خلاصة تقرير لجنة بيل (Peel Commission)
(تموز / يوليو 1937)
لقد كانت اللجنة الملكية لفلسطين مؤلفة من الأعضاء التالية أسماؤهم:-
جناب النبيل الارل بيل، جي.سي.اس.اي.، جي.بي.اي. (رئيساً)
جناب النبيل السر هوراس رامبولد، جي.اس.بي.، جي.سي.ام.جي.ام.في.او. (نائباً للرئيس)
السر لوري هاموند، كي.سي.اس.آي.، سي.بي.اي.
السر موريس كارتر، سي.بي.اي.
السر هارولد موريس، ام.بي.اي.، كي.سي.
الأستاذ راجينالد كوبلاند، سي.آي.اي.
وقد قام بمهام السكرتيرية المستر ج.م. مارتن
وقد عينت اللجنة في شهر آب سنة 1936 وأنيطت بها الصلاحيات التالية:
التثبت من الأسباب الأساسية للاضطرابات التي نشبت في فلسطين في أواسط شهر نيسان والتحقيق في كيفية تنفيذ صك الانتداب على فلسطين بالنسبة لالتزامات الدولة المنتدبة نحو العرب ونحو اليهود والتثبت، بعد تفسير نصوص الانتداب تفسيراً صحيحاً، مما إذا كان لدى العرب أو لدى اليهود أية ظلامات مشروعة ناجمة عن الطريقة التي اتبعت فيما مضى أو التي تتبع الآن في تنفيذ الانتداب والقيام، لدى اقتناعها باستناد أية ظلامة من هذه الظلامات إلى أساس صحيح، برفع التواصي لإزالة تلك الظلامات ومنع تكررها.
وفيما يلي خلاصة تقرير اللجنة:-
الخلاصة
الباب الأول – المشكلة
الفصل الأول – الاستناد التاريخي
يتضمن هذا الفصل لمحة موجزة عن عهد اليهود القديم في فلسطين وعن الفتح والاحتلال العربي وتشتت اليهود ونشوء "المشكلة اليهودية" ونمو الصهيونية ومعناها.
الفصل الثاني – الحرب والانتداب
إن الحكومة البريطانية، رغبة منها في نيل معاضدة العرب في الحرب الكبرى قطعت لشريف مكة في سنة 1915 وعدا مآله أنه إذا قيض للحلفاء الغلبة والانتصار فإن القسم الأكبر من الولايات العربية التي كانت حينئذ مشمولة في الإمبراطورية العثمانية سيصبح مستقلاّ ففهم العرب من هذا الوعد أن فلسطين ستكون داخلة في نطاق هذا الاستقلال.
وكي تتمكن الحكومة البريطانية من نيل معاضدة اليهودية العالمية أصدرت تصريح بلفور في سنة 1917 ففهم اليهود من هذا التصريح أنه إذا قيض النجاح لتجربة إنشاء الوطن القومي اليهودي وأمّ فلسطين عدد كاف من اليهود فقد يتطور الوطن القومي مع مرور الزمن وينقلب إلى دولة يهودية.
وعندما وضعت الحرب أوزارها وافقت دول الحلفاء والدول المنضمة إليها على العمل بنظام الانتداب كوسيلة لتنفيذ السياسة التي ينطوي عليها تصريح بلفور وبعد مدة من الزمن أقرت عصبة الأمم والولايات المتحدة صك الانتداب على فلسطين. وهذا الصك نفسه يتناول في الدرجة الأولى التزامات معينة متساوية في الأهمية – وهي التزامات إيجابية فيما يتعلق بإنشاء الوطن القومي، والتزامات سلبية فيما يتعلق بحماية حقوق العرب، وهو ينطوي أيضاً على الالتزام العام – الذي ينطوي عليه كل انتداب والذي يرمي إلى تحقيق الغاية الأساسية من نظام الانتداب المثبتة في الفقرة الأولى من المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم.
وذلك يعني أن العمل على "رفاهية وتقدم الأهالي" ذوي الشأن هو أهم الأعباء الملقاة على عاتق الدولة المنتدبة، كما أنه يعني ضمناً تمكين أولئك الأهالي من "تولي شؤونهم بأنفسهم" في الوقت الملائم.
إن إشراك السياسة التي ينطوي عليها تصريح بلفور بنظام الانتداب ينطوي على الاعتقاد بإمكان التغلب عاجلاً على موقف العرب العدائي من تصريح بلفور بسبب الفوائد الاقتصادية التي كان يتوقع أن تجلبها الهجرة اليهودية إلى فلسطين بوجه الإجمال.
الفصل الثالث – فلسطين من سنة 1920 إلى سنة 1936
وخلال السنوات الخمس الأولى من عهد الإدارة المدنية، التي أسست في سنة 1920، شرع من الجهة الواحدة في إعداد المصالح العامة التي تناول تأثيرها أكثرية السكان العربية وشرع من الجهة الأخرى، في إنشاء الوطن القومي اليهودي، وقد نشبت اضطرابات في سنتي 1920 و 1921، غير أنه في سنة 1925 تبادر للذهن أن الأمل بوصول العرب واليهود إلى توافق نهائي كان قوياً إلى درجة كبيرة مما أدى إلى إنقاص القوى المنوط بها المحافظة على النظام إنقاصاً كبيراً.
ثم ظهر فيما بعد أن هذه الآمال لم تكن مستندة إلى أساس ذلك لأنه بالرغم من أن فلسطين على وجه الإجمال أصبحت أكثر رفاهية عن ذي قبل فإن الأسباب التي أدت إلى اضطرابات سنتي 1920 و 1921، وهي مطالبة العرب بالاستقلال القومي واتخاذهم موقف العداء من الوطن القومي اليهودي، لم يطرأ عليها أدنى تبدل أو تغيير والواقع أن وطأتها قد اشتدت من جراء "العوامل الخارجية" وهي تهافت يهود أوروبا على فلسطين وانتشار الروح القومية عند العرب في البلاد المجاورة.
وقد كانت هذه الأسباب هي بذاتها التي أدت إلى اضطرابات 1929 و 1933 ولم تحل سنة 1936 حتى كانت وطأة العوامل الخارجية قد اشتدت من جراء: –
الفصل الرابع – اضطرابات سنة 1936
لقد كانت هذه "الاضطرابات" (وقد تضمن التقرير وصفاً موجزاً لها) شبيهة بالاضطرابات الأربعة التي سبقتها، وإن كانت أشد خطراً وأطول أجلاً منها، ولم يقتصر الهجوم فيها على اليهود وحدهم بل تناول حكومة فلسطين أيضاً كما كانت الحالة في اضطرابات سنة 1933، وقد كانت الظاهرة الجديدة التي بدرت في هذه الاضطرابات الأخيرة الدور الذي لعبه ملوك العرب وأمراؤهم في البلاد العربية المجاورة في إنهاء الإضراب.
ولقد كانت "الأسباب الأساسية لاضطرابات" سنة 1936 كما يلي: -
وهذان السببان هما بذاتهما السببان اللذان أديا إلى الاضطرابات السابقة ولقد كانا على الدوام متصلين معاً بصورة لا تنفصم عراها، وهناك كثير من العوامل الثانوية الأخرى التي ساعدت على نشوب الاضطرابات، نذكر أهمها فيما يلي: –
الفصل الخامس – الحالة الحاضرة
إن الوطن القومي اليهودي قد خرج عن طور التجربة ولقد كان نمو سكانه مقروناً بتطورات سياسية واجتماعية واقتصادية تطابق الأسس التي وضعت لها في بادئ الأمر. والحدث الرئيسي هو ما طرأ على المدن والصناعات من التقدم والتوسع وهناك فرق جلي يسترعي الأنظار بين الصبغة الديموقراطية العصرية، الأوروبية في صميمها، التي يصطبغ بها الوطن القومي، وبين العالم العربي الذي يحيط به فالروح السائدة في الوطن القومي اليهودي هي ذات صبغة قومية شديدة وليس ثمة مجال للامتزاج أو الاندماج بين الثقافة اليهودية والثقافة العربية. والوطن القومي لا يمكن أن يكون شبه قومي.
فشكل الحكم القائم في مستعمرات التاج لا يلائم أناساً ديموقراطيين ومثقفين ثقافة عالية كجماعة الوطن القومي وحكومة كهذه من شأنها أن تغذي روح عدم الشعور بالمسؤولية غير المحمودة الأثر.
والوطن القومي يجنح إلى إسراع الخطى في تقدمه لا لمجرد رغبة اليهود في الفرار من أوروبا بل بسبب القلق السائد حول ما سيحل بفلسطين في المستقبل.
لقد ازداد عدد السكان العرب زيادة كبرى منذ سنة 1920 ونالوا بعض النصيب من رفاهية فلسطين المتزايدة. فكثير من أصحاب الأملاك من بينهم استفادوا من بيوع الأراضي ومن استثمار الأثمان التي جنوها من بيعها استثماراً مربحاً. والفلاحون هم أسعد حالاً على وجه العموم مما كانوا عليه سنة 1920 ويرجع بعض الفضل في هذا التقدم الذي ناله العرب إلى ما دخل فلسطين من رؤوس الأموال اليهودية وإلى العوامل الأخرى ذات الصلة بنمو الوطن القومي. ولقد استفاد العرب بصورة خاصة من الخدمات الاجتماعية التي لم يكن ليتسنى إيجادها بالمقياس الموجودة فيه الآن بدون الإيرادات المستمدة من اليهود.
غير أن هذه الفائدة الاقتصادية التي جناها العرب من الهجرة اليهودية ستقل إذا استمرت شقة الخلاف السياسي بين العنصرين على الاتساع.
إن الروح القومية عند العرب هي شديدة القوة كما هي الحال عند اليهود وقد ظل ما يطلبه الزعماء العرب من تأسيس حكومة ذاتية وطنية وقفل باب الوطن القومي اليهودي، ثابتاً لم يطرأ عليه تغيير منذ سنة 1920 والروح القومية عند العرب كالروح القومية عند اليهود يغذيها النظام التعليمي ونمو حركة الشبان. ولقد كان للمعاهدة الإنكليزية المصرية والمعاهدة الإفرنسية السورية اللتين عقدتا مؤخراً تأثيرهما في إذكاء هذه الروح. إن شقة الخلاف بين العنصرين هي في حالتها الحاضرة واسعة وستستمر على الاتساع فيما لو ظل الانتداب الحالي معمولاً به.
إن وضع حكومة فلسطين بين الشعبين المتنافرين ليس بالوضع الذي تحسد عليه فهنالك هيئتان متنافستان هما اللجنة العربية العليا المتساندة مع المجلس الإسلامي الأعلى من جهة، والوكالة اليهودية المتساندة مع المجلس الملي اليهودي من الجهة الأخرى، وهاتان الهيئتان تستطيعان اكتساب ولاء العرب واليهود الطبيعي أكثر مما تستطيعه حكومة فلسطين. والجهود الصادقة التي بذلتها الحكومة لمعاملة كلا العنصرين بدون تحيز لم تؤد إلى تحسين العلاقات بينهما. كما أن سياسة استمالة المقاومة العربية لم تنجح ولقد أثبتت حوادث السنة الماضية أن الاستمالة لا تجدي نفعاً.
إن الشهادات التي أدلى بها زعماء العرب واليهود كانت متضادة كل التضاد ولم تترك أملاً بإمكان التوفيق بين وجهتي نظر الفريقين. وقد كان الحل الوحيد للمعضلة الذي تقدمت به اللجنة العربية العليا هو تشكيل حكومة عربية مستقلة في الحال وأن يترك لهذه الحكومة أمر معاملة الأربعمائة ألف يهودي الموجودين في البلاد على الوجه الذي تستصوبه والجواب على ذلك أن الثقة بحسن نية الحكومة البريطانية لن تزداد في أية ناحية من أنحاء العالم فيما لو سلم الآن أمر الوطن القومي للحكم العربي.
وقد أكدت الوكالة اليهودية والمجلس الملي اليهودي أن في الإمكان حل المعضلة عن طريق تطبيق الانتداب بحذافيره تطبيقاً حازماً على أساس مطالب اليهود. وذلك بأن لا يوضع قيد جديد على الهجرة وأن لا يكون هنالك ما يمنع صيرورة اليهود أكثرية في فلسطين، مع مرور الزمن. والجواب على ذلك أن مثل هذه السياسة لا يمكن تنفيذها إلا باللجوء إلى القوة ثم أنه ليس من المحتمل أن يورط الرأي العام البريطاني أو الرأي العام لليهودية العالمية نفسه في اللجوء إلى استعمال القوة على الدوام إلا إذا اقتنع بعدم وجود وسيلة أخرى لأداء العدالة.
