إحسان عباس
ولد إحسان عباس في قرية عين غزال الواقعة إلى الجنوب من حيفا على مسافة خمسة وعشرين كيلومتراً، تقريباً. والده: رشيد. والدته: فاطمة عباس. أخواه: توفيق؛ بكر. أخته: نجمة. زوجته: نعمت شركس من قرية قيسارية الفلسطينية الواقعة جنوب حيفا. أولاده: نرمين وإياس وأسامة.
كان أبوه في أول الأمر تاجر مواشٍ رقيق الحال فعاش طفولة أقرب ما تكون من حياة الكفاف. إلا أن الصبي كان، منذ صغره، توّاقاً إلى العلم وساعياً إلى التفوّق في تحصيله.
بدأ تعليمه في مدرسة القرية ثمّ انتقل إلى المدرسة الحكومية بحيفا حيث أمضى أربع سنوات أنهى بها السنة الثانويّة الأولى ليكمل السنة الثانية الثانويّة في "مدرسة عكا" الحكوميّة. وكان طامحاً لاستكمال دراسته في "الكلّية العربيّة" بالقدس وكان القبول فيها مقصوراً على المتفوّقين من جميع طلاب المدارس الحكوميّة في فلسطين. وقد خوّله اجتهاده وتفانيه في التحصيل العلمي الالتحاق بتلك الكلّية وأمضى فيها السنوات من 1937 إلى 1941.
استفاد إحسان عباس من أن "الكلّية العربيّة" تخوّل المتخرّجين فيها التعليم في المدارس الثانويّة الحكوميّة، فُعيّن في إثر تخرّجه في "مدرسة صفد" ودرّس فيها حتى سنة 1946. كما أنّ المتخرّج في هذه الكلّية تتاح له فرصة الحصول على بعثة لاستكمال تعليمه الجامعي خارج فلسطين، فحصل على منحة لدراسة الأدب العربي بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة لاحقاً) ونال شهادة البكالوريوس(الليسانس) سنة 1949، وتزامن ذلك مع نكبة فلسطين وضياع الوطن. وكانت القوات الصهيونية قد احتلت، فيما احتلت، مسقط رأسه قرية عين غزال في خريف 1948 أثناء وجوده في القاهرة وشرّدت أهله، فيمن شرّدت، وانتهى مصير العائلة باللجوء إلى بغداد.
لم يكن أمام إحسان سوى البقاء في مصر والعمل معلّماً في إحدى المدارس بالقاهرة، واستكمال دراسته فيها، فنال شهادة الماجستير سنة 1952 عن أطروحته "الأدب العربي في صقلية الإسلامية" بإشراف الأستاذ الدكتور شوقي ضيف. وواصل تحصيله العلمي للحصول على شهادة الدكتوراة فاختار موضوع "حياة الزهد وأثرها في الأدب الأموي" بإشراف الأستاذ نفسه وحصل عليها سنة 1954. غير أنه لم يكن راضياً عن فحوى أطروحته إذ أدرك بعد مناقشتها أن "موضوعها لا يصلح أن يكون محوراً لبحث علمي" على حدّ تعبيره، فلم ينشرها.
غادر القاهرة إلى الخرطوم في مطلع 1951 لتدريس الأدب العربي في كلية غوردون التذكاريّة (جامعة الخرطوم لاحقاً) حيث أمضى عشر سنوات. وبسبب عدم تجديد عقد عمله، كان عليه الرحيل والبحث عن عمل في مكان آخر.
كانت بيروت محطّته التالية حيث تم تعيينه سنة 1961 للتدريس في الجامعة الأميركيّة. أمضى إحسان عباس في الجامعة الأميركيّة في بيروت ربع قرن من الزمن كانت أكثر سنيّ حياته نشاطاً وإنتاجاً وعطاء علمياً لما سادها من شعور بالاستقرار، ولما اتصفت به بيروت والجامعة الأميركية، قبل اندلاع الحرب الأهليّة في لبنان سنة 1975، من حيويّة وتعدّدية ثقافيّة، وما ساد أجواءها من حريّة وانفتاح.
أتاح له عمله أستاذاً في الجامعة الأميركيّة تلقّي دعوات عديدة للمشاركة في مؤتمرات علميّة، وكان يحضر في صيف كلّ عام مؤتمرات المستشرقين في عواصم غربية مختلفة، كما كان يُدعى لإلقاء محاضرات في جامعات أوروبيّة وأميركيّة فيلتقي الأساتذة والعلماء والباحثين في مجالات الدراسات العربيّة والشرقيّة. وفي سنة 1970 ألقى محاضرات في عدد من الجامعات البريطانيّة. وفي 1971 دُعي لزيارة الجامعات الألمانيّة ومراكز الدراسات الاستشراقيّة في ألمانيا. وكانت قد توثقت صلته بالمستشرقين الألمان من خلال المعهد الألماني للبحوث في بيروت، فعُيّن عضو شرف في جمعيّة المستشرقين الألمان (Die Deutsche Morgenlandische Gesellschaft).
