مقتل ثلاثين فلسطينيّاً يستقلون حافلة في عين الرمانة قرب بيروت على يد عناصر من قوات الكتائب اللبنانية ، ما سيشكل الشرارة الأولى لـ الحرب الأهلية اللبنانية العنيفة والطويلة (1975-1990).
على مشارف العاصمة بيروت وفي قلب ضاحيتها الجنوبية يقع مخيم برج البراجنة، الأكبر مساحة والأكثر كثافة سكانية، والأكثر معاناة بين مخيمات بيروت.
يقع مخيم برج البراجنة على بعد نحو كيلومترين من مطار بيروت الدولي وتحيط به أحياء الرمل العالي وحارة حريك وبعجور وعين السكّة، ويبعد نحو 91 كيلومتراً عن فلسطين. وللمخيم عدد من المداخل، أبرزها: جواد زين الدين؛ التعاونية؛ العاملية؛ المشنوق؛ الصاعقة؛ أبو فيصل؛ الكفاح المسلح.
نشأة المخيم
تأسس المخيم سنة 1948 من خلال عصبة جمعيات الصليب الأحمر بغية إيواء اللاجئين الفلسطينيين الذين أُخرجوا من بلداتهم وقراهم في الجليل في شمال فلسطين، وتسلمت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) أمور المخيم سنة 1950.
وكانت علاقات تجارية تربط قبل سنة 1948، بين تجار بلدة برج البراجنة وبلدة ترشيحا في الجليل. وقبيل سقوط ترشيحا لجأ أحد وجهائها سليم مصطفى إلى منطقة عاليه في لبنان هرباً من حرب محتملة. واتصل بمعارفه وأصدقائه الذين كان أهمهم مختار برج البراجنة حسن السبع، الذي عرض استضافة مّن تهجر من أهالي ترشيحا، وطلب من كل قادر من أهالي البلدة إيواء عائلة لاجئة في إحدى غرف منزله. وبعد أشهر قليلة عرض الشيخ محمد منيمنة على المختار أن يستضيف الفلسطينيين على أرضه التي عُرفت فيما بعد بجورة التراشحة. وهكذا كانت أول خيمة تُنصب في المخيم خيمة حسن الخليلي، ثم تبعته بعد أشهر حوالي ثلاثين خيمة.
وخلال السنوات الأولى، كانت الأوضاع المعيشية في المخيم مزرية جداً، إذ أجبر العديد من الأُسر على تقاسم الخيام المخصصة للأُسرة الواحدة. كما أن الخيام كانت تتعرض للتلف بسبب شدة الأمطار. أمّا المراحيض فكانت مشتركة، وكان الحصول على الماء يعني المسير مسافات طويلة لتعبئتها في جرار وأوعية.
وتحسّنت الأوضاع بالتدريج، فحصلت كل عائلة على خيمة خاصة بها، ومع مرور الزمن بدأت العائلات ببناء غرف من الصفيح، إلى أن بات بإمكان السكان بناء مساكن عادية.
التركيبة الديموغرافية والاجتماعية
ضم المخيم عند إنشائه عائلات من قرى منطقة الجليل، كان أبرزها: الشيخ داود (Shaykh Dawud)، كويكات (Kuwaykat)، ترشيحا (Tarshiha)، الكابري (al-Kabri)، شعب (Sha’b)، الغابسية (al-Ghabisiyya)، سعسع (Sa’sa’)، فارة (Fara)، سحماتا (Suhmata)، وغيرها. ومثلما حصل في مخيمات اللجوء الأخرى، تجمع لاجئو كل قرية في بقعة واحدة، إذ وصل اللاجئون إلى المخيم في مجموعات متتالية، وأقاموا مساكنهم وفقاً للانتماء القروي، وحرصت كل قرية على ضم عائلاتها في مساكن متجاورة حتى بدا المخيم وكأنه مجموعة من القرى الفلسطينية الصغيرة، وبالتالي ظهرت أحياء سميت بأسماء القرى الفلسطينية التي جاءت منها العائلات، مثل: جورة التراشحة نسبة لأهالي قرية ترشيحا الجليلية، وساحة أهالي الغابسية والكابري وغيرهم، وتشكلت فيما بعد روابط قروية.
