عانى التراث المعماري والأثري في فلسطين من الدمار والتدهور والإهمال. فبالإضافة إلى تدمير الكثير من المواقع الأثرية التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين واختفاء القطع الأثرية، كان للتغيرات المتسارعة وغير المسبوقة والتي لا تتماشى في أغلبها مع مفهوم الحفاظ على التراث أثر كبير على الطبيعة والمراكز الحضرية التاريخية والمواقع الريفية التراثية. وقد نتج ذلك عن تشريعات غير ملائمة وضعها الانتداب البريطاني، وزادها الاحتلال الصهيوني للأرض وسيطرته عليها سوءاً، وتفاقم الوضع جراء توسع المدن وتقصير السلطة الفلسطينية في هذا المجال. وعلى الرغم من بروز وعي جديد لأهمية الحفاظ على التراث في السنوات الأخيرة واتخاذ بعض الخطوات في هذا المجال، إلا أنها لا تزال غير كافية.
اجتذبت المواقع الاثرية الغنية في الأراضي المقدسة/ فلسطين، خلال مرحلة ضعف قبضة الامبراطورية العثمانية على الأقاليم التي كانت تحت سيطرتها في القرن التاسع عشر، اهتمام المستكشفين الباحثين عن الثروة والجمعيات العلمية والدينية، مستفيدين من التغلغل الاستعماري الأوروبي. وقد سعى العثمانيون، للحد من التنقيب غير المنظم والاستحواذ على/ وبيع القطع الاثرية (الايقونات، وقطع العملة، والسيراميك، القطع الحجرية والأثرية) ، من خلال إصدار قوانين وأنظمة أكثر صرامة (مراسيم الأثار لسنوات 1869، و1874، و1884، و1906) ذات صلة بحقوق التنقيب وملكية الموجودات المكتشفة: المنقولة وغير المنقولة. وقد نص مرسوم سنة 1906 على أن كافة الآثار التي يتم العثور عليها على أراضٍ عامة أو خاصة، تعتبر ملكاً للدولة ولا يمكن نقلها إلى خارج البلاد. إلاً أن التشريع العثماني لم يعرّف طبيعة "الآثار" وبالتالي لم يحُل دون حدوث التعديات.
فور احتلالها فلسطين، أولت السلطات البريطانية اهتماماً خاصاً بكل ما يتعلق بالإشراف على الأنشطة المرتبطة بالآثار وأصدرت إعلاناً عسكرياً بشأن الآثار في سنة 1918. وفي سنة 1929، أصدرت سلطات الانتداب قانون الآثار القديمة وعدّلته عدة مرات بعد ذلك. ولا يزال هذا القانون ساري المفعول في قطاع غزة. أما قانون الآثار القديمة الأردني لسنة 1966 والمطبق في الضفة الغربية والقانون الاسرائيلي للآثار لسنة 1978 المطبق في القدس، فلا يختلفان في جوهرهما عن قانون 1929. وكان الانتداب، استناداً إلى الترسيم الطوبوغرافي لفلسطين الذي قامت به بعثة استكشاف فلسطين (1871– 1878) وإلى تحقيقاته الخاصة، قد أصدر في 1929 "قائمة بالمواقع والمباني التاريخية" تحتوي على 2800 موقع رئيسي (خربة، وبرج، وكهف، وأماكن مقدسة، ومسجد، وكنيسة ...الخ) من العصور التاريخية وما قبل التاريخ. (تم تحديث هذه القائمة في سنة 1944 وإضايف إليها 200 موقع تقريباً).
من وجهة نظر معينة، يمكن أن نصف فترة الانتداب البريطاني على أنها فترة الحفاظ على الآثار. فقد استحدثت سلطات الانتداب دائرة للإشراف على الآثار، وقامت بحماية المواقع الموجودة، ونظّمت التنقيب والحفريات من خلال إصدار تراخيص مهنية، وأسست المتحف الفلسطيني للآثار المعروف باسم متحف روكفيلير. إلاً أنه من الصعب تقدير الخسائر التي مني بها التراث الفلسطيني جراء نصين في قانون الآثار في فترة الانتداب: فبعكس التشريع العثماني لسنة 1906، أعطى القانون الانتدابي حامل رخصة التنقيب عن الآثار "حصة عادلة" من الموجودات، وسمح بتجارة الآثار (بما يشمل التصدير) من خلال تجار مرخصين. ومن النواقص الرئيسية أيضاً في القانون الانتدابي (وفي القانونين الأردني والاسرائيلي أيضاً) انه عرّف "الأثار" (وبالتالي ما يستحق الحماية) على أنه "أي قطعة تم انتاجها أو تعديلها من قبل البشر قبل سنة 1700 بعد الميلاد." واستثنى القانون بشكل مقصود آلاف المباني والمزايا من حمايته والتي تشكل جزءاً من البيئة المعمارية الشعبية والأثرية الفلسطينية. واستلهمت سلطات الانتداب المفهوم الجمالي الغربي، وعمدت إلى الفصل بين الماضي الجامد للأراضي المقدسة وبين التراث والممارسات الحيّة لأهلها.
