سيرة

نخلة زريق

سيرة

نخلة زريق

1859, بيروت
21 تموز 1921, القدس

ولد نخلة زريق في حي المزرعة في بيروت سنة 1859، والده جريس، لعائلة دمشقية عريقة من الروم الأرثوذكس، يعود أصلها إلى عرب الزريقات في منطقة الكرك. ويُعتقد أنه لم يتزوج في حياته، ونذر نفسه للعلم والأدب.

تلقى زريق علومه الأولية في مدارس طائفته الأرثوذكسية، ثم في "المدرسة الوطنية" التي أنشأها "المعلم" بطرس البستاني على أسس غير طائفية، ودرس اللغة العربية وقواعدها وآدابها على أيدي اثنين من رواد النهضة الأدبية العربية الحديثة، وهما ناصيف اليازجي والشيخ يوسف الأسير، وحفظ القرآن وأتقن تجويده، كما تعلّم اللغة الإنكليزية. وحضر مجالس كبار رواد النهضة الحديثة في بيروت، ونبغ في اللغة العربية.

في سنة 1889 أوفده المرسلون الإنجيليون إلى مدينة القدس حيث تسلّم إدارة مخزن بيع الكتب الدينية التابع للإرسالية الإنكليزية. وفي سنة 1892، كُلّف بإدارة "مدرسة الشبان الإعدادية"، التي كانت قائمة في أول أمرها على جبل صهيون في القدس، في البناية نفسها التي حوت "مدرسة المطران غوبات" الداخلية للأولاد، قبل أن تنقل إلى بناية خاصة بها في حي "سعد وسعيد" سميت "كلية الشباب" ثم صارت تُعرف باسم "الكلية الإنكليزية". وفضلاً عن عمله في مجال الإدارة، صار نخلة زريق يدرّس في هذه المدرسة، حتى وفاته، اللغة العربية التي كانت لغة التدريس الرئيسية فيها، خلافاً لمعظم مدراس الإرساليات التبشيرية في فلسطين.  

 انضم نخلة زريق سنة 1908 إلى "جمعية الإخاء العربي العثماني" الإصلاحية، وصار أحد أعضاء هيئتها العاملة في القدس. وكانت هذه الجمعية أول جمعية عربية تأسّست في إستانبول بعد إعادة العمل بدستور 1876، ودعت إلى الحفاظ على الدولة العثمانية، من جهة، ورفع شأن مواطنيها العرب ومنحهم المساواة الدستورية في الحقوق والمناصب والوظائف، من جهة ثانية.

اختير نخلة زريق، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، عضواً في لجنة تهذيب الكتب العسكرية في المدرسة الحربية في دمشق، كما انتُخب عضواً في المجمع العلمي العربي، الذي تأسس سنة 1919 خلال العهد الفيصلي، لكن إقامته بهذه المدينة لم تطل وعاد إلى القدس. وقد وصفه المؤرخ والباحث الدمشقي محمد كرد علي، في مجلة المجمع، بقوله: "كان الأستاذ نخلة زريق من كبار علماء اللغة ومن الواقفين على أسرارها في القدس."

لُقّب نخلة زريق بـ "المعلم"، إذ يعزى إليه الفضل في بعث اللغة العربية وآدابها في مدارس القدس. ومن مشاهير طلابه الفلسطينيين خليل السكاكيني، وبولس شحادة، وخليل طوطح، وجريس خوري، وحبيب خوري، وجورج متى، وإبراهيم طوقان، ووصفي العنبتاوي، وغيرهم من الذين قادوا النهضة الفكرية والأدبية والتعليمية الفلسطينية في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى. وقد وصفه تلميذه إسحق موسى الحسيني بقوله: "المعلم نخلة شبيه بالنشاشيبي (إسعاف) من جملة نواحِ، ولكنه يمتاز بأنه معلّم أكثر منه أديباً، والنشاشيبي أديباً أكثر منه معلّماً... وتخرّج على يديه عدد كبير من الأساتذة والمربّين."

تحوّل مسكن نخلة زريق في مدينة القدس، الذي كان يضم مكتبة عامرة بأمهات كتب اللغة والأدب والتاريخ، إلى ندوة أدبية كان يجتمع فيها عدد من شخصيات المدينة، ومنهم سليم الحسيني وفيضي العلمي، اللذين شغلا منصب رئيس بلدية القدس.

