لم تختلف بدايات السينما في فلسطين عن بداياتها في دول مثل تونس والجزائر والمغرب ومصر، وذلك عندما قام مصورو الأخوين لوميير بالتصوير في هذه الدول العربية في نهاية التسعينيات من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ثم راح السينمائيون الأجانب يضطلعون بالدور الرئيسي في إنشاء السينما فيها، ممهدين لبداياتها الوطنية بعد الاستقلال. ويمكن القول إن تاريخ السينما في فلسطين بدأ حينما قام مصور لوميير جان ألكسندر لوي بروميو (Jean Alexandre Louis Promio) بتصوير مشاهد قصيرة في مدينتَي يافا والقدس، ما بين 3 و25 نيسان/ أبريل 1897.
ويتفق النقاد على أن السينما في فلسطين تظل شبه مجهولة قبل نكبة 1948، وتتضارب الروايات حولها في غياب الأفلام والوثائق الموثوقة، ويرى معظمهم أن تاريخ السينما في فلسطين شهد انطلاقته الفعلية بعد ولادة الثورة الفلسطينية المعاصرة في النصف الثاني من ستينيات القرن العشرين، علماً بأن المرحلة التي سبقت النكبة شهدت قيام بعض المخرجين اليهود بإنتاج أفلام وثائقية أو شبه وثائقية، تُعرّف بفلسطين ومدنها وحياة سكانها، من ضمنها فيلم "أول فيلم عن فلسطين"، الذي صوّره وأنتجه في سنة 1911 موراي روزنبيرغ، ومدته 29 دقيقة، وفيلم "جوديا محررة" الذي صوّره ياكوف بن دوف وسجل فيه دخول الجنرال البريطاني إدموند أللنبي التاريخي إلى القدس في أواخر سنة 1917.
استندت السينما الفلسطينية إلى بُنى ثلاث رئيسية، تفاعلت جدلياً فيما بينها:
أولاً: بنية أفلام الثورة الفلسطينية في الشتات
في إثر نكبة فلسطين، التجأ السينمائيون الفلسطينيون، متفرقين، إلى عدة دول عربية؛ فلجأ إبراهيم حسن سرحان إلى الأردن، حيث أخرج فيلمه "صراع في جرش" سنة 1957، وهو فيلم روائي طويل، يُعدّ الأول من نوعه في الأردن. وفي الأردن أيضاً، أنجز المخرج عبد الله كعوش فيلمه "وطني حبيبي" سنة 1964 ليكون ثاني فيلم روائي طويل في الأردن. وفي سنة 1969، أنجز المخرج عبد الوهاب الهندي -وهو تخرَّج من المعهد العالي للسينما في القاهرة- فيلميه "كفاح حتى التحرير" و"الطريق إلى القدس"، وهما فيلمان روائيان طويلان يتحدثان عن القضية الفلسطينية من خلال حكايات تدور حول الكفاح التحرري والبطولات التي يجترحها الفلسطينيون ضد العدو الصهيوني. أمّا السينمائي الفلسطيني محمد صالح الكيالي، فقد هاجر إلى القاهرة، بعد النكبة، وهناك استطاع إنجاز مجموعة أفلام تسجيلية وثائقية، بعضها كان عن فلسطين، مثل فيلمه التسجيلي الوثائقي القصير "قاعدة العدوان" سنة 1964. وفي سنة 1969، وبعد أن انتقل إلى سورية، تمكن من إخراج فيلم بعنوان "ثلاث عمليات داخل فلسطين"، وهو فيلم روائي طويل كتب السيناريو له بالتعاون مع سمير نوار.
انطلقت سينما الثورة الفلسطينية مع إنشاء حركة "فتح" "وحدة أفلام فلسطين"، التي تشكّلت بفضل جهود مجموعة من السينمائيين، كان ضمنهم هاني جوهرية، وسلافة مرسال ومصطفى أبو علي. وقد ساهمت هذه الوحدة في تأسيس "جماعة السينما الفلسطينية" التي انضمت إلى مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقدمت في سنة 1973 فيلماً يتيماً بعنوان "مشاهد من الاحتلال في غزة" للمخرج الفلسطيني مصطفى أبو علي، وهو فيلم تسجيلي قصير، مدته 13 دقيقة، يتناول الواقع المرير الذي شهده قطاع غزة، بمدنه وبلداته ومخيماته. وكان مصطفى أبو علي نفسه قد أخرج بعد خروج قوات الثورة الفلسطينية من الأردن في صيف سنة 1971 فيلماً بعنوان "بالروح بالدم"، يحلل فيه أحداث أيلول الدامية، عبر مشاهد تسجيلية حية، متمازجة مع مشاهد تمثيلية.