الباب الثاني – تنفيذ الانتداب
لقد بحثت اللجنة بحثاً مستفيضاَ فيما يمكن عمله لتنفيذ الانتداب، طارقة كل النواحي الواحدة بعد الأخرى، سعياً وراء فسخ المجال لتوطيد دعائم السلام في المستقبل وقد أدرجت نتائج تحقيقها هذا في القسم الثاني من التقرير وشرحت المشاكل التي تواجه مختلف فروع إدارة الدولة المنتدبة كما شرحت ظلامات العرب واليهود تحت كل باب. وفيما يلي المقررات الرئيسية التي توصلت إليها اللجنة:-
الفصل السادس – الإدارة
إن الموظفين الفلسطينيين الذين هم في خدمة الحكومة يحسنون العمل في الأوقات الاعتيادية أما في أوقات الاضطرابات فلا يعتمد عليهم وينبغي أن لا يكون ثمة تردد في الاستغناء عن خدمات الذين يرتاب في إخلاصهم أو عدم تحيزهم.
أما فيما يتعلق بالموظفين البريطانيين فالملاك (الكادرو) هو أصغر من أن يسمح بتشكيل خدمة مدنية منهم لفلسطين وحدها. وعلى ذلك، يترتب على الإدارة أن تستمر على الاستعانة بموظف المستعمرات غير أن مدة الخدمة الاعتيادية في فلسطين يجب أن لا تقل عن سبع سنوات وينبغي صرف العناية الفائقة في اختيار الموظفين وتدريب الذين يقع الخيار عليهم تدريباً تمهيدياً.
إن اللجنة تعترف بالمشاق التي تعانيها الإدارة البريطانية التي كانت مسوقة منذ البدء على العمل تحت ضغط شديد دون أن تتسنى لها فرصة للتفكير الهادئ فهنالك مركزية زائدة عن الحد والصلة الموجودة بين الرئاسات العليا للدوائر وإدارة الألوية غير وافية بالمرام.
إن ظلامات العرب واليهود ومطالبهم فيما يتعلق بالمحاكم لا يمكن التوفيق بينها وهي تكشف القناع عن التنافر العنصري الذي يتخلل فروع الإدارة بأجمعها. ومما يزيد في صعوبة إيجاد نظام قضائي يتفق واحتياجات شعوب فلسطين المختلطة وجود لغات رسمية ثلاث وأيام عطلة أسبوعية ثلاثة وأعياد رسمية ثلاثة ونظم قانونية ثلاثة. أما فيما يتعلق بالشكوك التي تخامر اليهود حول كيفية تعقيب الدعاوى الجنائية فاللجنة تلفت النظر إلى الصعوبات التي تجابه دائرة النيابة في بلاد تكثر فيها شهادات الزور ويتعذر فيها الحصول على البينات في كثير من الدعاوى. وهي ترى أن البغضاء المستحكمة بين العنصرين وعلى الأخص عند وقوع الأزمات قد أثبتت أن لها تأثيرها السيئ في أعمال تلك الدائرة. واللجنة توصي بأن يكون محامي الحكومة الأول بريطانيا.
ومن الضروري إنجاز تعبيد طريق يافا – حيفا بما أمكن من السرعة.
ولا بد من القيام بتحقيق آخر بواسطة أحد الخبراء للفصل فيما إذا كانت البلاد في حاجة إلى مرفأ ثان عميق المياه، ويفضل بناء هذا المرفأ، فيما لو تقرر بناءه، في مكان متوسط بين يافا وتل أبيب بحيث يكون في متناول كل من البلدين على السواء.
ليس ثمة فرع من فروع الإدارة لا تتدخل به الوكالة اليهودية غير أن الوكالة لا يصح أن تكون موضعاً للانتقاد بسبب ذلك، فالمادة الرابعة من صك الانتداب تخولها حق إبداء المشورة والتعاون مع الحكومة في كل أمر من الأمور التي تمس مصالح السكان اليهود تقريباً وهي تشكل حكومة موازية تقوم إلى جانب حكومة الدولة المنتدبة، والمركز الممتاز الذي تتمتع به يزيد في حدة خصومة العرب.
لقد كانت اللجنة العربية العليا مسؤولة لدرجة كبيرة عن مواصلة الإضراب السنة الماضية وتمديد أجله ويجب أن يتحمل مفتي القدس بصفته رئيساً لهذه اللجنة قسطه الوافي من المسؤولية ومن سوء الحظ أنه لم يكن في الإمكان منذ سنة 1929 القيام بأي عمل لوضع انتخابات المجلس الإسلامي الأعلى ومركز رئيسه على أساس نظامي، فالوظائف التي جمعها المفتي في نفسه واستعماله لتلك الوظائف قد أدى إلى إنشاء حكومة عربية ضمن حكومة ويمكن وصفه بأنه رئيس حكومة موازية ثالثة. وقد بحثت اللجنة في اقتراح يرمي إلى إنشاء وكالة عربية واسعة النطاق مؤلفة من ممثلي البلاد العربية المجاورة ومن ممثلي عرب فلسطين لحفظ التوازن مع الوكالة اليهودية فإذا ظل الانتداب الحالي قائماً فلا بد من البحث في مشروع كهذا.
الفصل السابع – الأمن العام
على الرغم من أن نفقات الأمن العام قد ارتفعت من 265,000 جنيه في سنة 1923 إلى ما يتجاوز 862,000 جنيه في سنة 1935 – 36 (وإلى 2,230,000 جنيه في سنة 1936 – 37 وهي السنة التي وقعت فيها الاضطرابات) فمن الثابت أن الواجب الأولى، وهو الواجب الذي يقضي بالمحافظة على الأمن العام لم يؤد.
وإذا حدث أن نشبت الاضطرابات مرة أخرى بشكل يتطلب تدخل السلطات العسكرية فيجب أن لا يكون ثمة تردد في تطبيق الأحكام العرفية على البلاد بكاملها تحت إشراف عسكري غير مجزأ. وفي مثل تلك الحالة ينبغي تجريد الأهالي من السلاح وإقامة هيئة فعالة على الحدود لمنع التهريب والهجرة غير المشروعة وتسرب الأسلحة وإذا لم يعمد إلى نزع السلاح فيجب الاحتفاظ بالبوليس الإضافي كقوة مدربة للدفاع عن المستعمرات اليهودية.
لقد كانت الاستخبارات خلال الإضراب غير مرضية. إن أكثرية ضباط البوليس الفلسطيني في دائرة التحقيقات الجنائية مخلصون كل الإخلاص لعملهم. أما أفراد البوليس الذين ينتمون إلى الرتب الدنيا، كغالبية أفراد البوليس في الأقضية، فهم ليسوا ممن يعتمد عليهم عند وقوع الاضطرابات وإن كانوا نافعين في أوقات السلم. وسيكون من الخطر بمكان عظيم تعريض البوليس العربي في فلسطين إلى مثل ذلك التوتر العصبي الذي عرض له في الصيف المنصرم.
ينبغي تعيين ضباط بريطانيين في المناطق "المختلطة".
ويجب أن يكون هناك بوليس احتياطي، مركزي ومحلي، ومن الأمور الأساسية أيضاً أن تكون هناك قوة كبيرة متحركة من الفرسان سواء أكان ذلك عن طريق تشكيل قوة من الدرك، أو عن طريق زيادة أفراد البوليس البريطاني الخيالة.
عقب اضطرابات سنة 1929 لم ينفذ حكم الإعدام إلا في ثلاثة أشخاص من القتلة بينما أن أحكام الإعدام المبرمة بلغت 27 حكماً وفي سنة 1936 بلغت حوادث القتل التي تم التبليغ عنها 260 حادثة وأدين 67 شخصاً ولم يحكم بالإعدام على أحد. إن معاقبة المجرم بسرعة وإنزال العقاب الملائم به هو عامل أساسي في حفظ القانون والنظام.
لقد بلغ مجموع ما فرض من الغرامات المشتركة في المدة الواقعة بين سنة 1929 وسنة 1936، 60,000 جنيه غير أنه لم يجمع منها لغاية هذا التاريخ سوى 18,000 جنيه. وإذا كانت الغاية أن يكون للغرامات المشتركة أثراً رادعاً فمن الواجب قصرها على المبلغ الذي يمكن جمعه، وإقامة قوة من البوليس التأديبي في القرية أو المدينة، على نفقة أهلها، إلى أن تدفع الغرامة.
إن العقوبات المنصوص عليها في قانون المطبوعات والإجراءات التي اتخذت بمقتضى القانون المذكور ليست كافية. فمن الواجب سن قانون يقضي بإيداع تأمين (ديبوزيتو) نقدي يمكن مصادرته، وبفرض عقوبة الحبس ودفع الغرامة ويجب أن ينص القانون أيضاً على مصادرة المطبعة.
وهناك ضرورة ماسة لإنشاء ثكنات للبوليس في بعض المدن وإقامة بيوت لسكن الأفراد المتزوجين منهم.
إن إيرادات فلسطين لا يمكن أن تفي بجميع ما تتطلبه التدابير المقترحة من النفقات وسيستلزم الأمر أن تدفع حكومة جلالته في المملكة المتحدة إعانات سخية لتلك الغاية أما الأثر الفوري لهذه التدابير فسيكون توسيع شقة الخلاف بين العرب واليهود مقروناً ذلك برد فعل يتخطى أثره حدود فلسطين ويتجاوزها إلى أبعد منها بكثير.
الفصل الثامن – الشؤون المالية
لم تكن الخزينة حتى السنين الأخيرة تبيح القيام بإصلاح واسع النطاق في الشؤون والخدمات الاجتماعية، فإن تراكم وفر كبير في الخزينة أمر انفردت به السنين الأربع الأخيرة التي بدأت بسنة 1932 ولقد كان ثمة ما يبرر اتخاذ موقف التحفظ والتؤدة في إجراء الإصلاحات المشار إليها. أما الاستنتاج بأن هذا الوفر الكبير ناشئ عن تقتير لا موجب له في الصرف فهو أمر لم يؤيده التحليل الدقيق لأن الوفر بأجمعه مثقل بالرهون إلى درجة لا يبقى منه معها إلا ما يزيد قليلاً على المقدار المعقول لسد الذمم الحالية.
وإذا توقف تدفق رؤوس الأموال على فلسطين، وهو الأمر الذي تمتاز به اقتصاديات فلسطين بصورة خاصة، فليس هناك ما يستدعي أن يكون زوال هذه الميزة الاستثنائية مؤدياً إلى وقوع البلاد في الفاقة وإن كان ذلك قد يؤدي إلى خفض مستوى المعيشة إلى درجة ما ريثما تستقر اقتصاديات البلاد على أساس جديد. غير أن إمكان خروج رؤوس الأموال من فلسطين في حالة ركود الحالة الاقتصادية فيها ركوداً طويل الأمد هو أمر لا يمكن تجاهله بالكلية.
وبالنظر لعدم وجود إحصاءات وافية يتعذر التثبت من درجة صحة الشكوى التي تقدم بها العرب بأن حماية الصناعات يعود جل فائدتها على اليهود ويقع جل أعبائها على عاتق العرب. والمأمول أن تتمكن دائرة الإحصاءات الجديدة عن قريب من التحقيق في مسألة توزيع الضرائب، وأن تفرض الضرائب الجديدة على أساس مجموع عبء الضرائب التي ستقوم البلاد بحمله لا بالنسبة لما تحدثه الضرائب من التأثير في أية صناعة خاصة من الصناعات.
وليس هناك مجال للجدل في حاجة البلاد إلى زيادة صادراتها وإيجاد أسواق لما تنتجه من الأثمار الحمضية الآخذة في التزايد من سنة إلى أخرى وقد وجدت اللجنة بعد إمعان النظر في الوسائل المختلفة التي يمكن اتخاذها لتذليل الصعوبات الناجمة عن سياسة عدم التمييز في التعرفة المنصوص عليها في المادة 18 من صك الانتداب، أن أحكام تلك المادة أصبحت لا توافق الزمن الحاضر. فإذا لم تعدل تلك المادة فإن فلسطين ستستمر على تحمل الخسائر من جراء القيود التي تعيق التجارة الخارجية ولذلك ينبغي فتح باب المفاوضات بدون إمهال لوضع تجارة فلسطين على قاعدة أعدل من القاعدة التي هي عليها الآن.
