إسحق موسى الحسيني
ولد إسحق الحسيني في حارة السعديّة بالقدس في أسرة عريقة ذات حضور وطني وديني بارز وفي بيت تقوى وعلم وأدب. والده: موسى. والدته من عائلة الداودي. أخواه: محمد؛ إبراهيم. زوجته: عُلويّة الحسيني. أولاده: نَوار؛ حاتم؛ بِشر.
كان أبوه منتمياً إلى الطريقة الرفاعيّة الصوفيّة فأرسله إلى الكتاتيب ليتعلّم القرآن. غير أن والده توفي وهو ما زال في السابعة من عمره فنقلته والدته إلى التعليم النظامي.
تنقّل الصبي بين مدارس عدّة في القدس: التحق بـ"المدرسة الرشيديّة" وعمره لم يتجاوز السنوات العشر، ثم انتقل إلى "مدرسة سلطان سليم" حيث تعلّم اللغتين العربية والتركيّة. وبعدها التحق بـ"الكلّية الصلاحيّة" سنة 1915 ودرس فيها التربية الإسلاميّة واللغة العربيّة وبعض مبادئ اللغة الفارسيّة، وبقي فيها حتى أغلقتها سلطات الاحتلال البريطاني في سنة 1917. انتقل إلى "مدرسة الفرير" حيث أمضى سنتين ليلتحق بعد ذلك بـ"الكلّية الإنكليزيّة" (The English College) المعروفة باسم "كلّية الشباب" وفيها أنهى تعليمه الثانوي. وفي هذه الكلّية درس اللغة العربية على الأستاذ نخلة زريق الذي شجّعه على التخصّص بدراستها.
سافر إلى مصر في خريف 1923 لمواصلة تعليمه الجامعي فالتحق بالجامعة الأميركيّة في القاهرة حيث أمضى سنتين حصل في نهايتهما على دبلوم في الصحافة. عاد بعدهما إلى القدس وعمل معلّماً في "المدرسة الرشيديّة". غير أنه رجع ثانية إلى القاهرة سنة 1926 والتحق بكلّية الآداب في "الجامعة المصريّة" (جامعة القاهرة لاحقاً) وهو عام افتتاحها، حيث تتلمذ على أعلام كبار مثل طه حسين ومصطفى عبد الرازق وأحمد أمين ونال شهادة الليسانس في سنة 1929 فكان في الدفعة الأولى للمتخرّجين فيها. في إثر ذلك حصل من القدس على بعثة لإكمال دراساته العليا في بريطانيا، فسافر في العام نفسه إلى لندن حيث التحق بمعهد الدراسات الشرقيّة بجامعة لندن. ثم بعثه المعهد في سنة 1933 إلى ألمانيا لدراسة اللغات الساميّة في جامعة غوتنغن، فأمضى فيها فصلين دراسيين. وتخرّج في جامعة لندن سنة 1934 حاصلاً على دبلوم في اللغات الساميّة، وعلى شهادة الدكتوراه عن أطروحته عن ابن قتيبة التي وضعها تحت إشراف المستشرق هاملتون غِب؛ وكان أوّل فلسطيني يحصل على هذه الدرجة العلميّة في الآداب في هذه الجامعة.
عاد إسحق الحسيني إلى القدس ليعمل مدرّساً في "المدرسة الرشيديّة" لمدّة وجيزة ثم في "الكلّية العربيّة" في الفترة بين سنتي 1934 و1946 وبعدها عمل مفتشاً أوّل للغة العربيّة في مدارس حكومة فلسطين حتى سنة 1948. في تلك الأثناء أسهم في إنشاء "لجنة الثقافة العربيّة" في فلسطين سنة 1945 وشغل منصب سكرتيرها العام. وقد أقامت اللجنة سنة 1946 معرض الكتاب العربي الفلسطيني الأوّل في نادي الاتحاد الأرثوذكسي العربي بالقدس وضمّ 800 كتاب تقريباً باللغة العربيّة وعدداً من الكتب بلغات أجنبيّة، وجميعها من تأليف مؤلفين فلسطينيين ومعظمها من مكتبته الخاصة. وقد وضع الحسيني مقدّمة فهرس كتب المعرض وأعرب فيها عن الأمل الذي يراود الفلسطينيين بإنشاء دار كتب عربيّة مركزيّة في القدس تجمع ما تضمّه فلسطين من التراث العلمي والأدبي العربي.
