عاشت البقية الباقية من الفلسطينيين في إسرائيل تحت الحكم العسكري رسمياً منذ وقوعها تحت الاحتلال سنة 1948 وحتى نهاية 1966 عندما تم تفكيك جهاز الحكم العسكري ونقل صلاحياته القمعية إلى الشرطة وجهاز المخابرات، وصولاً إلى سنة 1968. وبين هذين التاريخين، شنت إسرائيل حرباً ضد الدول العربية المجاورة في الخامس من حزيران/ يونيو 1967، واحتلت بقية الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) إضافة إلى شبه جزيرة سيناء والجولان السوري. وقد احتاجت الحكومة الإسرائيلية إلى قواها الأمنية لإدارة الاراضي المحتلة حديثاً، الأمر الذي سرّع في الإنهاء الفعلي لنظام الحكم العسكري في الداخل.
لقد ناقض نظام الحكم العسكري بشكل صارخ ادعاء الديمقراطية في إسرائيل وأفرغ المواطنة الرسمية التي أعطيت للعرب من مضمونها. كما أن إلغاء الحكم العسكري أثبت بشكل قاطع أن الحجج الأمنية لم تكن السبب الحقيقي وراء استمرار الحكم العسكري مدّة عقدين تقريباً.
اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً بفرض الحكم العسكري على الفلسطينيين الذين بقوا في بيوتهم في يافا واللد والرملة بعد احتلال تلك المدن في ربيع سنة 1948. لكن أعداد هؤلاء كانت قليلة جداً، فتم تجميعهم في مناطق محددة ضمن "غيتوات". وقد يكون احتلال الناصرة وقرى ناحيتها البداية الحقيقية للحكم العسكري، في أواسط تموز/ يوليو 1948، إذ سرعان ما عيّنت حكومة دافيد بن غوريون حاكماً عسكرياً على المدينة ومنطقتها هو يهوشوع سولتس. وصار سولتس مسؤولاً عن "إعادة الحياة الطبيعية" في المدينة بالتعاون مع البلدية ورئيسها يوسف الفاهوم. ثم شمل الحكم العسكري جميع التجمعات العربية من الجليل شمالاً وحتى النقب جنوباً، وتم لهذا الغرض تشكيل وحدة خاصة مكونة من ضباط وجنود في الجيش النظامي وآخرين يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية، وكان قائد الحكم العسكري تابعاً لرئيس الأركان ولوزارة الدفاع. وبعد أن نقلت الأردن قرى المثلث إلى إسرائيل في أيار/ مايو 1949، فُرض على سكان هذه المنطقة أيضاً نظام الحكم العسكري نفسه على الرغم من الاتفاقية التي ضمنت حقوقهم، بما فيها إقامة شرطة عربية محليّة في قرى المثلث.
على الرغم من وعود حكومة إسرائيل الرسمية لمن بقي من الفلسطينيين بالمساواة كمواطنين، إلا أن سياستها الفعلية جاءت مناقضة لتلك الوعود، فعاملتهم معاملة الأعداء الذين يقعون تحت الاحتلال. وكان الحكم العسكري الأداة الرئيسية لتطبيق تلك المعاملة التي اعتمدت الرقابة الصارمة على تحركاتهم وتنظيماتهم وكبتت أي محاولة لمقاومة سياسة القمع والتمييز في شتى مجالات الحياة.
في السنوات الأولى بعد النكبة، عمل الحكم العسكري على محاربة من حاول العودة من الفلسطينيين من وراء خطوط وقف إطلاق النار وتصرف تجاههم كأنهم متسللون يمكن إطلاق النار عليهم من دون أي محاسبة. كما تم هدم معظم القرى العربية المهجرة (بما فيها قرى المهجّرين داخلياً، أو مَن يوصفون بـ"الغائبين الحاضرين") وإقامة مستوطنات يهودية على أراضيها، ومصادرة معظم أراضي المهجّرين داخلياً ومنعهم أحياناً من الوصول إلى ما تبقى من أراضيهم بحجة أنها مناطق عسكرية مغلقة. كل هذه السياسات كانت تصب في هدف تهويد الجليل والمناطق العربية المتبقية عموماً، وتقليص مساحات الأراضي التابعة للفلسطينيين الباقين وعزلهم في قراهم وبلداتهم.
