقام الأول على عـاتق السلطات والمؤسسات المحلية. وهذا التزام قانوني يقع على عاتق الدول والكيانات المماثلة للدول. بيد أنه في الحالات التي تكون فيها السلطات المحلية عاجزة عن الامتثال لهذا الالتزام أو لا ترغب في ذلك، فلا بد مـن تفعيل آليات العدالة الدولية لمنع الإفلات من العقاب.
1964- وتعتقد البعثة أنه لا توجد، في الظروف القائمة، أي إمكانية للمساءلة عن الانتهاكات الخطـيرة للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان عن طريق المؤسسات المحلية في إسرائيل وبدرجة أقل في غزة. وترى البعثة أن طول أمد الإفلات من العقاب ظل العامل الرئيسي لاستمرار العنف في المنطقة ولتكرار حدوث الانتهاكات، فضلاً عن تقويض الثقة لدى الفلسطينيين والكثير من الإسـرائيليين في إمكانيـة تحقيق العدل والتوصل إلى حل سلمي للنزاع.
1965- وترى البعثة أن العديد من الانتهاكات المشار إليها في هذا التقرير هي بمثابة خروق خطيرة لاتفاقية جنيف الرابعة. وتلاحظ أن ثمة واجباً تفرضه اتفاقيات جنيف على جميع الأطراف المتعاقدة السامية بالبحث عن أولئك المسؤولين عن الانتهاكات المدَّعاة وتقديمهم أمام محاكمها.
1966- وترى البعثة أن الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي التي جرى سردها في هذا التقرير تدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. وتلاحظ البعثة أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة طالما اعترف بتأثير الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك قضية فلسطين، على السلام والأمن الدوليين، وهو ينظر في هذا الوضع ويستعرضه بانتظام. وبالنظر إلى طبيعة هذا الصراع الذي طال أمده، وإلى تواتر واستمرار الادعاءات المتعلقـة بانتهاكات القانون الإنساني الدولي والموجهة ضد جميع الأطراف، وإلى الزيادة الظاهرة في حدة هذه الانتهاكات في العمليات العسكرية الأخيرة، والإمكانية المؤسفة للعودة إلى مزيد من العنف، فإن البعثة مقتنعة بـأن اتخـاذ خطوات مجدية وعملية لإنهاء الإفلات من العقاب على هذه الانتهاكات من شأنه أن يتيح سبيلاً فعـالاً لـردع تكرار هذه الانتهاكات في المستقبل. وترى البعثة أن مقاضاة الأشخاص المسؤولين عن الانتـهاكات الخطـيرة للقانون الإنساني الدولي من شأنه أن يساهم في إنهاء هذا العنف، وفي حماية المدنيين، وفي استعادة السلم وصونه.
حادي وثلاثون– التوصيات
1967- تقدم البعثة التوصيات التالية المتصلة بما يلي:
(أ) المساءلة عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي؛
(ب) التعويضات؛
(ج) الانتهاكات الخطيرة لقانون حقوق الإنسان؛
(د) الحصار المفروض والإعمار؛
(ه) استعمال الأسلحة والإجراءات العسكرية؛
(و) حماية منظمات حقوق الإنسان والمدافعين عن حقوق الإنسان؛
(ز) متابعة توصيات البعثة.
