الملك حسين ملك الأردن يعلن الأحكام العرفيّة. بدءاً من اليوم التالي، تهاجم الدبابات الأردنيّة مقار المنظمات الفلسطينيّة والمخيمات، وفي 20 أيلول/ سبتمبر تدخل قوات مدرّعة سوريّة شمال الأردن وتصل إربد كدعم للفلسطينيين، ولكنّها تنسحب في 22 أيلول/ سبتمبر بعد أن يتم قصفها من قبل سلاح الجو الأردنيّ. مقتل ما بين 5 إلى 10 آلاف فلسطينيّ في الأيام العشرة مما بات يُعرف باسم أيلول الأسود.
يُطلق على هذا المخيم رسمياً اسم "مخيم عمّان الجديد"، لتمييزه عن "مخيم الحسين" الذي سبقه بالتأسيس في العاصمة الأردنية، لكنه يُعرف شعبياً باسم مخيم الوحدات، نظراً إلى كونه نشأ، منذ البدء، على شكل وحدات سكنية، ولم يقطن سكانه من اللاجئين في خيم، وذلك بعد أن انتقلوا إليه من مخيمات ومناطق أُخرى. ومع أنه أُقيم بعد سنوات من وقوع نكبة فلسطين، فقد حظي باعتراف وكالة الأونروا، وهو يُعتبر من أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين العشرة في الأردن التي تعترف بها الوكالة الدولية وتقدم لها الخدمات.
نشأة المخيم
أُنشئ مخيم الوحدات في سنة 1955 جنوب شرق العاصمة الأردنية ضمن حدود أمانة عمّان الكبرى، وهو يبعد نحو ستة كيلومترات عن مركز مدينة عمّان، وبلغت مساحة الأراضي التي أُقيم عليها نحو 479 دونماً، كانت ملكيتها تعود للدولة أو لعائلات أردنية، مثل عائلة الحديد، قامت بتأجيرها للدولة. وقد شيّدت وكالة الأونروا في البدء 1400 وحدة سكنية ثم أضافت إليها، في سنة 1957، 1260 وحدة، وأُعطيت كل عائلة وحدة سكنية بلغت مساحتها نحو 100 متر مربع، تحت بند ما سمّته الأونروا حق الانتفاع وليس حق التملك، تماشياً مع الوضع الموقت للحالة السكنية في المخيم. ومع مرور الوقت، بدأت العائلات تتوسع أفقياً متجاوزة حدود وحدتها السكنية، فصارت تزيد غرفاً بصورة عشوائية لتلبي حاجاتها مع ازدياد عدد أفراد العائلة.
بلغ عدد سكان المخيم، عند تأسيسه، نحو 5000 لاجئ كانوا مسجلين لدى وكالة الأونروا، تعود أصولهم إلى قرى وبلدات أقضية اللد والرملة، وحيفا، ويافا، والخليل، وبئر السبع، كما استقر في المخيم عدد من عائلات قرية بيت دجن في قضاء نابلس. وشهد عدد سكان المخيم زيادة كبيرة، إذ بلغ نحو 60 ألفاً مسجلين في كشوفات وكالة الأونروا، ونحو 8000 نازح من الذين نزحوا من الضفة الغربية بعد العدوان الإسرائيلي في حزيران/ يونيو 1967، وبضعة آلاف من الغزيين من حملة الوثائق المصرية، فضلاً عن عدد كبير من غير اللاجئين ممن قرروا السكن في المخيم بسبب ظروفهم الاقتصادية، كون معدل بدلات السكن داخل المخيم أقل من خارجه، وتبلغ نسبتهم بحسب بعض التقديرات نحو 40% من مجموع عدد سكانه. ويوجد حي داخل المخيم يُعرف بـ "حي النور"، يسكنه سكان من غير اللاجئين الفلسطينيين، مثل العاملين المصريين، وعدد من العراقيين الذين لجأوا من بلدهم في إبان الغزو الأميركي للعراق في سنة 2003. وبسبب قرب المخيم من مركز مدينة عمّان، ووجود سوق تجارية كبيرة فيه، نشأت علاقات تفاعل عميق بين سكان المخيم ومحيطه الخارجي، إذ يرتاد المخيم يومياً عدد كبير من غير اللاجئين، سواء من الوافدين إلى الأردن أو من الأردنيين أنفسهم بهدف التسوق أو الزيارة.