الفصل التاسع – الأراضي
إن خلاصة من التشاريع المتعلقة بالأراضي التي سنت خلال الحكم المدني تكفي لإظهار ما بذلته الحكومة المنتدبة من الجهود لتنفيذ تعهداتها في هذا الباب. واللجنة تلفت النظر إلى الصعوبات الخطيرة المحيطة بالقانون الذي اقترحت حكومة فلسطين سنه لحماية صغار الملاكين. ومن الواجب تعديل دستور فلسطين، وتعديل صك الانتداب أيضاً إذا لزم الأمر، بصورة تفسح مجالاً لسن قانون يخول المندوب السامي سلطة منع انتقال الأراضي إلى اليهود في أية منطقة معينة وذلك كي يصبح في قيد الإمكان تنفيذ التعهد الذي يقضي بحفظ حقوق العرب ووضعيتهم. وريثما تتم عمليات المساحة والتسوية ترحب اللجنة بمنع بيوع قطع الأراضي المنعزلة، والصغيرة المساحة إلى اليهود. على أنها ترجح اللجوء إلى مشاريع أوسع مما سبق لإعادة تنظيم الملكية تحت إشراف الحكومة وهي تحبذ الاقتراح القائل بتشكيل شركات خاصة للمنافع العامة لتتولى القيام بمشاريع عمرانية كهذه، خاضعة لبعض القيود.
وينبغي تعيين لجنة من ذوي الخبرة لسن قانون للأراضي وقد أوصت اللجنة بلزوم الإسراع في عمليات التسوية (التي تحتاج إليها البلاد حاجة ماسة) وتحسين الأصول التي تسير عليها عمليات التسوية.
إن النظام الحالي لمحاكم الأراضي من شأنه أن يساعد على البطء في سير الدعاوى وريثما تتم عمليات المساحة والتسوية يجب تأليف محكمتين أو ثلاث محاكم أراض مستقلة عن المحاكم المركزية بحيث تكون كل منها برئاسة قاض بريطاني منفرد.
لقد استفاد المزارع القروي بصورة عامة لغاية يومنا هذا مما قامت به الإدارة البريطانية من الأعمال ومن وجود اليهود في البلاد. إلا إنه ينبغي اتخاذ أقصى ما يمكن من الحيطة لتأمين حفظ حقوق المستأجرين والمزارعين العرب في حالة وقوع بيوع أراض أخرى وعلى ذلك يجب أن لا يسمح بانتقال الأراضي (إلى اليهود) إلا حيثما يمكن استبدال الزراعة الواسعة بالزراعة الكثيفة. وليس من المنتظر أن تتسع المناطق الجبلية لأية زيادة كبيرة تحدث في عدد سكان القرى. ولذلك يجب على الحكومة أن لا تعمد في الوقت الحاضر ولا بعد مضي عدد كبير من السنين، إلى تسهيل حشد اليهود في المناطق الجبلية بوجه عام.
إن عدم كفاية الأراضي يعود إلى تكاثر السكان العرب أكثر مما يعود إلى ابتياع الأراضي من قبل اليهود. ولا يمكن التسليم بما يدعيه العرب من أن اليهود قد حصلوا على نسبة زائدة من الأراضي الجيدة فكثير من الأراضي المغروسة الآن بأشجار البرتقال لم تكن عند ابتياعها إلا كثبان رمال أو مستنقعات غير مزروعة. ومن الأمور اللازمة إصدار تشريع يقضي بإناطة المياه السطحية في المندوب السامي واللجنة توصي بزيادة عدد الموظفين الذين يقومون بالتنقيب والبحث عن المياه وبزيادة التجهيزات الموضوعة تحت تصرفهم بغية التوسع في الري. وهي تحبذ المشروع الموضوع لإعمار منطقة الحولة.
واللجنة تدرك تمام الإدراك ضرورة القيام بتحريج الأراضي على مقياس واسع ولزوم وضع برنامج بعيد الأمد لإنشاء الغابات ولكن بالنظر لما استنتجته من قلة الأراضي الميسورة للسكان الزراعيين في الجبال، لا يسعها أن توصي ببرنامج ينطوي على إخراج المزارعين من الأراضي بمقياس واسع إلا إذا وفرت لهم أراض زراعية أخرى أو أوجد لهم عمل مناسب على الأرض. على أنه إذا أخذت البلاد كمجموع فإن قسماً كبيراً من أرضها يصلح للتحريج وليس للزراعة واللجنة تحبذ القيام بمشروع يرمي إلى تحريج سفوح التلال الكثيرة الانحدار منعاً لانهيار تربتها، ومنع الرعي في الأراضي الصالحة للتحريج وإنشاء غابات للقرى حيثما أمكن لمنفعة المزارعين المجاورين لها.
الفصل العاشر – الهجرة
لقد ازدادت مشكلة الهجرة خطورة من جراء عوامل ثلاثة وهي: –
(1) القيود الشديدة التي فرضتها حكومة الولايات المتحدة على الهجرة إلى بلادها.
(2) استلام الحكومة الوطنية الاشتراكية لمقاليد الحكم في ألمانيا.
(3) ازدياد الضغط الاقتصادي على اليهود في بولونيا.
إن بقاء عنصر وافر الذكاء والنشاط مدعم بمقادير كبيرة من الأموال، على اصطدام متواصل مع شعب متوطن في البلاد يعتبر فقيراً بالنسبة إلى ذلك العنصر ويختلف عنه من حيث مستوى الثقافة، قد يؤدي مع الزمن إلى رد فعل خطير. وإن مبدأ الاستيعاب الاقتصادي الذي مؤداه أن يتوقف مقدار الهجرة إلى البلاد على أساس قدرة البلاد الاقتصادية على استيعاب المهاجرين دون أن يكون لغير هذه الاعتبارات الاقتصادية شأناً في ذلك، هو مبدأ غير ملائم في الوقت الحاضر وهو يضرب صفحاً عن بعض العوامل التي تنطوي عليها الحالة مما لا يسع السياسة الحكيمة أن تتجاهله أو تهمله. فمن اللازم أن يحسب للعوامل السياسية والاجتماعية والنفسية حسابها في هذا الشأن وينبغي على حكومة صاحب الجلالة أن تضع "حداً سياسياً أعلى" للهجرة اليهودية. وهذا الحد السياسي الأعلى يجب أن يحدد بـ 12,000 في السنة للسنوات الخمس المقبلة. ويجب أن يطلق للمندوب السامي الخيار في إدخال عدد من المهاجرين لا يتجاوز الرقم السابق كحد أعلى، على أن يكون إدخالهم خاضعاً على الدوام لمقدرة البلاد الاقتصادية على الاستيعاب.
واللجنة توصي بإجراء التعديل التالي في نظام الهجرة من ضمن التعديلات الأخرى التي توصي بها وهو أن يكون للإدارة رقابة مباشرة على المهاجرين الذين ينتمون للصنف أ (1) (أي الأشخاص الذين يملكون رأس مال قدره 1000 جنيه) فمن الواجب أن لا يكتفي الشخص الذي يود الدخول إلى فلسطين من هؤلاء، بإقناع سلطة المهاجرة بأنه يملك 1000 جنيه بل ينبغي عليه أيضاً أن يقنع تلك السلطة بأن في فلسطين متسعاً لأشخاص آخرين من الذين يمارسون الصنعة أو الحرفة أو التجارة التي ينوي تعاطيها.
وينبغي أيضاً إعادة النظر في تفسير اصطلاح "الأشخاص المعالين" بحيث يصبح هذا الاصطلاح شاملاً لفريقين اثنين: (1) الأقارب الأقربين الذين يملكون حق الدخول بالنظر لأن إعالتهم تتوقف على الشخص المقيم في فلسطين، (2) الأقارب الآخرين الذين يجب أن تقتنع سلطة المهاجرة بأن في استطاعة المهاجر أو المقيم الدائمي المختص أن يعيلهم ما داموا لا يستطيعون إعالة أنفسهم بأنفسهم. وينبغي أن يرفع إلى المندوب السامي التوزيع النهائي لشهادات الهجرة الذي تجريه الوكالة اليهودية لإقراره.
ويجب زياردة الاستفادة من موظفي إدارة الألوية لدى إجراء البحوث فيما يتعلق بإعداد جدول العمال النصف سنوي. ثم إن مسألة منازل السكن هي من الاعتبارات الاقتصادية التي يجب أن ينظر إليها باهتمام أكثر من السابق لدى البحث في قدرة البلاد على الاستيعاب.
ومن حيث أن الهجرة كانت العامل الأكبر الذي أوصل الوطن القومي إلى حالته الحاضرة من التوسع، فالحكومة المنتدبة قد قامت تمام القيام بتنفيذ الالتزام المترتب عليها لتسهيل إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين كما يشهد بذلك وجود 400,000 من السكان اليهود فيها. ولكن ذلك لا يعني أن الوطن القومي يجب أن يستقر على وضعه الحالي. واللجنة لا يمكنها أن توافق على الرأي القائل بأن الدولة المنتدبة بعد أن سهلت إنشاء وطن قومي، لها ما يبررها في إغلاق أبوابه. فالوطن القومي تعتمد حياته الاقتصادية إلى حد بعيد على دوام المهاجرة وقد وظف فيه مقدار كبير من رؤوس الأموال بدافع افتراض دوام الهجرة.
إن وضع القيود على الهجرة اليهودية لا يحل مشكلة فلسطين. فالعرب أصبحوا يعتبرون الوطن القومي، وهو في حالته الحاضرة، أكبر مما يجب أن يكون ويرون فيه حاجزاً يحول دون تحقيق أمانيهم القومية في الاستقلال.
الفصل الحادي عشر – شرق الأردن
إن مواد صك الانتداب المتعلقة بالوطن القومي اليهودي لا تسري على شرق الأردن، واحتمال توسيع الوطن القومي عن طريق هجرة اليهود إلى شرق الأردن يتوقف على افتراض وجود الوفاق بين اليهود والعرب. غير أن مقاومة العرب للهجرة اليهودية ليست أقل شدة في شرق الأردن منها في فلسطين ولا يسع حكومة شرق الأردن إلا أن ترفض تشجيع الهجرة اليهودية إزاء المقاومة الشعبية التي تجابه تلك الهجرة.
الفصل الثاني عشر – الصحة العامة
لقد لخصت ظلامات اليهود في هذا الفصل بأنها عبارة عن شكواهم من عدم صرف الحكومة المنتدبة لمقادير كافية من المال على مساعدة المصالح الصحية التي أنشأوها من أموالهم الخاصة. فالمال الذي يصرف على أية مصلحة من المصالح يؤخذ حتماً من حساب مصلحة أخرى وقد يغرب عن الذهن أحياناً أن فلسطين لا تزال فقيرة بالنسبة إلى غيرها بالرغم من تقدم الوطن القومي من الوجهة الاقتصادية، والمسألة بمجموعها توضح صعوبة إنشاء المصالح في دولة واحدة لشعبين اثنين يختلفان اختلافاً بيناً من حيث مستوى المعيشة.
الفصل الثالث عشر – الأشغال العامة والمصالح الأخرى
إذا كان المفروض أن توزع الوظائف بين العنصرين بالنسبة لعدد أفراد كل عنصر منهما فإن الحكومة قد حافظت على هذه النسبة بقدر الإمكان في الخدمة المدنية عموماً بالرغم من أن سرعة تزايد العنصر اليهودي قد جعلت هذا الأمر من الصعوبة بمكان.
وفي فلسطين، حيث تختلف أجور العمال العاديين من العرب واليهود ويكثر تقلب الأجور، يستحيل جعل الاستخدام في الأشغال العامة موقوفاً دائماً على أساس نسبة ثابتة بين العنصرين. واللجنة لم تتقدم بأية توصية فيما يتعلق باستخدام اليهود وغير اليهود في دوائر الحكومة وفي الأشغال العامة والمصالح الأخرى. وهي تشير إلى الصعوبات الناجمة عن استحكام روح التنافر بين العنصرين والاختلاف بين مستوى معيشتهما والفرق بين معدل الأجور والصعوبات الأخرى الناشئة عن أيام العطل الثلاثة المختلفة. وتعرب عن اقتناعها بأن الحكومة قد عالجت الحالة بسعة صدر وأن القول بأن موقف الحكومة من استخدام اليهود لا ينطوي على العطف قول لا يستند إلى أساس.
