مستفيدة من الرصيد السياسي الذي وفرته الانتفاضة الشعبية داخل الأراضي المحتلة ومن إعادة إحياء الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى إيجاد تسوية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، يتبنى المجلس الوطني الفلسطيني وثيقتين: الأولى تتمثل في "إعلان الاستقلال" تتويجاً للنضال الفلسطيني وللشرعية الدولية المتمثلة في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 (1947) وفي الحق الفلسطيني في تقرير المصير. أما الوثيقة الثانية فهي بيان سياسي يتضمن موافقة المجلس على قراري مجلس الأمن رقم 242 و338، باعتبارهما قاعدة انعقاد المؤتمر الدولي للسلام، مع تعداد المبادئ التي كانت قد أعلنتها القمة العربية، الجزائر، 1988 .
بعد ما يقارب ربع قرن من إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية وعقدين من الزمن من سيطرة الفصائل المقاوِمة عليها، جاء إعلان الاستقلال الفلسطيني في سنة 1988 في بعض نواحيه، نتيجةً طبيعية لتطور المنظمة، أما في نواحٍ أخرى فكان بمثابة قطيعة جذرية مع الماضي، إذ أشار للمرة الأولى إلى قبول تقسيم فلسطين، بالتزامن مع شرعية جديدة على الساحة الدولية، في حين تزايدت علامات الاغتراب في الساحة العربية.
طُرح مصير الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين بحدة على جدول أعمال منظمة التحرير الفلسطينية بعد اندلاع حرب عام 1973 ، التي أوجدت - من خلال التوازن العسكري النسبي الذي أفرزته - وهماً بإمكان التوصل إلى تسوية سياسية شاملة قوامها انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها سنة 1967. وقد أجمعت فصائل منظمة التحرير على رفض عودة الضفة الغربية إلى السيادة الأردنية، مستندة في ذلك إلى موقف قطاعات واسعة من جماهير المناطق الفلسطينية المحتلة، التي عبّرت عن رغبتها في أن تتحمّل منظمة التحرير مسؤوليتها عن مصير الأراضي التي قد تنسحب منها إسرائيل. وفي أعقاب نقاشات حامية، تبنّى المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة في القاهرة مطلع حزيران/ يونيو 1974، "البرنامج السياسي المرحلي" (برنامج النقاط العشر )، الذي نص على إقامة "سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة" فوق الأراضي الفلسطينية التي سيندحر عنها الاحتلال، مشدداً على أن أي خطوة تحريرية هي "حلقة لمتابعة تحقيق استراتيجية منظمة التحرير في إقامة الدولة الفلسطينية الديموقراطية". بيد أنه بدا واضحاً منذ ذلك الحين، أن منظمة التحرير تتجه نحو تبنّي شعار إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية ) وقطاع غزة، وهو الشعار الذي أقرّته بالفعل الدورة الثالثة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، التي انعقدت في القاهرة في آذار/ مارس 1977.
وبالاستناد إلى هذا التحوّل الذي طرأ على مواقفها، استطاعت منظمة التحرير أن تحقق مكاسب سياسية مهمة، تمثّلت في اعتراف مؤتمر
ولكن بينما كانت منظمة التحرير تُعِدّ نفسها للمشاركة في جهود التسوية السياسية، كان سراب هذه التسوية يبتعد، وخصوصاً بعد أن أقدمت مصر
على انتهاج طريق التسوية المنفردة مع إسرائيل، التي تكللت بتوقيع "
في هذا السياق، وفي ظروف التشتت، عانت منظمة التحرير منذ أيار/ مايو 1983 من انقسام شديد في صفوفها، لم تتجاوزه إلا بعد انعقاد الدورة الثامنة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في
وشعرت قيادة منظمة التحرير، ولا سيما في ظل مناخات الانفراج الدولي التي تولّدت من سياسة "البيريسترويكا" السوفييتية، أن الظروف باتت ناضجة كي تُقْدِم على طرح مبادرة سياسية سلمية، ولهذا الغرض انعقدت الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 1988، وأصدرت في ختام أعمالها "إعلان الاستقلال"، الذي تضمن "قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف"، باعتبارها "دولة عربية [و] جزءاً لا يتجزأ من الأمة العربية، ومن تراثها وحضارتها، ومن طموحها الحاضر إلى تحقيق أهدافها في التحرر والتطور والديموقراطية والوحدة"، ولتكون دولة "للفلسطينيين أينما كانوا، فيها يطوّرون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق وتصان فيها معتقداتهم الدينية وكرامتهم الإنسانية".
كما تضمن "إعلان الاستقلال" موافقة منظمة التحرير، لأول مرة منذ نشوئها، على قرار تقسيم فلسطين الدولي، عندما أشار إلى أنه "مع الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني، بتشريده وحرمانه من حق تقرير المصير، إثر قرار الجمعية العمومية رقم 181 لسنة 1947، الذي قسّم فلسطين دولتين، عربية ويهودية، فإن هذا القرار ما زال يوفّر شروطاً للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي في السيادة والاستقلال الوطني". وعلى الرغم من معارضة بعض فصائل منظمة التحرير، أعلن البيان السياسي الصادر عن تلك الدورة موافقة منظمة التحرير على قرارَي مجلس الأمن رقم 242 و338 كأساس لانعقاد المؤتمر الدولي للسلام بمشاركة منظمة التحرير على قدم المساواة مع الأطراف الأخرى. كما جدَّد الإعلان -بعد أن أكد "حق الشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي"- رفضه "الإرهاب بكل أنواعه، بما في ذلك إرهاب الدولة".
وبذلك، استجابت منظمة التحرير لشروط الإدارة الأميركية للحوار معها، مبررة موافقتها على قرارَي مجلس الأمن اللذين يخاطبان الدول، بأن فلسطين بعد أن صارت "دولة" صار بوسعها التفاوض على أساسهما حول الانسحاب الإسرائيلي من أراضيها. وبالفعل، قررت إدارة الرئيس
وبعد