يعقد المجلس الوطني الفلسطيني
دورته الخامسة بعد سيطرة المنظمات الفدائية على منظمة التحرير الفلسطينية
، وينتخب ياسر عرفات
، الناطق الرسمي باسم حركة "فتح
"، رئيساً لـ
بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجَّلين في الأونروا والمقيمين في الضفة الغربية، 754 ألف لاجئ في كانون الثاني/ يناير سنة 2014. والأونروا هي الوكالة التي تمّ إنشاؤها سنة 1949 من أجل توفير الإغاثة وتعزيز الاندماج الاجتماعي- الاقتصادي للأشخاص الذين كان مقرّ إقامتهم المعتاد هو فلسطين خلال الفترة الممتدة من 1 حزيران/ يونيو 1946 إلى 15 أيار/ مايو 1948، والذين فقدوا منازلهم وسبل عيشهم نتيجة صراع سنة 1948، ويشمل ذلك ذريّتهم أيضاً. وتقدّم الأونروا خدماتها أيضاً إلى 160 ألف "شخص مسجَّل آخر"، وهم الأشخاص الذين فقدوا سبل عيشهم، مثل "سكان القرى الحدودية"، بسبب وقوع أراضيهم الزراعية تحت السيطرة الإسرائيلية سنة 1948. وبالإضافة إلى أولئك اللاجئين، يوجد 50 ألف لاجئ في الضفة الغربية لم يسجَّلوا في الأونروا. وعموماً، يتحدر 36 في المئة من سكان الضفة الغربية من أشخاص تضرّروا مباشرة جراء حرب سنة 1948.
تقييم وضع اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية ليس بالأمر اليسير، فمنذ سنة 1949 تم منحهم الوضع القانوني ذاته لسكان الضفة الأصليين، وقد تغيرت تطلعاتهم السياسية والاجتماعية- الاقتصادية وفقاً لحقوق مكتسبة محددة، ولتطور الصراع العربي- الإسرائيلي.
الوضع القانوني والسياسي للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية (في الخمسينيات والستينيات)
عام 1949، تم منح الجنسية الأردنية إلى 280 ألف لاجئ فلسطيني من سكان الضفة الغربية التي كانت حينها تحت حكم المملكة الأردنية الهاشمية، وبهذا أصبح لديهم هويّتان سياسيتان، فبصفتهم لاجئين شملهم قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 194، الذي ينص على "وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم... ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقرّرون عدم العودة..."، وبصفتهم أردنيين أصبح لديهم جميع الحقوق وعليهم جميع الواجبات، مثلهم مثل المواطنين الآخرين في المملكة الأردنية الهاشمية، بما في ذلك الأردنيون الأصليون.
انصبّ نشاط اللاجئين على الحفاظ على حق العودة كما حدّده القرار 194، واستمروا بالعمل دون انقطاع على مستويين: مستوى المجتمع المحلي، من خلال ذاكرة "فلسطين المفقودة"، وعلى المستوى الوطني، من خلال معارضة كل برامج المساعدة التي من شأنها تقويض حق العودة، مثل برنامج الأونروا التكاملي "للتشغيل"، ومشاريعها الشاملة لتحسين المخيمات في الخمسينيات. وقد أصبحت مخيمات الضفة الغربية الثمانية عشر التي تستضيف اليوم أفقر اللاجئين (ربع عدد اللاجئين في الضفة الغربية)، رمزاً لهوية "لاجئ" مميّزة، وعنواناً لكفاح اللاجئين من أجل استعادة ديارهم المفقودة.
تطور قضية اللاجئين في الضفة الغربية (الستينيات - الثمانينيات)
التحق معظم اللاجئين في أواخر الستينيات بالأجندة الوطنية لمنظمة التحرير الفلسطينية المتمحورة حول تحرير فلسطين، وأدى ذلك إلى المنافسة على النفوذ في الضفة الغربية مع الأردن، الذي احتفظ بالإدارة المدنية فيها بعد هزيمته في الحرب العربية-الإسرائيلية سنة 1967، كما أدى إلى مشاركة لاجئي الضفة في حركة الصمود في وجه سياسة الاحتلال الإسرائيلية. واندلعت شرارة الثورة الشاملة الأولى (الانتفاضة، واسمها الشائع أيضاً "ثورة الحجارة")، التي كانت تجسيداً لحركة الصمود، في مخيمات اللاجئين في قطاع غزة في كانون الأول/ ديسمبر 1987 أولاً، ثم امتدت إلى مخيمات الضفة الغربية وبلداتها وقراها.
ساهمت الانتفاضة في تسريع فك الارتباط الذي أعلنه الأردن (تموز/ يوليو 1988) وفي قرار منظمة التحرير الفلسطينية إعلان الاستقلال الفلسطيني وإقامة الدولة في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967 (تشرين الثاني/ نوفمبر 1988)، ولكن لم يتطرق إعلان الاستقلال بما يكفي إلى موضوع مستقبل اللاجئين، وخصوصاً حول كيفية التوفيق بين دولة تقتصر على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة ومبدأ حق العودة إلى الأراضي الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية؟ وماذا سيكون وضع اللاجئين في الكيان الفلسطيني؟ فقد قلّل قادة منظمة التحرير الفلسطينية من أهمية هذه المواضيع في وقت بقي تركيزهم منصبّاً على قيام دولة تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل، ما أدى بهم لاحقاً (أواخر الثمانينيات) إلى التسليم عملياً بأن عودة جميع اللاجئين أمر لا يمكن تحقيقه، وبأن عودة لاجئي الشتات سيتم إلى أراضي الدولة الفلسطينية. والمثير للدهشة أن القليل من لاجئي الضفة الغربية أبدوا استياءهم في البداية من مثل هذه المواقف "الإصلاحية"، على رغم استمرار مطالبتهم بحق العودة.