الفصل الرابع عشر – المسيحيون
إن مصلحة المسيحيين الدينية فيما يتعلق بالأماكن المقدسة لا تقل شأناً عن مصلحة اليهود أو المسلمين. ومسيحيو العالم لا يسعهم أن يقفوا موقف عدم المبالاة فيما يتعلق بإنصاف ورفاهية إخوانهم بالدين في البلاد المقدسة.
إن المذكرة المتضمنة ظلامات الطائفة العربية الأرثوذكسية وشكايتهم من الموقف الذي وقفته الحكومة بترك الأمور تجري في مجراها قد وصلت متأخرة لدرجة حالت دون درسها بالتفصيل، غير أن اللجنة تشير إلى ما قامت به اللجنة المالية المعينة بمقتضى قانون البطريركية الأرثوذكسية لسنة 1928 من الإصلاح الناجع في مالية البطريركية وإلى البحث الذي جرى بين الحكومة والبطريركية والعلمانيين حول إعادة تنظيم الشؤون الداخلية للبطريركية من جديد، بما فيه تشكيل مجلس مختلط، وتلك المسائل لا تزال موضع نظر الحكومة.
وقد أشارت اللجنة إلى مسألة اشتغال الموظفين المسيحيين في أيام الآحاد بسبب محافظة اليهود الدقيقة على السبت واللجنة تميل إلى الموافقة على أن الوضع الحاضر يلقي على كاهل الموظفين المسيحيين عبئاً زائداً من العمل ويضر بالنفوذ الروحي للكنيسة المسيحية.
أما في المسائل السياسية فقد ربط المسيحيون العرب مقدراتهم بمقدرات إخوانهم المسلمين.
الفصل الخامس عشر – قانون الجنسية واكتساب الجنسية الفلسطينية
أما فيما يتعلق بظلامة أولئك العرب الذين غادروا فلسطين قبل الحرب (والذين يقال أن عددهم يبلغ 40,000) بنية العودة إليها فيما بعد ثم لم يتمكنوا من الحصول على الجنسية الفلسطينية، فاللجنة تقترح أن تمنح الجنسية الفلسطينية لمن يستطيع أن يثبت منهم عدم انقطاع صلته الشخصية بفلسطين واستعداده لتقديم تأكيد رسمي صريح بنيته العودة إلى البلاد هذا إذا لم تمنح الجنسية الفلسطينية إلى جميع هؤلاء.
أما فيما يتعلق باليهود فالتشريع الحالي يفي بالالتزام الوارد في صك الانتداب حول هذا الموضوع . غير أن اليهود لم يقدموا على الاستفادة من الفرصة التي أتيحت لهم لاكتساب الجنسية الفلسطينية والسبب في ذلك هو أن مصلحتهم الأساسية مرتبطة بالشعب اليهودي نفسه. أما الإخلاص لفلسطين وحكومتها فمن الأمور الثانوية في نظر الكثيرين منهم.
واللجنة لا تؤيد النقد الموجه إلى حصر حق التصويت في الانتخابات البلدية في الفلسطينيي الجنسية. فمن المرغوب فيه جداً أن يصبح جميع الأشخاص الذين ينوون الإقامة الدائمة في فلسطين، فلسطينيي الجنسية، وتوفر هذا الشرط في الناخبين هو حافز مباشر من شأنه أن يحمل أولئك الأشخاص على السعي لاكتساب الجنسية الفلسطينية.
الفصل السادس عشر – المعارف
من دواعي الأسف أن لا تكون الإدارة قد فعلت أكثر مما فعلته في سبيل نشر المعارف. فالتعليم يجب أن لا ينظر إلى أهميته من حيث هو تعليم فقط، إذ إن ما يبذل من الجهود لتحسين حالة الفلاح المادية لن يقيض له النجاح إلا إذا تلقى الفلاح تربية عقلية كافية تمكنه من الاستفادة من التعليم الفني. وبالنظر لعدم كفاية الاعتمادات الحالية المخصصة لتعليم العرب، يترتب على الإدارة أن تعتبر أن النصيب الذي يستحقونه من الخزينة العامة لهذه الغاية هو الثاني في الأهمية بعد الاعتمادات المخصصة للأمن العام، ومع ذلك فإن الأمر الذي يفوق بتأثيره السيىء نقص المدارس العربية هو الطابع القومي المحض الذي تصطبغ به مدارس كل من الشعبين وليس في وسع اللجنة أن تجد علاجاً لهذا الأمر على الإطلاق. قد يكون المثل الأعلى لنظام التعليم في هذه البلاد جعل ذلك النظام نظاماً واحداً ثنائي القومية للعنصرين معاً. غير أن ذلك يتعذر تحقيقه بموجب صك الانتداب الذي يخول كلاً من الشعبين "حق صيانة مدارسه الخاصة لتعليم أبنائه بلغته الخاصة" ونظام المدارس العربية واليهودية المعمول به الآن يزيد حتماً في توسيع شقة الخلاف بين العنصرين وسيظل ذلك شأنه في المستقبل أيضاً.
يجب تشجيع التعليم المختلط حيثما أمكن ذلك أي في المدارس الفنية والصناعية التي تنشأ حديثاً مثلاً. أما بصدد ما يطالب به اليهود من زيادة مقدار الإعانة التي تمنح لمدارسهم فاللجنة ترى أنه ليس هناك ما يبرر زيادة هذه الإعانة مهما كانت تلك الزيادة مرغوباً بها في ظروف أخرى، إلا بعد أن يكون قد صرف على ترقية التعليم لدى العرب مبالغ تفوق كثيراً ما صرف عليه لغاية الآن، بحيث يصبح مستوى التعليم عندهم موازياً لمستوى التعليم عند اليهود. إن مدى ما حمّل اليهود أنفسهم من الضرائب في سبيل نشر التعليم هو صفة من أحسن الصفات التي يمتاز بها الوطن القومي اليهودي. ومثل هذه المساعدة التي يقدمها الإنسان لنفسه حرية بكل تأييد. ولكن هذا التأييد يجب أن لا يأتي عن طريق تغيير النسبة الحالية بين الإعانة الممنوحة لليهود والمبالغ المصروفة على العرب بل يجب أن يكون نتيجة لزيادة مجموع المبالغ المصروفة على التعليم.
والتباين بين نظام التعليم عند اليهود وبين نظام التعليم عند العرب أكثر ما يكون بروزاً في درجات التعليم العليا. فلليهود جامعة من طراز عال والعرب ليس لديهم جامعة وليس في وسع الطبقة المثقفة من شبانهم أن يتموا تعليمهم إلا إذا حملوا أنفسهم عبء السفر إلى الخارج. وإذا وضع المشروع الذي يرمي إلى تأسيس جامعة بريطانية في الشرق الأدنى على بساط البحث من جديد فيجب أن ينظر بمنتهى الإمعان في إمكان إنشاء تلك الجامعة في جوار القدس أو حيفا.
الفصل السابع عشر – الحكم الذاتي
إن نظام الحكم الذاتي الحالي الذي تمارسه (المجالس المحلية) في مناطق القرى يشتمل على نقصين، أولهما فقدان المرونة وثانيهما المركزية التي لا موجب لها ولا بد من القيام بمحاولة لتقوية المجالس المحلية القليلة التي لا تزال موجودة في مناطق القرى العربية غير أن اللجنة لا تحبذ في الوقت الحاضر إعادة تشكيل المجالس المنحلة أو تشكيل مجالس جديدة إلا إذا كان ذلك مقروناً بطلب جدي. ولا يمكن أن يعود توسيع الحكم الذاتي في القرى بفائدة فعالة إلا بعد أن تكون التدابير المتخذة للتعليم الأولى قد أثمرت ثمرها بفعل الزمن.
أما عيوب نظام البلديات الحالي فهي (1) فقدان روح التشبث في البلديات المتأخرة عن غيرها (2) القيود الموضوعة على تشبثات البلديات المتقدمة على غيرها، بموجب القانون الذي جعل جميع البلديات خاضعة على السواء لإشراف الحكومة والإدارة المتمركزة، ويرجع السبب في عدم الاهتمام الذي يبديه سكان المدن في أكثر المجالس البلدية إلى تحديد السلطات والمسؤوليات.
إن لمدينة تل أبيب مشكلاتها الخاصة وهي مشكلات فذة ناشئة عما حصل في سكانها من التزايد العجيب خلال السنوات الخمس الأخيرة. فالأهداف التي وضعها سكان تل أبيب نصب أعينهم فيما يتعلق بالخدمات الاجتماعية هي بحد ذاتها موضع التقدير وقد أظهر دافعو الضرائب استعداداً يحمدون عليه لتحمل عبء الضرائب الباهظة بغية الوصول إلى تلك الأهداف، ولقد واجهت المدينة صعوبات استثنائية وتمكنت بدرجة كبيرة من التغلب على تلك الصعوبات دون أن تتأثر وضعيتها المالية تأثراً خطيراً.
ومن الضروري سن قانون جديد يقضي بتصنيف البلديات وأهم المجالس المحلية تصنيفاً جديداً وتقسيمها إلى أصناف مختلفة بحسب اتساعها وأهميتها. وفي هذه الحالة يمكن تغيير مدى السلطة والاستقلال الممنوحين للمجالس بحيث يكون ذلك ملائماً لكل صنف على حدته. فالسلطات الممنوحة للصنف الأول من البلديات بموجب القانون الحالي هي غير وافية ومن الضروري توسيعها.
ويجب استقدام شخص خبير في مسائل البلديات للاستعانة به على وضع صيغة القانون الجديد وتحسين واتساق العلاقات التي تربط بين الحكومة والبلديات، سيما في البلدان الكبيرة، على أن يتناول عمله بصورة خاصة إزالة أسباب التأخير الذي يحصل في الوقت الحاضر في تصديق ميزانيات البلديات.
ومن الضروري أن ينظر على الفور وبعين العطف في حاجة مدينة تل أبيب إلى قرض كبير.
إن الصلة العادية التي تقوم عادة بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية هي في فلسطين غير ممكنة التحقيق.
الفصل الثامن عشر – مؤسسات الحكم الذاتي
إن الآمال التي كانت معقودة في سنة 1922 على التقدم بخطوات سريعة نحو الحكم الذاتي قد أصبحت أبعد منالاً من ذي قبل. فالحائل الواقف في سبيل تحقيقها – وهو موقف العرب العدائي من الوطن القومي – قد اشتدت وطأته مع الزمن بدلاً من أن تخف.
إن الزعماء اليهود قد يرضون بتشكيل مجلس تشريعي على أساس المساواة بين العرب واليهود غير أن اللجنة مقتنعة بأن هذه المساواة ليست حلاً عملياً للمشكلة، إذ من الصعب الاعتقاد أن مثل هذه الوسيلة الاصطناعية يمكن أن تطبق تطبيقاً فعالاً أو أن تدوم طويلاً، وعلى كل، فإن الزعماء العرب لن يقبلوا بها.
واللجنة لا توصي بالقيام بأية محاولة لبعث الاقتراح المتعلق بتشكيل مجلس تشريعي من جديد، غير أنه لما كان من المرغوب فيه أن يكون لدى الحكومة وسيلة منتظمة فعالة تستعين بها في سبر غور الرأي العام فيما يتعلق بسياستها فاللجنة ترحب بتوسيع المجلس الاستشاري عن طريق ضم أعضاء غير موظفين إليه ومن الممكن أن يشكل هؤلاء الأعضاء أغلبية المجلس وأن ينتخبوا انتخاباً. ويكون في وسع هؤلاء الأعضاء عرض ما يودون عرضه بقرارات يتخذونها في المجلس ولكنهم لا يعطون صلاحية تخولهم إقرار أو رفض الميزانية أو التدابير التشريعية الأخرى، غير أن العرب ليس من المحتمل أيضاً أن يقبلوا بهذا الاقتراح.
ومن المسلم به أن عرب فلسطين يصلحون لحكم أنفسهم بأنفسهم كعرب العراق أو سوريا ثم إن يهود فلسطين يصلحون لحكم أنفسهم بأنفسهم كأي شعب منظم مثقف من شعوب أوروبا. غير أنه بالنظر لكون هذين الشعبين خاضعين معاً لانتداب واحد فمنح الحكم الذاتي لكليهما معاً أمر غير عملي. إن الانتداب لا يمكن تنفيذه تنفيذاّ تاماً، ولا إنهاء أجله بصورة مشرفة عن طريق استقلال فلسطين كوحدة غير مجزأة، إلا إذا كان في الإمكان تسوية النزاع القائم بين العرب واليهود.
