تقرير مؤرخ في 18/9/1948
مرفوع إلى السكرتير العام من وسيط هيئة الأمم المتحدة لفلسطين
لإرساله إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة
8- الخلاصة
1- منذ تقدمت باقتراحاتي المكتوبة إلى السلطات العربية واليهودية في 27 يونيو لم أقدم اقتراحات رسمية إلى أحد من الطرفين ولم أعرض عليهما أفكاراً تهدف إلى تسوية نهائية. على أنه جرت لي منذ ذلك التاريخ أحاديث متعددة في العواصم العربية وتل أبيب تبودلت أثناءها في حرية آراء شتى عن تسوية المشكلة أما عن اقتراحاتي الأصلية فلا زلت أعتقد أنها كانت تهيىء نطاقاً عاماً يستطاع الوصول عن طريقه إلى تسوية معقولة ممكنة التنفيذ لو شاء الطرفان صاحبا الشأن مناقشتها ولكن الطرفين كليهما رفضا هذه المقترحات رفضاً باتاً. وحيث أنني أبرزت عند تقديم هذه الأفكار أنها ليست إلا أفكاراً موقتة تهدف قبل كل شيء إلى حض الطرفين على بسط وجهات نظرهما وتقديم أفكار مقابلة وأنها على أي حال لن تنفذ إلا باتفاق الطرفين، لذلك لم أصر منذ ذلك الحين على أن تقبل. أمّا عن إحدى الأفكار الأساسية التي تضمنها اقتراحي فقد بدا لي بوضوح متزايد أنه مهما يكن الاتحاد السياسي والاقتصادي في فلسطين مرغوباً فيه إلا أن الوقت الحاضر غير ملائم لتنفيذ مثل هذا المشروع.
2- وفي رأيي أنه لا يدخل في اختصاصي أن أتقدم إلى الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة بتوصيات تتعلق بالمسلك الذي يجب أن تتخذه إزاء المشكلة الفلسطينية لأن هذا الأمر من شأن الدول الأعضاء عن طريق الهيئات المختصة. بيد أنه قد أتيح لي في مباشرتي لوظائفي بوصفي وسيطاً للأمم المتحدة أن أستجمع معلومات وأن أستنبط من تجاربي نتائج يمكن أن تكون ذات عون للدول الأعضاء في الهيئة عند تقرير السياسة التي تنتهجها هيئة الأمم المتحدة في فلسطين. ولذلك رأيت من واجبي أن أبلغ الدول الأعضاء في الهيئة عن طريق هذا التقرير بعض النتائج الخاصة بوسائل تسوية المشكلة تسوية سلمية. وتلك النتائج مستمدة من محادثاتي العديدة مع السلطات العربية واليهودية في خلال الأشهر الثلاثة والنصف الأخيرة كما أن دراستي الشخصية للموقف الراهن في فلسطين قد أوحت لي بها ولست أزعم أن هذه النتائج يمكن أن تتخذ أساساً لمشروع ينال رضى الطرفين في سرعة وحماس فلم أوفق في جهودي الجسيمة للوصول إلى اتفاق بين العرب واليهود إلى استنباط مثل هذا المشروع على أني مقتنع بأنه في الإمكان الآن التقدم باقتراح لو وافقت عليه الجمعية العامة بثبات وأيدته بحزم لما تعرض لمقاومة مسلحة من أحد الطرفين. وأود أن أبدي حرصي على التأكيد بأن مجلس الأمن لم يتراخ عن عزمه على تنفيذ قراره الصادر في 5 يوليو الذي يقضي على طرفي النزاع في فلسطين بالكف عن أي عمل عسكري ولا يجب تجاهل ما هناك من فرق كبير بين الموقف اليوم وما كان عليه في نوفمبر الماضي ففي هذه الفترة وقعت حرب ووضع لها حد ووقعت أثناء ذلك أحداث حاسمة.
سبع مقدمات أساسية
3- إن المقدمات الأساسية السبع الآتية تعتبر أساساً للنتائج التي انتهيت إليها.
العودة إلى السلم
(أ) يجب إعادة السلم إلى فلسطين ومن المقتضى اتخاذ جميع التدابير الممكنة لضمان عدم تجدد القتال بين العرب واليهود مع استئناف العلاقات الودية بينهما آخر الأمر.
الدولة اليهودية
(ب) توجد في فلسطين دولة يهودية اسمها دولة إسرائيل وليس ثمة أي سبب وجيه يحمل على الاعتقاد بأنها ستزول من الوجود.