1968- توصيات موجهة إلى مجلس حقوق الإنسان،
(أ) توصي البعثة بأن يوافق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على التوصيات الواردة في هذا التقرير وأن يتخذ الإجراء الملائم لتنفيذها على النحو الذي أوصت به البعثة وعن طريق الوسائل الأخرى التي قد يراها ملائمة، وأن يواصل استعراض تنفيذها في الدورات القادمة؛
(ب) بالنظر إلى خطورة انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وجرائم الحرب المحتملة والجرائم المحتملة المرتكبة ضد الإنسانية التي تناولها التقرير، توصي البعثة بأن يطلب مجلـس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أن يعرض هذا التقرير على مجلس الأمـن التابع للأمم المتحدة بموجب المادة ٩٩ من ميثاق الأمم المتحدة لكي يمكن مجلس الأمن أن ينظـر في اتخـاذ إجراءات وفقاً للتوصيات ذات الصلة المقدمة من البعثة أدناه؛
(ج) توصي البعثة كذلك بقيام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتقديم هذا التقرير رسمياً إلى مدعي المحكمة الجنائية الدولية؛
(د) توصي البعثة بأن يقدم مجلس حقوق الإنسان هذا التقرير إلى الجمعية العامة طالباً إليهـا أن تنظر فيه؛
(هـ) توصي البعثة بأن يعرض مجلس حقوق الإنسان توصيات البعثة على هيئات حقوق الإنـسان المختصة التابعة للأمم المتحدة لكي يمكن أن تدرج في استعراضها الدوري لمدى امتثال إسـرائيل لالتزاماتهـا المتعلقة بحقوق الإنسان استعراض التقدم المحرز في تنفيذ هذه التوصيات، من حيث اتصالها بولايتها وإجراءاتها. وتوصي البعثة كذلك بأن ينظر مجلس حقوق الإنسان في استعراض التقدم المحرز وذلك كجزء مـن عمليـة الاستعراض الدوري الشامل التي يقوم هبا.
1969- توصيات موجهة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة،
(أ) توصي البعثة بأن يطالب مجلس الأمن حكومة إسرائيل، بموجب المادة 40 من ميثاق الأمـم المتحدة، بما يلي:
’1‘ أن تتخذ جميع الخطوات الملائمة، في غضون فترة ثلاثة أشهر، لبدء تحقيقـات ملائمـة، تكـون مستقلة ومطابقة للمعايير الدولية، في الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي وللقانون الدولي لحقوق الإنسان التي تناولها تقرير البعثة وفي أي ادعاءات خطيرة أخرى قد تصل إلى علمها؛
’2‘ أن تبلغ مجلس الأمن، في غضون فترة أخرى مدتها ثلاثة أشهر، بـالإجراءات المتخـذة أو الجاري اتخاذها، من جانب حكومة إسرائيل للتحري عن هذه الانتهاكات الخطيرة والتحقيق فيها والمقاضاة بشأنها؛
(ب) توصي البعثة كذلك بأن يُنشئ مجلس الأمن في الوقت ذاته لجنة خبراء مستقلة في القـانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان لرصد أي إجراءات قانونية أو إجراءات أخرى داخلية تتخذها حكومة إسرائيل فيما يتصل بالتحقيقات المذكورة آنفاً ولتقديم تقارير عن ذلك. وينبغي أن تقوم لجنة الخبراء بتقديم تقرير في نهاية فترة الستة أشهر إلى مجلس الأمن عن تقييمها للإجراءات الداخلية ذات الصلة التي تكون قد بادرت