يدعو الجيش الإسرائيلي المستوطنين إلى إخلاء 25 مستوطنة (من بينها 4 مستوطنات في شمال الضفة الغربية ) قبل 15 آب/ أغسطس، إن كانوا يرغبون بالحصول على التعويض الكامل. في 10 آب، تنتشر قوات الأمن الفلسطينية في محيط المستوطنات في غزة ، من أجل منع الفلسطينيين من الاقتراب من مناطق الانسحاب. هذا الانتشار هو المسألة الوحيدة التي تم تنسيقها بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية . وبحلول 15 آب، يكون قد غادر بالفعل نصف المستوطنين الذين يبلغ عددهم 8,500، غير أن 5,000 تقريباً من المحتجين (معظمهم من المستوطنين الشباب في الضفة الغربية) تسللوا إلى مستوطنات غزة. ويجري الإخلاء القسري للمستوطنين المتبقين ما بين 17 و22 آب، بسرعة وسهولة نسبياً، بشكل يكذّب أولئك الذين تنبؤوا بأحداث عنف على نطاق واسع. تقع أعمال انتقامية ضد الفلسطينيين أشدها خطورة: عمل انتقامي في شفا عمرو ، إذ يقوم جندي هارب من الخدمة بإطلاق النار فيقتل 4 فلسطينيين ويجرح 20، قبل أن يتم ضربه حتى الموت من قبل المتجمهرين (4 آب)؛ وآخر في المنطقة الصناعية في شيلو بالضفة الغربية، حيث يقوم مستوطن بإطلاق النار ويقتل 5 فلسطينيين (17 آب).
شكّل خروج جميع المستوطنين الإسرائيليين من غزة وعدد أقلّ بكثير من الضفة الغربية في منتصف سنة 2005 خطوة مهمة في خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون ، والتي كان قد اعتمدها أثناء الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى)، لتوسيع حدود إسرائيل من طرف واحد، من دون الحاجة إلى اللجوء إلى محادثات سلام مع منظمة التحرير الفلسطينية . وقد شكّلت عملية إعادة الإنتشار، بالإضافة إلى بناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية، خطوة مهمة في الإستراتيجية الإسرائيلية لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية والحفاظ على السيطرة الدائمة على أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية .
جاء الإعلان الأول بشأن خطة فك الارتباط عن غزة في 2 شباط/ فبراير 2004، على خلفية التطورات التي لم تكن كلها لمصلحة إسرائيل. فكان جيشها قد غزا مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وشدد سيطرته عليها، ولكن المقاومة الفلسطينية المسلحة لم يتم القضاء عليها تماماً، في حين كانت العمليات الإسرائيلية المدمرة ضد قطاع غزة بعيدة كل البعد عن إخضاع شعبه ونزع سلاح مقاتليه. أما ياسر عرفات ، فكان ضعيفاً محلياً ومنعزلاً دولياً لكنه كان لا يزال يسيطر على السلطة الفلسطينية.
وكانت الولايات المتحدة
، وتلاها الأعضاء الآخرون في
لقد شكّلت خطة شارون لإعادة نشر المستوطنات الإسرائيلية وإخلائها من غزة انقلاباً تاريخياً مقارنةً بموقفه في سنة 1971 عندما أوصى، كقائد عسكري للقيادة الجنوبية لإسرائيل، بإنشاء العديد من المستوطنات اليهودية ("الأصابع اليهودية" كما وصفها)، بغية تقسيم قطاع غزة والسيطرة عليه بشكل دائم.
من الجدير بالذكر أن بعض الإسرائيليين كانوا يعتبرون، منذ فترة طويلة، أن غزة تشكل عبئاً استراتيجياً، وفي سنة 1994، كان قطاع غزة، بما في ذلك أحياؤه المكتظة بالسكان، المنطقة الأولى التي يتم إجلاؤها من قبل القوات الإسرائيلية كجزء من اتفاقيّة أوسلو .
ويعود تغيّر موقف شارون بشأن مسألة الحفاظ على مستوطنات غزة إلى عدد من الاعتبارات الإستراتيجية: فقد رغب في التخلص من المشاكل المستعصية التي يفرضها ضمان أمن قرابة 8,000 مستوطن في وسط أكثر من 1,400,000 فلسطيني محاصرين في منطقة صغيرة؛ وكان يرى بأنه من الأفضل جعل غزة "مشكلة مصرية" بدلاً من مشكلة اسرائيلية، وذلك لفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة ولتطوير كُتلِ المستوطنات الرئيسية فى الضفة الغربية بشكل دائم والحفاظ عليها؛ ومن وجهة نظر تكتيكية، كان يرى أن إسرائيل ستكون أفضل حالاً إذا ما عمِلت بشكل أحاديّ لتحقيق أهدافها الإستراتيجية طويلة الأجل بدل السعي لتحقيق ذلك من خلال المفاوضات مع القيادة الفلسطينية؛ وأخيراً، كان من شأن فك الارتباط عن غزة أن يبرهن للرأي العام الأميركي والعالمي على حدّ سواء، أن إسرائيل مستعدة للانسحاب من بعض الأراضي المحتلة في سنة 1967، فضلاً عن أن هذه الخطوة قد تسفر عن فائدة إضافية، وهي الحصول على دعم الإدارة الأميركية لتوطيد سيطرة إسرائيل على أجزاء من الضفة الغربية.