واختلف أبناء الجيلين الثاني والثالث من اللاجئين عن آبائهم أصحاب الجيل الأول (جيل عام 1948)، فالقليل منهم امتلك ذاكرة مباشرة عن فلسطين 1948 وما قبل، وبخلاف آبائهم كانت طموحاتهم اجتماعية- اقتصادية أكثر منها سياسية، نظراً لكونهم أيسر حالاً، بسبب فرص العمل التي أُتيحت لهم في إسرائيل ودول الخليج، وبناء على ذلك كانوا أكثر تقبّلاً لمبادرات براغماتية الهدف منها تحسين أوضاع الفلسطينيين، فكان العمل على وضع حدّ لانعدام الجنسية وإنهاء الاحتلال خطوة إيجابية في ذلك الاتجاه، باعتبار أن الدولة ستكون دولتهم، وقد تُعزِّز حقوقهم التي نص عليها القرار 194. أما اللاجئون المقيمون في المخيمات، فقد عبّروا عن استعدادهم للقبول بالمبادرات الساعية إلى تحسين ظروف معيشتهم بشكل دائم، تحت شعار "التأهيل لا يعني بالضرورة التوطين"، بل على العكس، بات التأهيل في نظرهم شرطاً أساسياً للمحافظة على المخيمات. وهكذا، ومنذ أواخر الثمانينيات، أدى رفع مستوى البرامج التي تنفّذها الأونروا بمشاركة مجتمعات اللاجئين، إلى تحسين البنية التحتية في المخيمات.
(مخيم) اللاجئين الحصن الأخير لمقاومة التطبيع (1993- )
عقب إبرام "اتفاقية أوسلو" عام 1993، ظهرت في أوساط اللاجئين مخاوف جديّة من أن تكون السلطة الفلسطينية تخلّت عن حقوقهم مقابل اعتراف إسرائيل بدولة ذات سيادة، فكانت مخاوفهم مبنية على:
(أ) احتمال تضاؤل الإشارة إلى حق العودة في الخطاب الرسمي،
(ب) وأن تأخذ السلطة الفلسطينية على عاتقها دور الأونروا تجاه اللاجئين، بحجة أن سلطة الحكم الذاتي تنطبق على جميع الفلسطينيين القاطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلَّة، بغضّ النظر عن وضعية بعضهم كلاجئين.
وهكذا، وبمبادرة من منظمات المجتمع المحلي، كان لاجئو المخيمات أول المعارضين خطط قيادتهم، فنظّموا تظاهرات للمطالبة بإعادة إدراج حقوقهم (بما في ذلك الإبقاء على الأونروا) في مقدمة جدول الأعمال الوطني، كما سعوا إلى الحفاظ على خصوصية المخيمات ككيانات اجتماعية- سياسية تجسّد قضية اللاجئين، عبر المطالبة بعدم مشاركة لاجئي المخيمات في الانتخابات البلدية، وطالبوا بدلاً من ذلك بإنشاء لجان في المخيم تقوم بالتعاون مع الأونروا بتقديم الخدمات البلدية.
ومع الإخفاقات الأولى لعملية السلام في أواخر التسعينيات، تجاوبت السلطة الفلسطينية مع تلك المطالبات، وخاصة تلك المتعلّقة بإدارة المخيمات والأونروا، لكن هذا التجاوب كان عائداً إلى المواقف الإسرائيلية المتعنتة أكثر منه إلى قناعة حقيقية بارتباطه بأهمية حق العودة بعد ستة عقود على النكبة.
لعب فشل قمة السلام الإسرائيلية- الفلسطينية التي انعقدت في كامب ديفيد في تموز/ يوليو 2000، مترافقاً مع الاستفزازات الإسرائيلية، دوراً أساسياً في اندلاع الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) ضد الاحتلال الإسرائيلي. ومرة أخرى كان لاجئو المخيمات في طليعة الحركة السياسية والكفاح المسلح، كما ظهر جلياً في معركة مخيم جنين، عندما واجه مئات المقاتلين الفلسطينيين الجيش الإسرائيلي من 1 حتى 11 نيسان/ أبريل 2002. لكن ذلك لم يقدّم الكثير من أجل تعزيز "حق العودة" كبند للتفاوض أو مطلب وطني، إضافة إلى مساهمة الاستعصاء الواضح لقضية اللاجئين في توسيع الفجوة الاجتماعية بين سكان الضفة الغربية الحضريين (بمن فيهم اللاجئون خارج المخيمات) الطامحين إلى التنمية والتحديث، وبين لاجئي المخيمات الموصومين بالفقر والمحافظة الاجتماعية والتململ (بما في ذلك التململ من السلطة الفلسطينية) والحرمان النسبي من الحقوق السياسية. لكن لا ريب أن الصمود الذي يتصف به لاجئو المخيمات، مدعوماً بأيديولوجيا "حق العودة" والدعم المادي الذي تقدّمه الأونروا في وجه البيئة المحلية والإقليمية المناوئة، سيكون له أبلغ الأثر في تحديد مستقبل الضفة الغربية ومستقبل عملية بناء الدولة الفلسطينية.