متيل مغنّم
ولدت في لبنان في 15 شباط/ فبراير 1899 لعائلة فلسطينية مسيحية، ثم هاجر أهلها إلى مدينة نيويورك وهي طفلة. تزوجت في الولايات المتحدة مغنّم مغنّم من مواليد رام الله الذي كان ينهي دراسة المحاماة في جامعة سانت لورنس (ولاية نيو يورك)، فعادا سوية في أواسط العشرينيات للعيش في فلسطين. وسرعان ما نشطا سياسياً. فانتخب مغنّم مغنّم سكرتير المؤتمر الفلسطيني الوطني السابع في سنة 1928، وسكرتير حزب الدفاع الوطني لدى تأسيسه سنة 1934، كما اشتهر مكتبه في القدس بالدفاع عن الأسرى الوطنيين.
شاركت متيل في الاجتماعات التحضيرية التي عقدت في بيتها وفي بيت عوني عبد الهادي وبيت سعيد الحسيني وأسفرت عن تنظيم المؤتمر النسائي العربي الفلسطيني الأول في مدينة القدس في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 1929، الذي شهد أول مساهمة للمرأة الفلسطينية في المجال السياسي، إذ حضرته أكثر من 200 امرأة فلسطينية من مدن القدس ويافا وحيفا وعكا وصفد ونابلس ورام الله وجنين وغيرها، وصدر عنه مذكرة تشرح أسباب "هبة البراق" (آب/ أغسطس) وتؤيد مطالب اللجنة التنفيذية للمؤتمر العربي الفلسطيني المتمثلة بوقف الهجرة اليهودية، وإلغاء تصريح بلفور، وتأسيس حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي، وتطوير الصناعة والاقتصاد الوطني. ومن الناحية الاجتماعية، طالب المؤتمر برفع مكانة المرأة العربية في فلسطين والعناية بشؤونها.
كانت متيل مغنّم ضمن الوفد الذي قرر المؤتمر النسائي العربي الفلسطيني إيفاده لمقابلة المندوب السامي البريطاني، السير جون شانسلور، وزوجته، وألقت أمامهما كلمة باللغة الإنكليزية، بينما ألقت زميلتها طرب عبد الهادي كلمة باللغة العربية. وقدم الوفد مذكرة للمندوب السامي كي يرفعها إلى الحكومة البريطانية، ورد فيها: "نحن نساء فلسطين العربيات، حيث واجهنا صعوبات اقتصادية وسياسية، ورأينا أن قضيتنا لم تنل العطف والمساعدة التي تستحقها، قررنا أخيراً أن نؤيد رجالنا في هذه القضية، تاركين كل الواجبات والأعمال الأخرى التي ألزمنا أنفسنا بها. هذا الوفد الذي يمثّل كل النساء العربيات في فلسطين يعرض أمام سعادتكم اعتراضاتهن وقراراتهن التي أقرها مؤتمرهن الأول، ونطلب كحق لنا أن تجاب مطالبنا".
طرح الوفد على المندوب السامي مطالب أخرى، ومنها الاحتجاج على إساءة الشرطة البريطانية معاملة السجناء العرب، والاعتداء بالضرب على بعض الطلبة بالمدرسة الصلاحية في نابلس خلال الإضراب الذي نظموه احتجاجاً على سياسة حكومة الانتداب. كما احتج الوفد على تبرع حكومة الانتداب بعشرة آلاف جنيه للمستوطنين اليهود دون تخصيص أي مبلغ لمنكوبي العرب.
ولما عاد الوفد إلى النساء المجتمعات، انطلقت تظاهرة نسائية في مئة وعشرين سيارة جابت شوارع مدينة القدس، رغم اعتراض سلطات الانتداب على تنظيمها، فتوقفت أمام القنصليات الأجنبية المختلفة حيث قدمت إليها مذكرات بقرارات المؤتمر. وقد أثارت هذه التظاهرة حماساً شعبياً كبيراً، وشكلت نقطة انطلاق التحرك الميداني للقطاع النسائي العربي في فلسطين.
انتخب المؤتمر النسائي العربي الفلسطيني، في ختام اعماله، لجنة تنفيذية مكوّنة من أربعة عشر سيدة لمتابعة تنفيذ قراراته وتوصياته، عُرفت باسم "اللجنة التنفيذية للسيدات العربيات"، وعهد إليها بأن تتماشى جهودها مع جهود اللجنة التنفيذية للمؤتمر العربي الفلسطيني وإدارة نشاط الحركة النسائية في البلاد، واختيرت متيل مغنّم سكرتيرة اللغة الإنكليزية لهذه اللجنة، التي ابتدأت أعمالها بإرسال برقيات لكل من ملكة بريطانيا ووزير المستعمرات والعصبة النسائية الوطنية (البريطانية) جاء فيها: "اجتمعت مئتا سيدة من ممثلات النساء العربيات، مسلمات ومسيحيات، في السادس والعشرين من الشهر الحالي في مؤتمر بالقدس، وقررن بالإجماع المطالبة بـ وبذل كل جهد لتحقيق إبطال وعد بلفور وتأسيس حكومة ديمقراطية وطنية تستمد سلطتها من برلمان يمثل كل الجماعات الفلسطينية بحسب عددها، ونحن نطلب المساعدة في تحقيق مطالبنا العادلة".