وفي السنة الدراسية 1975-1976 دعي ليكون أستاذًا زائراً بجامعة برنستون الأميركيّة حيث وضع كتابيه "اتجاهات الشعر العربي المعاصر" و"ملامح يونانيّة في الأدب العربي". ولعدم تمكنه من العودة إلى بيروت بسبب ظروف الحرب الأهليّة، أمضى سنة ثانية بجامعة برنستون، ثم عاد بعدها إلى الجامعة الأميركيّة في بيروت التي غادرها عند تقاعده في سنة 1986 إلى عمّان.
كانت عمّان محطة إحسان عباس الأخيرة حيث عاش فيها ما تبقّى من سنوات عمره. وعلى الرغم من شعور الإحباط الذي فرضه الوضع السياسي في البلاد العربيّة على الإنسان العربي، فقد واصل نشاطه العلمي وعطاءه الأدبي تأليفاً وتحقيقاً لكتب التراث وترجمةً. كما وضع في تلك الفترة سيرته الذاتية "غربة الراعي"، ونشر ديواناً يضمّ قصائد كان قد نظمها زمن شبابه بفلسطين بعنوان "أزهار برّية". كذلك شارك بمناقشة عدد من الرسائل الجامعيّة في الجامعة الأردنيّة وجامعة اليرموك، وعمل في المجمع الملكي على إنجاز "موسوعة الحضارة الإسلامية".
منذ سنة 1994 بدأت حالة إحسان عباس الصحيّة بالتراجع، وزادها تدهوراً ما عاناه من حالات إحباط التي عزاها لكثرة المآسي التي شهدتها أمّته ولما وصفه بفقدان جذوة كانت تتأجّج في نفسه وبها كان يعمل وبعيش.
توفي إحسان عباس في عمّان في 29 تموز/ يوليو 2003 عن عمر ناهز ثلاثة وثمانين عاماً وفيها دفن.
إحسان عباس كان رجلاً ظريفاً، لطيف الكلام، متواضعاً، لا يبخل على أحد بما كان يعرفه، وكان محلّ مودة كبيرة من زملائه وطلابه. درست عليه أجيال من الطلبة والباحثين في السودان ولبنان والأردن وغيرها. كان ناقداً ومؤرخاً أدبياً نموذجياً ومحققاً لكتب التراث ومترجماً من الطراز الأول. لُقّب بـ"سادن التراث"، و"خازن الأدب"، و"شيخ النقّاد والمحقّقين العرب"، ووُصف فيما وُصف بـ"العلّامة" وبـ"موسوعة معرفيّة هائلة". فقد ألّف ما يزيد عن 25 كتاباً في النقد الأدبي والسيرة والتاريخ، وحقّق ما يقارب 52 كتاباً من كتب التراث بدقة متناهية، وترجم منفرداً، أو شارك في ترجمة، اثني عشر كتاباً من اللغة الإنكليزيّة، ونشر العديد من المقالات في الدوريّات العلميّة المتخصّصة. وقد تميّز بالإحاطة، في نتاجه النقدي والعلمي، بالأدبين العربيين القديم والحديث وبالأدب الغربي الكلاسيكي منه والمعاصر. وكان عضواً في عدد من المجامع العلميّة العربيّة وفي لجان تحكيم عدد من الجوائز الأدبيّة العربية الكبيرة.
نال إحسان عباس في حياته تقديراً كبيراً تمثّل في عدد من الجوائز والأوسمة. فقد نال جائزة الملك فيصل العالميّة (1980)، وجائزة "ثورنتون وايلدر" (Thornton Wilder) للترجمة من جامعة كولومبيا الأميركية (1983)، وجائزة سلطان العويس للدراسات النقدية (1990/1991)، وجائزة "مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي" (2002). كما نال "وسام المعارف" اللبناني (1981)، و"وسام القدس" من منظمة التحرير الفلسطينية (1988)، وكرّمته وزارة الثقافة المصرية بدار الأوبرا في القاهرة (1995)، و"مؤسسة عبد الحميد شومان" في عمّان (1998)، وقلّده رئيس الجمهورية اللبنانية "وسام الأرز من رتبة فارس" (1999). وأطلق "ملتقى فلسطين الثقافي" بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيله سنة 2013، "جائزة إحسان عباس للإبداع والثقافة" تخليدا لذكراه.
أبرز أعماله:
المؤلفات:
"الحسن البصري". القاهرة: مطبعة الاعتماد، 1952.
"فنّ الشعر". بيروت: دار الثقافة، 1955.
"عبد الوهاب البيّاتي والشعر العراقي الحديث". بيروت: دار بيروت للطباعة، 1955.
"فنّ السيرة". بيروت: دار صادر، 1956.
"أبو حيّان التوحيدي". بيروت: دار بيروت للطباعة، 1956.
"الشعر العربي في المهجر الأميركي" (بالاشتراك مع محمد يوسف نجم). بيروت: دار صادر، 1957.
