الحكومة الإسرائيلية الجديدة تسن مرسوم المناطق المهجورة
الذي يهدف إلى السيطرة على أملاك الفلسطينيين الذين طردوا أو اضطروا إلى مغادرة بلداتهم بسبب الأعمال القتالية. يعرّف المرسوم المناطق المهجورة بأنها "كل منطقة أو مكان احتلته القوات المسلحة، أو استسلم لها، أو هجره سكانه أو قسم من سكانه، وأُعلن عنه بموجب أمر أنه منطقة مهجورة". يمنح المرسوم الدولة سيطرة واسعة على "مناطق مهجورة" بكاملها، وليس فقط على أملاك أُفرغت من ساكنيها. إسرائيل ستنشئ في الشهر التالي مكتب "
عمدت القيادات الصهيونية، قبل الإعلان عن إقامة دولة إسرائيل في 14 أيار/ مايو 1948، وفيما كان الاقتتال مستعراً بين القوات الصهيونية والفلسطينيين، إلى إنشاء اللجان العسكرية والمدنية للسيطرة على الأراضي وغيرها من الممتلكات التي كانت نُفرَّغ من سكانها الفلسطينيين. وفور الإعلان عن إقامة الدولة، شرعت الحكومة الإسرائيلية بتوحيد اللجان المختلفة ووضع الأدوات القانونية والهياكل الإدارية التي تسمح بالاستيلاء "القانوني" على الأراضي الفلسطينية. وخلال السنوات والعقود التي تلت، تم سن القوانين وتعديلها بحسب ما يلزم لضمان توسيع الأراضي التي سيتم الاستيلاء عليها.
في 24 حزيران/ يونيو 1948، سنت الحكومة الإسرائيلية مرسوم الأملاك المتروكة للسيطرة على ممتلكات الفلسطينيين الذين طُرِدوا أو هربوا بسبب القتال. وبعد ثلاثة أيام، اعتمدت مرسوم المناطق المهجورة ، الذي أعطى الدولة سيطرة أوسع على "مناطق مهجورة" بأكملها، وليس على الممتلكات المفرَّغة وحسب.
وفي تموز/ يوليو 1948، أُنشِأت اللجنة الوزارية لشؤون الأملاك المتروكة
إلى جانب
هذه المجتمعات اليهودية المختلفة، فضلاً عن الشركات والأفراد، حصدت الحقول من الحبوب والتقطت الفاكهة من بساتين البرتقال والزيتون المهجورة، واستخرجت الأحجار بالألغام من المقالع، وحتى قامت ببيع الصبار من الأراضي البور لصناعة الكحول.
أمَا المنازل والمباني الأخرى في مئات القرى المُهجّرة، فقد بدأت الحكومة والجيش الإسرائيليين وفي وقت مبكر سنة 1948 بتدميرها (يُقدَّر العدد الفعلي للقرى المدمرة بين 360 و429 وفقاً لما يعرفه المصدر المعني "القرية"). وبين 1948 و1953، أنشأت
وشكّل إصدار أنظمة الطوارئ بشأن أملاك الغائبين في 2 كانون الأول/ ديسمبر 1948 تغييراً ملحوظًا في النهج الإسرائيلي فيما يتعلق بالأراضي وغيرها من ممتلكات الفلسطينيين؛ إذ إن هذه الأنظمة حوّلت التركيز القانوني من العقار إلى المالك اللاجئ. فبدلًا من التشريعات السابقة التي منحت الدولة السلطة القانونية لمصادرة ممتلكات مهجورة في مكان معيّن، سمح التشريع الجديد للدولة بالاستيلاء على كافة الممتلكات، أينما كانت، والتي تعود إلى شخص استوفى تعريف "الغائب".
