الوصف
دأبت مؤسسة الدراسات الفلسطينية منذ إطلاق موقعها الإلكتروني الأول سنة 2002، على البحث عن طرق للاستفادة من الإمكانات التي توفرها تكنولوجيا المعلومات المتنامية بسرعة، من أجل تقديم المعرفة التي راكمتها منذ إنشائها سنة 1963عن تاريخ القضية الفلسطينية إلى جمهور أوسع، والسعي لإغنائها بصورة مستمرة. فركزت في البدء على رقمنة وهيكلة الموارد التي سبق أن أصدرتها بما يتناسب مع القالب الجديد، ونشرت معظم مواد دورياتها لتكون في متناول مستخدمي الشبكة، كما وفرت محركات بحث متعددة اللغات، وجعلت فهرس مكتبتها متاحاً لاستخدام رواد الشبكة. بيد أن كل الغنى الذي تنطوي عليه الموارد الجوهرية عن فلسطين وقضيتها التي نشرت في موقع المؤسسة، لم يكن كافياً لتلبية حاجات جمهورٍ متنوع (أكاديميون، طلاب، صحافيون، الجمهور بصورة عامة) يبحث عن معلوماتٍ موثوقة وسهلة المنال، بشأن أحداثٍ أو قضايا أو مؤسسات مرتبطة بفلسطين. من هنا نشأت الحاجة إلى موسوعة عن القضية الفلسطينية تكون في متناول مستخدمي شبكة الإنترنت.
وبغية تحديد كيفية بلوغ هذا الهدف طويل الأمد، جرت نقاشات داخلية، تكثّفت خلال سنوات 2009-2011. وتمثّلت إحدى الأفكار التي طرحت والتي اُستوحيت من نموذج "ويكيبيديا"، في البدء بنشر سلسلةٍ من المقالات التعريفية القصيرة على موقع المؤسسة، على أمل أن تحقق حصيلتها التراكمية على مدى سنوات الهدف المتوخّى. وتمثّلت فكرةٌ أُخرى في نشر جدول زمني خاص بـ"عملية السلام" على الشبكة، يجري تطويره شيئاً فشيئاً ليغطي موضوعات أُخرى لها علاقة بالقضية الفلسطينية. وتضمّن كلا المقترحين إنشاء روابط تشعبية تقود إلى مواد أُخرى ذات صلة، مثل الوثائق التاريخية أو المقالات المنشورة في دوريات المؤسسة.
في الوقت ذاته، كانت مؤسسة التعاون، شريك مؤسسة الدراسات الفلسطينية منذ زمن طويل، تستعدّ لإطلاق مشروعها المتميّز، "المتحف الفلسطيني". وفي سنتَي 2012-2013، تداولت المؤسستان الخطط المشتركة التي من شأنها أن تخدم برامج المتحف الثقافية المستقبلية وتعزز رسالة مؤسسة الدراسات في آن واحد. وفي المحصلة، اقترحت المؤسسة على المتحف فكرة "مسرد زمني تفاعلي للقضية الفلسطينية" على شبكة الإنترنت، يقدّم بأسلوبٍ تربويٍ مشوّق جدولاً زمنياً للأحداث السياسية والعسكرية التي شكلت تاريخ فلسطين منذ أواسط القرن التاسع عشر وحتى الآن، ويجري ربطها بوثائق وخرائط وصور تاريخية ذات صلة، كما يقدّم بضع عشرات من المقالات (إضاءات) تتناول أبرز التطورات والمؤسسات التي لها علاقة بالقضية الفلسطينية.
كان من شأن "المسرد الزمني" أن يوفّر للمتحف الفلسطيني العمود الفقري والسياق التاريخي للعروض والنشاطات التي سيُقدَّمها إلى جمهوره: فهو سيتيح إبراز موقع التيارات الثقافية (معالم بارزة في الحركات الفنية والأدبية والثقافية الفلسطينية، وما إلى ذلك) في سياق المحطات الرئيسية في تاريخ فلسطين الحديث، كما سيتيح استكشاف الأحداث التي كانت المحرّك الأساسي لأعمال الفنانين، والتي سيصعب تذوّقها بشكلٍ كامل من دون معرفة هذه الأحداث. أمّا بالنسبة إلى مؤسسة الدراسات، فقد كان من شأن المشروع المقترح (المبني على الفكرتين المشار إليهما أعلاه - مقالات قصيرة، جدول زمني) أن يشكّل الخطوة الأولى في سلسلة من المراحل التي ستتيح بسهولة إدخال تحديثاتٍ وتطويرات مجدوَلة تؤدي في النهاية إلى تحقيق هدف الموسوعة. وفي الوقت ذاته، كانت فكرة المسرد الزمني التفاعلي تمثل مشروعاً مستقلاً وقائماً بذاته يمكن تنفيذه ونشره في مهلةٍ زمنيةٍ معقولة.
منذ البداية، كان واضحاً أن الفلسفة التي ستحكم هذا المشروع ستتّبع الرؤية المختبرة منذ زمن طويل لكلٍ من مؤسسة التعاون ومؤسسة الدراسات:
- تقديم وصف وقائعي دقيق للقضية الفلسطينية وتطوراتها يكون ملتزماً وموضوعياً في آنٍ واحد.
- تقديم الفلسطينيين كما هم – أناسٌ فاعلون ومبادرون، وليسوا مجرد ضحايا، أناسٌ ينجحون ويفشلون، يطوّرون وسائلهم النضالية ويواجهون نجاحاتٍ وانتكاسات، ويبنون مؤسساتِهم السياسية والاجتماعية والثقافية داخل فلسطين وخارجها.
