رسالة هرتسل إلى رئيس بلدية القدس
يوسف الخالدي
19 آذار/مارس 1899
يا صاحب السعادة
أدين للسيد "صادوق خان" (Zadok Kahn) بسروري، حيث أتاح لي قراءة رسالتك له. دعني أخبرك بأن مشاعر الصداقة التي أبديتها تجاه الشعب اليهودي أثارت لدي التقدير العميق.
كان اليهود لا زالوا وسيبقوا من أحسن أصدقاء تركيا، منذ أن فتح السلطان سليم أبواب امبراطوريته لليهود المضطهدين في إسبانيا. ولا تتكون هذه الصداقة من الكلمات فحسب، بل نحن جاهزون لتحويلها إلى أفعال ومساعدات للمسلمين.
إن الفكرة الصهيونية – التي أنا خادمها المتواضع – ليس لديها مشاعر العداء تجاه الحكومة العثمانية، بل بالعكس من ذلك تماماً، فهذه الحركة مهتمة في إيجاد موارد جديدة للإمبراطورية العثمانية عن طريق السماح لعدد محدود من اليهود بالهجرة، محضرين معهم ذكاءهم وقدراتهم المالية، ومشاريعهم الإنمائية للبلد. ولا يشك أحد بأن الصالح العام للبلد سيكون ذو نتائج إيجابية. ومن الضروري فهم ذلك وتعميم معرفة ذلك لكل إنسان. وكما قلتم جنابكم في رسالتكم للسيد "رابي" بشكل واضح أنه لا يوجد خلف اليهود قوة مقاتلة، ولا حتى هم بطبعهم شعب محب للحرب، وهم عامل سلام كامل وأمناء وقنوعين جداً إذا تركوا يعيشون بسلام، ولهذا لا يوجد شيء على الإطلاق يثير الخوف من هجرتهم.
مشكلة الأراضي المقدسة:
لا يفكر أحد بلمس هذه الأماكن – كما قلت وكتبت مرات عديدة – لقد فقدت هذه الأماكن وللأبد ملكيتها الكلية لدين واحد، لعرق واحد، لشعب واحد. وستبقى هذه الأماكن مقدسة لكل العالم، للمسلمين وللمسيحيين ولليهود. والسلام العالمي الذي يتمناه كل البشر سيبقى المثال المحتذى في الوحدة الأخوية في هذه الأماكن المقدسة. وجنابكم ترون صعوبة أخرى تتمثل في مصير السكان غير اليهود في فلسطين. ولكن من يفكر في طردهم بعيداً عن فلسطين؟ وجودهم وثرواتهم سنضاعفها بوجودنا وثرواتنا. هل تعتقد حضرتكم بأن العربي الذي يملك أرضاً أو بيتاً في فلسطين يقدر ثمنه بثلاثة أو أربعة آلاف فرنك سيغضب إذا ارتفع سعر أرضه في فترة قصيرة؟ سترتفع إلى خمسة أو عشرة أضعافها في شهور قليلة، وفوق ذلك سيحصل هذا بالضرورة عند وصول اليهود إلى فلسطين. هذا ما يجب أن يعترف به سكان فلسطين، لأنهم سيكسبون أخوة أذكياء، كما سيكسب السلطان مخلصين سينعشون الولاية التي هي أرضهم التاريخية.
عندما ينظر الواحد منا من هذه الزاوية – وهي صحيحة – سيكون صديقاً للصهيونية عندما يكون صديقاً لتركيا.
آمل يا صاحب السعادة أن تكون هذه التوضيحات القليلة مثيرة لمشاعر العطف عندك تجاه حركتنا. لقد قلتَ لـ "صادوق" (Zadok) بأنه من الأفضل لليهود أن يذهبوا إلى مكان آخر، هذا ممكن حدوثه عندما لا تفهم تركيا الفوائد الضخمة التي ستقدمها حركتنا لها. لقد شرحنا أهدافنا وسياستنا بإخلاص وولاء. لقد قدمت لجناب السلطان بعض المطالب العامة وأنا سعيد لاعتقادي بأن ذكاءه الحاد سيجعله يقبل الفكرة من حيث المبدأ، والتي من الممكن مناقشة تفاصيلها التنفيذية فيما بعد، وإذا رفضها سنبحث، وثق بأننا سنجد ما نبتغي في مكان آخر، ولكن عند ذلك ستكون تركيا قد خسرت الفرصة الأخيرة لتنظيم اقتصادها وإعادة النشاط إلى اقتصادها المنهار. وتذكر بأن من يقول لك هذه الأشياء هو صديق حميم للأتراك.
وتقبل حضرتكم أغلى آيات التقدير
د. تيودور هرتزل
المصدر: أيوب، يوسف "وثائق أساسية في الصراع العربي الصهيوني، الجزء الأول، مرحلة الإرهاصات" (بيروت: دار الحداثة، ط 1،1984)، ص 186- 188.