تعيين الحدود
(جـ) يجب تعيين حدود هذه الدولة الجديدة آخر الأمر أما عن طريق اتفاق رسمي بين الأطراف أصحاب الشأن وأما عن طريق هيئة الأمم المتحدة إذا لم يتم مثل هذا الإتفاق.
الحدود المستمرة
(د) من المصلحة الأخذ بمبدأ التجانس والتكافل الجغرافيين بشكل عادل وجعله الهدف الأساسي لاتفاقات الحدود بالنسبة لكل من الإقليميين العربي واليهودي ولذلك يجب ألا تخضع الحدود بشكل دقيق للأحكام الإقليمية الواردة في قرار 29 نوفمبر.
حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم
(هـ) من المصلحة إعلان حق السكان الأبرياء في العودة إلى ديارهم وهم الذين انتزعهم منها الفزع والدمار كما أنه من المصلحة تأمين ومنح تعويض كاف للأشخاص الذين لا يرغبون في العودة نظير ما يفقدون من ممتلكات.
القدس
(و) يجب تقرير معاملة خاصة مستقلة لمدينة القدس بسبب أهميتها الدينية والدولية وتشابك المصالح فيها.
المسؤولية الدولية
(ز) إن المسؤولية الدولية يجب أن تتمثل كلما كان الأمر مرغوباً أو ضرورياً في شكل ضمانات دولية تسمح بتهدئة المخاوف التي تساور النفوس لا سيما ما تعلق منها بالحدود وحقوق الإنسان.
نتائج محددة
4- أرى أن النتائج الآتية وقد عرضت في خطوطها الرئيسية – تشكل أساساً معقولاً وعادلاً وعملياً لتسوية المشكلة وهي تأخذ بنظر الاعتبار جميع الظروف والملابسات.
(أ) لما كان مجلس الأمن قد قضى بعدم الالتجاء من جديد إلى استعمال القوة في فلسطين كوسيلة لتسوية النزاع وتطبيق العقوبات الواردة في الفصل السابع في حالة المخالفة، فإنه ينبغي إعلان انتهاء القتال رسمياً أما عن طريق الاتفاق بين الطرفين وأما عن طريق هيئة الأمم المتحدة إذا تعذر ذلك. فالهدنة الحالية غير المحددة الأجل يستبدل بها صلح رسمي أو يحل محلها على الأقل هدنة تنطوي على الانسحاب الكامل للقوات المسلحة وتسريحها أو على ابتعاد قوات كل من الفريقين عن بعضها نتيجة لإنشاء مناطق كبيرة مجردة من السلاح تشرف عليها الأمم المتحدة.
(ب) إذا لم يتفق العرب واليهود على حدود الدولتين تتولى هيئة الأمم المتحدة تعيين الحدود التي تفصل بين الأقاليم العربية واليهودية على أن تقوم برسم الحدود لجنة تخطيط فنية تعينها الأمم المتحدة وتكون مسؤولة أمامها حتى تكون الحدود التي وضعت خطوطها الرئيسية في قرار الجمعية العامة الصادر بتاريخ 29 نوفمبر أدنى إلى العدالة وأقرب إلى الاعتبارات العملية وأكثر انطباقاً على الأمر الواقع في فلسطين وترد التعديلات الآتية على تلك الحدود.
1- تضم إلى الدولة العربية المنطقة المعروفة باسم النقب الواقعة جنوبي خط يبدأ عند البحر قرب المجدل في اتجاه الشرق والجنوب الشرقي من الفلوجة (على أن تصبح هاتان الجهتان جزءاً من الإقليم العربي).
2- تسير الحدود من الفلوجة شمالاً إلى الشمال الشرقي لتبلغ اللد والرملة (على أن تصبح هاتان الجهتان جزءاً من الإقليم العربي) ثم تتبع الحدود عند اللد الخط المرسوم في قرار 29 نوفمبر.
3- تضم منطقة الجليل إلى إقليم الدولة اليهودية.
(جـ) إن مصير أراضي فلسطين غير الواقعة في حدود الدولة اليهودية تقرره حكومات الدول العربية بالتشاور مع السكان العرب لفلسطين ونظراً لما هناك من روابط تاريخية واشتراك المصالح بين شرق الأردن وفلسطين فهناك أسباب قوية تقضي بإدماج الإقليم العربي لفلسطين في إقليم شرق الأردن مع مراعاة تعديل الحدود الخاصة بدول عربية أخرى بالكيفية المرغوب فيها والممكنة عملياً.