الفصل التاسع عشر – الاستنتاجات والتواصي
لقد أجملت اللجنة في هذا الفصل ما توصلت إليه من الاستنتاجات الوارد بيانها في هذا الباب من التقرير ولخصت ظلامات العرب واليهود والتواصي التي تقدمت بها لإزالة الظلامات المشروعة منها. وقد أضافت اللجنة إلى ذلك أن التواصي التي تقدمت بها هي ليست تلك التواصي التي تقتضيها الصلاحيات التي أنيطت بها فهي لن "تزيل" الظلامات ولن "تمنع تكررها" غير أنها أفضل المسكنات التي تستطيع اللجنة أن تصفها للداء الذي تعاني فلسطين آلامه وهي لا تخرج عن كونها مسكنات ليس إلا، ولا يمكنها أن تستأصل شأفة هذا الداء، فهو متأصل إلى درجة حملت اللجنة على الجزم في الاعتقاد بأن الأمل الوحيد بشفائه لا يأتي إلا عن طريق إجراء عملية جراحية.
الباب الثالث – إمكان الوصول إلى تسوية دائمة
الفصل العشرون – ضغط الظروف
لقد أعادت اللجنة تلخيص المشكلة الفلسطينية في هذا الفصل.
وذلك أن الحكومة البريطانية، مدفوعة بضغط الحرب العالمية، كانت قد قطعت بعض الوعود للعرب واليهود بقصد نيل معاضدتهم. وقد علق كل من الفريقين بعض الآمال على هذه الوعود.
إن تطبيق نظام الانتداب بوجه الإجمال وصك الانتداب بصورة خاصة على فلسطين ينطوي على الاعتقاد بأن الالتزامات التي تعهدت بها الدولة المنتدبة نحو العرب واليهود قد يثبت مع الزمن بأنها قابلة للتوفيق بالنظر لما سيحدثه الرخاء المادي الذي تجره الهجرة اليهودية إلى فلسطين عموماً من التأثير الطيب على العرب الفلسطينيين، لكن هذا الاعتقاد لم يتحقق وليس ثمة أمل بتحقيقه في المستقبل.
غير أن الشعب البريطاني لا يستطيع التنصل من التزاماته بناء على هذا السبب، وبغض النظر عن هذه الالتزامات فإن الأحوال القائمة في فلسطين ما زالت تتطلب بذل جهود مضنية من قبل الحكومة المسؤولة عن رفاهية البلاد.
وفيما يلي بيان موجز للأحوال القائمة في البلاد:
لقد نشأ نزاع مستعصي الحل بين شعبين مختلفي القومية يقيمان معاً ضمن الحدود الضيقة لبلاد صغيرة واحدة وليس لهذين الشعبين أساس مشترك يجمع بينهما فأمانيهما القومية لا يمكن التوفيق بينها إذ إن العرب يطمحون إلى إحياء عصر العرب الذهبي واليهود يرغبون في إظهار ما يمكنهم أن يقوموا به من جليل الأعمال عندما يعادون إلى البلاد التي ولدت فيها الأمة اليهودية وليس في آمال الفريقين القومية ما يسمح بدمجها معاً في خدمة دولة واحدة.
ولقد أخذت وطأة هذا النزاع تشتد تدريحياً منذ سنة 1920 وسيكون ذلك شأنها في المستقبل ايضاً.
والأحوال السائدة في فلسطين ولا سيما أنظمة التعليم القائمة فيها تعمل عملها في تقوية الروح القومية لدى الشعبين وكلما ازداد عدد الشعبين وازدادت رفاهيتهما كلما عظمت أمانيهما السياسية وازدادت خطورة النزاع القائم بينهما بسبب ما يحيط المستقبل من الإبهام، فهنالك سؤال مآله "من الذي سيحكم فلسطين في النهاية؟" وفي غضون ذلك تستمر العوامل الخارجية على عملها بقوة متزايدة فهناك من الجهة الواحدة سوريا ولبنان اللذان ستنالان سيادتهما القومية في أقل من ثلاث سنوات وبنوالهما ذلك يزاد مطلب العرب الفلسطينيين في نيل نصيبهم من الحرية التي تتمتع بها بلاد العرب الآسيوية بأسرها شدة وقوة، ومن الجهة الأخرى ليس من المنتظر أن يقل الضيق الذي يعانيه اليهود في أوروبا أو أن تخف المخاوف التي تساورهم، كما أن أثر الاستنجاد بحسن نوايا الشعب البريطاني وعطفه على الإنسانية لن يفقد شيئاً من شدته. ثم إن حكومة فلسطين، التي هي الآن على شكل لا يصلح لحكم العرب المثقفين واليهود الديموقراطيين، ليس في مقدورها أن تتطور مع الزمن إلى شكل من أشكال الحكم الذاتي كما وقع في البلاد الأخرى وذلك لأنه ليس ثمة شكل من أشكال هذا الحكم من شأنه أن يضمن العدالة لكل من العرب واليهود، وعلى هذا ستبقى الحكومة غير تمثيلية وعاجزة عن إزالة الظلامات المتضاربة التي يشكو منها هذان الشعبان المستاءان المجردان من المسؤولية، اللذان هما تحت حكمها.
وفي مثل هذه الأحوال لا يمكن توطيد دعائم السلام في فلسطين تحت ظل الانتداب إلا باللجوء إلى القمع، ذلك لأن القمع يستلزم إقامة مصالح للمحافظة على الأمن تستنفذ من باهظ النفقات ما يحول دون التوسع في الخدمات التي ترمي إلى تأمين "رفاهية السكان وتقدمهم" بل قد يؤدي إلى إنقاص تلك الخدمات وتخفيضها أما الموانع الأدبية التي تلازم القمع فلا تحتاج إلى برهان ولا حاجة للتدليل على ما يكون له من رد فعل غير مرغوب فيه على الرأي العام خارج فلسطين. وبالإضافة إلى ذلك فإن القمع لن يحل المشكلة بل يؤدي إلى تفاقم الشحناء ولن يساعد على إنشاء دولة واحدة في فلسطين تحكم ذاتها بذاتها. وليس من السهل السير في طريق القمع المظلمة إذا لم يكن من المأمول مشاهدة نورالنهار في آخر تلك الطريق.
إن الشعب البريطاني لن يحيد عن مهمة الاستمرار على حكم فلسطين بمقتضى الانتداب إذا كان الشرف يقضي عليه بذلك، غير أن له ما يبرره إذا هو بحث عن طريقة أخرى تمكنه من القيام بواجبه ثم إن بريطانيا لا تود أن تجحد التزاماتها غير أن موطن الصعوبة هو ثبوت عدم إمكان التوفيق بين هذه الالتزامات ومما يزيد في ألم هذا التضارب وقعاً أنه لو أخذ كل التزام من هذه الالتزامات على حدته، لوجد أنه يتفق مع ميول بريطانيا ومصالحها. فارتقاء الحكم الذاتي في العالم العربي من الجهة الواحدة يتفق والمبادىء البريطانية. والرأي العام البريطاني يعطف كل العطف على ما يمني به العرب أنفسهم من إحياء عصر جديد من الوحدة والرفاهية في العالم العربي ولقد كانت المصلحة البريطانية مرتبطة على الدوام باستتباب السلام في الشرق الأوسط وفي استطاعة السياسة البريطانية أن تثبت أن لها تاريخ صداقة غير منفصمة العرى مع العرب. ومن الجهة الأخرى إن صداقة بريطانيا للشعب اليهودي هي صداقة تقليدية قوية. ومن مصلحة بريطانيا الإبقاء على ثقة الشعب اليهودي بالقدر الممكن.
إن دوام النظام الحالي سيؤدي تدريجياً إلى إقصاء هذين الشعبين اللذين يرتبطان مع بريطانيا برباط الصداقة التقليدية.
ولا يمكن حل المشكلة بمنح العرب أو اليهود كل ما يصبون إليه. وإذا سئل مَن مِن الشعبين سيحكم فلسطين في النهاية فجواب هذا السؤال يجب أن يكون: "لا هذا ولا ذاك" فليس ثمة سياسي منصف يسعه أن يفكر في تسليم الأربعمائة ألف يهودي الذين سهلت الحكومة البريطانية دخولهم إلى فلسطين بموافقة عصبة الأمم إلى الحكم العربي، أو في تسليم مليون من العرب إلى الحكم اليهودي فيما لو أصبح اليهود الأغلبية في البلاد. غير أنه وإن كان ليس في مكنة أي هذين العنصرين أن يتولى حكم فلسطين بأسرها بإنصاف، فقد يكون في إمكان كل عنصر منهما أن يحسن الحكم في قسم منها.
ولا ريب في أن فكرة التقسيم قد بحث فيها فيما مضى كحل للمشكلة إلا إنه يغلب على الظن أن هذه الفكرة قد أهملت في السابق باعتبار أنها غير عملية فالتقسيم تلازمه بدون شك مصاعب جسيمة غير أنه إذا درست هذه المصاعب درساً دقيقاً فلن تبدو بأنها مما يتعذر التغلب عليه شأن المصاعب التي ينطوي عليها بقاء الانتداب أو أي تدبير آخر فالتقسيم يفسح مجالاً لتوطيد السلام في النهاية الأمر الذي لا يتيحه أي مشروع آخر.
الفصل الحادي والعشرون – نظام المقاطعات
في الإمكان تجزيء فلسطين تجزئة سياسية أقل شمولاً من التقسيم وذلك بتقسيمها، على النحو المتبع في الحكومات التي تسير على نظام الاتحاد، إلى ولايات ومقاطعات تتمتع كل منها بالحكم الذاتي فيما يتعلق بالمسائل المماثلة للهجرة وبيوع الأراضي والخدمات الاجتماعية وفي هذه الحالة تكون الدولة المنتدبة في مقام الحكومة المركزية أو حكومة الاتحاد وتهيمن على العلاقات الخارجية والدفاع والجمارك وما شاكل ذلك.
ونظام المقاطعات هذا جذاب لأول وهلة لأنه يحل بحسب الظاهر المشاكل الكبرى الثلاث وهي مشكلة الأراضي ومشكلة الهجرة ومشكلة الحكم الذاتي غير أن مواطن الضعف فيه ظاهرة جلية ففي الدرجة الأولى، إن سير أنظمة حكومة الاتحاد يتوقف على وجود مصالح أو تقاليد كافية لتأمين بقاء التوافق بين الحكومة المركزية وبين المقاطعات، أما في فلسطين فسينظر كل من العرب واليهود إلى الحكومة المركزية كهيئة أجنبية دخيلة؛ وفي الدرجة الثانية إن العلاقات المالية بين الحكومة المركزية والمقاطعات قد تؤدي إلى بعث التنافر القائم حالياً بين العرب واليهود من جديد، وذلك فيما يتعلق بكيفية توزيع الوفر الذي قد يحصل في إيرادات الحكومة المركزية أو بتعيين المبلغ الذي يترتب على كل مقاطعة من المقاطعات أن تدفعه لسد ما قد يقع في ميزانية الحكومة المركزية من العجز، ثم إن فتح باب الهجرة اليهودية على مصراعيه في المقاطعة اليهودية دون قيد أو شرط قد يؤدي إلى لزوم التوسع فيما تنشئه الحكومة المركزية من الخدمات على حساب المقاطعة العربية. وفي الدرجة الثالثة، إن واجب المحافظة على القانون والنظام، ذلك الواجب الكبير النفقات، سيبقى موكولاً إلى الحكومة المركزية. وفي الدرجة الرابعة، إن نظام المقاطعات لا بد له، كمشروع التقسيم، من أن يسفر عن إبقاء أقلية من كل عنصر في المنطقة التي سيهيمن عليها العنصر الآخر. وحل هذه المعضلة يتطلب اللجوء إلى تدابير جريئة لا يصح التفكير فيها إلا إذا كان ثمة أمل بتوطيد دعائم السلم النهائي في البلاد. ومشروع التقسيم يفسح المجال لمثل هذا الأمل، بينما أن نظام المقاطعات لا يؤمن ذلك، ويمكن أن يقال بالدرجة الأخيرة أن نظام المقاطعات لا يحل مسألة الحكم الذاتي القومي فلن يشعر العرب ولا اليهود بأن أمانيهم السياسية قد تحققت لمجرد منحهم الحكم الذاتي في المقاطعات.