اتخذت "جماعة السينما الفلسطينية" فيما بعد اسماً جديداً هو "أفلام فلسطين – مؤسسة السينما الفلسطينية"، في إطار الإعلام الموحد لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان ضمن السينمائيين المشاركين فيها كلٌ من مصطفى أبو علي، وسمير نمر، وقاسم حَوَل، ورسمي أبو علي. وإلى جانب هذه المؤسسة، ظهرت مجموعات سينمائية أُخرى، منها مجموعة في إطار اللجنة الفنية التابعة للإعلام المركزي التابع للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أخرج أول أفلامها رفيق حجار سنة 1973. ومجموعة أُخرى ضمن اللجنة الفنية التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أخرج أول أفلامها قاسم حول سنة 1972 كما عمل فيها المخرج جبريل عوض. وفي دائرة الثقافة والإعلام في منظمة التحرير الفلسطينية، أخرج أول أفلامها قيس الزبيدي سنة 1972، واستمر في العمل لمصلحتها عبر إخراج عدة أفلام، من بينها "وطن الأسلاك الشائكة" (1980)، و"فلسطين. سجل شعب" (1984). وأنتجت مؤسسة صامد للإنتاج السينمائي أول أفلامها سنة 1976 بعنوان " المفتاح" من إخراج غالب شعث.
وكما هو واضح، فإن مرحلة البنية الأولى للسينما الفلسطينية شهدت، في سبعينيات القرن العشرين، تشتتاً في إنتاج الأفلام من جانب الفصائل الفلسطينية ودائرة الثقافة والإعلام في منظمة التحرير. وبلغ إجمالي الأفلام التي أُنتجت في ذلك العقد قرابة 50 فيلماً وثائقيا مختلفة الأطوال، وفيلماً روائياً واحداً هو فيلم "عائد إلى حيفا" سنة 1982 للمخرج قاسم حول عن رواية الأديب غسان كنفاني التي تحمل العنوان ذاته، فضلاً عن أعداد من "جريدة فلسطين السينمائية". ونظراً إلى ظاهرة التشتت في الإنتاج هذه، فقد ظلت ميزانيات الأفلام ضئيلة، ولا تحقق إنتاجاً نوعياً متميّزاً. ومع ذلك، فقد أتيحت لبعض هذه الأفلام فرصة المشاركة في المهرجانات، وخصوصاً مهرجان لايبزغ ومهرجان موسكو.
وبغية توحيد الجهود الإنتاجية، طُرحت في دائرة الثقافة والإعلام فكرة إنشاء مؤسسة عامة للسينما الفلسطينية تتخذ شكل أكاديمية سينمائية وتتمتع بشخصية مستقلة وبميزانية خاصة، وتضم كل الأقسام التابعة للفصائل الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. وقد تبنى هذه الفكرة بحماس عبد الله الحوراني مدير عام دائرة الثقافة والإعلام، وتم تكليف لجنة خاصة من خبراء وضعت النظام الداخلي لهذه المؤسسة، وقُدّم المشروع إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لتوافق عليه وتقر نظامه الداخلي وميزانيته. لكن اللجنة التنفيذية أخذت تؤجل موضوع مناقشة المشروع وإقراره، إلى أن وقع الغزو الإسرائيلي للبنان في سنة 1982، وقاد إلى خروج المنظمة والفصائل الفلسطينية من لبنان.
ثانياً: بنية الأفلام "الجديدة" التي تم إنتاجها في الشتات وفي فلسطين التاريخية
من المهم إلقاء الضوء على الأفلام الروائية الأولى، التي ظهرت واحتلت مكانتها ولاقت نجاحاً في المهرجانات السينمائية، قبل أن تنتشر وتتزايد عروضها في الصالات التجارية في دول عديدة. ومن المهم هنا الإشارة إلى أن تعدد جهات الإنتاج في مرحلة البنية الثانية، كان عاملاً إيجابياً خلافاً لمرحلة البنية الأولى، لأن التعدد الإنتاجي ساعد في ظهور الأفلام الروائية وحقق لها النجاح.
ومن المهم أيضاً البحث في كيفية تناول أوائل المخرجين، الذين سيكون لهم شأن في وصول أفلامهم إلى العالمية، إشكالية الهوية الفلسطينية، وأبرزهم: ميشيل خليفي، وإيليا سليمان، ورشيد مشهراوي، وهاني أبو أسعد.