تميّز زريق بالصراحة البالغة وكبر النفس والأمانة والإخلاص في عمله، وعُرف عنه حماسته للأدب والتراث العربيين، ورأى في إحيائهما وتشذيبهما سبيلاً إلى تقدم العرب وتطورهم. كما كان متمسكاً بشرقيته، كارهاً التقليد السطحي للأوروبيين.

توفي نخلة زريق في 21 تموز/ يوليو سنة 1921 في مدينة القدس ودفن فيها. ويبدو أنه لم يترك آثاراً قلمية مطبوعة.

وفي الكلمة التي ألقاها تلميذه خليل السكاكيني في حفل تأبينه في القدس في أيلول/ سبتمبر 1921 (ونشرتها مجلة "المقتطف" المصرية في تشرين الثاني/ نوفمبر 1921)، يقول: "ومع أنه نشأ في بيروت أرقى مدينة في سورية، وعاش في الطبقة الراقية فيها، وخالط الأوروبيين وعايشهم وله بينهم أصدقاء كرام كان يجلهم ويعجب بأخلاقهم وآدابهم، ويرتاح إلى أساليب حياتهم، مع ذلك فإنه كان متعصباً لشرقيته متشدداً فيها إلى درجة التطرف .... ولم يكن أبغض إليه وأثقل على نفسه وادعى لغضبه من التقليد والتصنع والكلفة، ولا سيما إذا كان التقليد سطحياً وطلاءً خارجياً.... ومما زهده في التقليد ما كان يراه في أكثر الناس من أن تقليدهم للغربيين أفسد عقائدهم الوطنية، وأضعف فيهم روح الاستقلال والإباء. فلم يكادوا يتخذون الزي الغربي حتى أخذوا يحتقرون لغتهم وتقاليدهم وعوائدهم وآدابهم وسائر خصائصهم ومقوماتهم الوطنية حتى أمتهم."

ويكتب عجاج نويهض في مذكراته ما يلي: "وفي مطعم السيد سليم [في القدس] كنت ألقى عالم العربية في فلسطين، الأستاذ العلامة نخلة زريق. وهو من كان يعلّم العربية في مدرسة إنجليزية في القدس، بلباسه العربي القنباز، والجاكيت الطويلة. وقد صنع في لباسه كما صنع المعلّم بطرس البستاني من حيث بقي على زيّه الوطني بالسروال، أما زريق فهو في حسن هندامه بالقنباز كان يبدو كزهرة الأقحوان؛ وهو من لبنان، لكنه في فلسطين ومجالس الأدب كعبد الله البستاني في البطركية، أو جبر ضومط في الجامعة الأمريكية ببيروت. وكلما كنت ألقاه في مطعم السيد سليم كنت أستفيد منه كثيراً، إذ كان بحراً لا ساحل له."

 

المصادر:

الأسد، ناصر الدين. "الاتجاهات الأدبية الحديثة في فلسطين والأردن". القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية، 1957.

بقدونس، رشيد. "أخبار وأفكار: المرحوم الأستاذ نخلة زريق". "مجلة المجمع العلمي العربي". المجلد 1، الجزء 11-12، 1921.

الحوت، بيان نويهض. "ستون عاماً مع القافلة العربية: مذكرات عجاج نويهض". بيروت: دار الاستقلال، 1993."

شيخو، لويس. "تاريخ الآداب العربية في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين". بيروت: مطبعة الآباء اليسوعيين، 1926.

صالح، جهاد أحمد. "الرواد المقدسيون في الحياة الفكرية والأدبية في فلسطين". الجزء الأول. ط 2. رام الله: الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، 2011.

العودات، يعقوب. "من أعلام الفكر والأدب في فلسطين". عمّان: د. ن. 1976.

منّاع، عادل. "أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني (1800- 1918)". ط 2. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1995.

"الموسوعة الفلسطينية: القسم العام". المجلد الرابع. دمشق: هيئة الموسوعة الفلسطينية، 1984. 

نويهض، عجاج. "رجال من فلسطين". بيروت: منشورات فلسطين المحتلة، 1981.    

Abdul Hadi, Mahdi, ed. Palestinian Personalities: a Biographic Dictionary. Jerusalem: Passia Publication, 2nd ed., rev. and updated, 2006.