يحدّد القانون الأهداف التالية لنظام التعليم: "إرساء أسس التربية على قيم الثقافة اليهودية ومنجزات العلم، وعلى محبة الوطن والولاء للدولة والشعب اليهودي، وعلى ممارسة العمل الزراعي والحرفي، وعلى التأهيل الطليعي، وعلى التطلّـع إلى مجتمـع يقـوم عـلى الحريـة، والمسـاواة، والتسـامح، والمسـاعدة المتبادَلة، وحب الإنسـانية." وسوف يتم تعديل هذا القانون في شباط/ فبراير سنة 2000. ويضيف التعديل الحاجة إلى "التعـرّف عـلى اللغـة، والثقافـة، والتاريـخ، والـتراث، والتقاليـد الفريـدة للسـكان العرب، والجماعات الأُخرى في دولـة إسرائيل، والاعتراف بالحقوق المتساوية لـكل المواطنين في إسرائيل". ومع ذلك، فإن أهداف نظام التعليم الإسرائيلي، سواء في صياغة سنة 1953 أو سنة 2000، موجَّهة إلى التلاميذ اليهود. ولا يشير القانون إلى الأهداف التعليمية المتعلّقة بالطلاب العرب في المدارس العامة.
يعاني التعليم العربي في إسرائيل من سياسة التمييز والإهمال، مثله مثل باقي المجالات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وواقع البنى التحتية في قراهم وبلداتهم بل وأحيائهم داخل المدن. لكن التعليم أيضاً يشكل الحيّز الذي يمارس فيه الفلسطينيون نضالهم نحو التقدم وإثبات الهوية.
تشرف وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، قانوناً، على الحضانات والمدراس الابتدائية والثانوية في إسرائيل، سواء كانت حكومية أو خاصّة. وبدوره ينقسم التعليم العربي إلى شقين: شق التعليم الحكومي الذي تديره وزارة التربية والتعليم مباشرةً (وهو مشترك مع التعليم الحكومي العبري)، وشق المدارس الأهلية التي تتبع غالباً الكنائس المسيحية. ومن الجدير بالذكر أن ثلاثة تيارات مركزية وأساسية تتقاسم التعليم لدى اليهود: التعليم الحكومي ("العلماني")، التعليم الحكومي-الديني، التعليم الديني المتشدّد (الحريدي). يظهر الجدول رقم 1 أعداد الأطفال العرب واليهود في الحضانات ورياض الأطفال بحسب تسجيلهم في مؤسسات خاصة أو حكومية/ بلدية، ونسبة تسجيلهم إلى أبناء سنهم في عام 2013-2014. ويبين الجدول رقم 2 أعداد المدراس والتلاميذ في كل من المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية في عام 2016-2017.
يخضع التعليم في إسرائيل إلى عدد من القوانين التي سنّها الكنيست منذ سنة 1949 وأجرى عليها تعديلات من وقت إلى آخر، وأهمها: قانون التعليم الإلزامي لسنة 1949 (للأولاد من سن 3 إلى 17)؛ قانون التعليم الحكومي لسنة 1953 (الذي يحدد أهداف التعليم الحكومي وينظم إدارة ورقابة وزارة التربية والتعليم على المدارس الرسمية وتحديد المناهج وتعيين المعلمين)؛ قانون الإشراف على المدارس لسنة 1968 (الذي ينظم شروط ترخيص مؤسسات التعليم غير الحكومية والإشراف عليها)؛ قانون التعليم الخاص لسنة 1988 (الذي ينظم حقوق الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة)؛ قانون حقوق الطالب لسنة 2000 (الذي يمنع، من بين أمور أخرى، العقوبات الجسدية أو المذلّة، أو التمييز بين الطلاب لأسباب سياسية أو إثنية أو اقتصادية ـ اجتماعية، أو بسبب أعمال أهاليهم).