بها حكومة إسرائيل، بما في ذلك عن مدى تقدم هذه الإجراءات وفعاليتها وصدقيتها، لكي يمكـن لمجلس الأمن أن يقيّم ما إذا كانت قد اتُخذت أو يجري على الصعيد الداخلي اتخاذ إجراءات ملائمة لضمان العدالة للضحايا ولضمان مساءلة مرتكبي الانتهاكات. وينبغي أن يطلب مجلس الأمن من اللجنة تقديم تقارير إليه على فترات محددة، حسبما يكون ضرورياً. وينبغي أن تقوم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنـسان بتقديم الدعم الملائم للجنة؛
(ج) توصي البعثة بأن ينظر مجلس الأمن في الحالة لدى تلقي تقرير اللجنة، وبإحالة الوضع في غزة إلى مدعي المحكمة الجنائية الدولية عملاً بالمادة 13 (ب) من نظام روما الأساسي في حالة إذا لم تكن السلطات المختصة لدولة إسرائيل قد باشرت أو تباشر فعلاً، في غضون ستة أشهر من تاريخ صدور قـراره بموجـب المادة 40، إجراء تحقيقات بحسن نية تكون مستقلة ومطابقة للمعايير الدولية، ويتصرف مجلس الأمن وهـو يفعل ذلك في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛
(د) توصي البعثة بأن يطلب مجلس الأمن من لجنة الخبراء المـستقلة المـشار إليهـا في الفقـرة الفرعية (ب) القيام برصد أي إجراءات قانونية أو إجراءات داخلية أخرى اتخذتها السلطات المختصة في قطاع غزة فيما يتصل بالتحقيقات المذكورة أعلاه وبتقديم تقارير عن ذلك. وينبغي أن تقوم هذه اللجنة بتقديم تقرير في نهاية فترة الستة أشهر إلى مجلس الأمن عن تقييمها للإجراءات الداخلية ذات الصلة التي تكون قد بادرت بها السلطات المختصة في غزة، بما في ذلك عن مدى تقدم هذه الإجراءات وفعاليتها وصدقيتها، لكي يمكن لمجلس الأمن أن يقيّم ما إذا كانت قد اتخذت، أو يجري على الصعيد الداخلي اتخاذ إجراءات ملائمة لضمان العدالة للضحايا ولضمان مساءلة مرتكبي الانتهاكات. وينبغي أن يطلب مجلس الأمن من اللجنة تقديم تقارير إليه على فترات محددة، حسبما يكون ضرورياً؛
(ه) توصي البعثة بأن ينظر مجلس الأمن في الحالة لدى تلقي تقرير اللجنة، وبإحالة الوضـع في غزة إلى مدعي المحكمة الجنائية الدولية عملاً بالمادة 13 (ب) من نظام روما الأساسي ما لم تكـن السلطات المختصة في غزة قد باشرت أو تباشر فعلاً، في غضون ستة أشهر من تاريخ صدور قراره بموجـب المادة 40، إجراء تحقيقات بحسن نية تكون مستقلة ومطابقة للمعايير الدولية، ويتصرف مجلس الأمن، في قيامه بذلك، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛
(و) توصي البعثة بأن يعتبر مجلس الأمن عدم التعاون مـن جانـب حكومـة إسـرائيل أو سلطات غزة مع أعمال اللجنة عرقلة لأعمال اللجنة.
1970- توصيات موجهة إلى مدعي المحكمة الجنائية الدولية،
بالإشارة إلى الإعلان الصادر بموجب المادة 12 (3) الذي تلقاه مكتب مدعي المحكمة الجنائية الدولية من حكومة فلسطين، ترى البعثة أن المساءلة من أجل الـضحايا وحرصاً على السلام والعدل في المنطقة تتطلب أن يتخذ المدعي القرار القانوني المطلوب على أسرع وجه ممكن.
