أقيم مخيم الفوار في محافظة الخليل جنوب فلسطين، كغيره من المخيمات بُعيد النكبة الفلسطينية، ليتجه إليه المهجرّون من البلدات والقرى الجنوبية. وما زال المخيم واللاجئ شاهدين على النكبة، مع أن المخيم مرّ بمراحل عديدة وتأثر بالبيئة الخارجية المحيطة به، وبتحولات السياسة، ومجريات القضية الفلسطينية.
نشأة المخيم
بُني المخيم سنة 1949 – 1950 وكثير من سكانه كانوا قبل ذلك يقيمون في مخيم العروب شمال الخليل. ويقع المخيم جنوب مدينة الخليل على بعد 10 كم، وهو يُحسب على بلدة دورا غرباً، وقرية الحدب الصغيرة هي أقرب القرى إليه فلا يفصله عنها إلاّ شارع. أسّس المخيم بداية على مساحة 108 دونماً، ثم بلغت مساحته لاحقاً 270 دونماً، أي 0,27 كم2. وقد استأجرت الحكومة الأردنية أرض المخيم من عائلة عمرو، قبل أن تنتقل المسؤولية إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، الأونروا. وعند إنشائه كان عدد سكان المخيم 2500 نسمة، ليصل في سنة 2017 إلى 7575 نسمة، فيما العدد المقدّر لسنة 2021 يصل إلى 8404 نسمة.
سميّ مخيم الفوار بهذا الاسم نسبة إلى عيون المياه الجوفية المحيطة، ومنها عين الفوار الغزيرة. وينتمي سكان المخيم إلى القرى والبلدات الواقعة جنوب فلسطين والقريبة من محافظة الخليل: بيت جبرين، وعراق المنشية، وتل الصافي، والفالوجة، ودير النحاس، وبيت محسر، وعجور، وحبية، ومنطقة الدوايمة التي وقعت فيها مذبحة لا تقل فظاعة عن مذبحة دير ياسين. وتصل أصول السكان إلى 18 منطقة قريبة من محافظة الخليل، وبعض حارات المخيم سُمي بأسماء البلدات التي هجّر السكان منها، مثل حارة بيت جبرين، وحارة الدوايمة، وحارة الفالوجة. أمّا أبرز عائلات المخيم فهي: الطيطي، والشدفان، وعواد، والسراحنة، وعوض.
السكن والعمران
سادت البساطة وقلّة الإمكانات خلال البدايات الأولى لتأسيس مخيم الفوار. فكانت الخيام هي المساكن الأولى للاجئين، ولعلّ ذلك يعود إلى الظن بأن العودة قريبة، كما أن الأونروا تعاملت حينها مع وضع طارئ ومنتشر من موجات اللجوء الفلسطيني. ومع استمرار أزمة اللاجئين، بدأت الأونروا في سنة 1956 ببناء وحدات سكنية للاجئي الفوار، فحصلت كل عائلة على وحدة سكنية، وعند زيارة المخيم يمكن مشاهدة ما تبقى منها، فهي تتسم بالصغر، والبدائية، ومتراصة بجانب بعضها على حواف الشوارع الضيقة.
في البدايات كان هناك قيود على تطوير وتوسيع البناء في المخيم، لأن الأرض مستأجرة، ومع الوقت تلاشت هذه القيود. ومع ازدياد عدد سكان المخيم تنامت حاجتهم إلى التوسع والبناء، فوصل عدد الوحدات السكنية في المخيم سنة 2017 إلى 1037 وحدة. ونتيجة عمل العديد من أبناء المخيم في الداخل المحتل، شيّدت أبنية بشكل عمودي، وتوسّع البناء خارج المخيم. وتبدو اليوم داخل المخيم وخارجه شقق متكاملة، عدد منها كبير نسبياً ومبني من الحجر، ويعود ذلك إلى قربها من مصادر الحجر المنتشرة في محافظة الخليل، وبلدة يطا أقرب مصدر.
الحوكمة وإدارة المخيم
تنوعت الجهات المشرفة على المخيم وتغيّرت بحسب الأوضاع السياسية المحيطة. فلدى إنشاء المخيم كانت الأونروا مسؤولة عن قطاعات خدمية، ففي بداية التأسيس تركزّ جهدها على توزيع الخيم، ثم الوحدات السكنية. أمّا اليوم، فيتركز جهدها على الجانب التعليمي، والغذاء، والخدمات الاجتماعية، والصحة، وبرنامج المال في مقابل العمل (cash for work)، وبرامج الغذاء الطارئة. وبهذا تقتصر مسؤولية الأونروا على الخدمات الإنسانية.