- التوجه إلى كل الناس بلغة واحدة والحفاظ على النبرة نفسها، أكان باللغة العربية أم الإنكليزية، علماً بأن المشروع خطط لأن تُكتب كل مواده بهاتين اللغتين.
وفي مطلع سنة 2014، اتّفقت مؤسسة الدراسات والمتحف الفلسطيني رسمياً على مشروع "المسرد الزمني". وخلال المرحلة الأولى، غطى المشروع نحو 1000 حدث وفقاً لتسلسلها الزمني (الأعوام 1850-1999) و30 "إضاءة". وبعد عامين، انطلقت مؤسسة الدراسات، مستندةً إلى التقدّم المتحقّق والتجربة المكتسبة، في إنجاز المرحلة الثانية من المشروع، فطوّرت مفهوم الجداول الزمنية في موضوعات مختارة، وهي جداول متفرعة من الجدول الكلي يغطي كل منها بصورة متكاملة الأحداث التي تتعلق بموضوع معين (مثال: دورات المجلس الوطني الفلسطيني، أو المؤتمرات الصهيونية العالمية) في صفحةٍ منفصلة من أجل قراءةٍ سهلة ومركّزة، وتأمين الوصول العملي إلى الوثائق التاريخية ذات الصلة. في المقابل، جرى خلال المرحلة الثانية ذاتها التوسع في تغطية "الإضاءات" لتشمل ليس فقط قضايا سياسيةً وعسكرية، وإنما قضايا اجتماعية وثقافية أيضاً. كما أُضيف مركّب آخر هو سِيَر مثقفين وفنانين وقادة ومناضلين وسياسيين فلسطينيين من الذين تركوا بصماتِهم في تاريخ فلسطين خلال القرن العشرين.
في هذه الأثناء، تعاقد المتحف الفلسطيني مع "تصوير فلسطين" (Visualizing Palestine) (وهو برنامج ضمن مؤسسة "تصوير الأثر" التي تعمل في مجال علم البيانات والتكنولوجيا والتصميم) لبناء نظام إدارة المحتوى الخاص بالمشروع ولتطوير التصميم الغرافيكي للمنصّة التي ستستضيفه. وأنجز "تصوير فلسطين" عمله وفق المتطلبات الوظيفية التي أعدتها مؤسسة الدراسات، وبما يتماشى مع متطلبات مشروعٍ مرافق للمتحف، المعروف باسم "قصص". وقد أصبح الموقع (paljourneys.org) الذي يضم "المسرد الزمني التفاعلي للقضية الفلسطينية" و "قصص" متاحاً للجمهور في كانون الثاني/ يناير 2018.
في أعقاب فترةٍ من توطيد المنصة وإثرائها بمواد إضافية (مداخل في الجدول الزمني الكلي، جداول موضوعاتية، إضاءات، سيَر، وثائق)، باتت مؤسسة الدراسات، وبالتنسيق مع المتحف، مستعدةٌ لإضافة مكوّنٍ سادس مهم هو "أمكنة". ويشكّل "أمكنة"، الذي بدأت مؤسسة الدراسات في تطويره داخلياً في أواسط سنة 2019، الجانب الرئيسي الجديد للمرحلة الثالثة. واقتضت إضافتُه بناء نظام معلوماتٍ جغرافية يتيح التحديد الفوري لمواقع المدن والقرى الوارد ذكرُها في المنصّة على خرائط فلسطين التاريخية. وقد جرى، حتى الآن، ربط النظام بما يزيد عن 400 قرية دُمّرت وهُجّر سكانها خلال النكبة. وقد اعتمد في وصف كل قرية على كتاب "كي لا ننسى"، الذي حرّره المؤرخ وليد الخالدي وصدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية. علاوةً على ذلك، سيقدّم "أمكنة" في وقتٍ قريب نبذاً عن كل مخيم من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الـ60 ونيف، مع ربطها بالقرى الأصلية للاجئين.
والآن، مع نشر أكثر من 2000 مدخل في الجدول الزمني الكلي، وأكثر من 200 إضاءة وسيرة أُلّفت خصيصاً للمشروع من جانب أكاديميين وخبراء بارزين في مختلف التخصصات، ونحو 500 وثيقة تاريخية ذات صلة، ومئات الصور والرسومات، وأكثر من 400 مدخل عن القرى المهجّرة سنة 1948، رأت مؤسسة الدراسات الفلسطينية والمتحف الفلسطيني أن الوقت قد حان لإطلاق اسمٍ جديد على المشروع – "الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية" ونقله إلى منصةٍ مستقلة تحمل اسمَها الخاص الذي يميّزها. وفي الوقت ذاته، تولّت مؤسسة الدراسات تطوير نظام إدارة محتوى المنصة، بمساعدة "كاليبرو" (Calibro)، وهو ستوديو تصميم متعدد المجالات، لإدخال الإضافات والتغييرات على التصميم الغرافيكي الأصلي.
وحالياً (سنة 2022) بات للمشروع تاريخٌ طويل نسبياً. وفي هذه المناسبة، يودّ المتحف الفلسطيني ومؤسسة الدراسات الفلسطينية توجيه الشكر إلى كل الشركاء الذين قدّموا مساهماتهم سواء في الفترة الأخيرة أو في المراحل المبكرة من التنفيذ، آملين بأن تكون هذه الموسوعة مشروعاً متواصلاً، يتطور ويغتني بصورة مستمرة بمضامين جديدة.