1971- توصيات موجهة إلى الجمعية العامة،
(أ) توصي البعثة بأن تطلب الجمعية العامة إلى مجلس الأمن إبلاغها بالتدابير المتخذة فيما يتعلق بضمان المساءلة عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي ولحقوق الإنسان فيما يتصل بالوقائع الواردة في هذا التقرير وبأية وقائع أخرى ذات صلة في سياق العمليات العسكرية في غزة، بما في ذلك تنفيذ توصيات البعثة. ويمكن أن تظل هذه المسألة معروضة على الجمعية العامة إلى أن تقتنع بأن إجراءات ملائمة قد اتُخذت على الصعيد الداخلي أو الدولي من أجل ضمان العدالة للضحايا والمساءلة لمرتكبي الانتهاكات. ويمكن للجمعية العامة أن تنظر فيما إذا كان يلزم اتخاذ إجراءات إضافية في حدود سلطاتها حرصاً على العدالة، بما في ذلك اتخاذ إجراءات في إطار قرارها ٣٧٧ (د-٥) المتعلق بالاتحاد من أجل السلم؛
(ب) توصي البعثة بأن تنشئ الجمعية العامة صندوق ضمان يُستخدم في دفع تعويضات ملائمة للفلسطينيين الذين تكبدوا خسائر وأضراراً نتيجة للأفعال غير المشروعة التي تُعزى إلى إسرائيل أثناء العمليـة العسكرية التي وقعت في كانون الأول/ ديسمبر 2008 - كانون الثاني/ يناير 2009 والأفعال المتصلة بها، وأن تدفع حكومة إسرائيل المبالغ المطلوبة إلى هذا الصندوق. وتوصي البعثة كذلك بأن تطلب الجمعية العامة من مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقديم مشورة خبراء بشأن الطرائق المناسبة لإنشاء صندوق الضمان؛
(ج) توصي البعثة بأن تطلب الجمعية العامة من حكومة سويسرا عقد مؤتمر للأطراف المتعاقـدة السامية في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن اتخاذ تدابير لتعزيز الاتفاقية في الأرض الفلسطينية المحتلة ولضمان احترام هذه الاتفاقية وفقاً للمادة 1 منها؛
(د) توصي البعثة الجمعية العامة بتشجيع إجراء مناقشة عاجلة بشأن مدى قانونية القيام مستقبلاً باستعمال ذخائر معينة مشار إليها في هذا التقرير والذخائر السهمية والفلزات الثقيلة مثل التنغستن. وينبغي أن تعتمد الجمعية العامة في هذه المناقشة على الخبرة الفنية التي تمتلكها لجنة الصليب الأحمر الدولية. وتوصي البعثة كذلك بأن تفرض حكومة إسرائيل وقفاً على استخدام هذه الأسـلحة في ضـوء المعانـاة الإنـسانية والأضرار التي سببتها في قطاع غزة.
1972- توصيات موجهة إلى حكومة إسرائيل،
(أ) توصي البعثة بأن توقف إسرائيل فوراً عمليات إغلاق الحدود والقيود المفروضة على المـرور عن طريق المعابر الحدودية مع قطاع غزة وأن تسمح بمرور السلع الضرورية والكافية لتلبية احتياجات الـسكان ولإصلاح وإعادة بناء المساكن والخدمات الأساسية ولاستئناف النشاط الاقتصادي الجاد في قطاع غزة؛
(ب) توصي البعثة بأن توقف إسرائيل القيود المفروضة في قطاع غزة على الوصـول إلى البحـر لأغراض الصيد وبأن تسمح بأنشطة الصيد في حدود مسافة العشرين ميلاً البحرية المنصوص عليهـا في اتفاقات أوسلو. وتوصي كذلك بأن تسمح إسرائيل باستئناف النشاط الزراعي في قطاع غزة، بما في ذلك السماح به في المناطق المجاورة للحدود مع إسرائيل؛
