تبدأ الموجة الأولى من الهجرة اليهوديّة إلى فلسطين، ويبلغ عدد المهاجرين القادمين من أوروبا الشرقية
فقط، 25,000 تقريباً خلال عشرين سنة. بفضل المساهمات الماليّة الضخمة لليهود الأوروبيّين الأثرياء، وأبرزهم
استوطن اليهود في فلسطين زمناً طويلاً قبل أن يطوّر
بين سنتي 1850 و1914، دُعِّمت ديموغرافيا المجتمع اليهودي في فلسطين بهجرة ما يربو على 84 ألفاً من اليهود (على رغم عدم استقرارهم جميعاً في فلسطين بشكل دائم). وبالإضافة إلى ذلك، عزّز النمو السكاني الطبيعي لليهود (بسبب معدّلَي الولادة المرتفع والوفيات المنخفض نسبياً) وجودَهم في فلسطين، وهي ميزة ديموغرافية كانت ومازالت من الأهمية بمكان، فهي تعوّض انخفاض الهجرة اليهودية إلى إسرائيل الحاصل منذ مطلع القرن الواحد والعشرين.
وفي مستهلّ الحرب العالمية الأولى ، غدت فلسطين موطناً لنحو 60 ألفاً من اليهود، منهم 39 ألفاً من حاملي الجنسية العثمانية، مقارنة بأكثر من 700 ألف من العثمانيين، الذين كانوا إمّا مسلمين أو مسيحيين (الجدول 2).
كان الحضور اليهودي في فلسطين أصغر مما هو في العراق أو اليمن ، ولكنّه أكبر قليلاً ممّا كان عليه في سوريا ولبنان . وبينما كان للحرب تأثير كبير في ديموغرافيا اليهود الفلسطينيين، إلا أنّ هذه الخسارة كانت أقلّ بكثير من تلك التي تكبّدها السكان الفلسطينيون الآخرون، المسلمون أو المسيحيون.
شكَّل
وعلى رغم أنه لم تحصل في البداية أعمال طرد لفلسطينيين من وطنهم، إلا أنّ وصول أعداد كبيرة من المهاجرين خلق توتّراً شديداً أدّى في نهاية المطاف إلى طرد الفلسطينيين وترحيلهم في العام 1948.
وبلغت مقاومة الفلسطينيين مصادرةَ الانتداب البريطاني السلطة واستيلاء اليهود على الأراضي (ولو بالشراء، وفي بعض الأحيان بسعر مرتفع) ذروتها خلال فترتين: اضطرابات سنتي 1920- 1921، وإبّان
استطاع الانتداب البريطاني بفضل نظام إحصائي استثنائي وجديد في المنطقة، أن يجمع خلال أعوام معلومات حول عدد المواليد والوفيّات بين المجموعات السكانية الرئيسية في فلسطين. وكشفت الإحصاءات أنّ الزيادة الطبيعية للسكان الفلسطينيين، بغض النظر عن الدين وعلى رغم ارتفاع معدّل الوفيات، وصلت مستويات عالية وتجاوزت الزيادة الطبيعية لدى المهاجرين اليهود (الجدول 4).
الإحصاءات البريطانية تلك كانت ذات أهمية خاصة، إذ بمقارنتها بمثيلاتها في الدول العربية المجاورة الأقلّ عرضة لتهديد الوجود الأجنبي، أظهرت أنّ الفلسطينيين خلال فترة الانتداب، سواء عن وعي أو غير وعي، كانوا يقاومون من خلال تكوين أسرٍ كبيرة، فقد كان معدّل المواليد لديهم الأعلى في العالم، وبقي كذلك باستمرار تقريباً. وتراوح معدّل المواليد بين أدنى مستوياته من 45 لكل 1000 في العام 1942 إلى أعلى مستوياته 60 لكلّ 1000 (في 1928 و1930)، أي بمعدّل 50 لكل ألف، أو نحو 9 أطفال لكل امرأة. وفي مقابل ذلك، كان معدّل الولادات المصرية حوالى 44 لكلّ ألف، وفي سوريا 40. وإذا كانت، منذ عهد الانتداب حتى اليوم، الأسلحةُ المستخدمة من مختلف الأطراف المشتركة في الصراع أكثر فأكثر تطوّراً، إلا أن السلاح "التقليدي"، سلاح النمو السكاني/ الديموغرافي، أو "انتقام المهد"، كان جلياّ جداً تحت الانتداب وما زال حتى يومنا هذا.
لقد تمّ طمس هذه الديموغرافيا الأسطورية للسكان الفلسطينيين بوحشية خلال بضعة أسابيع فقط من