تبدو هذه القوانين، بعناوينها وبمعظم موادها، كأنها تمنح الأطفال والطلبة الفلسطينيين في إسرائيل كامل الحقوق التعليمية والتربوية أسوة بالأطفال والطلبة اليهود. غير أن نظرة أدق إلى الأمور تظهر أن الصيغة الإجمالية للقوانين المذكورة تعني تهميشاً وإهمالاً متعمدين. فلننظر مثلاً إلى المادة الثانية (المعدلة سنة 2000) من قانون التعليم الحكومي لسنة 1953. تُعدِّد المادة الأهداف الأحد عشر للتعليم الحكومي، نذكر منها غرس "قيم دولة إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية" و"تعليم توراة إسرائيل، وتاريخ الشعب اليهودي، وتراث إسرائيل والتقاليد اليهودية وتعزيز وعي ذكرى الكارثة والبطولة". ومع أن المادة تشير في البند الحادي عشر إلى هدف "التعرف على اللغة والثقافة والتاريخ والتراث والتقاليد الفريدة للسكان العرب ولجماعات سكانية أخرى في دولة إسرائيل،" إلا أن هذا البند الذي يأتي في آخر القائمة يخص تربية الطلاب اليهود (لإبعاد تهمة العنصرية في التعليم العبري) ويشير فقط إلى تميز "السكان العرب" حضارياً وثقافياً وليس كمجموعة قومية، ولا ينفي على كل حال كون القانون امتنع بمجمله عن تحديد الأهداف الخاصة بتعليم الطلاب العرب في إسرائيل.
إن امتناع القانون الإسرائيلي عن توضيح المكانة الذي يجب أن تمنح للتعليم العربي يهدف في الواقع إلى السيطرة على قطاع التعليم العربي وتحويله إلى أداة لخضوع "طوعي" للجيل العربي الناشئ أمام التفوق الإسرائيلي، وكسب ولائه للدولة، والحؤول دون أن يكون التعليم الرسمي وسيلة لتنمية الهوية الجمعية الفلسطينية.
وعلى الرغم من بروز أصوات يهودية توصي بالاعتراف بخصوصية قطاع التعليم العربي وبمشاركة أوسع للمربين العرب فيه، إلاّ أن سيطرة الدولة ما زالت التوجه السائد هي السائدة، والتي تنعكس في كيفية إدارة جهاز التعليم الحكومي، وفي البرامج، وفي الميزانيات. وعليه فإن سيطرة الدولة على الجهاز تتم من خلال جعله تابعاً مباشرة لجهاز التعليم الرسمي العام وفي الوقت ذاته من خلال فصله عن التعليم اليهودي. ففي وزارة التربية والتعليم، يوجد "قسـم تعليم العرب" يديره ويشرف عليه موظفون يهود لا يتمتعون بأي استقلالية تجاه الحكومة من جهة، ومن جهة أخرى لا يُشركون المربين العرب في رسم السياسات ووضع البرامج. ولا يقتصر تهميش هؤلاء داخل الوزارة، إنما دورهم مهمش أيضاً في عملية تعيين مدراء المدارس والمعلمين والمفتشيـن. كما أن عملية التعيينات تعاني من تدخل جهـاز المخابـرات العامة (الشـاباك).
يؤدي غياب الأهداف التربوية الخاصة بالطفل والتلميذ العربيين وتمركز القرار بيد المسؤولين اليهود إلى أن يتبع الطلبة العرب في المدارس العربية مناهج التدريس المشتقّة من مناهج التدريس المتبعة في المدارس الحكومية الرسمية اليهودية. ويظهر هذا خاصّة في تدريس اللغة العربية والتاريخ والمدنيات. ففي منهاج اللغة العربية، يجري التركيز على المعرفة اللغوية على حساب التعريف بالأدب العربي وبرموز الأدب الفلسطيني الملتزم. وعلى سبيل المثال، جرى في عام 2010-2011 حذف نصوص لفدوى طوقان وغسان كنفاني من القسم الإلزامي من المنهاج، بعد أن كان قد صودق عليه في سنة 2006 بحجة "دور الأديبيـن في المقاومة الفلسـطينيّة، وانتمـاء كنفانـي إلى منظمة التحرير الفلسطينية." وكذلك يلاحظ أن منهاج التاريخ يعكس إلى حد كبير الرواية الصهيونية، حتى في التاريخ العربي والإسلامي. كما أن المنهاج يُغيِّب ما يتعلـق بتاريخ العرب الفلسـطينيين وبمركبـات هويتهـم.