وخير مثال على ميل السلطات الاستعمارية البريطانية إلى استعادة أشكال قديمة لفلسطين وتجاهل المساهمات اللاحقة، عملية إعادة ترميم أسوار باب الخليل في البلدة القديمة في القدس عبر إعادتها إلى المخطط العثماني المبكر.
أما الأسوأ من بعض جوانب سياسة الآثار في فترة الانتداب، فكان رعاية سلطات الانتداب للمشروع الصهيوني الذي كان له أثر كارثي على الشعب الفلسطيني وأرضه. وقد تركت النكبة ندوباً لا تمحى على المشهد الذي أصبح لاحقاً دولة إسرائيل. فخلال عملية إقامة إسرائيل، دمّرت الميليشيات الصهيونية وهجّرت أكثر من 400 قرية وبلدة فلسطينية بشكل ممنهج، كما دمّرت و/ أو صادرت مئات الأماكن المقدسة والمقامات التي كان قد تبلور حولها العديد من الاحتفالات والتقاليد والمهرجانات الموسمية الاجتماعية. وكتعبير عن سياسات الهوية والذاكرة الجماعية، لا يزال التراث الفلسطيني المادي وغير المادي يتعرض للاستهداف.
خلال حكمها للضفة الغربية (1948– 1967)، حاولت المملكة الأردنية الهاشمية أن تحافظ على المقدسات، وخصوصاً تلك الموجودة في مدن القدس، والخليل، وبيت لحم، وأريحا. واستمرت المقاربة التي اتُّبعت في مرحلة الانتداب مثل "توحيد الأسلوب" في الترميم وتفضيل الهياكل المقدسة والضخمة على تلك العلمانية والبشرية. وكانت أهم المشاريع التي تم العمل عليها في تلك الفترة: ترميم المسجد الاقصى وقبة الصخرة (القدس)، وترميم خربة المفجر/ قصر هشام (أريحا)، وتنظيف المباني المملوكية والعثمانية المحاذية للمسجد الإبراهيمي (الخليل)، وتنظيف ساحة المهد التي تقع أمام كنيسة المهد بطبقاتها العثمانية وما سبقها. واستشارت السلطات الأردنية خبراء مصريين في أغلب أعمال الترميم في الخمسينات من القرن الماضي، وبدا جلياً من خلال نتائج عمليات الترميم أن الأولوية أُعطيت للقيمة الجمالية على حساب الذاكرة، والتقاليد الحيّة، وغيرها من القيم.
احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة بعد حرب 1967 واستمرت في تدمير المشهد الفلسطيني والبيئة المعمارية الفلسطينية. واعتمدت سلطات الاحتلال كلاً من قانون الآثار لسنة 1966 الساري في الضفة الغربية وقانون الآثار لسنة 1929 الساري في غزة، وأصدرت سلسلة من الأوامر العسكرية التي أدخلت من خلالها تعديلات على القانونين. وقد استخدمت اسرائيل الآثار كأداة لتمرير ايديولوجيتها من أجل خلق "حقائق على الأرض". ونتج عن استعمالها القانون كأداة، استثناء آلاف المباني ومزايا البيئة المعمارية التقليدية والتراثية. وهكذا، تم في فترة ما بعد 1967، إما التدمير المباشر لعناصر ومواقع التراث الفلسطيني أو مصادرتها. على سبيل المثال تم تدمير حي المغاربة وحي الشرف في البلدة القديمة في القدس لبناء ساحة حائط المبكى و"حارة اليهود". وأعطت الأوامر العسكرية في تلك الفترة تراخيص لحفريات وسمحت ببيع الآثار لجامعي الآثار مما سبب تدهوراً إضافياً في الإرث الثقافي.
بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو مع إسرائيل في سنة 1993، أعادت منظمة التحرير الفلسطينية إحياء قانوني 1929 (في قطاع غزة) و1966 (في الضفة الغربية)، متجاهلة الأوامر العسكرية الاسرائيلية التي عدّلتهما. ووفقاً لشروط اتفاقية أوسلو، تم تقسيم الضفة الغربية المحتلة إلى ثلاثة أقسام: المنطقة أ (وتضم ما نسبته 18% تقريباً من مساحة الضفة الغربية) والتي تشمل أغلب المدن والبلدات المأهولة وتقع تحت السيطرة الأمنية والمدنية للسلطة الفلسطينية، والمنطقة ب (22% تقريباً) والتي تشمل منطقة عازلة حول المنطقة أ وتقع تحت الإدارة المدنية للسلطة الفلسطينية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية، والمنطقة ج (60%) والتي تقع تحت السيطرة الأمنية والمدنية الاسرائيلية.
كان لهذا التقسيم تداعيات واسعة ومدمرة على التراث الثقافي: فأولاً، تشمل المنطقة ج آلاف المواقع الأثرية التي لا يوجد لها إدارة جديّة أو تفتيش صارم، ويمكن بالتالي سرقة القطع الأثرية وبيعها لجامعي الآثار الإسرائيليين بسهولة؛ ثانياً، نتج عن تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق تخضع كل منها إلى سيادة مختلفة، تركيز البناء بشكل مكثف في المنطقة أ وتوسعاً حضرياً استباح المراكز التاريخية والمواقع الأثرية؛ ثالثاً، لم تعطِ السلطة الفلسطينية أولوية لحماية الأثار وترميمها، ولم تصدر أي تشريعات تتعلق بالآثار كما أنها لم تخصص سوى موارد محدودة لعمليات الترميم.
ومن بين التداعيات السلبية الأخرى لاتفاقيات أوسلو، كان تدمير إسرائيل في سنة 2002 أجزاء مهمة من المراكز التاريخية لمدن نابلس، والخليل، وبيت لحم، وقلاع تيغارت (وهي مراكز إدارية شيّدها الانتداب البريطاني في الثلاثينات). وفي قطاع غزة، تعرضت بعض المواقع الأثرية القيّمة التي تعود إلى آلاف السنين إلى التدمير الكلي ليس فقط من خلال القصف الإسرائيلي المتكرر فحسب، بل من خلال البناء على هذه المواقع (مثل قلعة المملوك برقوق في خانيونس) إضافة إلى الإهمال الحكومي. ومن الأمثلة على ذلك ميناء أنثيدون في شمال غزة الذي يعود إلى الحقب الأشورية والرومانية واليونانية ابتداء من 1200 قبل الميلاد إلى 324 بعد الميلاد، وتلة أم عامر في النصيرات التي تحتضن ديراً مسيحياً من القرن الثالث بعد الميلاد، ودير القديس هيلاريون.
أدّى تشكيل السلطة الفلسطينية وبسط سلطتها على أجزاء من فلسطين، إلى خلق بيئة شجعت بعض الهيئات والمؤسسات على القيام بمبادرات لحماية الموروث الثقافي، من بينها جهات حكومية مثل وزارة السياحة والآثار، وجهات شبه حكومية مثل لجنة إعمار الخليل ومركز الحفاظ على التراث الثقافي في بيت لحم، ومؤسسات غير حكومية مثل مركز رواق للمعمار الشعبي ومؤسسة التعاون (وكلاهما في رام الله). وضعت هذه المؤسسات استراتيجيات وبرامج لحماية الموروث الثقافي الفلسطيني، وأنجزت العديد من عمليات الترميم والتأهيل وإعادة التأهيل.
فمنذ سنة 1993، استفادت عدة بلدات وقرى ومباني في الضفة الغربية من البرامج المذكورة، منها تنفيذ مشاريع كبيرة لإعادة إحياء المراكز التاريخية في بيت لحم، والخليل، والقدس، ونابلس، وجنين، بالإضافة إلى مراكز تاريخية حددتها مؤسسة رواق على أنها من بين أهم 50 مركزاً تاريخياً في فلسطين (تشمل القائمة بيرزيت، والطيبة، والظاهرية، وحجة، ودير غسانة، وعبوين، وجماعين، وعصيرة الشمالية، ورنتيس، وبيت اكسا، وجبع). في غزة، وفيما عدا بعض المشاريع الصغيرة التي قامت بها وزارة السياحة والآثار، ومركز اإيوان للتراث المعماري في غزة، ورواق، ومدرسة الكتاب المقدس والآثار في القدس (École biblique et archéologique de Jérusalem)، لم يكن هناك جهد كافٍ لترميم الموروث الثقافي.
أخيراً، طرحت السلطة الفلسطينية في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين بعض المواقع لتضاف إلى قائمة التراث العالمي، وفاز اثنان من هذه المواقع بهذه المكانة: كنيسة المهد في بيت لحم، وموقع بتير (المنظر الطبيعي لتلال بتير) التي تبعد 6 كم غرب بيت لحم.