تسببت حرب حزيران 1967 واحتلال إسرائيل لقطاع غزة، إلى جانب مناطق عربية أخرى، في فتح صفحة مأساوية جديدة بالنسبة إلى اللاجئين في غزة. فالإجراءات القاسية التي اتبعتها القوات العسكرية الإسرائيلية في الأسابيع الأولى، بما فيها أوامر حظر التجول والاستجوابات، والاعتقالات وهدم المنازل، استهدفت اللاجئين في المقام الأول. وقد غادر قطاع غزة حوالي نحو 45.000 منهم، أكثرهم باتجاه شرق الأردن. والذين صدف أنهم كانوا خارج القطاع خلال الحرب لم يسمح لهم بالعودة؛ ويقدر أن 13.000 من هؤلاء كانوا في مصر.
في السنوات التي تلت حزيران/ يونيو 1967، اتسم واقع مخيمات القطاع باحتضان العمل الفدائي المسلح وهو ما عرّضها لعمليات قمع قاسية. فرداً على أعمال المقاومة، تولى أريئيل شارون قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال آنذاك، قيادة حملة (1970-1971) كان من سماتها: عزل القطاع وإحكام القبضة العسكرية على المخيمات؛ إعادة هيكلتها التنظيمية؛ توسيع الطرق داخلها وشق طرق عريضة جديدة تسمح بمرور الدبابات؛ تفجير آلاف المنازل وتشريد نحو 16.000 لاجئ؛ نقل معظمهم إلى العريش شمالي سيناء، وبضع مئات إلى الضفة الغربية؛ إبعاد نحو .00012 من أقارب الفدائيين إلى مخيمات في صحراء سيناء.
لم يقتصر الهدف الإسرائيلي بشأن المخيمات على ضبط الأمن فيها، بل تعداه إلى ما يمكن وصفه سياسة تفتيت وتشتيت وتوطين ثابتة. ففي الفترة ما بين 1972 و1989 (تاريخ تجميد مشاريع الإسكان بسبب الانتفاضة)، تمت إعادة إسكان نحو 62.000 لاجئ خارج المخيمات، عبر تخصيص قطع أرض لهم، أو تأجيرهم شققاً بعقود إيجار زهيدة وطويلة الأجل مدتها 99 سنة. وفي سنة 1989، شكّل مَن تم إسكانهم نحو 24% من سكان المخيمات، و13% من اللاجئين في القطاع. من جهة أخرى، وفي إطار السعي لتذويب "كيانية" المخيمات وخصوصيتها، أصدر الحاكم العام الإسرائيلي سنة 1972، أمراً بضم المخيمات إلى مناطق نفوذ البلديات المجاورة. وعندما رفض المجلس البلدي لمدينة غزة تنفيذ القرار بضم مخيم الشاطئ إليها، لجأ الحاكم العسكري إلى إقالة المجلس. غير أن قرار الضم نُفذ في حالة رفح وخانيونس ودير البلح. أمّا مخيمات البريج والنصيرات والمغازي، فقد شُكلت فيها لجان محلية سنة 1978 لإدارة شؤون الكهرباء والمياه، ثم تحولت إلى مجالس قروية في سنة 1987. وفيما يتعلق بمخيم جباليا، فقد ظلّ تابعاً لبلدية النزلة التي تأسست في 4 شباط/ فبراير 1952 بموجب الأمر الصادر رقم (203).
أما بالنسبة إلى العلاقات بين الفلسطينيين من أصل غزاوي واللاجئين، فقد استمرت في توطدها بعد الاحتلال الإسرائيلي سنة 1967، جراء اندماج المجموعتين ضمن أطر الحركة الوطنية والجماهيرية والنقابية، أو زمالة العمل والتعليم والسجن. وما عزز التقارب والاندماج أن كلا المجموعتين واجهتا في المراحل جميعها القيود والتدابير الاقتصادية والسياسية ذاتها (العمل داخل إسرائيل، التوسع العمراني، ممارسات الاحتلال...). وجلّ ما كان يفرقهما كان قِدم أو حداثة انتمائهما إلى حيز القطاع الضيق. وكانت الانتماءات السياسية المتعددة عابرة للمجموعتين، فوحّدتهما بقدر ما أوجدت تمايزات داخل كل مجموعة. بالطبع، بقيت "الإقامة في المخيم" وليس وضع اللاجئ في حد ذاته، عاملاً حاسماً في تحديد العلاقة ببعض أفراد الأسر الثرية المحلية، الذين كان لهم الموقف ذاته من فقراء المدن أو المناطق الريفية.