في تشرين الثاني/ نوفمبر 1929، بادرت "اللجنة التنفيذية للسيدات العربيات" إلى تأسيس جمعية أطلق عليها اسم "جمعية السيدات العربيات" التي افتتحت فروعاً لها في معظم المدن الفلسطينية، وصارت تجمع التبرعات وتكتب العرائض والاحتجاجات على ممارسات الحركة الصهيونية وانتهاكاتها، كما قامت بتأسيس مدرسة ومشغل للخياطة في حي المصرارة في القدس.
في 3 أيلول/ سبتمبر 1930، وجّهت رئيسة العصبة النسائية البريطانية دعوة إلى متيل مغنّم سكرتيرة "اللجنة التنفيذية للسيدات العربيات" لإرسال وفد نسائي إلى لندن، جاء فيها:" كلما كان التحرك أكثر بين العرب وأصدقائهم الكثيرين ومؤيديهم في انكلترا، كان التأييد أكثر بالنسبة إلى القضية ككل. وإنني أكتب لكي أطلب منك –إذا كان ذلك ممكناً- أن تحضري مع ممثلة منتخبة أخرى في زيارة إلى انكلترا لأسابيع قليلة؛ وأن تقمن، كنساء عربيات رائدات، بالاتصال مع الناس هنا وبتوجيه نداء تاريخي آخر في لندن من وجهة نظر نسائية كما فعلتن بتأثير كبير في العام الماضي أمام المندوب السامي."
شاركت متيل مغنّم في المسيرة النسائية التي جرت في مدينة القدس في 15 نيسان/ أبريل 1933 احتجاجاً على سياسة حكومة الانتداب واستمرار الهجرة اليهودية إلى فلسطين، واتجهت إلى مسجد عمر بن الخطاب، حيث ألقت كلمة في المشاركات قارنت فيها بين العهد الذي قطعه عمر بن الخطاب للبطريرك صفرونيوس عندما دخل المدينة سنة 15 للهجرة، والعهد الذي أعلنه الجنرال إدموند ألنبي عندما دخل القدس أواخر سنة 1917، وقالت: "إن الأمة العربية التي تعيش بجوار حرمين، مسجد عمر والقبر المقدس اللذين يجلهما ويقدسهما كل من في العالمين الشرقي والغربي، لن تتسامح مع ظلم كهذا أو ترضخ لذل.. سنواصل العمل يداً بيد حتى نحصل على حقوقنا الوطنية. لقد تحالف الحلفاء معنا حينما كانوا في حاجة إلى مساعدتنا، وحاربنا معهم جنباً إلى جنب، وواجه كثير من رجالنا الموت واستشهدوا على أرض المعركة. ولكن حينما حقق الحلفاء أهدافهم تغاضوا عنا ونكثوا بالعهود. إن من المناسب أن نقف بوقار في مسجد عمر بن الخطاب، الفاتح العربي الكبير، لنسترجع لبرهة ماضينا ونستمد من تاريخنا درساً لمستقبلنا وحافزاً لكفاحنا".
شاركت متيل مغنّم في المؤتمر الذي عقدته "اللجنة التنفيذية للسيدات العربيات" في 11 أيار/ مايو 1936 في المدرسية الوطنية الأرثوذكسية في مدينة يافا برئاسة أديل عازر، وأعلن التزامه بقرارات "اللجنة العربية العليا"، التي ترأسها محمد امين الحسيني، وخصوصاً في ما يتعلق بحث النساء على الالتزام بالإضراب العام، ودعوة أصحاب المحلات التجارية إلى إغلاق محالهم، ومقاطعة البضائع غير الوطنية.
في سنة 1937، أصدرت متيل مغنّم كتاباً عن المرأة والقضية الفلسطينية، أكدت فيه أن عدم وجود حكومة وطنية للفلسطينيين ساهم في إعاقة القيام بإصلاحات كان يمكن لها إن رأت النور أن تمهد الطريق أمام حركات نسائية فاعلة، الأمر الذي أسهم في تحديد فاعلية المؤسسات النسوية واختزالها في دور خيري اجتماعي، بما يفتقد إلى القوة والتنظيم للتأثير في المشروع البريطاني.
كانت متيل مغنّم من ضمن وفد النساء الفلسطينيات الذي شارك في أعمال "المؤتمر النسائي الشرقي" الذي عُقد في مدينة القاهرة ما بين 15- 18 تشرين الأول/ أكتوبر 1938 للدفاع عن فلسطين بدعوة من هدى شعراوي، رئيسة الاتحاد النسائي المصري. فاختيرت عضواً في السكرتاريا المساعدة وفي مكتب استعلامات المؤتمر. وقد أصدر المؤتمر عدداً من القرارات، كان من ضمنها تجريد اليهود من السلاح أسوة بالعرب، ودعوة الهلال الأحمر إلى إنشاء وحدة خاصة بجرحى فلسطين، ودعوة وزارة المعارف المصرية والمعاهد المصرية إلى تعليم أيتام ويتيمات فلسطين من أبناء الشهداء مجاناً.
