كان من المقرر لعملية حميتس ("الخميرة") أن تُنَفَّذ في أثناء عيد الفصح اليهودي (أي عندما يكون أكل المآكل التي تدخل الخميرة فيها محرماً عند اليهود المتدينين). وكان هدفها المباشر الاستيلاء على القرى الفلسطينية الكبرى الواقعة على جانبي خط سكة الحديد الذي يصل يافا بعمقها العربي. وكانت القرى الواقعة إلى الشمال من خط سكة الحديد (من الغرب إلى الشرق) هي: سَلَمة والخيرية وساقية وكفر عانة والعباسية (اليهودية)؛ أمّا تلك التي كانت تقع إلى الجنوب من خط سكة الحديد فهي: يازور وبيت دجن والسافرية. وكان من شأن احتلال تلك القرى أن يعزل يافا – أكبر مدينة فلسطينية بسكانها السبعين ألفاً – عزلاً تاماً ويضمن سقوطها في يد الهاغاناه مثل "خوخة ناضجة". لذلك كان الهدف النهائي للعملية الاستيلاء على يافا من دون اللجوء إلى هجوم جبهي.
عقَّد الهجوم الجبهي، الذي شنَّته عصابة الإرغون في 25 نيسان/ أبريل، تنفيذ عملية حميتس. وهدفَ هجوم الإرغون إلى عزل موقع حيِّ المنشية الاستراتيجي، المتاخم لتل أبيب، عن باقي يافا. فإذا سقط حي المنشية تشن الإرغون هجوماً واسعاً على باقي يافا. وقد استلزم الهجوم على المنشية هجوماً من الشرق في اتجاه البحر غرباً، ورافقه قصف مكثف عشوائي لمناطق يافا السكنية والتجارية، نشر الذعر في صفوف المدنيين على نطاق واسع، وتسبّب بنزوحهم برّاً وبحراً. وجوبه الهجوم على المنشية بمقاومة حازمة شديدة، ولم يحقق أهدافه إلاّ عند فجر 29 نيسان، بعد مرور نحو ثمانين ساعة. في هذه الأثناء قرر البريطانيون، الذين كانوا متواطئين مع الهاغاناه خلال هجومها على حيفا (عملية مسباراييم، 22- 23 نيسان)، التدخل في يافا ضد الإرغون. وفي الوقت نفسه قبلت الإرغون، التي استنزفها الهجوم وأنهكها، الانضواء تحت قيادة الهاغاناه فيما يتعلق بجبهة يافا.
في 29 نيسان، شنَّت الهاغاناه عملية حميتس وانضوت الألوية الثلاثة كرياتي وألكسندروني وغفعاتي تحت قيادة دان إبشتاين، قائد لواء ألكسندروني. فهاجمت وحدات ألكسندروني، انطلاقاً من قاعدتها في كفار أزار، قريتي ساقية والخيرية واستولت عليهما. وانطلقت وحدات كرياتي من تل أبيب وهاجمت سَلَمة وضاحيتي أبو كبير وجباليا من ضواحي يافا. ومع حلول ليل اليوم ذاته، كانت سلمة قد سقطت في قبضة وحدات كرياتي وغفعاتي.
لم يلق هجوم غفعاتي، الذي شُنَّ من مكفي يسرائيل جنوبي خط سكة الحديد، النجاح نفسه. إذ بينما نجح هذا اللواء في الاستيلاء على يازور في 29 نيسان، أو بُعَيد ذلك، فإنه واجه صعوبات في تل الريش؛ وهو تل حصن بين يازور ويافا. فقد تمكن اللواء، أول الأمر، من اكتساح التل مستخدماً مدفاع هيسبانو – سويزا التي وصلته حديثاً. لكن بعد أن شنّت "كتيبة" من جيش الإنقاذ العربي، يقودها ميشال العيسى وقوامها 250 رجلاً جميعهم من الفلسطينيين، هجوماً مضاداً، اضطرت وحدات غفعاتي إلى الانسحاب من التل بعد أن تكبدت خسائر فادحة بلغت 33 بين قتيل ومفقود ونحو 100 جريح، بحسب ما جاء في "تاريخ الهاغاناه" [S: 1575]. وكان ميشال العيسى ورجاله قد وصلوا إلى الموضع في اليوم السابق (28 نيسان)، في مسعى لتخفيف الضغط المتصاعد عن يافا. وبقي العيسى في يافا حتى 10 أيار/ مايو، محاولاً محاولة أخيرة يائسة الحؤول دون سقوط ضاحية أبو كبير، إحدى الضواحي الشمالية في يافا. ثم قرر في اليوم ذاته الانسحاب جرّاء تضييق الخناق الذي فرضته عملية حميتس.
ظهرت أولى بوادر الاستسلام من فلسطينيي يافا في 11 أيار. ثم استسلمت يافا رسمياً للهاغاناه في 13 أيار، وغادر البريطانيون المنطقة في اليوم التالي. وكانوا يقومون، منذ بداية عملية حميتس، بمواكبة المدنيين المذعورين من يافا، على الطريق العام الرئيسي، إلى اللد والرملة اللتين كانتا يومها ملاذين آمنين. وكي يمنع البريطانيون الهاغاناه من إحكام الحصار على يافا، حافظوا على بعض قوتهم في بعض أنحاء قرية يازور قريباً من الطريق. ويذكر "تاريخ الهاغاناه" أن "قوات الإيتسل قد عملت في أثناء ذلك بقيادة 'الهاغاناه'، وأفادت العملية كثيراً بقصفها وسط يافا بمدافع الهاون بفعالية". ويبدو أن تضافر عدة عوامل، منها الهجوم على يافا (ولا سيما قصفها المطوَّل بمدافع الهاون)، ومنها مشهد فرار سكانها ذعراً، ومنها سقوط القرى التي تصل يافا بباقي أنحاء البلد، قد تفاعل كل منها مع الآخر (مثلما خُطِّط لها أن تفعل) وتعاون على إحباط معنويات سكان يافا والقرى التي استهدفتها عملية حميتس أيضاً.
مراجع مختارة:
Dinur, Ben-Zion, Yehuda Slutski, Sha'ul Avigur, Yitzchaq Ben-Tzvi, and Yisra'el Galili. Sefer Toldot ha-Haganah [The History of the Haganah]. Tel Aviv: Am Oved, 1972, p. 1574 ff.,1575.
Kurzman, Dan. Genesis 1948: The First Arab-Israeli War. New York: World Press, 1970, p. 169.