بالإضافة إلى أملاك "الغائبين"، فقد استولت إسرائيل على عددٍ كبيرٍ من الأراضي في غياب وجود أيّ أساس قانونيّ. ويرمي هذا التشريع إلى إضفاء الشرعيّة على هذه المصادرات، وبأثر رجعي، فضلاً عن منع أيّ لجوء قانونيّ من قبل "الغائبين الحاضرين". كما ينصّ القانون على قانونيّة المصادرة في حال لم تكن الأرض في حيازة صاحبها في 1 نيسان/ أبريل 1952 وتم استخدامها لأغراض تنمويّة ضروريّة أو الاستيطان أو لأغراض أمنيّة بين 14 أيار/ مايو 1948 و1 نيسان/ أبريل 1952. يضع القانون الأراضي المصادرة تحت سيطرة سلطة التطوير .
تختزل العراقيب، وهي واحدة من أربعة وخمسين قرية فلسطينية بدوية في قضاء بئر السبع (النقب) تعتبرها الحكومة الإسرائيلية "غير مرخّصة"، وضع المجتمعات الفلسطينية البدوية المنخرطة في صراع مع الحكومة الإسرائيلية بشأن ملكية الأراضي والحق في السكن منذ سنة 1948. ويتراوح عدد السكان في هذه القرى (التي يُشار إليها أحيانًا على بـ"غير المُعترَف بها") ما بين 300 و5,000، هم جميعهم محرومون من الخدمات العامة والبنى التحتية، بما في ذلك الطرقات والكهرباء والمياه الجارية، كما أن قراهم معرضة للهدم. أما اعتبار هذه القرى "غير مرخَّصة" فمردّه السياسات والممارسات القانونية- السياسية الإسرائيلية المتمثلة بالاقتلاع ونزع الملكية والحرمان من الحق في الأرض للسكان غير اليهود، وغياب التنظيم والتخطيط في المناطق التي يقيمون فيها.
تسعى السلطات الإسرائيلية، منذ سنة 1948، إلى تركيز البدو في ثلاث بلدات. ويّقدر أن 13,000 فلسطيني بدوي تقريباً (من أصل 90,000)، بقوا ضمن دولة إسرائيل عند قيامها سنة 1948. وفي وقتٍ لاحقٍ، نُقِل الكثيرون قسرًا إلى منطقة مثلّثة تغطي مساحة 1,5 دونم في شمال شرق بئر السبع، وهي معروفة بمنطقة السياج، وتقع فيها بعض قرى البدو. وعلى مر السنوات، نمت القرى القائمة وتلك التي تم نقلها، إنما بقيت مُستبعَدة من خطط التنظيم الحكومية. فسلطات التخطيط الإسرائيلية التي تضع الخطط الرئيسية على المستويات الوطنية والمناطقية والمحلية لم تعترف بوجود القرى وبالتالي قامت بتصنيف مواقعها على أنها حدائق ومحميات طبيعية ومناطق زراعية أو عسكرية، وليس مناطق سكنية. وبما أن إسرائيل تنكر ملكية الأراضي البدوية، فإن هذه القرى تُعتبَر أنها مبنية على "أراضي الدولة" وسكانها متعدّين.
بين أواخر الستينيات وأوائل التسعينيات من القرن العشرين، وضعت إسرائيل مخططات لسبع بلدات ضمّت نصف السكان الفلسطينيين البدو في منطقة بئر السبع، وقد منحتها وضعاً قانونياً. أما النصف الثاني فما زال يعيش في القرى غير المُعترف بها. وبعد سنة 2000، قرّرت الحكومة الإسرائيلية منح "الاعتراف"، الجزئي بمعظمه، لإحدى عشرة قرية لكن من دون أن تتمتع غالبيتها بأي تغيير إيجابي ملحوظ.
تقف قرية العراقيب، "غير المعترف بها" شاهدة على السياسات الإسرائيلية المتمثلة بالتركيز والتشريد ونزع الملكية، وترمز إلى نضال البدو. وتقع القرية على منطقة جبلية بين بئر السبع ورهط وفيها خزاني مياه ومقبرة إسلامية يعود تاريخها إلى سنة 1914. وقد عاشت عائلتان كبيرتان، هما آل العقبي وآل الطورة (التياها)، هناك حتى سنة 1948.
مع احتلال العراقيب سنة 1948، تم طرد معظم العائلات إلى منطقة الظاهرية (جنوب الضفة الغربية)، ولكن سُمح للبعض منهم بالعودة في سنة 1949. وفي سنة 1951، أمرت الحكومة الإسرائيلية السكان بترك منازلهم لفترة ستة أشهر بحجة التدريب العسكري في المنطقة؛ ومن بعدها، لم يُسمح لهم بالعودة وتمت مصادرة معظم أراضيهم سنة 1954 بموجب قانون الاستحواذ على الأراضي لسنة 1953.