استند الحكم العسكري في إدارته لشؤون المواطنين العرب المدنية إلى أنظمة الطوارئ (1945) وقوانين أخرى انتدابية وإسرائيلية. ومن بين مجموع 162 مادة لأنظمة الطوارئ تم استخدام خمسة منها بشكل مكثّف: المواد 110 و111 و124 لتقييد حريّة التنقل أو حتى منعها والمادتان 109 و125 للإعلان عن مناطق مغلقة أمام السكان العرب. وقام العسكريون العاملون في جهاز الحكم العسكري بإصدار تصاريح تسمح بالتنقل لمن يرضون عنهم وأحجموا عن منحها للمغضوب عليهم. حتى أن أي عمل أو نشاط كان المواطن العربي يريد القيام به خارج حدود قريته، تطلّب الحصول على إذن من الحاكم العسكري، بما في ذلك العمالة، والتجارة، والتسوق، والتعليم، والصحة... الخ. وبما أن رجال الحكم العسكري تحكموا في معيشة المواطنين العرب وجميع مناحي حياتهم، فإنهم تدخلوا أحياناً حتى في علاقاتهم الاجتماعية، بما فيها أمور الزواج والطلاق. كما شجع الحكم العسكري المتعاونين مع سياسة الاستيطان الصهيوني ودعم القيادات السياسية والمجتمعية المتعاونة مع الحكومة وحزبها الحاكم، مباي، ومنع أي نشاط جماعي مستقل، أكان عاماً، أو اجتماعياً، أو ثقافياً.
وكانت "لجنة روزين" وهي لجنة برلمانية برئاسة وزير العدل بنحاس روزين قد تأسست في شباط/ فبراير 1958 بهدف فحص مدى ضرورة إستمرار الحكم العسكري. وعملت تلك اللجنة في فترة ازدياد التأييد للرئيس المصري جمال عبد الناصر وللوحدة العربية بين مصر وسوريا في صفوف المواطنين العرب. وحصل حينذاك تقارب ملحوظ بين ناشطي الحزب الشيوعي "ماكي" والقوميين العرب، وتمثّلَ ذلك في مظاهرات صاخبة مشتركة بمناسبة الأول من أيار/ مايو في العام نفسه وفي إنشاء الجبهة الشعبية للدفاع عن الأشخاص الذين اعتقلوا خلال هذه المظاهرات، وترشيد مقاومة الحكم العسكري وسياساته. وعلى الرغم من تلك التطورات السياسية، أوصت اللجنة بـ"إيقاف" جهاز الحكم العسكري. لكن الحكومة رفضت التوصية وقررت استمرار عمل الجهاز، مع أنها نقلت العديد من صلاحياته إلى رجال الشرطة، الأمر الذي يشير إلى أن أسلوب السيطرة على الفلسطينيين في إسرائيل بدأ يتحول إلى مرحلة ثانية.
اتسمت المرحلة الثانية بتخفيف وطأة الحكم العسكري على المواطنين العرب، اعتباراً من سنة 1959. ويعود هذا الأمر إلى عدة أسباب: فالاقتصاد الإسرائيلي شهد تطوراً ملحوظاً وكان بحاجة إلى مزيد من اليد العاملة الرخيصة، وهو أمر تطلب حريّة تنقل أكبر للعمال العرب. كما شهدت تلك الفترة تغيّراً في الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية، فبعض أهداف الحكم العسكري الأصلية كانت قد تحققت، منها النجاح في منع عودة اللاجئين عبر خطوط وقف إطلاق النار والسيطرة على أراضي القرى المهجرة. فضلاً عن ذلك فإن القيادات الأمنية في جهاز الشاباك وغيره من الأجهزة زادت قناعة في اعقاب العدوان على مصر سنة 1956 ومذبحة كفر قاسم في خريف العام نفسه، بأن العرب الباقين في إسرائيل لن يرحلوا عن البلاد.