ومن أبرز حارات مخيم برج البراجنة: العاملية؛ مستشفى حيفا؛ جيش التحرير؛ جورة التراشحة؛ الكفاح المسلح؛ الهيدوس؛ الصاعقة؛ الوزان؛ كويكات، وغيرها من الحارات.
وتتوزع المساكن في المخيم تبعاً لأسبقية الهجرة من فلسطين، فقد سكن أهالي ترشيحا، وهم أول الوافدين في خط يمتد من شمالي المخيم حتى جنوبه بمحاذاة الشارع العام الذي يفصل المخيم عن منطقة برج البراجنة، وتلاهم أهالي الكابري وكويكات والشيخ داود والقرى الأُخرى، وذلك في فترات زمنية متقاربة. ولم يقتصر التضامن على السكن، بل شمل العلاقات الاجتماعية، وكل مجالات الحياة الأخرى الموروثة من فلسطين، والتي حملها السكان معهم إلى المخيم، ومن ضمنها العادات والتقاليد والانقسامات السياسية والنـزاعات الحزبية والتناقضات الاجتماعية.
وبطرافة، يستذكر الحاج سليم علي الحسين، من الكابري، كيف كانت روابط الإلفة والمحبة تجمع بين السكان، فيقول: "كنا نشتغل بالزرع وبالعمار .... وبالليل بس نقعد نتعشى تلاقي قدامك كل صحن شكل .... كانت العادة إنه كل واحد يبعت صحن أكل لجيرانه وهيك كل الحارة تتعشى متل بعض .... يعني كانت أيام كلها محبة بين الناس".
ديموغرافياً، طرأت على المخيم منذ إنشائه تغيّرات كبيرة، تمثلت في مغادرة عدد كبير من السكان المخيم، إمّا بسبب الأحداث الأمنية، وإمّا بسبب الهجرة، وإمّا لاختيار عدد من العائلات السكن خارج المخيم. لكن التطور الأكبر حدث مع اندلاع الأزمة السورية في سنة 2011، إذ شهد المخيم توافد أعداد كبيرة من العائلات الفلسطينية النازحة من مخيم اليرموك، ومن عائلات سورية لم تجد مأوى لها. وهذا ما زاد في الكثافة السكانية إلى حد الانفجار السكاني.
وبحسب "التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان"، الذي أجرته إدارة الإحصاء المركزي – لبنان، والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني سنة 2017، تحت إشراف لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، بلغ عدد السكان الذين كانوا يقطنون في المخيم حتى كانون الأول/ ديسمبر 2017 18351 فرداً، منهم 8219 لاجئاً فلسطينياً من لبنان (44,8%) و687 لاجئاً فلسطينياً من سوريا (3,7%)، و528 لبنانياً ( 2,9%)، و8790 لاجئاً سورياً (47%) و126 من جنسيات مختلفة (0,7%).
أمّا أوساط اللجنة الشعبية في المخيم فلا توافق على الأرقام الواردة في الإحصاء، وتشير إلى أن عدد السكان حالياً قد يتجاوز 50.000 نسمة، معظمهم من السوريين بالإضافة إلى جنسيات أُخرى، وترى هذه المصادر إلى زيارة واحدة إلى المخيم تكفي للتأكد من حجم الاكتظاظ السكاني.
العلاقة مع المحيط
بعد نشأة المخيم بدأت علاقات اجتماعية واقتصادية تتطور بين سكان المخيم وجيرانهم اللبنانيين. وقد وجد كثير من اللاجئين عملاً في البساتين التي تملكها العائلات اللبنانية في القرى المجاورة، كما وفّر بناء مطار بيروت الدولي في خمسينيات القرن الماضي فرص عمل إضافية للاجئين، وكذلك للمهاجرين اللبنانيين الريفيين من الجنوب ومن البقاع، الذين استقرّوا أيضاً في المنطقة. وكونهم يتشاركون تجربة الهجرة من الريف إلى المدينة والوضع الطبقي للمهاجرين الفقراء الجدد إلى المدينة، بدأت الروابط تتشكّل بين مجتمعات المهاجرين الناشئة والمخيمات.