انتهى المطاف بمعظم أفراد عائلة الطورة بالسَكَن قرب مدينة رهط فيما سكنت عائلة العقبي قرب بلدة حورة. وقد تقدمت العائلتان بطلب استرداد الأراضي في السبعينيات، مطالبتَيْن بتسجيل كافة الأراضي التي تملكّوها وزرعوها باسمهم؛ غير أن هذه المطالبات بقيت مجمدة، مثلها مثل الطلبات الـ3,220 الأخرى.
كان أصحاب المطالِب قد رفضوا قبول أي تعويض تقترحه الدولة؛ عوضًا عن ذلك، سعوا منذ سنة 2006 إلى تسجيل أراضيهم عبر اللجوء إلى القضاء وشنوا معركة قانونية مع الدولة. وطالب آل العقبي باسترجاع قطع أراضٍ مختلفة في العراقيب وفي ذليقة (1,251 دونماً) كان الشيخ سليمان العقبي قد طالب بها سابقاً بين سنتي 1972 و1973. لكن كل من محكمة بئر السبع والمحكمة العليا الإسرائيلية ردّتا قضية العقبي، أما أفراد عائلة الطورة، فلا يزالون منخرطين في إجراءات قانونية لإثبات حقوقهم في ملكية أكثر من 1,600 دونم.
في سنة 1998، قررت خمسون عائلة بدوية، تقريباً، العودة إلى العراقيب للعيش على أراضيها وذلك حين أصبح من الواضح أن الصندوق القومي اليهودي يعتزم تشجير المنطقة. ومع مرور الوقت، تصاعدت وتيرة المواجهات بين السكان والدولة.
بادئ الأمر، دمّرت السلطات الإسرائيلية المحاصيل الزراعية في القرية، ثم أقدمت في 27 تموز/ يوليو 2010، على هدم القرية بأكملها؛ وكانت القرية تتكون قبل هدمها من 46 مبنى، منها 30 منزلًا، سكنها قرابة 300 شخص. وبحلول كانون الثاني/ يناير 2021، كانت العراقيب قد شهدت 182 عملية هدم (عادة ما تستهدف كافة الأبنية والأكواخ والخيام والمنازل المتنقلة وأقنان الدجاج وخزانات المياه).
وعلى الرغم من أنه كان يتم إعادة بناء العراقيب بعد كل عملية هدم، لكن عدد الأبنية كان ينخفض مع مرور الوقت، وكذلك نوعيتها. ولا يزال عشرات السكان يعيشون بالقرب من مقبرة القرية في ظروف صعبة للغاية. وكانت الدولة قد صادرت أو دفنت، لأكثر من مرة، مواد البناء، بهدف منع السكان من استخدامها لإعادة تعمير الأبنية المهدمة.
وفضلاً عن أن كل عملية هدم كانت تسفر عن إصابات بين المدنيين واعتقالات، فإن سلطات الدولة شرعت بمقاضاة العائلات بحجة الحصول على تعويض بأكثر من مليون شيكل لتغطية تكاليف عمليات الهدم.
لقد استقطب وضع العراقيب اهتمام وسائل الإعلام، وتم تسليط الضوء عليها في تقرير رفعه في 2011 المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الشعوب الأصلية جيمس أنايا، إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
أظهرت إجابة الحكومة الإسرائيلية على القضايا التي أثارها أنايا، موقفها السياسي والقانوني حيال العراقيب وبقية البدو في النقب، وذلك عبر رفضها تصنيفهم كشعوب أصلية وأنكار وجودهم المتجذر منذ أمد بعيد في البلاد، زاعمة أن "ما يسمّى بقرية العراقيب ما هو سوى وضع اليد على أرضٍ ملك الدولة. فلم يملك الأفراد يوماً هذه الأراضي."
لقد نجح نضال العراقيب في حشد تحالف ضم منظمات وناشطين محليين ودوليين، ومكّن مجتمع العراقيب من الحصول على دعم عدد من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية بما فيها "منتدى التعايش السلمي في النقب من أجل المساواة المدنية" و"المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها" و"عدالة"، وكذلك على دعم احزاب وحركات سياسية مختلفة. وقد أصبحت القرية مثالًا لنضال الفلسطينيين في إسرائيل ضد نزع ملكية الأراضي والتمييز العنصري، وبالدرجة الأولى ضد تهويد النقب.
في سنة 2011، قررت القيادات والأحزاب السياسية الفلسطينية في إسرائيل عقد الأنشطة الأساسية ليوم الأرض (ذكرى 30 آذار/ مارس 1976) في العراقيب كرمز للمقاومة والصمود، ودعماً بأهلها المصرون على حقّهم في العيش على أرضهم، والذين أعادوا بناء قريتهم مرارًا وتكرارًا على الرغم من المعاناة النفسية والتكاليف النقدية الباهظة.