يعمـل منهـاج المدنيـات أيضاً على تشـكيل وعـي الطالب العربـي بالتوفيق بين مقولتين متناقضتين جوهرياً: مقولة أن إسرائيـل دولة يهوديـة وديمقراطية، أي دولة الشـعب اليهودي تجسـد حـق الشـعب اليهـودي في تقرير المصير؛ ومقولة أن إسرائيل دولة تعدديـة تسـتوعب المواطن العربي وتمنحه مسـاواة في الحقوق الفرديـة المدنيـة. غير أن محاولة التوفيق هذه لا تنجح في إخفاء أن تعريف إسرائيل كدولة يهودية يخلق تراتبية في مفهوم المواطنة وينفي الحقوق الجماعيـة القوميـة للفلسطينيين في إسرائيل.
أما الموارد المخصصة لقطاع التعليم العربي، فهي تقلّ عن تلك التي تمنح للتعليم العبري بنسبة تصل إلى 40% (للطالب الواحد). من الواضح في مجال التعليم كما في مجالات أخرى أن الدولة لا تتّبع سياسة التفضيل المصحح تجاه الشرائح الاجتماعية- الاقتصادية العربية الدنيا، بقدر ما تحرص عليه عندما يتعلق الأمر بالشرائح اليهودية الدنيا. فالفجوة بين العرب واليهود في تمويل التعليم لأبناء الشرائح الدنيا تبلغ 30% في المرحلة الابتدائية، و50% في المرحلة الإعدادية و75% في المرحلة الثانوية.
إن عدم تخصيص موارد كافية للتعليم العربي يعني بنية تحتية غير ملائمة ومبان غير كافية وصفوف مكتظة وتعيينات أقل... فمثلاً تتلقى معاهد تدريب المعلمين العرب نصف ما تتلقاه معاهد تدريب المعلمين اليهود. الأمر واضح أيضاً في التعامل مع المدارس الأهلية التي تضم اليوم نحو 33 ألف طالب عربي والتي لا تتلقى الدعم المتوجب على الحكومة، إذ إنها تحصل على 75% منه فقط. وهذا الأمر كان سبب رئيسي لإضراب شامل دام أربعة أسابيع في أيلول/ سبتمبر 2015، لم ينتهي إلاّ بموافقة وزارة التربية والتعليم على تخصيص منحة تبلغ 13 مليون تقريباً دولار للعام الدراسي 2015- 2016.
يتجلى انعدام المساواة في تخصيص الموارد في نسب تسرب مرتفعة ونسب نجاح منخفضة في الاختبارات التي تنظمها وزارة التربية والتعليم وامتحانات التوجيهي (البجروت) وفي طلبات القبول للدراسة في مؤسسات التعليم العالي، مقارنة مع التلامذة والطلبة اليهود. فالتسرب في التعليم العربي وصل في السنة الدراسية 2016 الى 14% بينما كان في التعليم العبري 5,5%.
ويذكر في هذا السياق بأن هناك 5 آلاف طالب عربي في النقب ممن يسكنون في مجمعات سكانية "غير معترف بها" لا يتعلمون بتاتاً. وتدعي وزارة التربية والتعليم بأنها لا تستطيع بناء مدارس أو غرف تدريس في قرى غير معترف بها.