(د) تتعهد الأمم المتحدة بتصريح أو بأي شكل آخر مناسب بتقديم ضمان خاص يكفل احترام وبقاء الحدود التي تفصل بين الأقاليم اليهودية والعربية مع مراعاة التعديلات التي قد تتقرر باتفاق الأطراف ذوي الشأن.
(هـ) يكون ميناء حيفا ميناء حراً ويدخل معامل تكرير البترول ومصباته مع عدم الإخلال بإدماج هذه الأماكن في إقليم الدولة اليهودية ذات السيادة أو بإدارة مدينة حيفا ويكفل للدول العربية صاحبة الشأن حرية الوصول إلى هذا الميناء على أن تتعهد بعدم إقامة عراقيل في سبيل وصول البترول إلى معامل التكرير في حيفا بواسطة الأنابيب ويستمر توزيع البترول على أساس التقليد التاريخي.
(ز) يكون مطار اللد مطاراً حراً مع ضمان حرية الوصول إليه واستخدام منشئاته الموجودة به للقدس والدول العربية ذات الشأن.
(ح) تعالج مشكلة مدينة القدس على حدة على أن تعتبر شاملة للمنطقة التي حددها قرار الجمعية العامة الصادر في 29 نوفمبر وتوضع تحت رقابة الأمم المتحدة وينبغي أن يتمتع سكانها العرب واليهود بأقصى حد ممكن من الحكم الذاتي وتكفل حماية الأماكن المقدسة والأماكن الدينية فيها وحرية الوصول إليها وكذلك حرية مباشرة الشعائر الدينية فيها.
(ط) على جميع الأطراف احترام حق الوصول إلى القدس دون عائق بالطريق أو السكك الحديدية أو الجو احتراماً كاملاً.
(ي) يجب أن تعلن الأمم المتحدة حق اللاجئين العرب في العودة إلى ديارهم في المناكق التي يشرف عليها اليهود في أقرب وقت ممكن وعلى لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة المشار إليها في الفقرة (د) الإشراف والمساعدة على إعادة هؤلاء اللاجئين إلى ديارهم واستقرارهم فيها ومساعدتهم على النهوض اقتصادياً واجتماعياً ودفع تعويض كاف عن ممتلكات الذين لا يريدون العودة إلى ديارهم.
(ك) يجب أن تضمن السلطات وتحترم تماماً الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية لجميع السكان العرب في الإقليم اليهودي في فلسطين ولجميع اليهود في الإقليم العربي. وتتولى لجنة التوفيق الوارد ذكرها في الفقرة التالية العمل على احترام هذا الضمان. كما تبذل اللجنة حسن مسعاها بناء على طلب أحد الأطراف لدعم الجهود الخاصة بتبادل السكان والتي ترمي إلى فض مشاكل مثيرة خاصة بالأقليات والحصول على تعويض عادل عن الممتلكات الخاصة.
(ل) نظراً للطبيعة الخاصة للمشكلة الفلسطينية ولما تنطوي عليه علاقات العرب واليهود من تعقيد خطير فإنه يجب على الأمم المتحدة أن تنشىء في فلسطين لجنة للتوفي وتكون هذه اللجنة التي تعيم لمدة محدودة مسؤولة أمام الأمم المتحدة وتعمل تحت سلطتها.
وعلى هذه اللجنة التي يساعدها موظفون من الأمم المتحدة ممن تدعو الحاجة إليهم أن تقوم بالمهام التالية وهي:
1- أن تبذل حسن مساعيها لتقديم توصيات واجبة الاحترام من جانب الأطراف والأمم المتحدة أو أن تتخذ أية تدابير أخرى ملائمة لضمان الوصول إلى تسوية في فلسطين تسوية سلمية دائمة.
2- أن تتخذ الإجراءات التي ترى أنها كفيلة بدعم العلاقات الودية بين العرب واليهود.
3- أن تتحقق من أن الحقوق الخاصة بالحدود والطرق والسكك الحديدية والموانيىء الحرة والمطارات الحرة والأقليات محترمة وكذلك أية إجراءات أخرى قد تقررها الأمم المتحدة.
4- إبلاغ الأمم المتحدة فوراً بأن تطور الموقف في فلسطين يمكن أن ينشأ عنه تعديل التدابير التي أقرتها الأمم المتحدة لتسوية المسألة الفلسطينية أو ينطوي على تهديد للسلم في هذه المنطقة.
المصدر: جامعة الدول العربية، الوثائق الرئيسية في قضية فلسطين، المجموعة الثانية، 1947- 1950 (القاهرة: جامعة الدول العربية، الإدارة العامة لشؤون فلسطين، 1947)، ص 326- 331.