حالياً، تبدو العلاقات جيدة بين الفلسطينيين في المخيم وجوارهم اللبناني، وخصوصاً أن الأحياء اللبنانية أصبحت شبه مترابطة مع مداخل المخيم نتيجة التمدد السكاني. وتؤكد مصادر اللجنة الشعبية في المخيم على أهمية هذه العلاقات التي تصفها بالممتازة، فهناك لجان مشتركة تعمل على معالجة أي طارئ، والتنسيق قائم مع البلديات المجاورة.
المساحة والبناء
كانت مساحة المخيم عند إنشائه نحو كيلومتر مربع واحد، لكن مع زيادة عدد السكان وتمدد المساكن إلى خارج المخيم، صارت مساحته تقدر حالياً بنحو كيلومترين مربعين. ونظراً إلى الزيادة السكانية، فقد تمدد البناء في المخيم عامودياً وأفقياً وبصورة عشوائية داخل المخيم، وهو ما أدى إلى تلاصق كبير في المنازل، وغياب الطرقات التي حل مكانها "زواريب" ضيقة جداً بالكاد يستطيع المرء المرور فيها. وهذا التشابك والتداخل في البناء أدى بطبيعة الحال إلى مشكلات صحية واجتماعية كبيرة. ولا بد من التوقف هنا عند قرار السلطات اللبنانية بمنع إدخال مواد البناء إلى المخيم وهو ما ساهم في تفاقم هذه المشكلة. وبحسب اللجنة الشعبية، فإن السلطات اللبنانية تعتبر أنه في حال السماح بالبناء، فإن المساكن قد تتمدد إلى طريق المطار وهذا من شأنه تهديد سلامة الطيران، لكن هذا القرار بطبيعة الحال لم يأخذ في الاعتبار الزيادة الطبيعة في عدد سكان المخيم.
الخدمات
أمّا بشأن البنية التحتية والخدمات، فيعاني مخيم برج البراجنة مشكلات جمّة، وخصوصاً على مستوى شبكتَي الكهرباء والمياه، اللتين تعدان الأسوأ بين جميع مخيمات لبنان.
الكهرباء
على الرغم من الزيادة المستمرة في عدد السكان التي تستوجب زيادة في استهلاك الطاقة الكهربائية، لم تلبِ شركة كهرباء لبنان الطلبات الملحة بزيادة حجم التغطية الكهربائية للمخيم، بذريعة أن بقعة المخيم صغيرة ولا داعي للزيادة. وتبدو للعيان تمديدات أشرطة الكهرباء العشوائية في أزقة المخيم، بحيث تتشابك خطوط الكهرباء مع إمدادات المياه والإنترنت، وهو ما يؤدي إلى سقوط متكرر للضحايا، وقد سجل المخيم الحصيلة الأكبر في لبنان على هذا الصعيد، إذ سُجل حتى الآن سقوط 87 حالة وفاة صعقاً. ولهذا فإن مشروع تحسين الكهرباء والإمدادات يأخذ الأولوية بالنسبة إلى الأونروا والمؤسسات الفاعلة، التي ما زالت تحاول جاهدة إيجاد الحلول لهذه المشكلة. وكما هو الحال بالنسبة إلى لبنان ككل، يضطر أهل المخيم إلى الاعتماد على الطاقة التي يوفرها لهم أصحاب المولدات بأسعار مرتفعة.
المياه
يعاني سكان المخيم أيضاً شحاً في المياه، فهناك 19 بئراً تؤمن التغذية لسكان المخيم، لكنها لا تعمل بصورة مستمرة، ولا تؤمن حاجة المخيم المتزايدة من المياه. وقد قامت اليونيسف (صندوق رعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة) بإنشاء خزانين للمياه لمد المخيم بمياه الشفة ومياه الاستخدام. وفضلاً عن شح مياه الشرب، فإن نوعيتها سيئة للغاية، وملوحتها عالية جداً، والأخطر أن أنابيب المياه تختلط مع مجاري المياه المبتذلة والمكشوفة التي تملأ روائحها زواريب المخيم وبيوته، وتتسبب بأمراض عديدة.