(ج) ينبغي أن تبدأ إسرائيل في إجراء مراجعة لقواعد الاشتباك وإجراءات التشغيل الموحدة ولوائح إطلاق النار والتوجيهات الأخرى الموضوعة للأفراد العسكريين وأفراد الأمن. وتوصي البعثة بأن تستفيد إسرائيل من الخبرة الفنية لدى لجنة الصليب الأحمر الدولية ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والهيئات الأخرى ذات الصلة والخبراء الإسرائيليين ومنظمات المجتمع المدني ذات الخبرة الفنية والتخصص المناسبين من أجل ضمان الامتثال في هذا الصدد لأحكام القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وينبغـي بصورة خاصة أن تكفل قواعد الاشتباك هذه دمج مبادئ التناسبية والتمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين والحيطة وعدم التمييـز بـين الفئات المحمية دمجاً فعالاً في جميع التوجيهات وفي أية إحاطات شفوية تقدم إلى الـضباط والجنود وقوات الأمن بغية تجنب تكرار حدوث حالات وفـاة في صـفوف المـدنيين الفلسطينيين وإلحاق الدمار بهم وإهانة كرامتهم الإنسانية مما يشكل انتهاكاً للقانون الدول ؛
(د) توصي البعثة بأن تسمح إسرائيل بحرية التنقل للفلسطينيين داخل الأرض الفلسطينية المحتلة- داخل الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، وبين قطاع غزة والضفة الغربية، وبين الأرض الفلسطينية المحتلة والعالم الخارجي - وفقاً لمعايير حقوق الإنسان الدولية وللالتزامات الدولية التي تعهدتبهاإسـرائيل وممثلو الشعب الفلسطيني، وتوصي البعثة كذلك بأن ترفع إسرائيل فوراً أشكال حظر السفر المفروضـة حالياً على الفلسطينيين بسبب أنشطتهم المتعلقة بحقوق الإنسان أو أنشطتهم السياسية؛
(هـ) توصي البعثة بقيام إسرائيل بإطلاق سراح الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسـرائيلية نتيجة للاحتلال. وينبغي أن يكون إطلاق سراح الأطفال أولوية مطلقة في هذا الصدد . وتوصي البعثة كذلك بأن توقف إسرائيل معاملة المحتجزين الفلسطينيين معاملة تمييزية. وينبغي استئناف الزيارات الأسرية للأسرى المنتمين إلى غزة؛
(و) توصي البعثة بأن تكف إسرائيل فوراً عن التدخل في العمليات الـسياسية الوطنيـة في الأرض الفلسطينية المحتلة وبأن تقوم، كخطوة أولى، بإطلاق سراح جميع أعضاء المجلس التشريعي الفلـسطيني المحتجـزين حالياً وبالسماح لجميع أعضاء المجلس بالتنقل بين غزة والضفة الغربية لكي يمكـن لهـذا المجلـس أن يـستأنف أداء مهامه؛
(ز) توصي البعثة بأن توقف حكومة إسرائيل الإجراءات الهادفة إلى الحد من حرية تعبير المجتمـع المدني وأفراد الجمهور عن نقدهم لسياسات إسرائيل وسلوكها أثناء العمليات العسكرية في قطـاع غـزة . وتوصي البعثة أيضاً بقيام إسرائيل بإجراء تحقيق مستقل لتقييم ما إذا كانت معاملة السلطات القضائية الإسرائيلية للإسرائيليين ذوي الأصل الفلسطيني والإسرائيليين اليهود المعبرين عن معارضتهم فيما يتصل بذلك الهجوم هي معاملة تمييزية، من حيث الاتهامات الموجهة وكذلك من حيث الاحتجاز رهن المحاكمة. وينبغي إعلان نتـائج التحقيق على الملأ، كما ينبغي، رهناً بنتائج التحقيق، اتخاذ إجراءات علاجية ملائمة؛
(ح) توصي البعثة بامتناع حكومة إسرائيل عن القيام بأي عمل انتقامي ضد من تعاون مع بعثة الأمـم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة من أفراد فلسطينيين وإسرائيليين ومنظمات فلسطينية وإسرائيلية، وخصوصاً الأفراد الذين مثلوا في جلسات الاستماع العلنية التي عقدتها البعثة في غزة وجنيف وأعربوا عـن النقد للإجراءات التي اتخذتها إسرائيل؛
(ط) توصي البعثة بأن تعيد إسرائيل تأكيد التزامها باحترام حصانة مقار وموظفي الأمم المتحـدة وبأن تتخذ جميع التدابير الملائمة لضمان عدم تكرار الانتهاكات في المستقبل. وتوصي أيضاً بأن تقدم إسرائيل بالكامل وبدون مزيد من التأخير تعويضات إلى الأمم المتحدة وبأن تنظر الجمعية العامة في هذه المسألة.