تطوّر البنى التحتية في المخيم
في مطلع تسعينيات القرن العشرين، كان التوسع الأفقي قد بلغ ذروته في المخيم، ولم يعد ممكناً التوسع إلاّ عامودياً من خلال زيادة طبقات جديدة على ظهر الوحدات الأصلية التي بنتها الأونروا عند التأسيس، وخصوصاً بعد عودة كثيرين من أبناء مخيم الوحدات من دولة الكويت بعد حرب الخليج، مصحوبين بالأموال التي نشّطت حركة البناء في المخيم، الأمر الذي دفع السلطات الأردنية إلى السماح لصاحب الوحدة السكنية بأن يمتد عمرانياً حتى 4 طبقات، وأن يحوّل الطبقات الأرضية إلى محلات تجارية بعد أن كانت الوحدات تُستخدم لأغراض سكنية فقط. ومع مرور الزمن، تضاعفت مساحة المخيم مرتين بعد امتداده أفقياً إلى المناطق المجاورة له، إذ اشترى سكانه بعض الأراضي المجاورة للمخيم بموجب سندات تسجيل رسمية، نظراً إلى حق التملك الذي يتمتع به معظم سكان مخيم الوحدات بصفتهم مواطنين يحملون الجنسية الأردنية.
قامت أمانة عمّان الكبرى بتعبيد عدد من شوارع المخيم وإنارتها، ورصفت عدداً من أزقته بالأسمنت، وهي تشرف على نظافة الشوارع الرئيسية في المخيم، بينما تقوم وكالة الأونروا بالإشراف على نظافة الشوارع الفرعية. ويضم مخيم الوحدات عشرة مخابز، وسبعة مساجد، ومركز بريد واحد، ومركز شرطة. وتوفّر "شركة مياه الأردن" لسكان المخيم مياه شرب سليمة ومطابقة لمواصفات مياه شرب سكان عمّان. كما توفّر أمانة عمّان الكبرى الكهرباء للمخيم، بحيث صار في وسع سكانه الاستغناء عن سراج الكاز، الذي كان يتسبب بمخاطر اشتعال الحرائق. أمّا تصريف المياه العادمة، فقد كان يجري سابقاً من خلال قنوات مكشوفة تمر بالأزقة خارجة من البيوت، لتصبّ في حفر امتصاصية غير محكمة الإغلاق أو مفتوحة أحياناً، بينما صارت الأغلبية الساحقة من بيوت المخيم موصولة حالياً بوسائل صرف صحي (مجاري)، وتتحمّل وكالة الأونروا مسؤولية التخلص من القمامة من داخل المخيم إلى خارجه.
تطوّر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المخيم
تعدّ السوق التجارية الكبيرة في المخيم المصدر الرئيسي لاقتصاد المخيم وسكانه، وهي تجذب العديد من الرواد من خارج المخيم، الذين يبحثون عن بضائع بأسعار أرخص نسبياً من غيرها. وفي المخيم سوق للخضار والفواكه، ونحو 2500 من المحلات التجارية المتنوعة التي تبيع المواد الغذائية، والملابس، والمواد الزراعية، والخردوات، وصنع الفراش والأغطية، والأثاث، والمجوهرات، وغيرها من النشاطات التجارية. ويتوحد تجار المخيم في إطار لجنة تشرف على نشاطهم. كما تنتشر في هذه السوق مئات البسطات التي تبيع الخضار والفواكه والملابس المستعملة، وتتسبب في أحيان كثيرة بأزمات سير خانقة. ويمارس عدد من سكان المخيم أشغالاً بسيطة ومتواضعة تدر دخلاً لا يتجاوز دينارين أردنيين في أحسن الأحوال يومياً.
وتقدم وكالة الأونروا الدعم الفني والمالي لمركزين في المخيم يقومان بتأهيل الفتيات الفقيرات وتدريبهن على المهن التي تتناسب وعمل المرأة في المخيمات، وتوفر لهن دخلاً يسد الحاجة، ومن هذه المهن النسيج والخياطة، وتصفيف الشعر وتنسيق الزهور، وتستفيد نحو 413 لاجئة سنوياً من خدمات هذين المركزين. وبسبب ارتفاع نسبة البطالة ومعدلات الفقر، تتلقى مئات الأسر الفقيرة في المخيم المساعدات من خلال برنامج حالات العسر الشديد لدى الوكالة الدولية، التي تقدم إعانات عبارة عن مواد غذائية ومخصصات مالية (نحو 10 دولارات للفرد شهرياً).