تلاشى هذا الأمل وضاعت معه آمال عشرات الآلاف من الفلسطينيين بحلول نكبة 1948، واحتلت القوات الصهيونية الحي الغربي الذي كان يقيم فيه واضطر الحسيني إلى مغادرة القدس واللجوء إلى حلب ومنها إلى بيروت سنة 1949 ليعمل أستاذاً في الجامعة الأميركية حتى سنة 1957. وقد أعارته الجامعة سنة 1952 إلى معهد الدراسات الإسلامية في جامعة "ماكجيل" في كندا حيث درّس مدة عام.
غادر بيروت إلى القاهرة ليدرّس في الجامعة الأميركيّة هناك وبقي فيها حتى تقاعده سنة 1963. ودرّس أيضاً في "معهد الدراسات العربيّة العالية" التابع لجامعة الدول العربيّة ("معهد البحوث والدراسات العربية" لاحقاً) وتولّى فيه رئاسة قسم البحوث الفلسطينيّة وأسهم في تأسيس "لجنة القدس للأبحاث والدراسات" وتولّى رئاستها. وبعد تقاعده من الجامعة الأميركيّة عاد إلى جامعة "ماكجيل" ودرّس فيها حتى سنة 1969 وحاضر في عدد من الجامعات في الولايات المتحدة الأميركية، ليعود بعدها إلى القاهرة ويبقى فيها حتى سنة 1973.
بعد تلك الغربة الطويلة عن القدس، التي كانت إسرائيل قد احتلتها بكاملها سنة 1967، قرّر العودة إلى مسقط رأسه ليعيش تحت الاحتلال في مدينته التي عشقها وتبنّى قضيّتها وعمل على إحياء تراثها وتأكيد عروبتها من خلال كتاباته ومحاضراته. ولم يتوقف في إقامته المقدسية هذه عن المشاركة في النشاط الأدبي والثقافي، ولازمه العديد من الباحثين والطلاب ليستفيدوا من علمه الغزير وخبرته الواسعة. كما أسس مركزاً للبحوث الإسلاميّة في بيت أستاذه محمد إسعاف النشاشيبي في القدس. وقد انتخب في سنة 1982 عضواً في مجلس أمناء كلّية العلوم والتكنولوجيا في "جامعة القدس" ورئيساً ل"كلية هند الحسيني للآداب للبنات". وأقيم له حفل تكريم كبير في تلك الكلّية يوم 16 شباط/ فبراير 1986 بمناسبة تجاوزه سنّ الثمانين، شاركت فيه عشرات الهيئات والمؤسسات والمراكز العلميّة والجامعات الفلسطينيّة بالإضافة إلى جامعة "ماكجيل". في هذا المهرجان الثقافي الكبير بايعه الأدباء والكتّاب والصحفيون الفلسطينيون عميداً للأدب العربي الفلسطيني في وثيقة وقّعها نحو مائتي شخصيّة فلسطينيّة.
كان لإسحق الحسيني حضور ونشاط في عدد من الهيئات العلميّة: ففي سنة 1961 اختير عضواً في المجمع العلمي العراقي ثم انتخب عضواً في مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة، وفي العام التالي انتخب عضواً في مجمع البحوث الإسلاميّة التابع لجامعة الأزهر.
إسحاق موسى الحسيني أديب وناقد ولغوي ومترجم والأكاديمي الفلسطيني الأوّل المتخصّص في الدراسة الأدبيّة بحثاً وتعليماً، فاستحق بذلك لقب أستاذ الجيل ورائد الدراسة الأدبيّة في فلسطين. تنوّعت اهتماماته وكتاباته فلم تقتصر على الإبداع الأدبي والبحوث النقديّة واللغويّة، بل تعدتهما إلى معالجة عديد المسائل التي شغلت أمّته وجيله من قضايا نشر التعليم على أوسع نطاق باعتباره وسيلة وحدة وطنيّة وردّاً على التحدّيات التي تواجه البلدان العربيّة التي دعا إلى وحدتها من منطلق إيمانه بالقوميّة العربيّة، وتجديد اللغة العربيّة وتطويرها لتجاري العصر، إلى العناية بالقدس وأعلام فلسطين بحثاً وتأليفاً وتعريفاً. وقد نال تقدير وطنه وأمّته فمنحه رئيس منظمة التحرير الفلسطينيّة، ياسر عرفات "درع الثورة" في احتفال جرى في بيروت في كانون الثاني/ يناير 1982، ونال "وسام العلوم والفنون" من الطبقة الأولى من جمهوريّة مصر العربيّة في آذار/ مارس 1983.