تم تعريف الغائب بأنه شخص كان في أو بعد 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 من رعايا أي دولة عربية، أو كان متواجداً في دولة عربية، أو كان في أي جزء من فلسطين غير خاضع للسيطرة اليهودية، أو كان "في أي مكان آخر غير مقر إقامته المعتاد، حتى لو كان هذا المكان ومقر إقامته المعتاد داخل الأراضي الإسرائيلية المحتلة."
لذلك، فقد كان "الغائب" مصطلحًا شاملاً يسمح للحكومة الإسرائيلية بمصادرة الأراضي وغيرها من الممتلكات التابعة لفئة واسعة من الأشخاص الذين لم يكونوا لاجئين بالمعنى الشائع للكلمة. وفي الواقع، سمح القانون بالاستيلاء على الأرض وغيرها من الممتلكات التي تعود لأي شخص يقيم في الأراضي الإسرائيلية المحتلة إنما ترك منزله وسافر حتى ولو ليوم واحد إلى مكان آخر داخل الأراضي التي تحتلها إسرائيل، ومن ثم عاد. وقد استبدلت الحكومة حارس الأملاك المتروكة ليصبح حارس أملاك الغائبين.
وفي 14 آذار/ مارس 1950، اعتمد الكنيست قانون أملاك الغائبين الذي كان نسخة معدّلة عن أنظمة الطوارئ بشأن أملاك الغائبين. وكان أحد الأحكام الجديدة الهامة هو منح الإذن، وللمرة الأولى، لحارس أملاك الغائبين ببيع أراضي اللاجئين المُصادَرة إلى سلطة فريدة مُراد إنشاؤها، وهي سلطة التطوير . وقد تم إقامة هذه الإدارة الأخيرة من قبل قانون سلطة التطوير (نقل الملكية) الصادر في 9 آب/ أغسطس 1950.
نصّ القانون على أهلية سلطة التطوير في بيع الأراضي للدولة ولا سيّما لـ
بالتالي فإن معظم أراضي اللاجئين ومبانيهم ومنها ما لا يزال موجوداً اليوم، مسجّلة إما لصالح الدولة الإسرائيلية أو سلطة التطوير أو الصندوق القومي اليهودي. وعلى هذا النحو، فإنها لا تزال تحت سيطرة مجلس سلطة أراضي إسرائيل ، وهو العنوان الجديد لإدارة أراضي إسرائيل (كما جاء في قانون أراضي إسرائيل الصادر في آب/ أغسطس 2009). إلا أن ذلك القانون سمح أيضاً لمجلس سلطة أراضي إسرائيل ببيع (أي خصخصة) قدرٍ معيّن من الأراضي التي تقع تحت سيطرة إدارة أراضي إسرائيل. وجزء من هذه العملية يتضمن مقايضة الصندوق القومي اليهودي للأراضي الحضرية التي تقع تحت سيطرته بأراضٍ ريفية؛ من بعدها يتم بيع الأراضي الحضرية لأفراد عاديين. وبالتالي فإنه يمكن الآن بيع بعض أراضي اللاجئين الفلسطينيين لأشخاص عاديين.
لفد استُخدمت الأراضي المُصادَرَة لبناء المدن اليهودية وخلق حقول جديدة للزراعة وما إلى ذلك. ولا تزال بعض أراضي اللاجئين غير مستخدمة وغير مأهولة حتى اليوم. وفي بعض هذه الأراضي القروية، لا تزال المنازل الفلسطينية المهجورة وغيرها من المباني قائمة. وفي أماكن أخرى– في مدن كـ القدس على سبيل المثال- يمكن لهذه المباني أن تُسعَّر بأسعار مرتفعة جداً اليوم. ولا يزال هناك عدد من المساجد المهجورة في إسرائيل، البعض منها مهمل بينما تم تحويل البعض الآخر إلى مطاعم ومعارض فنية. كما لا يزال هناك عدد من المقابر المهجورة، وأشهرها مقبرة مأمن الله (ماميلا) في القدس.