ما بين التأسيس وحتى سنة 1967، لم يكن للأونروا علاقة بالأمن أو بإدارة المخيم، إنما كانت تتولى أمرهما الحكومة الأردنية بصفتها المسؤولة عن الضفة الغربية. لكن بعد الاحتلال الإسرائيلي، أدى المخاتير ورجالات المخيم دوراً مهماً في توفير بعض حاجات المخيم من خلال تواصلهم مع البلديات المحيطة ومع سلطات الاحتلال. وفي تلك الفترة وصلت خدمات المياه، والكهرباء، والصرف الصحي إلى المخيم.
بعد قيام السلطة الفلسطينية وتكثيف نشاط منظمة التحرير، تغيّر طابع الإدارة والحوكمة للمخيم في بعض الجوانب. ففي سنة 1996، تم تأسيس لجنة شعبية للمخيم بناء على قرار المجلس الوطني لمنظمة التحرير في دورته الحادية والعشرين التي عُقدت في مدينة غزة في نيسان/ أبريل من تلك السنة. واللجنة، التي تتبع دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير، تُعتبر الجهة الفاعلة في التواصل الخارجي للمخيم، وترتيب الأوضاع الداخلية. وقد حاولت اللجنة في بداياتها أن تدير شؤون المخيم وحدها من دون تدخل مباشر من السلطة، لكن الحكومة قامت بالتدريج بتنفيذ بعض المشاريع في المخيم، منها بناء مدرسة ثانوية ومركز صحي حكومي، وتأهيل شارع التفافي محيط بالمخيم بمسافة 3 كم تقريباً (بدعم من الحكومة الهندية)، وشراء أرضٍ لبناء خزان ماء.
فيما يتعلق بالأمن، وحل القضايا الداخلية للمخيم، فإن قوات الأمن التابعة للسلطة لا تتدخل إلاّ للضرورة، لذا فإن اللجنة الشعبية، وكذلك وجهاء المخيم يسعون لتسوية الخلافات الداخلية، وهذا يتماشى مع طبيعة محافظة الخليل ودورا التابعة لها، والتي يسود فيها الطابع العشائري، والمخيم يندرج ضمن هذه البيئة، إذ إن سكانه لجأوا من بلدات جنوب فلسطين، وهي متقاربة في مزاجها، وتميل إلى الطابع المحافظ المعتدل. ويمكن ملاحظة الاندماج بين سكان المخيم والمحيط، وهذا شائع في مخيمات فلسطين الداخلية.
الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والتعليمية والصحية
في البداية، كانت اليد العاملة في المخيم تعمل في الزراعة في محافظة الخليل، ثم بدأت منطقة الأغوار في الضفة الشرقية من الأردن تستوعب عمالاً زراعيين من المخيم، إلى أن وقعت الضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي سنة 1967. إذ ذاك، اضطر العمال الفلسطينيون إلى التوجه إلى سوق العمل الإسرائيلي في البناء والزراعة والصناعة. ومع تأسيس السلطة الفلسطينية سنة 1994، انخفضت نسبة العاملين في الداخل المحتل، ومُنع العديد من الشباب من العمل هناك، وأخذ القطاع الوظيفي في الضفة الغربية (التعليم، الوظيفة العامة، الخدمات) يوفر فرص عمل عديدة لأهل المخيم، إلى جانب العمل في مصانع الخليل وداخل المخيم نفسه (بقالات ومحلات تجارية). وعلى الرغم من ذلك فإن نسبة البطالة مرتفعة، إذ وصلت في سنة 2017 إلى ضعفي البطالة في محافظة الخليل (32%، في مقابل 15.8%). ويعاني كثير من اللاجئين في المخيم حالات فقر أكثر من غيرهم في مخيمات الضفة الأُخرى.