بالإضافة إلى مشكلات الصرف في شبكات تصريف المياه والصرف الصحي، يعاني المخيم من مشكلة إزالة النفايات. فعدد عاملي النظافة الذين خصصتهم الأونروا 20 (موظفاً) لا يكفي لعملية إزالة النفايات لعدد يقرب من 50.000 نسمة. في المقابل هناك مؤسسات أهلية تعمل على مدار الساعة لتغطية النقص.
التعليم والصحة
يوجد في المخيم 7 مدارس إعدادية وابتدائية، ومدرسة ثانوية واحدة. وتشرف الأونروا على مركز صحي واحد يستقبل 115 مريضاً يومياً، وعلى مركز تدريب للنساء. وتقدم المنظمات غير الحكومية العاملة في المخيم خدمات تدريبية وصحية وتشرف على رياض الأطفال، وهذه الجمعيات هي: جمعية أسر الشهداء الفلسطينية؛ جمعية النجدة؛ جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وأبرز مؤسساته (مستشفى حيفا)؛ اتحاد المرأة الفلسطينية؛ مؤسسة غسان كنفاني؛ النادي الثقافي العربي. وتشكلت في المخيم روابط تحمل أسماء القرى المهجرة في الجليل، ومنظمات شبابية، ومؤسسات ونوادي رياضية وكشفية، ودار للمسنين.
أمّا مشكلات المخيم الخدماتية، فهي متعددة وفي مقدمها: ضيق الطرقات، وسوء البنى التحتية، الذي يبرز بوجه خاص خلال فصل الشتاء. كما يواجه المخيم مشكلة ضيق مساحة المقبرة، التي اضطرت الأهالي إلى دفن موتاهم داخل قبر واحد نظراً لغلاء الأراضي خارج المخيم.
العمل
تتوزع قوة العمل في المخيم على المهن التالية: قطاع البناء ومشتقاته (أدوات صحية، كهرباء، بلاط، دهان)، والعاملون في الأونروا والهلال الأحمر الفلسطيني، والمتفرغون في الفصائل والهيئات التابعة لها، وفي المنظمات غير الحكومية التي تنشط في المخيمات، فضلاً عن أصحاب المحلات الصغيرة والبسطات والعربات. وقد أرخت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في لبنان على الأوضاع في المخيمات، التي تعاني في الأساس مشكلات على صعيد العمل، وخصوصاً في ظل القوانين اللبنانية التي تمنع الفلسطينيين من ممارسة أكثر من 70 مهنة، وهو ما يحد من الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين ويجبرهم على العمل في مجالات لا تتلاءم في أحيان كثيرة مع مؤهلاتهم العلمية. وتشهد المخيمات الفلسطينية في لبنان، ومنها مخيم برج البراجنة نسب بطالة مرتفعة جداً وخصوصاً لدى الفئات الشابة، أدت إلى ارتفاع كبير في معدلات الفقر بين العائلات.
ونتيجة لارتفاع معدلات البطالة والفقر ظهرت مشكلات وآفات من نوع آخر، مثل انتشار المخدرات التي استدعت إنشاء مركز لمعالجة المدمنين هو "مركز إنسان"، حيث يخضع فيه المدمن لجلسات نفسية وطبية. وتحاول الفصائل معالجة مشكلة المخدرات داخل المخيم، وتعمل بالتنسيق مع القوى الأمنية اللبنانية لهذه الغاية، علماً أن عدداً كبيراً من مروجي المخدرات هم من سكان المخيم غير الفلسطينيين. ويرى أبناء المخيم، أن هذه المشكلة سببها الأساسي البطالة والفقر.
الأحداث الأمنية
عانى المخيم كثيراً في فترة حرب السنتين الأهلية اللبنانية (1975 – 1976)، بسبب موقعه على تخوم العاصمة بيروت، وكونه التجمع الأكثر كثافة سكانية بالقياس إلى مخيمات بيروت الأُخرى، وشكّل بيئة حاضنة للقوى والفصائل الفلسطينية وركيزة للمقاومة. كما أن موقعه الاستراتيجي المتاخم لمطار بيروت الدّولي، عرضه للقصف والغارات الجوية خلال الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982، وحصاره بيروت الذي دام نحو ثلاثة أشهر، ثم احتلاله العاصمة وارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا على بعد كيلومترات قليلة من مخيم برج البراجنة، ويعتبر سكان المخيم أن العناية الإلهية أنقذت مخيمهم من مجزرة مماثلة.