أما في ما يتعلق بالممتلكات المنقولة، فقد بدأت السلطات المدنية والعسكرية اليهودية في استخدام البعض منها على الفور تقريباً، فوضعتها في مستودعات أو قامت ببيعها أو تأجيرها، أو تدمير ما شعرت بأنه لا يمكن إنقاذه. وقد تم أحياناً استخدام الأثاث الذي عُثِر عليه في المنازل المهجورة لتأثيث منازل المهاجرين اليهود الجدد. وأحياناً كان يتم سرقة السلع المنزلية بكل بساطة؛ فقد كانت عمليات النهب منتشرة.
ووفقاً للقانون، كان يتوجب على هيئات، مثل حارس أملاك الغائبين، الاحتفاظ بسجلات للأموال الواردة من بيع ممتلكات اللاجئين أو تأجيرها، وذلك تحت اسم اللاجئ الذي يملكها، وبحجة إعادة المبلغ إلى الأخير ظاهرياً، إلا أنه سرعان ما كانت تلك الأموال تُنفق أو تذهب إلى سلطة التطوير ليتم استخدامها لاستقرار المهاجرين الجدد.
وعلى الرغم من أنه تم بيع معظم الممتلكات المنقولة منذ فترة طويلة، لا يزال حارس أملاك الغائبين يتمتّع اليوم بالسيطرة على بعض القطع؛ فعلى سبيل المثال، يسيطر الحارس على قرابة 8,000 كتاب تم أخذها من منازل فلسطينية في سنة 1948 وهي اليوم في المكتبة الوطنية الإسرائيلية .
يثير ما سبق ذكره قضية أوسع، وهي موقف إسرائيل حيال إعادة الملكية إلى أصحابها و/ أو التعويض عليهم. ولطالما رفضت إسرائيل النظر في مسألة رد الممتلكات (أي إعادة الممتلكات إلى مالكيها الشرعيين)، حتى عندما عاد أصحابها فعلاً وحاولوا المطالبة بها.
وفي ما يتعلق بالتعويضات، فقد أرفقتها الحكومة الإسرائيلية بعدد من القيود: أولاً، رفضت دفع تعويضات عن الممتلكات المنقولة، سواء التي سُرِقت أثناء الحرب أو تم جردها– من أدوات منزلية إلى مركبات ومعدات وحيوانات المزارع وآلات المصانع والسلع في المحلات التجارية والمؤسسات التجارية، وما إلى ذلك- على الرغم من أنها حققت أرباحاً من بيع هذه الممتلكات. ثانياً، في ما يتعلق بالخسائر المتعلقة بأملاك الفلسطينيين غير المنقولة، فقد أصرّت إسرائيل على أنها لا تتحمل سوى التعويض عن الممتلكات التي يملكها أفراد، وبالتالي استثنت الأراضي العامة، وبخاصة الأراضي المشاع في القرى. ثالثاً، أصرّت إسرائيل على أن يكون برنامج التعويض جزءاً من صيغة أوسع للسلام العربي- الإسرائيلي.
وعلى مر السنوات، قامت لجنة إسرائيلية خاصة بإعادة أملاك الغائبين بصفقات صامتة لدفع التعويض لفلسطينيين مقيمون خارج البلاد. لقد رفض معظم اللاجئون أخذ التعويض بعين الاعتبار، مطالبين بدلاً من ذلك العودة إلى أراضيهم. وفي حزيران/ يونيو 1973، سنّت إسرائيل قانون أملاك الغائبين (التعويضات) الذي نصّ على إمكانية التعويض لمقدمي الطلبات المقيمين في إسرائيل، بمن فيهم الفلسطينيون المقيمون في القدس الشرقية ، إنما حرمهم في الوقت نفسه من حق المطالبة بالإفراج عن ممتلكاتهم. في الواقع، كان أحد أهداف القانون تبرير استعادة الممتلكات التي كان يملكها اليهود في الجزء الشرقي من المدينة قبل سنة 1948.