كان ميشيل خليفي، وهو فلسطيني من مدينة الناصرة درس في بلجيكا، من أوائل هؤلاء المخرجين، وقد بدأ مشواره الفني بإخراج أربعة أفلام من إنتاج التلفزيون البلجيكي وبالاشتراك مع المخرج البلجيكي أندريه دارتيفيل. ثم أخرج فيلمه "الذاكرة الخصبة" في سنة 1980، وفيلمه التسجيلي "معلول تحتفل بدمارها" في سنة 1985، وذلك قبل أن يخرج فيلمه الروائي الطويل "عرس الجليل" في سنة 1987، الذي يتناول مراسيم عرس فلسطيني لابن مختار قرية يشارك فيه الحاكم العسكري الإسرائيلي وضباطه. وقد حصل هذا الفيلم، الذي كان من إنتاج مشترك فلسطيني-بلجيكي-ألماني-فرنسي-بريطاني، على عدة جوائز من أهمها جائزة النقاد الدولية في مهرجان كان 1987، والجائزة الذهبية في مهرجان سيباستيان بإسبانيا 1987، والتانيت الذهبي في مهرجان قرطاج سنة 1988.
أمّا إيليا سليمان، وهو فلسطيني من مدينة الناصرة أيضاً ويحمل الجنسية الأميركية، فبدأ مشواره الفني بإخراج فيلمه القصير" مقدمات لنهايات جدال" في سنة 1990، وشاركه في الإخراج جايس سلوم، ثم اتبعه بفيلمه الروائي القصير" تكريم بالقتل" في سنة 1992، قبل أن يخرج فيلمه التسجيلي/ الروائي "سجل اختفاء" في سنة 1996 الذي يتناول إشكالية الهوية لدى المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل، والذي حصل على عدة جوائز، من أهمها جائزة أفضل فيلم أول لمخرجه في مهرجان فينيسيا، ثم اتبعه في سنة 2002 بفيلمه "يد إلهية" الذي حاز جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان كان السينمائي الدولي سنة 2002، ثم أخرج في سنة 2009 فيلم "الزمن الباقي. سيرة الحاضر الغائب"، ليؤسس سليمان من خلال هذه الثلاثية، وبحسب إجماع النقاد، لنقلة نوعية في السينما العربية من حيث طريقة السرد والأسلوب واللغة السينمائية سمحت بقراءة تفاصيل القضية الفلسطينية، والاطلاع على مسيرتها، بلغة لا تجنح إلى "الخطابية الثورية" التي اعتمدتها السينما الفلسطينية في سنوات السبعينيات.
كذلك بدأ رشيد مشهراوي، الذي نشأ في مخيم الشاطئ في قطاع غزة ، مشواره الفني بإخراج عدة أفلام روائية قصيرة وأُخرى تسجيلية قصيرة، وكان فيلمه الروائي الأول "حتى إشعار آخر" الذي أخرجه في سنة 1993 من إنتاج مشترك فلسطيني-هولندي-فرنسي-ألماني، وهو يتناول وضع الفلسطينيين في مخيم الشاطئ الذي أقيم كملجأ موقت قبل أن يصبح بيتاً دائماً لآلاف العائلات، التي عقدت آمالها على السلطة الفلسطينية كي تضمن عودتها لكن من دون جدوى. وقد حاز هذا الفيلم عدة جوائز، منها جائزة الهرم الذهبي في مهرجان القاهرة الدولي السابع عشر سنة 1993، وجائزة أحسن عمل أول في بينالي السينما العربية في باريس سنة 1994. وواصل مشهراوي مشواره الفني بإخراج عدد من الأفلام، وخصوصاً بعد أن أسس في مدينة رام الله، في سنة 1996، "مركز الإنتاج السينمائي والتوزيع".