انفجرت الانتفاضة الأولى سنة 1987، أي بعد 20 عاماً على الاحتلال العسكري وتأثيراته المنهكة في السكان الذين حرموا من أي سيطرة على تنميتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لم يعرف جيل كامل من الفلسطينيين شيئاً آخر غير الاحتلال. كان للمخيمات دور بارز في أحداث الانتفاضة، التي اندلعت شرارتها في مخيم جباليا، فقد مثلت الحاضنة الفعلية لفعل المقاومة، وذلك عبر أشكال متعددة في إطار المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، مثل الإضراب التجاري والمهني والحِرفي والتظاهرات الشعبية وأيام الحداد. وفضلاً عن ذلك شهدت المخيمات أشكالاً من التنظيم الذاتي عبر اللجان الشعبية للإشراف على شؤون الناس وتسييرها.
مع نشأة السلطة الفلسطينية لم يطرأ تحول ذو دلالة فيما يتعلق بتمثيل اللاجئين الإداري والسياسي. فبينما استمرت الأونروا في الإشراف على هذه المخيمات، تم تشكيل أول مجلس بلدي في مدينة غزة بتاريخ 26 تموز/ يوليو 1994، الذي ضم هذه المرة عضواً من سكان مخيم الشاطئ، وواصلت بلديات رفح وخانيونس ودير البلح تمثيل اللاجئين. كما أصدر الرئيس ياسر عرفات سنة 1996 قراراً بتشكيل لجان شعبية في المخيمات بناء على مبادرة اتحاد أندية الخدمات في المخيمات، أُنيطت مرجعيتها بـدائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية. وتكونت هذه اللجان من ممثلي بعض التنظيمات السياسية والنشطاء. وفي سنة 1996 أيضاً، تحولت المجالس القروية في مخيمات البريج والنصيرات والمغازي إلى مجالس بلدية تتبع وزارة الحكم المحلي. وبقرار من الوزارة سنة 1997 أُنشئت لجان أحياء تابعة للبلديات في أحياء المدن وداخل المخيمات، مهمتها تسهيل حاجات المخيم بالتواصل مع البلديات والأونروا ومزودي الخدمات الآخرين. وخلافاً لموقف الهيئات التمثيلية للاجئين في الضفة الغربية، شارك لاجئو قطاع غزة في الانتخابات البلدية التي أجرتها السلطة الفلسطينية سنتي 2005-2006 دون أن يعد ذلك تفريطاً في حق العودة وتسليماً بالتوطين.
أنشأت حركة "حماس"، مع إحكام سيطرتها على قطاع غزة سنة 2007، لجاناً شعبية بديلة أو موازية؛ مبررة ذلك بضرورة "تجانس الحكومة واللجان والمجالس البلدية" من حيث الانتماء السياسي، كما استبدلت لجان الإصلاح بهيئة علماء فلسطين، للعمل على فض النزاعات بين الأهالي، وإصلاح ذات البين بين المتخاصمين.