أما بالنسبة إلى شهادة البجروت، وعلى الرغم من التقدم في أداء التلاميذ العرب على مر السنين (وخصوصاً التلميذات)، إلاّ أن الفجوة ما زالت واسعة مع أداء التلاميذ اليهود، وخصوصاً بالنسبة إلى الذين يحصلون على شهادة بجروت "نوعية" (يتم فيها اتمام 4- 5 وحدات رياضيات و4- 5 وحدات لغة انكليزية). ففي حين وصلت هذه النسبة في السنة الدراسية 2015- 2016 إلى 47% في التعليم العبري، كانت النسبة في التعليم العربي 23% فقط. (انظر بهذا الشأن الجدول رقم 3)
وتظهر نتائج بعض الاختبارات الدولية لقياس أداء التلاميذ الذي تشارك إسرائيل فيها، الفارق بين التلاميذ اليهود ونظرائهم الفلسطينيين. فنتائج اختبارات (TIMSS) 2015 في الرياضيات والعلوم للصف الثامن (سن 13- 14) التي تنظمهما الجمعية الدولية لتقييم التحصيل الدراسي (IEA)، تظهر أن تلاميذ إسرائيل احتلوا المكان الـ 16 (من أصل 39 دولة) في الرياضيات، مع معدل بلغ 511 نقطة (من 600)، وقد بلغ معدل التلامذة اليهود 533، ومعدل التلاميذ العرب 460. وفيما يخص مادة العلوم، فقد احتل تلاميذ إسرائيل المكان 19، مع معدل عام بلغ 507 نقطة، ومعدل 528 لدى التلاميذ اليهود، و 458 لدى التلاميذ العرب. ويتضح أيضاً أن نتائج البنات تتفوق على نتائج البنين لدى العرب، وخصوصاً في العلوم (469 نقطة مقابل 446)، فيما لا فرق يذكر بين الجنسين لدى اليهود.
هذه النتائج تؤكدها بشكل عام اختبارات (PISA) في العلوم والرياضيات والقراءة (وفهم المقروء) لسن 15 (الصف 9- 10) التي تقيمها منظمة التعاون والتنمية الدولية، وكما هو مبين في الجداول 4 إلى 9. من المفيد أن نذكر أن كل جدول يظهر فيما يخص الاختبار المعني (علوم، رياضيات، قراءة) نسبة التلاميذ ذوي الأداء المتفوق ونسبة الذين يعانون من أداء ضعيف، علماً أن النظام المعتمد حدد 6 درجات للأداء الممكن. وتشير هذه الجداول جميعها إلى أن نسبة ضئيلة جداً (أقل من 1%) من التلامذة الفلسطينيين المعنيين أوحت بأداء متفوق. ومع أنه من المشروع التساؤل عن مدى ملاءمة الاختبارات التي تقوم بها السلطات التربوية الإسرائيلية، إلا أنه من الجدير قراءة هذا الجداول كمؤشر عام للتحديات التي تواجهها التربية الفلسطينية في إسرائيل (فيما يخص مثلاً أداء البنات المتفوق).
ل لا بد أخيراً من أن نذكر أن القوى السياسية العربية سعت لتشكيل إدارة ذاتية تعليمية بهدف الحد تنفرد وزارة التربية والتعليم في تحديد السياسات واتخاذ القرارات في مجال التعليم العربي.
ففي سنة 1984، أنشأت اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية لجنة متابعة قضايا التعليم العربي التي توصلت بعد سنة 2007 إلى تفاهم مع وزارة التربية والتعليم تم بموجبه إنشاء لجان مشتركة من أجل تقديم توصيات في مختلف أوجه التعليم العربي. غير أن هذه التجربة لم تؤد إلى مشاركة فعلية في وضع السياسات.
وفي سنة 2010، بادرت لجنة متابعة قضايا التعليم العربي إلى تشكيل "المجلس التربوي العربي" كهيئة مرجعية مكلفة بمراجعة القوانين والسياسات والمناهج والقيام بدراسات وتقديم أوراق عمل والعمل على التأثير في عمل القطاع التربوي الرسمي.
وعلى الرغم من هذه الجهود، ما زالت الطريق طويلة حتى يستطيع الفلسطينيون في إسرائيل ترجمة كونهم مجموعة قومية عربية، لها خصوصياتها الحضارية والثقافية والتاريخية التي تميّزها عن الأكثرية اليهودية، إلى سياسات وهياكل وبرامج تربوية خاصة بهم.