وبالإيجاز إن نظام المقاطعات تلازمه جل المصاعب التي تعترض مشروع التقسيم، إن لم يكن كلها، دون أن تتوفر فيه الفائدة الكبرى المتوفرة في التقسيم ألا وهي احتمال الوصول إلى سلم نهائي.
الفصل الثاني والعشرون – مشروع التقسيم
بالرغم من أنه لا ينتظر من اللجنة أن تعمد إلى القيام بالتحقيق الإضافي المطول الذي يتطلبه وضع الأسس الضرورية لمشروع التقسيم بإسهاب إلا إنه من العبث أن تتقدم بمبدأ التقسيم هذا دون أن تضعه في قالب جوهري محسوس، إذ من الواجب كما يظهر جلياً أن يقام الدليل على أن في الإمكان وضع خطة تفي بأهم ما تتطلبه الحال.
1. نظام المعاهدات
ينبغي إنهاء أجل الانتداب المفروض على فلسطين واستبداله بنظام معاهدات يتفق مع السابقة التي درج عليها في معاهدتي العراق وسوريا.
ويجب وضع انتداب جديد للأماكن المقدسة يكفل تحقيق الغايات المحددة في الفقرة (2) أدناه.
وينبغي أن تعمد الدولة المنتدبة إلى المفاوضة مع حكومة شرق الأردن وممثلي عرب فلسطين من جهة ومع الجمعية الصهيونية من الجهة الأخرى لعقد معاهدة تحالف مع كل من الفريقين. وفي هاتين المعاهدتين يعلن عن تشكيل حكومتين مستقلتين ذواتي سيادة خلال أقصر مدة تسمح بها الأحوال، إحداهما دولة عربية تضم شرق الأردن مع ذلك القسم من فلسطين الذي يقع إلى الجانبين الشرقي والجنوبي من الحد الذي اقترحناه في الفقرة (3) أدناه والأخرى دولة يهودية تضم ذلك القسم من فلسطين الذي يقع إلى الجانبين الشمالي والغربي من الحد المذكور.
وتتعهد الدولة المنتدبة أن تؤيد الطلب الذي قد تتقدم به أي الحكومتين العربية أو اليهودية للانضمام إلى عصبة الأمم.
وتتضمن المعاهدتان ضمانات مشددة لحماية الأقليات في كل من الدولتين ونصوصاً تتعلق بما سيشار إليه في الفقرات التالية من الشؤون المالية وغيرها وتلحق بهما مواثيق عسكرية تتعلق بإقامة القوى البحرية والعسكرية والجوية والمحافظة على المرافئ والطرق والسكة الحديدية واستعمالها، وحماية خط أنابيب الزيت وما شاكل ذلك من الأمور.
2. الأماكن المقدسة
إن تقسيم فلسطين لا بد له أن يكون خاضعاً للشرط الأساسي التالي وهو: المحافظة على قداسة القدس وبيت لحم وتأمين الوصول إليهما بحرية وطمأنينة لمن شاء من كافة أنحاء العالم. تلك "أمانة مقدسة في عنق المدنية" بأوسع ما في الانتداب من معنى وهي ليست أمانة شعوب فلسطين فحسب بل أمانة الجماهير الوفيرة في البلاد الأخرى التي تنظر إلى أحد هذين المكانين أو لكليهما معاً كمكانين مقدسين.
ولذلك ينبغي وضع صك انتداب جديد بحيث تكون غايته الرئيسية حسن القيام بهذه الأمانة، وتخطيط حد لمنطقة خاصة تشمل هذين المكانين المقدسين بحيث تمتد حدودها من نقطة شمال القدس إلى نقطة جنوب بيت لحم وأن ييسر لهذه المنطقة أمر الاتصال بالبحر بواسطة ممر يمتد من شمال طريق يافا الرئيسية إلى جنوبي السكة الحديدية شاملاً مدينتي اللد والرملة ومنتهياً في يافا.
إن حماية الأماكن المقدسة هي أمانة دائمية، فذة في نوعها وغايتها وهي غير واردة في المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم. واجتناباً لسوء الفهم يمكن القول بصراحة إن هذه الأمانة لن ينتهي أجلها إلا متى رغبت عصبة الأمم والولايات المتحدة في ذلك، وإنه في الوقت الذي يكون فيه من واجب القيم على تلك الأمانة العمل على رفاه وترقية السكان المحليين المختصين فليس في النية أن يصبح أولئك السكان مع مرور الزمن شعباً يحكم نفسه بنفسه حكماً ذاتياً تاماً.
ويجب إبقاء الضمانات المتعلقة بالحقوق التي تملكها الجماعات المختلفة في الأماكن المقدسة وبحرية الوصول إلى تلك الأماكن (كما تنص عليه المادة 13 من صك الانتداب الحالي)، وبمسألة المرور من منطقة الانتداب، وعدم التمييز في المسائل المالية والاقتصادية وغيرها، وفقاً لمبادئ نظام الانتداب. ولا تطبق السياسة التي ينطوي عليها تصريح بلفور ولن يكون ثمة مجال للبحث في حفظ التوازن بين ادعاءات العرب إزاء اليهود أو بالعكس لأن كافة سكان المنطقة سيعاملون على قدم المساواة. وتكون "اللغة الرسمية" الوحيدة لغة الحكومة المنتدبة ويكون المبدأ الأساسي الذي تسير عليه الإدارة إقامة حكم قويم عادل بغض النظر عن المصالح الطائفية.
ومما يتفق وعواطف المسيحيين في العالم أجمع جعل هذا الانتداب شاملاً أيضاً للناصرة وبحر الجليل (بحيرة طبرية) فينبغي أن يعهد للدولة المنتدبة بإدارة الناصرة وأن تخول السلطة التامة للمحافظة على قداسة مياه وشواطئ بحيرة طبرية.
ويجب أن يلقى على عاتق الدولة المنتدبة أيضاً عبء المحافظة على الأوقاف الدينية وعلى الأبنية والمقامات والأماكن الواقعة في أراضي كل من الدولتين العربية واليهودية والمقدسة لدى العرب واليهود. وللقيام بنفقات الحكومة المنتدبة ينبغي أن تمكن تلك الحكومة من الاستحصال على بعض الإيرادات سواء عن طريق فرض رسوم جمركية أو ضرائب مباشرة أخرى سيما على سكان المدن الكبرى الكثيرة العدد والمطردي النمو المعهودة إدارتهم إليها غير أن هذه الإيرادات قد لا تفي لسد نفقات الإدارة العادية، وفي مثل هذه الحالة ترى اللجنة أن البرلمان سيكون على كل حال مستعداً لتخصيص المبالغ اللازمة لسد العجز.
3. الحدود
إن المبدأ الطبيعي الذي ينبغي أن يتبع في تقسيم فلسطين هو فصل المناطق التي اشترى اليهود الأراضي فيها واستوطنوها عن المناطق التي كل سكانها أو معظمهم من العرب وهذا المبدأ يشكل أساساً عادلاً وعملياً للتقسيم على شرط أن تراعى فيه روح الالتزامات البريطانية وذلك: (1) بأن يترك مجال معقول ضمن حدود المملكة اليهودية لنمو السكان والاستعمار (2) وأن تعطى الدولة العربية تعويضاً معقولاً لقاء ما تفقده من الأراضي والإيرادات.
إن كل اقتراح للتقسيم لن يجدي نفعاً إذا لم يتضمن إشارة، ولو تقريبية، إلى كيفية حل المسألة الحيوية التي تلازم الموضوع كله وهي مسألة الحدود، وكحل للمشكلة نقترح فيما يلي خطاً تقريبياً للحدود باعتبار أنه اقتراح عملي وعادل معاً، على أنه ينبغي على كل حال تعيين لجنة حدود لتخطيط الحدود بصورة قطعية.
يبدأ الحد من رأس الناقورة ويسير محاذياً الحدود الشمالية والشرقية الحالية لفلسطين حتى يصل بحيرة طبريا ومن ثم يقطع البحيرة ويتصل بملتقى نهر الأردن بالبحيرة ويسير محاذياً مجرى النهر إلى أن يبلغ نقطة تبعد قليلاً عن بيسان من جهة الشمال، ثم يخترق سهل بيسان، ويسير محاذياً الحافة الجنوبية لوادي (جزرائيل) ثم يخترق مرج ابن عامر لغاية نقطة تقع بالقرب من مجدو (تل المتسلم) ومن ثم يخترق سلسلة جبال الكرمل في جوار طريق مجدو (تل المتسلم) وبعد أن يتصل الحد بالسهل الساحلي على هذه الصورة، يسير جنوباً محاذياً الحد الشرقي لذلك السهل ثم ينحرف غرباً مجتنباً طولكرم إلى أن يتصل بممر (القدس – يافا) على مقربة من اللد. وفي جنوب الممر يستمر سيره محاذياً حد السهل الساحلي إلى أن يبلغ نقطة تقع على بعد 10 كيلومترات جنوبي رحوبوت ومن ثم ينحرف إلى الغرب حتى البحر.
وفيما يلي بعض الملاحظات والتواصي المتعلقة بالحدود المقترحة والمسائل المتفرعة عنها:
(1) لا يمكن أن يرسم حد يفصل العرب بأجمعهم وكافة الأراضي التي يملكونها، عن اليهود بأجمعهم وكافة الأراضي التي يملكونها.
(2) لقد ابتاع اليهود قطعاً وافرة من الأراضي في سهل غزة وبالقرب من بئر السبع واستحصلوا على حق الخيار بابتياع قطع أخرى في تلك المنطقة. والحدود المقترحة من شأنها أن تحول دون الانتفاع بتلك الأراضي لتوسيع الوطن القومي اليهودي في الجهة الجنوبية. ومن الجهة الأخرى ستكون الأراضي اليهودية في الجليل وبالأخص أراضي منطقة الحولة (التي تهيئ فرصة حرية بالذكر للإعمار والاستعمار) داخلة ضمن المنطقة اليهودية.
(3) إن الحدود المقترحة تستلزم إدخال أراضي الجليل الجبلية الواقعة بين صفد وسهل عكا في المنطقة اليهودية. وهذا القسم من فلسطين هو الجزء الذي احتفظ اليهود بمقام لهم فيه منذ بدء تشتتهم حتى هذا اليوم بدون انقطاع تقريباً إن لم يكن باتصال، وعواطف اليهودية العالمية بأجمعها متعلقة كل التعلق بمدينتي صفد وطبريا (المقدستين). ثم إن يهود الجليل كانوا فضلاً عن ذلك، يعيشون بسلام ومودة مع جيرانهم العرب حتى الآونة الأخيرة. وقد أظهر فلاحو الجليل خلال سلسلة الاضطرابات التي حصلت في البلاد أنهم أقل انقياداً للتحريض السياسي من فلاحي منطقتي السامرة واليهودية اللتين تتمركز فيهما روح القومية العربية. ولقد حدث في مدن طبريا وصفد وحيفا وعكا (المختلطة السكان) احتكاك متفاوت الدرجات منذ نشوب "الاضطرابات" في العام المنصرم ولذلك فمن أكبر العوامل التي تضمن نجاح مشروع التقسيم في مراحله الأولى وتساعد بصورة خاصة على تنفيذ الضمانات التي ستتضمنها المعاهدات بشأن حماية الأقليات، أن توضع هذه المدن الأربع مدة من الزمن تحت إدارة الدولة المنتدبة.
(4) إن مدينة يافا هي في جوهرها مدينة عربية ويجب أن تكون جزءاً من الدولة العربية. أما اتصالها بالدولة العربية فلا تلازمه أية صعوبة لأن حق المرور من ممر يافا – القدس سيكون مباحاً للجميع. على أن هذا الممر يجب أن يكون له منفذه الخاص إلى البحر ولذلك يجب أن تستملك شقة ضيقة من الأرض لهذه الغاية وأن تخلى هذه الشقة في كل من الجانبين الشمالي والجنوبي للمدينة.