أمّا بالنسبة إلى الأوضاع الاقتصادية – الاجتماعية، فما زالت المخيمات في قطاع غزة تعاني اكتظاظاً سكانياً، إذ تبلغ الكثافة السكانية في المخيمات 55 ألف نسمة/ كم2، وهي تقريباً ضعف الكثافة في قطاع غزة عموماً، علماً بأن نحو نصف اللاجئين ما زالوا يعيشون داخل المخيمات. كما تعاني المخيمات مشكلات الفقر والبطالة (طبقاً لجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني سنة 2017، وصلت نسبة الفقر بين اللاجئين في قطاع غزة إلى 54.1%، بينما بلغت نسبة الفقر المدقع 33.5%، وبلغ معدل البطالة في صفوفهم 54%)، وهكذا كانت حالهم دوماً ربما باستثناء بعض الفترات من الازدهار النسبي، كما كان الأمر في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي عندما شهدت المخيمات طفرة في النمو الاقتصادي ارتباطاً بالعمل في إسرائيل. فأدت الزيادة في الدخل إلى تحسين الأوضاع المعيشية للاجئين وإلى طفرة عمرانية، إذ هُدمت البيوت القديمة، وبُنيت أُخرى جديدة وأكثر مواءمة. وفي جميع الأحوال، لا يمكن تناول النشاط الاقتصادي في المخيمات بمعزل عن اقتصاد قطاع غزة ككل، والذي يتسم بقلة الموارد، والنمو السكاني الهائل وسوء الأداء، علاوة على تأثره دوماً بالممارسات الاحتلالية (من حصار وقصف مزمن)، علماً بأن حصة اللاجئين المقيمين بالمخيمات من المعاناة ما زالت أكبر.
وعلى الرغم من مرور الوقت منذ النكبة، فقد حافظ اللاجئون في قطاع غزة على تمسكهم بحق العودة، وطوّروا علاقات اجتماعية تعكس هذا التوق الطبيعي، ووسائل نضالية تعبر عن التزامهم بهذا الحق. فإلى جانب اندماجهم في هيئات الأونروا وتنظيمهم النقابي فيها، ابتكروا اللجان الشعبية ولجان الأحياء ونوادي الخدمات، والمراكز والجمعيات الأهلية والخيرية. كما ظلت رغبة التواصل مع إخوانهم في الشتات هاجساً وتحدياً في الوقت ذاته، على الرغم مما فرضه الزمن والتباعد الجغرافي من خصوصيات وتمايزات بين اللاجئين في بيئاتهم المتعددة. وفي السنوات الأخيرة، انخرطوا، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال منظمات المجتمع المدني والجامعات والأطر الشبابية، في البرامج التي تجمع بين مختلف مناطق اللجوء بما في ذلك الزيارات ودورات التدريب وتبادل الخبرات. بيد أن صلات القربى والنسب، والانتماء إلى التنظيمات السياسية وعضوية الأطر الجماهيرية، ظلت من بين أهم قنوات تعزيز التشبيك والتواصل.
جاءت مسيرات العودة التي أطلقها الغزاويون في 30 آذار/ مارس باتجاه الخطوط التي تفصل بين قطاع غزة والأراضي الإسرائيلية، من أجل تأكيد حق العودة والمطالبة بفك الحصار، تعبيراً عن الرغبة في تفعيل المقاومة الشعبية السلمية وتوسيع ساحة الصدام ضد الاحتلال ورفض استمرار الوضع القائم. وقد أتت الفكرة من وحي المسيرات الجماهيرية التي كان اللاجئون الفلسطينيون من الأردن ولبنان وسورية والضفة الغربية وقطاع غزة، قد نظموها في اتجاه الخطوط الإسرائيلية في أيار/ مايو 2011. فبادر عدد من الناشطين في غزة إلى تأسيس "الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار" في آذار/ مارس 2018. أنشأت الهيئة 5 مخيمات شعبية قرب الخط الفاصل، ونظمت منذ ذلك الحين مسيرات أسبوعية تشهد حضوراً جماهيرياً لافتاً كل يوم جمعة. وبلغت ذروة المسيرات يوم 14 أيار/ مايو 2018، عشية يوم النكبة، عندما كانت تجري مراسم افتتاح السفارة الأميركية في القدس، وفي الوقت الذي كان الجيش الإسرائيلي يوقع 58 قتيلاً وأكثر من 2700 جريح بين المتظاهرين الفلسطينيين على خط التماس بين القطاع والأراضي الإسرائيلية.