أخذا بالاعتبار تلك التطورات، سعت الجهات الأمنية إلى إيجاد وسائل سيطرة تضمن في الوقت نفسه تخفيف القيود على حركة العرب في البلاد. وقد انضمت أوساط يهودية جديدة إلى صفوف المعارضين لاستمرار الحكم العسكري، معتبرة أن استمرار نفس سياسات الحكم العسكري في العقد الثاني لقيام الدولة يلحق الكثير من الضرر في سمعة إسرائيل وأنه من الممكن مراقبة السكان العرب عبر وسائل مدنية مثل الشرطة والمخابرات. وجدير بالذكر أن أحزاب المعارضة قامت بمحاولتين لإسقاط الحكم العسكري في الكنيست، ففشلت في الأولى سنة 1962. أما في الثانية سنة 1963 فسقطت المحاولة بفارق صوت واحد، جراء تصويت نائبين عربيين مرتبطين بحزب مباي (جبر معدي، وذياب عبيد) إلى جانب الحكومة، مما أطال عمر ذلك الجهاز حتى 1966.
يشير تصويت النائبين المذكورين إلى أن سيطرة الحكم العسكري كانت منذ البداية تتخطى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمدنية، وأنها كانت تتوغل أيضاً في المجال السياسي، وعلى وجه الخصوص في تمثيل العرب في الكنيست. لم يكن للحزب الحاكم بزعامة بن غوريون مفرّ من منح العرب في إسرائيل حق الانتخاب لأسباب دبلوماسية، إلا أنه جيّر هذا الحق لمصلحته. فقد استعان بالحكم العسكري لمنع إقامة أحزاب عربية مستقلة، وللضغط على الزعامات العربية في الحمائل والقرى، بالترغيب والتهديد، لحملها على أن يصوت الناخبون التابعون لنفوذها لصالح الحزب الحاكم والقوائم العربية المرتبطة به. ومقابل حزب مباي، حاولت أحزاب صهيونية أخرى استقطاب الناخبين العرب لزيادة حصتها في الكنيست، كما لو أنهم مجرد أداة في المنافسة بين تلك الأحزاب. حتى أنه، عندما تبين أن نظام الحكم العسكري لم يعد له أهمية أمنية وأن ليس له إلا دور سياسي في خدمة حزب مباي، انضمت أحزاب يمينية مثل حيروت بقيادة مناحيم بيغن إلى جبهة معارضي الحكم العسكري. ومن خارج الأحزاب الصهيونية، كان للحزب الشيوعي الإسرائيلي مكانة مرموقة في كسب تأييد قطاعات واسعة من العرب، فاحتل مرتبة الحزب الثاني لديهم بعد حزب مباي. وكان من أسباب نجاح الحزب الشيوعي دوره البارز في مقارعة الحكم العسكري وسياساته القمعية منذ بداية الخمسينيات. وانضم لتلك المعارضة حزب مبام اليساري ولو جزئياً.
وقف بن غوريون بالمرصاد لكل محاولات إلغاء الحكم العسكري حتى سنة 1963 عندما تولّى ليفي إشكول رئاسة الحكومة. في نهاية تلك السنة، أعلن هذا الأخير أنه ينوي إزالة الجهاز العسكري للحكم العسكري، الأمر الذي حصل في كانون الأول/ ديسمبر 1966، مع إيكال مهمة تطبيق أنظمة الطوارئ إلى الشرطة تحت إشراف رئيس الأركان. أما من ناحية الأدوات القانونية الإسرائيلية، فلم يتم إلغاء الحكم العسكري ولم يُعلّق تطبيق المواد ذات العلاقة بأنظمة الطوارئ ولم ينتهي إشراف القيادة العسكرية على الفلسطينيين في إسرائيل إلا في نهاية 1968.
لم تُحدث هذه التطورات تغييراً جوهرياً في حياة المواطنين العرب في المرحلة الأولى. لكن مع حرب حزيران 1967 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة بالإضافة إلى سيناء والجولان، انحسر الاهتمام الإسرائيلي بالفلسطينيين في إسرائيل وتركز على إخوانهم في قطاع غزة والضفة الغربية، مع ما يعني ذلك من فرض حكم عسكري، من دون مواطنة، عليهم وتطبيق سياسة استيطان استعماري في المناطق المحتلة حديثاً كما كان الأمر منذ 1948 في الداخل من الجليل إلى النقب. جعلت هذه التطورات العرب في إسرائيل يشعرون بتحسن أوضاعهم القانونية والاقتصادية، ولكن في الوقت ذاته تعمّقت هويتهم الفلسطينية وتكثف سعيهم للتنظيم السياسي، الأمر الذي سيفرز فيما بعد حركات وأحزاب سياسية عربية مستقلة وتعبئة شعبية مثلما حصل في يوم الأرض في آذار/ مارس 1976.