(5) بالرغم من أنه سيكون في إمكان الدولة العربية الاتصال بالبحر المتوسط في كل من يافا وغزة فمن مصلحة التجارة والصناعة العربية أن تكون مدينة حيفا التي تملك المرفأ العميق الوحيد في البلاد، في متناول الدولة العربية أيضاً من أجل الغايات التجارية. ولذلك يجب أن تشتمل المعاهدة اليهودية على نص يضمن حرية نقل البضائع (في الاستيداع) بين الدولة العربية وحيفا.
وعلى هذه الصورة أيضاً يجب أن تشتمل المعاهدة العربية على نص يضمن حرية نقل البضائع (في الاستيداع) في السكة الحديدية ما بين الدولة اليهودية والحدود المصرية.
ويسري المبدأ نفسه على مسألة الاتصال بالبحر الأحمر من أجل الغايات التجارية. فقد يظهر مع مرور الزمن أن استعمال ذلك المنفذ إلى الشرق يعود بفائدة جزيلة على الصناعة والتجارة العربية واليهودية على السواء، وبالنظر لهذا الاحتمال، ينبغي أن تترك منطقة خاصة في الجهة الشمالية الشرقية من شاطئ خليج العقبة تحت إدارة الدولة المنتدبة وأن تتضمن المعاهدة العربية نصاً يضمن حرية نقل البضائع بين الدولة اليهودية وتلك المنطقة.
ويجب أن تنص المعاهدتان أيضاً على توفير مثل هذه التسهيلات لنقل البضائع بين منطقة الانتداب وحيفا، وبين الحدود المصرية وخليج العقبة.
4. الإعانة المالية بين الدولتين
إن مقدار ما يدفعه الشخص الواحد من اليهود لخزينة فلسطين يفوق ما يدفعه الشخص الواحد من العرب. وذلك مما مكن الحكومة من أن تنشئ مصالح عامة للعرب تفوق في مستواها ما كان في إمكانها أن تنشئه في غير هذه الحالة. وعلى ذلك يكون من نتائج التقسيم أن المنطقة العربية من الجهة الواحدة لن تستفيد فيما بعد من مقدرة المنطقة اليهودية على دفع الضرائب ومن الجهة الأخرى (1) يكتسب اليهود حق سيادة جديدة في المنطقة اليهودية (2) تكون تلك المنطقة حسب الحدود التي ذكرناها أكبر مساحة من المنطقة الحالية التي تضم أراضي اليهود ومستعمراتهم (3) يتخلص اليهود مما هم ملزمون به الآن من المساعدة على زيادة رفاهية العرب خارج تلك المنطقة. ولذلك يقترح أن تدفع الدولة اليهودية إعانة مالية للدولة العربية عندما يوضع مشروع التقسيم موضع التنفيذ ولقد كان لمثل هذه التسويات المالية العادلة سوابق حديثة العهد عندما تم فصل السند عن بومباي وفصل بورما عن إمبراطورية الهند، فجرياً على تلك السوابق يجب تعيين لجنة مالية لدرس مقدار هذه الإعانة المالية وتقديم تقرير بذلك.
ويترتب على اللجنة المالية أن تنظر أيضاً في كيفية تقسيم ديون فلسطين العامة التي تبلغ الآن نحو أربعة ملايين ونصف مليون جنيه بين الدولتين العربية واليهودية وفي المسائل المالية الأخرى وأن تعطي قرارها بشأنها وينبغي عليها أيضاً أن تعالج مسألة التلغرافات والتلفونات في حالة وقوع التقسيم.
5. إعانة الحكومة البريطانية
إن الإعانة المالية التي ستقدمها الدولة اليهودية للدولة العربية سيكون من شأنها تقويم الاتزان المالي في فلسطين. غير أن المشروع يشتمل على إدخال شرق الأردن في الدولة العربية. وقدرة شرق الأردن على دفع الضرائب محدودة جداً وإيراداتها لم تكن كافية قط لسد مصاريف الإدارة فمنذ سنة 1921 حتى هذا اليوم ما فتئت شرق الأردن تتلقى إعانات مالية من الحكومة البريطانية وقد بلغ مجموع هذه الإعانات 1253000 جنيه أي بمعدل 78000 جنيه في السنة. وقد منحت شرق الأردن أيضاً بعض الإعانات لسد نفقات قوة حدود شرق الأردن وأقرضت مبلغ 60000 جنيه لمساعدة منكوبي الزلزال وتوزيع البذار على المزارعين.
ويجدر أن لا يتم التنازل عن الانتداب على شرق الأردن إلا بعد أن يضمن، بقدر المستطاع، عدم تدني مستوى الإدارة فيها بسبب نقص الأموال اللازمة لسد نفقاتها. ومن الإنصاف أن يطلب إلى الأمة البريطانية أن تساهم في هذا المضمار أيضاً لتسهيل الوصول إلى تسوية. إن دوام الانتداب الحالي لا بد له من أن يحمل الخزينة البريطانية عبئاً متكرراً مطرد التزايد فإذا كان التقسيم سيؤول إلى توطيد السلام فالمبالغ المنفقة في سبيل تنفيذه وتحقيقه ستكون بدون ريب قد أنفقت في محلها. وبقطع النظر عن هذه الاعتبارات نعتقد أن الأمة البريطانية ستوافق على دفع مبلغ كبير مرة واحدة بدلا مما هي ملزمة بدفعه الآن سنوياً بغية تنفيذ التزاماتها واستتباب السلام في فلسطين.
وفي حالة تنفيذ مشروع المعاهدة يجب أن يطلب إلى البرلمان بأن يوافق على دفع منحة للدولة العربية قدرها مليونا جنيه.
6. التعرفة الجمركية والمرافئ
بما أن كلا من الدولتين العربية واليهودية ستكون دولة مستقلة ذات سيادة فسيعود لكل منهما أمر تقرير التعرفة الجمركية في بلادها. وينطبق هذا الأمر على الحكومة المنتدبة أيضاً مع مراعاة نصوص الانتداب.
ومن المحتمل أن تتضارب السياستان اللتان ستسير عليهما الدولتان العربية واليهودية في مسئلة التعرفة الجمركية ولذلك فمن أكبر العوامل التي تخفف من صعوبة الموقف وتضمن مصلحة الفريقين أن يتفق كلاهما على فرض رسوم جمركية واحدة على أكبر عدد ممكن من أصناف البضائع، وأن تدمج الحكومة المنتدبة إيراداتها الجمركية مع إيرادات إحدى الدولتين أو كلتيهما معاً إذا كان ذلك ممكناً.
ويجب أن يكون من النقاط الأساسية في نظام المعاهدات المقترح، عقد اتفاق تجاري يرمي إلى تقرير تعرفة جمركية واحدة على أكبر عدد من أصناف البضائع المستوردة وتسهيل تبادل البضائع بالقدر المستطاع بين المناطق الثلاث المختصة.
7. الجنسية
إن جميع الأشخاص القاطنين في منطقة الانتداب (بما فيها حيفا وعكا وصفد وطبريا والمنطقة الخاصة في خليج العقبة ما دامت هذه الأماكن تحت إدارة الحكومة المنتدبة) والذين يعتبرون الآن أشخاصاً يتمتعون بالحماية البريطانية يظلون محتفظين بحالتهم الشخصية هذه. وفيما عدا هؤلاء يصبح جميع الفلسطينيين من رعية الدولة التي يقطنون في أراضيها.
8. الخدمة المدنية
ويلوح لنا أنه من المحتمل أن تحتاج حكومتا الدولتين العربية واليهودية، في حالة وقوع التقسيم، إلى استخدام قسم كبير من الموظفين العرب واليهود الذين كانوا مستخدمين في إدارة الانتداب السابقة، بينما يخفض عدد الموظفين البريطانيين خفضاً محسوساً، فحقوق جميع هؤلاء الموظفين بما في ذلك حقهم في الحصول على التقاعد والمكافأة يجب أن تظل مضمونة بكاملها وفقاً للمادة 28 من الانتداب الحالي وهذه المسألة ينبغي معالجتها من قبل اللجنة المالية.
9. الامتيازات الصناعية
إن الاتفاقات المعقودة مع حكومة فلسطين بشأن ترقية وحماية الصناعات (كالاتفاق المعقود مع شركة البوتاس المحدودة) ينبغي في حالة وقوع التقسيم، أن تستلمها حكومتا الدولتين العربية واليهودية وأن تقوما بتنفيذها. ويجب أن تشتمل المعاهدات على الضمانات اللازمة بهذا الشأن. كما أن محطة التوليد الكهربائية في جسر المجامع يجب أن تضمن سلامتها على هذا المنوال.
10. تبادل الأراضي والسكان
إذا أريد أن يكون للتقسيم أثره الفعال في الوصول إلى تسوية دائمية فيجب أن لا يكون تطبيقه مقتصراً على رسم حدود وتأسيس دولتين. ومن الواجب أن يشرع، آجلاً أو عاجلاً، في تبادل الأراضي وأن يشرع أيضاً في تبادل السكان بالقدر المستطاع.
ويجب أن تنص المعاهدتان على أنه إذا أراد أحد أفراد العرب ممن يملكون أرضاً في الدولة اليهودية أو أحد أفراد اليهود ممن يملكون أرضاً في الدولة العربية أن يبيع أرضه وما عليها من الأشجار والمحصولات فتكون حكومة الدولة المختصة ملزمة بشراء تلك الأرض والأشجار والمحصولات بثمن تقرره الحكومة المنتدبة إذا لزم الأمر. وينبغي ضمانة قرض بمبلغ معقول لتلك الغاية إذا استوجبت الضرورة ذلك.
أما الناحية السياسية لمشكلة الأراضي فهي أهم شأناً من ذلك وبالنظر لعدم إجراء إحصاء للنفوس منذ سنة 1931 يتعذر تقدير عدد سكان المنطقتين العربية واليهودية تقديراً يصح الركون إليه. على أن تقديراً تقريبياً أجري لهذا الغرض يبين أن المنطقة المخصصة للدولة اليهودية (باستثناء مناطق المدن التي ستبقى تحت إدارة الانتداب مدة من الزمن) يقيم فيها الآن ما يقرب من 225000 نسمة من العرب بينما أن المنطقة المخصصة للدولة العربية لا يوجد فيها سوى 1250 نسمة من اليهود تقريباً غير أنه يوجد نحو 125000 من اليهود في القدس وحيفا مقابل 85000 من العرب. ومن الجلي أن وجود هذه الأقليات هو من أعظم العقبات التي تقف في سبيل تنفيذ مشروع التقسيم تنفيذاً مقروناً بالسهولة والنجاح. فإذا أريد أن تكون هذه التسوية تسوية نهائية لا شائبة فيها وجب أن تجابه هذه المشكلة بجرأة وأن تعالج بحزم، وهي تدعو إلى إبداء أقصى حد من الحنكة السياسية من قبل جميع ذوي الشأن.
وإننا نجد سابقة لتبادل السكان فيما تم بين اليونان والأتراك عقيب الحرب اليونانية التركية سنة 1922. فقد عقدت الحكومتان اليونانية والتركية ميثاقاً يقضي بنقل الرعايا اليونان الذين ينتمون للمذهب الأرثوذكسي ويقيمون في تركيا إلى بلاد اليونان، وبنقل الرعايا الأتراك من المسلمين المقيمين في بلاد اليونان إلى تركيا على أن يتم هذا النقل جبراً وتحت إشراف عصبة الأمم. وقد كان عدد الذين تناولهم هذا النقل كبيراً، إذ إن عدد الذين نقلوا على هذه الصورة لم يقل عن 1300000 نسمة من اليونان و 400000 نسمة تقريباً من الأتراك. غير أن ما بذل من الحزم والنشاط في تنفيذ هذه المهمة أدى إلى إتمام عملية الاستبدال بكاملها في نحو ثمانية عشر شهراً من ربيع سنة 1923 ولقد كانت النتيجة التي أسفر عنها هذا الاستبدال مبررة للجرأة التي أبداها رجال السياسة من اليونان والأتراك.
ولقد كانت الأقليات من اليونان والأتراك قبل إجراء هذا الاستبدال مصدراً دائماً للتهيج والقلق، أما الآن فقد أصبحت العلاقات القائمة بين اليونان والأتراك على درجة من الود والصداقة لم يسبق لها قط أن سادت بين البلدين فيما مضى.