"الشريف الرضي". بيروت: دار صادر، 1959.
"تاريخ الأدب الأندلسي: عصر سيادة قرطبة". بيروت: دار الثقافة، 1960.
"تاريخ الأدب الأندلسي: عصر الطوائف والمرابطين". بيروت: دار الثقافة، 1962.
"بدر شاكر السيّاب: دراسة في حياته وشعره". بيروت: دار الثقافة، 1969.
"تاريخ النقد الأدبي عند العرب". بيروت: دار الثقافة، 1971.
"شعر الخوارج". بيروت: دار الثقافة، 1974.
"العرب في صقلّية". بيروت: دار الثقافة، 1975.
"ملامح يونانية في الأدب العربي". بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1977.
"اتجاهات الشعر العربي المعاصر". الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1978.
"تاريخ بلاد الشام من ما قبل الإسلام حتى بداية العصر الأموي 600-661م". عمّان: الجامعة الأردنية، 1990.
"تاريخ بلاد الشام في العصر العباسي 132-255ه/ 750-870م". عمّان: الجامعة الأردنية، 1992.
"فصول حول الحياة الثقافية والعمرانية في فلسطين". بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1993.
"معجم العلماء والشعراء الصقليين". بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1994.
التحقيق:
"وفَيات الأعيان لابن خلّكان" (8 أجزاء). بيروت: دار الثقافة، 1968-1972.
"نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب للمقّري التلمساني" (8 أجزاء). بيروت: دار صادر، 1968.
"فصل المقال في شرح كتاب الأمثال لأبي عبيد البكري". بيروت: مؤسسة الرسالة، 1971.
"فوات الوَفيات لمحمد بن شاكر الكتبي" (4 أجزاء). بيروت: دار صادر، 1973.
"الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسام" (4 أجزاء). بيروت: دار الثقافة، 1975.
"رسائل ابن حزم الأندلسي" (4 أجزاء). بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1980-1983.
"التذكرة الحمدونيّة لابن حمدون"، بالاشتراك مع بكر عباس، (10 أجزاء). بيروت: دار صادر، 1987.
"معجم الأدباء لياقوت الحموي" (7 أجزاء). بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1993.
"كتاب الأغاني للأصفهاني"، بالاشتراك مع إبراهيم السعافين وبكر عباس (25 جزءاً). بيروت: دار صادر، 2002.
الترجمة:
"فنّ الشعر لأرسطو". بيروت: دار الثقافة، 1950.
"موبي ديك لهيرمان ملفيل" (Herman Melville). بيروت: مؤسسة ناصر للثقافة، 1956.
"إرنست هيمنغواي: دراسة في فنه القصصي، لكارلوس بيكر (Carlos Baker). بيروت: دار مكتبة الحياة، 1959.
"النقد الأدبي ومدارسه الحديثة لستانلي هايمن" ( Stanley Hyman)، بالاشتراك مع محمد يوسف نجم (جزءان). بيروت: دار الثقافة، 1958 و1960.
"مدخل إلى فلسفة الحضارة الإنسانية أو مقال في الإنسان لإرنست كاسيرر" (Ernst Cassirer). بيروت: دار الأندلس للطباعة والنشر، 1961.
"يقظة العرب: تاريخ حركة العرب القومية لجورج أنطونيوس"، بالاشتراك مع ناصر الدين الأسد. بيروت: دار العلم للملايين، 1962.
المصادر:
بكار، يوسف حسين. "سادن التراث: إحسان عباس". بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2001.
ديكان-واصف، سارة. "معجم الكتّاب الفلسطينيين". باريس: معهد العالم العربي، 1999.
السيد، رضوان. "إحسان عباس والتراث العربي". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 56، خريف 2003، ص 66-76.
عباس، إحسان، "غربة الراعي: سيرة ذاتيّة". عمّان: دار الشروق، ط 2، 2006.
العودات، يعقوب. "من أعلام الفكر والأدب في فلسطين". عمان: د. ن. ، 1976.
القاسم، نضال، "في الذكرى العاشرة لغياب إحسان عباس: شيخ النقاد والمحققين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين"، "القدس العربي" (لندن)، 5/8/2013.
كامبل، روبرت. "أعلام الأدب العربي المعاصر: سير وسير ذاتية، المجلد الثاني". بيروت: المعهد الألماني للأبحاث الشرقية، 1996.
"الموسوعة الفلسطينيّة، الدراسات الخاصة، المجلد الرابع: دراسة الحضارات". بيروت: هيئة الموسوعة الفلسطينية، 1990.
Abdul Hadi, Mahdi, ed. Palestinian Personalities: a Biographic Dictionary. 2nd ed., revised and updated. Jerusalem: Passia Publication, 2006.
Campbell, Robert. Contemporary Arab Writers: Biographies and Autobiographies. Beirut: Orient Institute, 1996.
Descamps-Wassif, Sara. Dictionnaire des écrivains palestiniens. Paris: Institut du monde arabe, 1999.