توفّي إسحق الحسيني في القدس في 17 كانون الأول/ ديسمبر 1990 عن عمر ناهز ستة وثمانين عاماً.
أبرز أعماله:
"رأي في تدريس اللغة العربية". القدس: المطبعة التجارية، 1937.
"علماء المشرقيّات في إنكلترا". القدس: المطبعة التجارية، 1940.
"مذكّرات دجاجة" (رواية، تقديم طه حسين). القاهرة: دار المعارف، 1943.
"عودة السفينة". القدس: مكتبة فلسطين العلمية، 1945.
"سلسلة طرائف الأطفال" (بالاشتراك مع محمد العدناني، وأحمد سليم سعيدان، وفايز الغول). القدس: مكتبة الأندلس، 1947.
Ibn Qutayba: His Life and Works. Beirut: American Press, 1950.
"هل الأدباء بشر؟" بيروت: دار العلم للملايين، 1950.
"الاخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلاميّة الحديثة". بيروت: دار بيروت للطباعة والنشر، 1952.
"الإسلام في نظر الغرب" لفيليب حتي (ترجمة عن الإنكليزية). بيروت: دار بيروت للطباعة والنشر، 1953.
"أزمة الفكر العربي المعاصر". بيروت: دار بيروت للطباعة والنشر، 1954.
"المدخل إلى الأدب العربي المعاصر". القاهرة: معهد الدراسات العربية، 1963.
"ألفاظ معرّبة". دمشق: مجمع اللغة العربية، 1964.
"الأدب والقوميّة العربيّة". القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية، 1965.
"أبحاث في ماضي المسلمين وحاضرهم". القاهرة: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1966.
"النقد الأدبي المعاصر في الربع الأول من القرن العشرين". القاهرة: معهد الدراسات العربية، 1967.
"أسماء بيت المقدس". القاهرة: مجمع اللغة العربية، 1968.
"عروبة بيت المقدس". بيروت: منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث، 1969.
"بيت المقدس في الإسلام". القاهرة: مجمع البحوث الإسلامية، 1969.
"أسماء فلسطين". القاهرة: مجمع اللغة العربية، 1971.
"الاستشراق، نشأته وتطوّره وأهدافه". القاهرة: مجمع البحوث الإسلامية، 1976.
"قضايا عربيّة معاصرة". القاهرة: دار القدس للطباعة، 1978.
"أديب العربية محمد إسعاف النشاشيبي". القدس: دار الطفل العربي، 1987.
"خليل السكاكيني الأديب المجدد". القدس: مركز الأبحاث الإسلامية، 1989.
المصادر:
"الجيوسي، سلمى الخضراء" (تحرير)، "موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر. بيروت: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، ج1، 1997.
حمادة، محمد عمر. "موسوعة أعلام فلسطين، الجزءالأول". دمشق: دار قتيبة، 1985.
زيادة، نقولا، "في الذاكرة إسحق موسى الحسيني 1904-1990". "مجلة الدراسات الفلسطينيّة"، العدد 9 ، شتاء 1992.
سلوادي، حسن عبد الرحمن. "الدكتور إسحاق موسى الحسيني عميد الأدب العربي الفلسطيني بين الوفاء والذكر". الطيبة: مركز إحياء التراث العربي، 1991.
شاهين، أحمد عمر. "موسوعة كتّاب فلسطين في القرن العشرين، الجزء الأول". دمشق: المركز القومي للدراسات والتوثيق، 1992.
صالح، جهاد أحمد، "اسحاق موسى الحسيني". رام الله: منشورات الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، 2010.
العودات، يعقوب. "من أعلام الفكر والأدب في فلسطين". عمان: د. ن.، 1976.
لوباني، حسين علي. "معجم أعلام فلسطين في العلوم والفنون والآداب". بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 2012.
مشاقي، مهند راشد. "الدكتور إسحق موسى الحسيني 1904-1990". "دائرة المعارف الفلسطينيّة"، جامعة النجاح الوطنيّة، على الموقع التالي: ency.najah.edu
Abdul Hadi, Mahdi, ed. Palestinian Personalities: a Biographic Dictionary. 2nd ed., revised and updated. Jerusalem: Passia Publication, 2006.