وقد حدث عندئذ أن كان في شمال اليونان أرض زراعية فائضة عن الحاجة، ميسورة لإسكان الرعايا اليونان الذين نزحوا عن تركيا أو في الإمكان تهيئتها لذلك الغرض عاجلاً. أما فلسطين فليس فيها مثل تلك الأراضي في الوقت الحاضر. فهناك ضمن الحدود المقترحة للدولة اليهودية مجال متسع لإسكان اليهود الذين يقيمون الآن في المنطقة العربية أو من الممكن فسح هذا المجال لهم في القريب العاجل غير أن المشكلة الكبرى تدور حول العرب الذين يتناولهم النقل والذين يفوق عددهم عدد اليهود كثيراً. فبينما يمكن إسكان البعض من هؤلاء العرب في الأراضي التي يخليها اليهود فلا مندوحة عن إيجاد أرض أوسع كثيراً لإسكانهم جميعاً. والمعلومات الميسورة لدينا تحدو بنا إلى الأمل بأن القيام بمشاريع كبيرة للري وخزن المياه وتعمير شرق الأردن وبئر السبع ووادي الأردن (الغور) قد يسفر عن إسكان عدد يفوق كثيراً عدد السكان الموجودين الآن في هذه المناطق.
ولذلك ينبغي فحص هذه المناطق وتقدير ما يمكن أن يجرى فيها من مشاريع الري والعمران بالسرعة الممكنة. فإذا ظهر بنتيجة هذا الفحص أن في الإمكان توفر مساحات واسعة من الأراضي لإسكان العرب المقيمين في المنطقة اليهودية، فعندئذ يبذل أقصى ما يمكن من الجهد للوصول إلى اتفاق بشأن تبادل الأراضي والسكان. وبالنظر للتنافر القائم الآن بين العنصرين ولما يعود به تضييق مجال الاحتكاك بينهما في المستقبل من الفائدة الجلية للطرفين، يؤمل أن يبدي الزعماء العرب واليهود ما أبداه الأتراك واليونان من الحنكة السياسية السامية، وأن يتخذوا قراراً جريئاً كالقرار الذي اتخذه هؤلاء.
ثم إن نفقات القيام بمشروع الري والعمران المقترح قد تفوق ما ينتظر أن تتحمله الدولة العربية وهنا أيضاً سيكون الشعب البريطاني مستعداً لمد يد المعونة للوصول إلى تسوية فإذا كان في الإمكان وضع اتفاق لنقل الأراضي والسكان نقلاً اختيارياً أو غير اختياري فينبغي أن يطلب إلى البرلمان الموافقة على منح إعانة لسد نفقات هذا المشروع.
وإذا تم الاتفاق على إنهاء أجل الانتداب وعقد المعاهدات على أساس التقسيم فلا بد من أن تكون هناك فترة انتقال قبل أن يوضع النظام الجديد موضع التنفيذ وفي غضون هذه المدة يظل الانتداب الحالي الدستور الذي تسير عليه إدارة فلسطين غير أن التواصي الواردة في الباب الثاني من التقرير بشأن ما يجب عمله في ظل الانتداب الحالي قد وضعت على افتراض دوام ذلك الانتداب مدة غير محدودة من الزمن ولا يصح تطبيقها على ما يقع على الحالة من التغيير فيما لو طبق مشروع التقسيم.
وفيما يلي التواصي الموضوعة لدور الانتقال:-
(1) الأراضي – يجب اتخاذ التدابير لمنع شراء الأراضي من قبل اليهود في المنطقة العربية (أي في المنطقة المقترحة لإنشاء الدولة العربية) ولمنع شراء الأراضي من قبل العرب في المنطقة اليهودية (أي في المنطقة المقترحة لإنشاء الدولة اليهودية).
ويجب أن تتم تسوية ملكية الأراضي الساحلية الواقعة في المنطقة اليهودية خلال سنتين.
(2) المهاجرة – يجب أن تفرض على الهجرة اليهودية قيود إقليمية بدلاً من العمل بالحد "السياسي الأعلى" وأن لا يسمح بهجرة اليهود إلى المنطقة العربية وبما أن الهجرة اليهودية المقيدة على هذا الوجه، ليس ن الهجرة اليهودية المقيدة تعلى هذا الوجه، لبيسا من شأنها أن تؤثر في المنطقة العربية، وبما أن الدولة اليهودية ستصبح في القريب العاجل مسؤولة عن نتائج تلك الهجرة فمن الواجب أن يقرر مقدارها على أساس قدرة الاستيعاب الاقتصادية لفلسطين باستثناء المنطقة العربية منها.
(3) التجارة – يجب أن يفتح باب المفاوضات بدون تأخير بغية التوصل إلى تعديل المادة الثامنة عشرة من الانتداب ووضع تجارة فلسطين الخارجية على أساس أعدل من الأساس التي هي عليه الآن.
(4) المجلس الاستشاري – يجب توسيع المجلس الاستشاري إذا أمكن عن طريق تعيين ممثلين للعرب واليهود فيه أما إذا رفض أي فريق منهم العمل فيبقى المجلس على حالته الحاضرة.
(5) الحكومة المحلية – يجب إصلاح نظام البلديات والاستعانة على ذلك برأي رجل من أصحاب الخبرة.
(6) المعارف – ينبغي بذل مجهود جدي لزيادة عدد المدارس العربية وإعطاء "المدارس المختلطة" الكائنة في المنطقة التي ستدار بموجب الانتداب الجديد كل معاونة، والنظر في إمكان إنشاء جامعة بريطانية لأن هذه المعاهد قد تلعب دوراً هاماً بعد التقسيم في تقريب التوفيق النهائي بين العنصرين.
الفصل الثالث والعشرون – الخاتمة
بالنظر للموقف الذي وقفه ممثلو العرب واليهود عند أداء الشهادات ترى اللجنة أنه ليس من المحتمل أن يقبل أي فريق منهما لأول وهلة بالاقتراحات المعروضة للتوفيق بين مطالبهما المتضاربة فالتقسيم معناه أن كلاً من الفريقين لا يمكنه أن ينال كل ما يصبو إليه. وهو يعني أيضاً أن العرب سيضطرون إلى الموافقة على أن تخرج من سيادتهم منطقة من البلاد استوطنوها أجلاً طويلاً وسبق لهم أن بسطوا سلطانهم عليها مدة من الزمن، وأن اليهود سيضطرون إلى الاكتفاء بأقل من أرض إسرائيل التي سبق لهم أن حكموها ومنوا أنفسهم بحكمها ثانية. غير أنه يلوح أن كلاً من الفريقين سيدرك بعد إمعان النظر والتفكير، أن فوائد التقسيم تفوق مساوئه. فإنه وإن لم يحقق لكل فريق كل ما يتمناه، فهو يسهل له نيل ما هو في أشد الحاجة إليه، ألا وهو الحرية والاطمئنان.
ويمكن تلخيص الفوائد التي يجنيها العرب من مشروع التقسيم على أساس اقتراحاتنا كما يلي: -
(1) ينال العرب استقلالهم القومي ويصبح في وسعهم أن يتعاونوا على قدم المساواة مع عرب البلاد المجاورة لتحقيق وحدة العرب ورقيهم.
(2) يزول نهائياً ما يساورهم من الخوف من "اكتساح" اليهود لهم واحتمال خضوعهم في النهاية للحكم اليهودي.
(3) ثم إن تقييد حدود الوطن القومي اليهودي تقييداً نهائياً ضمن حدود معينة ووضع انتداب جديد لحماية الأماكن المقدسة بضمانة عصبة الأمم سيزيل بصورة خاصة كافة ما يساور البعض من المخاوف بأن تصبح الأماكن المقدسة يوماً من الأيام تحت هيمنة اليهود.
(4) ومقابل ما يخسره العرب من البلاد التي يعتبرونها بلادهم تتلقى الدولة العربية إعانة مالية من الدولة اليهودية. وتنال أيضاً بسبب تأخر أحوال شرق الأردن منحة قدرها مليونا جنيه من الخزينة البريطانية وإذا تيسر الوصول إلى اتفاق لتبادل الأراضي والسكان تعطى الدولة منحة أخرى تستعين بها على تحويل ما يستطاع تحويله من الأراضي غير القابلة للزراعة، إلى أرض منتجة يستفيد منها الزراع والدولة على السواء.
أما فوائد التقسيم لليهود فيمكن تلخيصها كما يلي:-
(1) إن التقسيم يؤمن إنشاء الوطن القومي اليهودي وينقذه من احتمال خضوعه في المستقبل للحكم العربي.
(2) إن التقسيم يمكن اليهود من أن يعتبروا الوطن القومي وطنهم الخاص بأوسع معنى، وذلك لأن التقسيم يحوله إلى دولة يهودية ويصبح في وسع رعايا هذه الدولة أن يدخلوا من اليهود العدد الذي يعتقدون هم أنفسهم بإمكان استيعابه وبذلك يحققون هدف الصهيونية الرئيسي – ألا وهو وجود أمة يهودية متمكنة في فلسطين تمنح رعاياها نفس الوضع الشخصي الذي تمنحه سائر الأمم في العالم لرعاياها، وبذلك يتخلصون أخيراً من العيش "عيشة الأقلية".
إن التقسيم يفسح مجال الأمل للعرب واليهود معاً بنيل نعمة العيش في ظل السلام، الأمر الذي يتعذر توفره في أي مشروع آخر، وهو بدون شك جدير بأن يضحي الفريقان بعض التضحية في سبيل تحقيقه إذا كان في الإمكان أن يقضي على الخصومة التي بدأت مع الانتداب عن طريق إنهاء أجل ذلك الانتداب فهذه الخصومة ليست من الضغائن الطبيعية أو القديمة العهد والعرب لم يكونوا طيلة تاريخهم مجردين من كره اليهود فحسب، بل إنهم برهنوا على الدوام على أن روح التساهل متأصلة في عروقهم. فإذا أخذنا بعين الاعتبار ما لاحتمال إيجاد ملجأ في فلسطين من القيمة لآلاف اليهود المضطهدين فهل تكون الخسارة التي يتكبدها العرب من جراء التقسيم، على فداحتها، فوق ما يستطيع السخاء العربي أن يحتمله؟ إن أهل البلاد هم ليسوا وحدهم الذين يجب أن يحسب حسابهم في هذه المسألة وفي غيرها من المسائل الكثيرة المتعلقة بفلسطين. فالمشكلة اليهودية ليست أقل شأناً من المشاكل العديدة الأخرى التي تعكر صفو العلاقات الدولية في هذه الأوقات العصيبة وتقف حائلاً في سبيل السلام والرفاهية فإذا كان في إمكان العرب أن يساعدوا على حل هذه المشكلة متحملين في سبيل ذلك بعض التضحية فإنهم لا يكسبون بذلك ثناء اليهود فحسب بل ثناء العالم الغربي بأسره.
لقد سبق لرجال السياسة العرب أن رضوا بالتنازل عن فلسطين صغيرة لليهود بشرط أن تكون بقية آسيا حرة. غير أن هذا الشرط لم ينفذ في ذلك الحين وها هو الآن على وشك التنفيذ. ففي غضون أقل من ثلاث سنوات تصبح كافة المنطقة العربية الواسعة الواقعة خارج فلسطين بين البحر المتوسط والأوقيانوس الهندي مستقلة، كما أن القسم الأكبر من فلسطين سيصبح مستقلاً أيضاً إذا نفذ مشروع التقسيم.
أما فيما يتعلق بالأمة البريطانية فمن المحتم عليها أن تحترم بكل ما في وسعها من قوة الالتزامات التي أخذتها على عاتقها نحو العرب ونحو اليهود مدفوعة إليها بمقتضيات الحرب، فهي لم تقدر صعوبات المهمة التي ألقيت على عاتقها تمام التقدير عندما أدرجت هذه الالتزامات في صك الانتداب ولقد حاولت التغلب على تلك الصعوبات، غير أن الجهود التي بذلتها في ذلك السبيل لم تكن دائماً مقرونة بالتوفيق، وقد ازدادت هذه الصعوبات حتى أنه يكاد يتعذر التغلب عليها الآن. والتقسيم ينطوي على احتمال شق طريق بين هذه الصعوبات والوصول إلى حل نهائي لهذه المعضلة من شأنه أن يؤمن حقوق العرب واليهود ويحقق أمانيهم ويؤدي إلى تنفيذ الالتزامات التي ارتبطت بها الدولة المنتدبة نحوهم قبل عشرين سنة إلى أقصى حد ممكن في الأحوال السائدة في الوقت الحاضر.
المصدر: "خلاصة تقرير اللجنة الملكية لفلسطين" (القدس: مكتب الطباعة والقرطاسية، [1937]).