ويعاني معظم سكان مخيم الوحدات نقصاً في الخدمات الصحية، إذ لا يتمتع 66% منهم بالتأمين الصحي، ويزداد هذا الأمر سوءاً مع ارتفاع تكلفة العلاج في الأردن. وبينما تغيب المستشفيات والمستوصفات الحكومية عن المخيم، تقتصر الرعاية الصحية فيه على الخدمات الصحية الأولية والوقائية التي تقدمها وكالة الأونروا مجاناً للاجئين في مركزين، بالإضافة إلى الأدوية والعلاجات للمصابين بالأمراض المزمنة مثل السكري والضغط والقلب. وكانت الوكالة الدولية قد افتتحت أحد هذين المركزين في خريف سنة 2011، وهو يحتوي على تجهيزات ولوازم حديثة، تشمل عيادة الأمراض القلبية، وعيادة أمراض العيون، وعيادة طب الأسنان، وعيادة الأمراض المزمنة غير المعدية، ومختبرات طبية، وعيادات الأمومة والطفولة التي تشرف على النساء الحوامل خلال مدة الحمل وبعد الولادة ولمدة ثلاث سنوات. ويعدّ معدل استخدام هذا المركز الصحي مرتفعاً بمعدل 100 زيارة يومياً لكل طبيب. ويقوم فريق طبي تابع لوكالة الأونروا بإجراء الكشف الطبي الدوري على طلاب مدارس الوكالة.
وتنظّم بعض الجهات الطبية في الأردن، في بعض الأحيان، أياماً طبية مجانية، كما تقدم جهات خيرية عديدة خدمات صحية لأهالي المخيم منها: "لجنة زكاة المخيم"، التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، التي أقامت مركزاً صحياً يُعرف باسم "المركز الخيري الصحي الشامل"، ويعمل فيه 36 طبيباً وموظفاً، و"جمعية المركز الإسلامي الخيرية/ فرع مخيم الوحدات"، التي تشرف على مركز طبي أُنشئ في سنة 2008 بدعم وتمويل من السفارة اليابانية في الأردن، ويقدم الخدمات الصحية لأهالي المخيم في مقابل رسوم رمزية، كما يوجد في المخيم 21 عيادة طبية خاصة، تقدم خدماتها غالباً في مقابل بدلات معقولة، و8 صيدليات.
وتعدّ وكالة الأونروا الجهة الوحيدة المشرفة على التعليم في المخيم، وهي تدير نحو 20 مدرسة للذكور والإناث. فعلى الرغمِ من حصول معظم أهالي مخيم الوحدات على الأرقام الوطنية، التي تمكّنهم من الالتحاق بالمدارس الأردنية الحكومية، فإن أغلبية الطلبة يتوجهون للدراسة في مدارس الأونروا، التي تعتمد مناهج التعليم المتبعة في المدارس الحكومية، وتقدم التعليم للطلبة حتى الصف العاشر، ثم ينتقلون بعد ذلك إلى المدارس الحكومية في المناطق المجاورة للمخيم. كما تشرف الوكالة الدولية على حضانتين وثلاث رياض أطفال. وتقدم بعض الجهات العربية والدولية الدعم لمدارس وكالة الأونروا في المخيم، إذ تكفلت "الوكالة التركية للتعاون والتنسيق"، في أيلول/ سبتمبر 2018، بتمويل صيانة مدرسة إناث مخيم الوحدات الإعدادية الأولى والثانية، التي تضم نحو 1500 طالبة من الصف الرابع حتى الصف العاشر، وتعمل بفترتين صباحية ومسائية، كما افتتح السفير السعودي لدى الأردن، في أواخر سنة 2021، مدرسة جديدة للذكور في المخيم بحضور المفوض العام "للأونروا" فيليب لازاريني.
ويعاني التعليم في المخيم، في مرحلتيه الابتدائية والإعدادية، جرّاء مشكلة التسرب المدرسي، بينما يعاني في مرحلته الثانوية، من مشكلات منع البنات من مواصلة تعليمهن، وترك الدراسة والتوجّه إلى سوق العمل، وعدم قدرة العديد من المتفوقين الذين ينهون تعليمهم الثانوي على الالتحاق بالجامعات.