نشرت متيل مغنّم في 9 شباط/ فبراير 1941 مقالاً في مجلة "هنا القدس"، التي أصدرها مكتب المطبوعات البريطاني في فلسطين، حول موقف المرأة العربية من الحرب، توقفت فيه عند شعور المرأة الرافض فطرياً للحرب وسفك الدماء، ورأت أن من سوء طالع جيلها أن يشهد حربين في فترة من الزمن لم تتجاوز عشرين عاماً، وأن "يبتلى بنار الفجيعة على الدماء الذكية، تهدر على مسرح الجشع والأنانية"، وقدّرت أن فلسطين وإن لم تكن ميداناً من ميادين الحرب، فإن ذلك لم يمنعها من أن تكون هدفاً للغارات الجوية التي أودت بعدد كبير من الضحايا، الأمر الذي يفرض على النساء العربيات أن "يتسابقن على التدرب في الإسعافات الأولية والتمريض"، ويقمن "بإسعاف المعوزين وإعانة المنكوبين"، و"الاقتصاد في الإنفاق، وتجنب الكماليات"، و"يعملن متضامنات متآزرات إلى أن ينبثق نور السلام وتتغلب المبادئ الإنسانية على عوامل الهمجية والوحشية".
انقطعت أخبار متيل مغنّم بعد وقوع نكبة فلسطين في سنة 1948، إلى أن أشير إلى أنها عادت إلى الولايات المتحدة الأميركية في سنة 1980، وتوفيت في 11 آب/ أغسطس 1992 في أرلنغتن في ولاية فرجينيا الأميركية جراء إصابتها بسكتة قلبية.
متيل مغنّم من رائدات الحركة النسائية في فلسطين ومن الناشطات السياسيات ضد الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية؛ عُرفت بنزعتها الإنسانية العميقة ووظفت اللغة الإنكليزية التي اتقنتها في خدمة قضية شعبها.
من آثارها:
مغنّم، ماتيل. "الجذور التاريخية لنضال المرأة الفلسطينية في الحركة الوطنية منذ الانتداب وحتى 1936"، "صامد الاقتصادي"، العدد 62 (تموز-آب 1986)، ص 8-22.
Mogannam, Matiel E. T. The Arab Woman and the Palestine Problem. London: Herbert Joseph, 1937.
المصادر:
بتريس، إيفيت. "بروز الفلسطينية، ولكن"، "الاتحاد"، حيفا (9 آذار/مارس 2010).
الحزماوي، محمد ماجد. "الدور الوطني للمرأة المقدسية (1920-1967)". في: "المرأة: التجليات وآفاق المستقبل". تحرير غسان عبد الخالق وآخرين. عمان: منشورات جامعة فيلادلفيا، 2016.
حمودة، سميح (إعداد وتعليق). "موقف فريق من الفلسطينيين من بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية". "حوليات القدس"، العدد الرابع عشر (خريف-شتاء 2012)، ص 90-99.
زعرب، امتياز النحال. "فلسطينيات: وجوه نسائية فلسطينية معاصرة". غزة: دار المقداد للطباعة، 2013.
عبد الهادي، فيحاء. "أدوار المرأة الفلسطينية في الثلاثينيات 1930: المساهمة السياسية للمرأة الفلسطينية، روايات النساء". البيرة: مركز المرأة الفلسطينية للأبحاث والتوثيق، 2005.
عبد الهادي، فيحاء. "مؤتمر نساء الشرق للدفاع عن فلسطين: علامة مضيئة في تاريخ نضال المرأة العربية"، "الأيام"، رام الله (5 تشرين الثاني/نوفمبر 2006).
عميرة، سعد. "دور المرأة الفلسطينية في الحياة الاجتماعية والسياسية في فلسطين من العام 1920 إلى العام 1940: الثورة العربية عام 1936-1939 نموذجاً". "إضافات، بيروت، العددان 38-39 (ربيع- صيف 2017)، ص 212-239.
طوبي، أسمى. "عبير ومجد". بيروت: مطبعة قلفاط، 1966.
Abdul Hadi, Mahdi, ed. Palestinian Personalities: A Biographic Dictionary. 2nd ed., revised and updated. Jerusalem: Passia Publication, 2006.
Fleischmann, Ellen L. “Selective Memory, Gender and Nationalism: Palestinian Women Leaders in the British Mandate Period.” History Workshop Journal 47 (1999): 141–158.
Ellen Fleischmann, “The Emergence of the Palestinian Women’s Movement, 1929–39”, Journal of Palestine Studies, vol xxxix, no 3, Spring 2000.