وفي سنة 1985 وقعت "حرب المخيمات" واستمرت حتى سنة 1988، وتعرض المخيم لحصار مطبق، تسبب في فقدان المواد الغذائية بصورة شبه كاملة، ولدمار شديد في المباني، ولخسائر كبيرة في الأرواح. وبحكم موقعه على مدخل الضاحية الجنوبية، تعرض المخيم كذلك لعدة هجمات خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان في سنة 2006، واضطر سكانه، إلى جانب إخوانهم اللبنانيين في الضاحية، إلى النزوح إلى خارج بيروت بحثاً عن الأمان. ويضاف إلى هذه الأحداث الخلافات التي وقعت سابقاً بين الفصائل داخل المخيم والتي وصلت في أكثر من مرة إلى درجة الاشتباكات المسلحة.
إدارة المخيم
عندما أنشئ المخيم تولت السلطات اللبنانية الإشراف على المخيم عبر "المكتب الثاني". وقد تمّ تأسيس المكتب الثاني تحت الانتداب الفرنسي كوحدة استخبارات عسكرية لجمع المعلومات ومكافحة التجسّس، موجّهة ضد مَن يشكّلون تهديداً للسلطة الفرنسية. وبعد زوال الانتداب أبقت السلطات اللبنانية على هذه الوحدة، التي تولّت شؤون المخيمات.
كان "المكتب الثاني" يحتفظ بمكتب له على مدخل المخيم وكان يفرض قيوداً صارمة غير معقولة على أبناء المخيم الذين لا يزالون يتذكرون معاناتهم خلال تلك الفترة. ويروى عن تلك المرحلة أن أي تصليح بدائي للمنزل، مثلاً، كان يتسبب في وجوب الذهاب إلى مخفر الشرطة ودفع غرامة. وكان اللاجئون يمنعون من المغادرة بين الغسق والفجر، وكانت التصاريح مطلوبة لزيارة الأهل والأصدقاء في مخيمات أُخرى. وتمّ حظر التجمّعات التي تزيد عن عدد معيّن؛ وبالتالي حتى حفلات الزفاف والجنازات كانت تتطلّب إذناً من "المكتب الثاني".
تبدلت هذه الأوضاع مع خروج المكتب الثاني من المخيمات ودخول قوات منظمة التحرير الفلسطينية في أواخر الستينيات من القرن الماضي، فأصبحت هي المولجة مسؤولية المخيمات.
تغيب عن المخيم الصيغة الموحدة للجنة شعبية تكون مهمتها إدارة شؤون المخيم الحياتية مع الهيئات المختلفة، وقد ظهر ذلك بعد الاجتياح الاسرائيلي سنة 1982، إذ تشكل إطاران سياسيان: منظمة التحرير الفلسطينية وجبهة الإنقاذ الموالية للحكم السوري (1985-1993)، أو التحالف الوطني بعد حضور القوى الإسلامية (1993-). ولكل الفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية مقرات في المخيم، يغلب عليها الطابع السياسي والمدني والخدمي.
وفيما تتولى الفصائل المسؤولية الأمنية داخل المخيم، إلاّ إنها تنسق أيضاً مع القوى الأمنية اللبنانية في الأمور الجنائية، ومع حزب الله وحركة أمل في الأمور التي تستدعي ذلك.
لا شك في أن مخيم برج البراجنة، كغيره من المخيمات في لبنان، يظل شاهداً على معاناة اللاجئين ومأساتهم التي تتفاقم يوماً بعد يوم وخصوصاً مع تصاعد الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي يمر بها لبنان حالياً. لكن، وعلى الرغم من ذلك، فإن الحياة تستمر في برج البراجنة، "بحلوها ومرها".... فأحياء المخيم يملؤها ضجيج الحياة اليومية من ناحية، وسكون الترقب والانتظار والأمل من ناحية ثانية.