أمّا هاني أبو أسعد، الذي ولد سنة 1961 في مدينة الناصرة ويحمل الجنسية الهولندية، فقد بدأ مشواره الفني في سنة 2002 بإخراج فيلم "زواج رنا". لكن شهرته راحت تذيع بعد إخراجه في سنة 2005 فيلمه الثاني "الجنة الآن"، الذي يتحدث عن رجلين فلسطينيين يتجهزان لتفجير نفسيهما داخل إسرائيل، وهو الفيلم الذي حاز جوائز عديدة، منها جائزة غولدن غلوب لأفضل فيلم أجنبي في سنة 2006، وجائزة العجل الذهبي في هولندا كأفضل فيلم هولندي. كما أخرج في سنة 2013 فيلم "عمر" الذي عُرض في قسم "نظرة ما" في مهرجان كان السينمائي، وحصد نجاحاً كبيراً من النقاد والجمهور، وهو يحكي حكاية شاب يعمل في مخبز ويضطر إلى تسلق الجدار العازل الذي أقامته السلطات الإسرائيلية لملاقاة حبيبته نادية، وذلك قبل أن تعتقله سلطات الاحتلال ويعاني عذاباً نفسياً قاسياً. وقد حصل هذا الفيلم على جائزة المهر الذهبي لأفضل فيلم عربي روائي في الدورة العاشرة لمهرجان دبي السينمائي. وفي سنة 2020، أخرج أبو أسعد فيلم "صالون هدى"، الذي عرضه في الدورة الـ 46 لمهرجان تورنتو السينمائي الدولي في سنة 2021 وهو مأخوذ عن أحداث حقيقية، يتعمق في مفاهيم الولاء والخيانة والحرية، من خلال أحداث تدور في محل لتصفيف الشعر في بيت لحم، تمتلكه شابة تدعى هدى، تتردد عليه أم شابة تدعى ريم بصورة دورية لتغيير قَصة شعرها؛ تنقلب الأمور رأساً على عقب حين يتم تصويرها في مواضع مخلة بسبب هدى التي تحاول ابتزازها لتقوم بما هو ضد مبادئها، إلى أن صار يتعين على ريم أن تختار بين شرفها وخيانة بلدها.
وإلى جانب هؤلاء المخرجين الأربعة، برز سينمائيون فلسطينيون آخرون، مثل نزار حسن، وإياد الداوود، وصبحي الزبيدي، وفجر يعقوب، وهشام كايد.
ثالثاً: بنية أفلام سينما المرأة الفلسطينية
تُعتبر مؤسسة "شاشات" الأهلية، التي تأسست في مدينة رام الله سنة 2005 وتديرها المخرجة علياء أرصغلي، من أبرز مؤسسات السينما الفلسطينية التي تركّز نشاطها منذ تأسيسها على سينما المرأة، وتعرض أفلامها ضمن مشروع "يلا نشوف فيلم"، وهي أنتجت نحو 60 فيلماً متعددة الأطوال تكشف حياة المرأة الفلسطينية في مرافق المجتمع الفلسطيني كافة، وحازت المؤسسة "جائزة التميّز في العمل السينمائي" من وزارة الثقافة الفلسطينية في سنة 2010.
وإلى جانب الأفلام التي أنتجتها شاشات، برزت أفلام مخرجات فلسطينيات، مثل مي المصري وآن ماري جاسر ونجوى نجار.
ففي سنة 1983، استطاعت المخرجة والمونتيرة والمصورة السينمائية الفلسطينية مي المصري، التي أنهت دراستها للسينما في سان فرانسيسكو، إنجاز فيلمها الأول بعنوان "تحت الأنقاض" وهو فيلم تسجيلي طويل مدته 40 دقيقة، رُصد للحديث عن بيروت، وتعرضها للاجتياح الإسرائيلي سنة 1982. وخلال أكثر من عقدين تاليين من الزمن، أنجزت مي المصري، وأحياناً بالتعاون مع زوجها الراحل جان شمعون، العديد من الأفلام التي تتداخل فيها مهماتها ما بين كتابة السيناريو والتصوير والمونتاج والإخراج؛ ومن هذه الأفلام: "بيروت. جيل الحرب" ( 1988)، و"أطفال جبل النار" ( 1990)، و"حنان عشراوي. امرأة في زمن التحدي" (1995) و"أطفال شاتيلا" ( 1998)، و"أحلام المنفى" (2001). وفي سنة 2015، عُرض فيلمها الدرامي الطويل "3000 ليلة" في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي وحاز العديد من الجوائز الدولية، وتدور أحداثه حول مُدرسة فلسطينية تُعتقل في أحد السجون الإسرائيلية بسبب تهمة لم ترتكبها، وتلد ابناً وهي في السجن.