1973- توصيات موجهة إلى الجماعات المسلحة الفلسطينية،
(أ) توصي البعثة بأن تتعهد الجماعات المسلحة الفلسطينية فوراً باحترام القانون الإنساني الدولي، وخاصة بالتخلي عن شن هجمات على المدنيين الإسرائيليين والأهداف المدنية الإسرائيلية، وباتخاذ جميع التدابير الاحتياطية الممكنة لتجنب إيقاع الضرر بالمدنيين الفلسطينيين أثناء أعمال القتال؛
(ب) توصي البعثة بأن تقوم الجماعات المسلحة الفلسطينية التي تحتفظ باالجندي الإسـرائيلي جلعـاد شاليط قيد الاحتجاز بإطلاق سراحه لأسباب إنسانية. وينبغي أن تقوم، ريثما يقوم إطلاق سراحه، بالاعتراف بوضعه كأسير حرب ومعاملته على هذا النحو والسماح له بزيارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
1974- توصيات موجهة إلى السلطات الفلسطينية المسؤولة،
(أ) توصي البعثة بأن تصدر السلطة الفلسطينية تعليمات واضحة إلى قوات الأمن التابعـة لهـا بالتزام معايير حقوق الإنسان المنصوص عليها في القانون الأساسي الفلسطيني وفي الصكوك الدولية، وضمان التحقيق بصورة عاجلة ومستقلة في جميع الادعاءات القائلة بارتكاب قوات الأمـن الـتي تـسيطر عليهـا انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وبإنهاء اللجوء إلى القضاء العسكري لتناول القضايا التي تنطوي على مدنيين؛
(ب) توصي البعثة بقيام السلطة الفلسطينية وسلطات غزة دون إبطاء بإطلاق سـراح المعـتقلين السياسيين المحتجزين لديها والامتناع عن القيام بأي اعتقالات أخرى لأسباب سياسية وبما يـشكل انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان؛
(ج) توصي البعثة بأن تواصل السلطة الفلسطينية وسلطات غزة تمكين المنظمات الفلسطينية غير الحكومية، بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان واللجنة المستقلة لحقوق الإنسان، من العمل بحرية واستقلالية.
1975- توصيات موجهة إلى المجتمع الدولي،
(أ) توصي البعثة بأن تبدأ الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف لعام 1949 تحقيقات جنائيـة في محاكمها الوطنية، باستخدام الولاية العالمية، عند وجود أدلة كافية على ارتكاب خروق خطـيرة لاتفاقيـات جنيف لعام 1949 .وينبغي القيام، عند وجود ما يسوغ ذلك عقب التحقيقات، بإلقاء القبض على مرتكبي الانتهاكات ومقاضاتهم وفقاً لمعايير العدالة المعترف بها دولياً؛
(ب) ينبغي لمقدمي المعونات الدولية زيادة مساعداتهم المالية والتقنية للمنظمات التي تقـدم الدعم النفسي وخدمات الصحة العقلية للسكان الفلسطينيين؛
(ج) توصي البعثة البلدان المانحة/ مقدمي المساعدات، بالنظر إلى المهمة الحاسمة التي يضطلعون بها، بمواصـلة دعم أعمال منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والإسرائيلية العامة في توثيق انتهاكات حقـوق الإنـسان والقانون الإنساني الدولي والإبلاغ عنها بصورة عامة، وفي تقديم المشورة إلى السلطات المعنية بشأن عمليـة امتثالها للقانون الدولي؛
(د) توصي البعثة بأن تكفل الدول المشاركة في مفاوضات السلام بين إسرائيل وممثلـي الـشعب الفلسطيني، ولا سيما اللجنة الرباعية، ضمان إيلاء دور مركزي في مبادرات السلام التي تحظى برعاية دولية لمبادئ سيادة القانون والقانون الدولي وحقوق الإنسان؛
(هـ) بالنظر إلى الادعاءات والتقارير القائلة بحدوث أضرار بيئية طويلة الأجل يمكن أن تكون قد نشأت عن استخدام ذخائر معينة أو عن مخلفات ذخائر معينة، توصي البعثة بإنشاء برنامج للرصد البيئي تحت رعاية الأمم المتحدة طوال الفترة التي يعتبر فيها ذلك ضرورياً. وينبغي أن يشمل البرنامج قطاع غزة والمناطق الواقعة جنوبي إسرائيل والقريبة من مواقع سقوط هذه الذخائر. وينبغي أن ينشأ برنامج الرصد البيئي وفقـاً لتوصيات هيئة مستقلة، وأن تقوم بتحليل العينات مؤسسة خبراء مستقلة واحدة أو أكثر. وينبغي أن تشمل هذه التوصيات على الأقل في البداية، على آليات للقياس تتناول المخاوف الراهنة لسكان غزة وجنوبي إسرائيل وأن يتسنى لهذه الآليـات كحد أدنى، تحديد مدى وجود فلزات ثقيلة من جميع الأنواع وفوسفور أبيض وشـظايا التنغستن الدقيقة وحبيباته والمواد الكيميائية الأخرى حسبما يكشف عنه البحث.