الوضع الصحي في المخيم لم يتطور كثيراً، وما زال يُعاني نقصاً كبيراً. ففي البدايات الأولى لإنشاء المخيم كان الوضع كارثياً، وعلى الرغم من مرور زمن طويل، فإن المخيم ليس فيه إلاّ مركز تأهيل اجتماعي واحد، وعيادة تابعة للوكالة، وبعض العيادات الخاصة، ولا تغطي خدمات الوكالة الأمراض الخطرة، ولهذا يلجأ سكان المخيم إلى مستشفيات الحكومة.
أمّا الوضع التعليمي فمتفاوت بين المستوى الإعدادي والثانوي والعالي. وفي المخيم ثلاث مدارس تابعة للأونروا للتعليم الأساسي والإعدادي، وهي تكفي لاستيعاب الفئة العمرية المعنية، ومدرسة حكومية ثانوية للبنات وأُخرى للذكور. وتعاني المدارس جرّاء قربها من المباني السكنية والاكتظاظ، مثلها مثل مدارس الضفة الغربية بصورة عامة. وفيما يتعلق بالتعليم العالي، يستطيع الطلبة التوجه، بالإضافة إلى الجامعات المحلية، إلى كلية الطيرة في رام الله التابعة للوكالة والتي تمنح شهادات تقنية ومهنية بعد سنتين من الدراسة.
تسلسلت الخدمات في وصولها إلى المخيم عبر فترات زمنية متعددة. فبُعيد التأسيس، اتسمت الحياة بالبدائية مع شظف في العيش، واحتاجت بعض الخدمات عقوداً لتوفيرها للمخيم. فخدمة المياه وصلت الفوار في سنة 1980 من بلدية الخليل، أمّا الكهرباء فأطلت على المخيم في سنة 1990، بينما لم تصل خدمات الصرف الصحي إلاّ في سنة 2002 لتشمل 70% من مساكن المخيم، وحالياً فإن الخدمة وصلت إلى جميع المساكن تقريباً.
الاحتلال والمخيم: علاقة تضادّ مستمرة
يختزل وجود برج مراقبة وحاجز عسكري إسرائيلي دائم على مدخل مخيم الفوار، والمواجهات المتكررة بين شبانه والعسكر الإسرائيلي، وحملات الدهم داخل المخيم، طبيعة العلاقة بين أهل المخيم والاحتلال الإسرائيلي. فبين سنة 1967 وسنة 1996، استشهد 15 شاباً من أبناء المخيم، بالإضافة إلى مئات الجرحى والأسرى. ومع اندلاع الانتفاضة الشعبية سنة 1987، قامت قوات الاحتلال بعد التظاهرات والاشتباكات بقطع الكهرباء عن المخيم مدة ثلاثة شهور في سنة 1990. أمّا خلال الانتفاضة الثانية، والتي شهدت طابعاً مسلحاً، فقد ساهم مخيم الفوار بالمقاتلين والعمل الفدائي بفعالية واضحة، فقدم 11 شهيداً بين سنة 2000 وسنة 2018. وبرز من لاجئي المخيم قادة في العمل المقاوم، منهم الأسير محمد أبو وردة المحكوم 48 مؤبداً لدى سلطات الاحتلال. وفي أثناء التجوال في أزقة المخيم، يمر المرء بمنازل تملأ جدرانها ثقوب الرصاص، وأُخرى مملوءة ببراميل الأسمنت بعد هدمها بحيث لا يمكن استخدامها مرة أُخرى، وحطام ما تبقى من منازل أُخرى هدمها الاحتلال. وفي المقابل، تبدو جدران المخيم مزينة بجداريات ملونة تصور المفاتيح والزهور وأدعية الصلاة، التي تعبّر عن الأمل والتوق إلى الحرية والإيمان.
تعقيبات وخلاصات
يعاني مخيم الفوار تهميشاً على الصعيد البحثي، مقارنة بمخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة. فهناك نقص في الأبحاث المتعلقة بتاريخ المخيم وأوضاعه وعلاقته بالحكومة الأردنية قبل سنة 1967، وكذلك فترة الحكم العسكري الاحتلالي، وهي فترة نيّفت على العقدين ونصف، لذا جرى اللجوء لتغطية بعض معالمها من خلال المقابلات الشخصية، وهذه الحقبة تحتاج إلى تسليط الضوء عليها.
ويبقى مخيم الفوار مَعلماً جنوبياً يحكي قصة النضال الفلسطيني بمعاناته وتضحياته وصموده.