وولدت آن ماري جاسر في مدينة بيت لحم في سنة 1974، وهي تحمل الجنسية الأميركية، وكان أول أفلامها الروائية "ملح هذا البحر" الذي أخرجته في سنة 2008، وتناولت فيه ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وحواجزه وامتهانه للكرامة الإنسانية في الضفة الغربية، من خلال حكاية الشابة الفلسطينية "ثريّا" المولودة في بروكلين في الولايات المتحدة، والتي تصمم على العودة إلى وطنها لتبدأ حياة جديدة هناك، لكنها سرعان ما تصطدم بالواقع القاسي حين تكتشف عجزها عن المطالبة بأموال جدها التي تعود إلى ما قبل سنة 1948، والمودعة في البنك البريطاني الفلسطيني؛ وفي محاولة منها للتغلب على واقعها المرير داخل الأراضي الفلسطينية المحاصرة، ترتبط "ثريّا" بالشاب الفلسطيني "عماد"، الذي يعاني بدوره ظروفاً صعبة في وطنه، فيقرر الاثنان سرقة البنك الذى أودع فيه الجد مدخراته. وقد عُرض هذا الفيلم في مهرجان كان السينمائي الدولي سنة 2008، وفاز بجائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما (فيبرسكي) في مهرجان أوشيان في نيودلهي. كانت آن ماري جاسر، من بين المخرجات والمخرجين، الوحيدة التي اهتمت بموضوع أفلام الثورة الفلسطينية وسعت للتعاون مع مجموعة من المخرجين والنقاد لإعادة كتابة تاريخ أفلام الثورة ونشوئها. ونظمت لها عروضاً متعددة في فلسطين بدأت بمهرجان "حلم أمة" وبرنامج أفلام الثورة الفلسطينية في أميركا. وفي سنة 2012، أخرجت فيلمها الروائي "لمّا شفتك"، بإنتاج مشترك فلسطيني-أردني-إماراتي، وهو يحكي حكاية عائلة فلسطينية تهجّرت إلى الأردن بعد نكسة 1967، واستقرت في مخيم اللاجئين في مدينة جرش الأردنية. وقد حصل هذا الفيلم على جوائز عديدة في القاهرة، ووهران، وقرطاج وأبو ظبي.
أمّا نجوى نجار فقد ولدت في واشنطن سنة 1973، وكان أول أفلامها الروائية الطويلة "المر والرمان" الذي أخرجته سنة 2008، وتناولت فيه عذابات الفلسطينيين تحت الاحتلال من خلال حكاية عائلة مسيحية فلسطينية من مدينة رام الله، تزوج ابنها فتاة من القدس وصادرت سلطات الاحتلال الأرض التي تملكها. وفي سنة 2014، أخرجت المخرجة والمنتجة نجوى نجار فيلمها الثاني "عيون الحرامية"، الذي استوحته من عملية نفذها شاب فلسطيني اسمه ثائر حماد في وادي الحرامية قرب رام الله، واستطاع خلالها قنص وإصابة 23 جندياً إسرائيلياً بـ 25 طلقة كانت بحوزته قبل أن يلوذ بالفرار.
خاتمة
ما بين سنتَي 1916 و2005، يمكن رصد 799 فيلماً عن فلسطين أخرجها 204 مخرجين. كما يمكن رصد 547 فيلماً عن فلسطين، ما بين سنتَي 2006 و2019، أخرجها 369 مخرجاً؛ فكيف نفسر استمرار هذا الاهتمام السينمائي بفلسطين، على الرغم من تراجع الاهتمام العربي والعالمي بقضية الشعب الفلسطيني؟
إن من أهم أسباب استمرار الاهتمام السينمائي العربي بفلسطين تزايد عدد المهرجانات السينمائية العربية، وقيام بعض هذه المهرجانات بتمويل ودعم إنتاج الأفلام في شقيها الروائي والتسجيلي، وتنظيم عروض لها ومنح جوائز عالية القيمة للأفلام الفائزة. أمّا المهرجانات العالمية، مثل كان وفينيسيا وبرلين ولوكارنو وتورنتو، فقد فتحت أيضاً أبوابها للفيلم الفلسطيني الروائي والتسجيلي متعدد الأطوال، كما ظهرت مهرجانات أجنبية عديدة في مدن أوروبية، مثل لندن وباريس وستراسبورغ وبروكسل، باسم "مهرجانات سينما فلسطينية" خصصت عروضاً للفيلم الفلسطيني فقط، بأنواعه وأطواله كافة، وساعدت على رواج الفيلم الفلسطيني والتعريف بمخرجيه ومخرجاته، ووجهت إليهم الدعوات وهو ما أتاح لهم فرصة للتعاون فيما بينهم.