1976- توصيات موجهة إلى المجتمع الدولي والسلطات الفلسطينية المسؤولة،
(أ) توصي البعثة بإنشاء آليات ملائمة لضمان أن يجري على نحو سلس وبكفاءة صرف الأموال التي أعلن المانحون الدوليون التبرع بها لأنشطة التعمير في قطاع غزة وأن يجـري اسـتخدامها علـى وجـه الاستعجال لصالح سكان غزة؛
(ب) بالنظر على آثار العمليات العسكرية، توصي البعثة بأن تولي السلطات الفلسطينية المسؤولة والمانحون الدوليون اهتماماً خاصاً لاحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة. وبالإضافة إلى ذلك، توصي البعثة بضمان المتابعة الطبية من جانب هياكل دولية وفلسطينية مختصة فيما يتعلق بالمرضى الذين أُجريت لهـم عمليـات بتـر أو الذين أُصيبوا على غير هذا الوجه بفعل ذخائر لم توضَّح طبيعتها بعد من أجل رصد أي تأثير محتمل طويل الأجل على صحتهم. وينبغي تقديم المساعدة المالية والتقنية لضمان المتابعة الطبية المناسبة للمرضى الفلسطينيين.
1977- توصيات موجهة إلى المجتمع الدولي وإسرائيل والسلطات الفلسطينية،
(أ) توصي البعثة بأن تقوم إسرائيل وممثلو الشعب الفلسطيني والجهات الفاعلة الدولية الـمشاركة في عملية السلام بإشراك المجتمع المدني الإسرائيلي والفلسطيني في وضع اتفاقات سلام قابلة للبقاء ترتكز على احترام القانون الدولي. وينبغي ضمان مشاركة المرأة في ذلك وفقاً لقرار مجلس الأمن 1325 (2000)؛
(ب) توصي البعث بتوجيه الانتباه إلى وضع النساء وباتخاذ الخطوات التي تكفل حـصولهن علـى التعويضات والمساعدة القانونية وتمتعهن بالأمن اقتصادي.
1978- توصيات موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة،
توصي البعثة بأن يضع الأمين العام سياسة لدمج حقوق الإنسان في مبادرات السلام التي تـشارك فيها الأمم المتحدة، ولا سيما اللجنة الرباعية، وتطلب إلى مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقديم الخبرة الفنية المطلوبة لتنفيذ هذه التوصية.
1979- توصيات موجهة إلى مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان،
(أ) توصي البعثة بأن تراقب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حالة الأشخاص الذين تعاونوا مع بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة وأن تقوم دورياً بتحديث معلومات مجلس حقوق الإنسان عن طريق تقاريرها العامة وبالطرق الأخرى التي قد ترى أنها ملائمة؛
(ب) توصي البعثة بأن تولي مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الاهتمام لتوصيات البعثة في تقاريرها الدورية المقدمة إلى مجلس حقوق الإنسان عن الأرض الفلسطينية المحتلة.
المصدر: موقع مجلس حقوق الإنسان: ohchr.org