وفضلاً عن مشكلتَي الفقر والبطالة، يعاني سكان المخيم من مشكلات الزواج المبكر والطلاق، والاكتظاظ السكاني، وحاجة العديد من مساكنهم إلى الإصلاح وإعادة التأهيل، وغياب الحدائق والمساحات الخضراء، ومساحات اللعب المفتوحة، والمرافق الترفيهية والمكتبات العامة.
الإدارة والسيطرة في المخيم
تشرف على إدارة مخيم الوحدات، وعلى المخيمات الفلسطينية الأُخرى في الأردن، "دائرة الشؤون الفلسطينية" التابعة لوزارة الخارجية وشؤون المغتربين في الأردن، وهي تنسق نشاطها مع وكالة الأونروا، ومع أمانة عمّان الكبرى، التي يقع المخيم داخل حدودها، وكذلك مع لجنة تحسين خدمات المخيم التي تتشكّل من شخصيات معروفة في المخيم بحسن سيرتها.
وكان المخيم قد شهد أحداثاً أمنية خطيرة خلال الصدامات التي وقعت بين قوات فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والجيش الأردني في الربع الأخير من سنة 1970 والنصف الأول من سنة 1971 فيما عُرف بأحداث "أيلول الأسود".
حضور المؤسسات السياسية والأهلية في المخيم
انتهى وجود الفصائل الفلسطينية في المخيم بعد صدامات أيلول، ولم يعد لها نشاطات علنية، علماً أن هذا الوجود يظهر لدى إجراء بعض الانتخابات، مثل انتخاب الهيئة الإدارية لنادي الوحدات، والتي يتنافس فيها أنصار الفصائل الفلسطينية مع أشخاص محسوبين على الحكومة، عدا الإسلاميين الذين لم ينتسبوا إلى النادي. وكان بعض هذه الفصائل الفلسطينية قد اندمج في أحزاب سياسية أردنية راحت تتشكّل منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين، مثل "حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني"، الذي تأسس في سنة 1990 بصفته امتداداً تاريخياً لمنظمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الأردن، و"حزب الشعب الديمقراطي الأردني" الذي تأسس سنة 1993 كامتداد تاريخي لمنظمة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في الأردن.
يتميّز مخيم الوحدات باحتفاظ سكانه بدرجة عالية من التواصل الاجتماعي، إذ عملت بعض عشائره وعائلاته على إقامة جمعيات تعمل على تقوية أواصر التضامن الاجتماعي بين أفرادها، مثل السافرية، ومن عائلاتها البنا، ولهم ديوان في المخيم؛ وتل الصافي، ومن عائلاتها قنديل، ولهم ديوان في المخيم؛ والعباسية ومن عائلاتها الحوراني والبياري؛ وبيت نبالا، ومن عائلاتها الحيت. كما عمل أهالي بعض القرى الفلسطينية على إنشاء روابط وجمعيات تقدم خدمات متنوعة اجتماعية وثقافية لمنتسبيها، مثل رابطة أهالي كفر عانة، ورابطة أهالي دير طريف، ورابطة أهالي سلمة، وجمعية أهالي بيت دجن. ونجحت بعض عشائر المخيم، مثل عشيرة الكوز، في إيصال بعض شيوخها وأفرادها إلى مجلس النواب الأردني، وإلى مجلس أمانة عمّان الكبرى. وبرز من أبناء المخيم عدد من الأدباء والفنانين والكتّاب المعروفين، مثل الروائي والشاعر إبراهيم نصر الله، ورسام الكاريكاتير عماد حجاج، والكاتب الدكتور ياسر الزعاترة.
ويعدّ نادي الوحدات، الذي تأسس في سنة 1956، الوجه الرياضي الأبرز في المخيم، وتمارس فيه ألعاب كرة القدم، والكرة الطائرة، والشطرنج، كما يقدم العديد من النشاطات الاجتماعية والثقافية. وقد ظل هذا النادي حتى سنة 1966 تحت إشراف وكالة الأونروا، ثم صار يتبع وزارة الشباب والرياضة الأردنية. وهو شارك في العديد من المناسبات باسم الأردن على المستوى الخارجي، واستطاع المنافسة والفوز في العديد من البطولات الرياضية، على المستوى الوطني والعربي. كما تنشط في المخيم منتديات وجمعيات تهتم بالأمور الثقافية، مثل "منتدى الوحدات الثقافي"، الذي تأسس في سنة 2007، وبالأمور الاجتماعية، مثل "جمعية المركز الإسلامي الخيرية/ فرع مخيم الوحدات"، و"جمعية الدوايمة للتنمية الاجتماعية".