جاءت تفاصيل المبادئ الأساسية لخطة فك الارتباط للمرة الأولى في رسالة، جرى الاتفاق على نصها مسبقاً، موجهة من شارون إلى الرئيس الأميركي
وأعلن أنه، في إطار خطة فك الارتباط من جانب واحد، فإن إسرائيل ستنسحب من قطاع غزة، بما في ذلك كافة المستوطنات الموجودة هناك حالياً، وسوف "تشرف على الغلاف الخارجي" لقطاع غزة من البر والبحر والجو، وسوف تواصل، في المرحلة الأولى، الحفاظ على تواجد عسكري على طول الخط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة ومصر (طريق "فيلادلفيا" أو "صلاح الدين"). كما أنها سوف تُخلي أربع مستوطنات شمال الضفة الغربية (غنيم ، كديم ، حومش ، صانور ) كما وكافة المنشآت العسكرية الدائمة في هذه المنطقة، وستُعيد انتشارها خارج المنطقة التي يتم إجلاؤها.
وأكد شارون، في المقابل، أن إسرائيل ستواصل بناء السياج الأمني (الجدار الفاصل) وأنه في أي اتفاق بشأن الوضع النهائي في المستقبل، "ستبقى في يهودا والسامرة مناطق ستكون جزءاً من دولة إسرائيل، وضمنها مستوطنات مدنية، ومناطق عسكرية، وأماكن سيكون لإسرائيل فيها مصالح أخرى."
وفي رسالة ردّ تم تسليمها لشارون في اليوم ذاته، رحّب بوش بخطة اسرائيل لفك الارتباط واعتبرها "مبادرة جريئة وتاريخية يمكن أن تكون ذات إسهام كبير في عملية السلام"، وأعاد التأكيد على التزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل "كدولة يهودية"، كما أكّد أنه "في ضوء الوقائع الجديدة على الأرض، بما فيها وجود تجمعات سكانية إسرائيلية رئيسية في الضفة الغربية، فـ"من غير الواقعي" أن نتوقع عودة كاملة إلى
وبعد الحصول على موافقة أميركية قوية على خطته، شرع شارون في الحصول على الدعم الداخلي. وكان حزب الليكود ، الذي كان يرأسه كرئيس للوزراء، مؤيداً قوياً للمستوطنات في غزة والضفة الغربية، معتبراً أن كلا المنطقتين جزء من التراث اليهودي التوراتي، وبالتالي مناطق مشروعة لعيش اليهود فيها. ومع ذلك، شعر شارون أن غالبية الجمهور الإسرائيلي كانت تدعم قراره، وقد نجح في الحصول على موافقة مجلس الوزراء على خطته في 6 حزيران/ يونيو 2004، وإن مع الكثير من المقاومة والإبهام. ومع اقتراب انتقال المستوطنين اليهود من غزة من موعد التنفيذ (المقرر أن يبدأ في 8 آب/ أغسطس 2005)، بدأ المستوطنون حملة علاقات عامة ضخمة كان شعارها "اليهود لا يطردون اليهود"، فيما استقال بنيامين نتنياهو ، وزير المالية وعضو حزب الليكود الذى يرأسه شارون نفسه، من الحكومة احتجاجاً في 7 آب.
نفذّت القوات الإسرائيلية عملية الإجلاء القسري لمستوطني غزة ما بين 17 و22 آب 2005، وقد واجهت مقاومة كبيرة منهم، إنما لم يحصل أي اشتباكات مسلّحة بحسب ما حذّرت منه المجموعات المؤيّدة للاستيطان.
وتمت عملية الانسحاب العسكري في 21 أيلول/ سبتمبر، وقد حافظت القوات الإسرائيلية على سيطرة خارجية مشدّدة على القطاع من البرّ والبحر والجو، كما أعلنت وزارة الداخلية في اليوم ذاته أن قطاع غزة هو "إقليم أجنبي".
وعلى عكس خطة شارون المبدئية، انسحبت القوات الإسرائيلية أيضاً من الحدود بين غزة ومصر (طريق "فيلادلفيا" أو "صلاح الدين")، مع قيام الحكومة الإسرائيلية بالتوقيع (في 1 أيلول) على بروتوكول إسرائيلي مصري ينصّ على نشر حراس مصريين على طول الحدود.
أما داخل غزة، ففرضت السلطة الفلسطينية سيطرة فورية على الأراضي التي تم إجلاؤها، وسط احتفالات شعبية. إنما في الضفة الغربية، لم يتم تسليم الأرض التي تم إخلاء المستوطنات الأربعة منها إلى السلطة الفلسطينية وبقيت جزءاً من المنطقة "ج" تحت السيطرة المدنية والأمنية الإسرائيلية الكاملة، وذلك وفقاً لأحكام اتفاقات أوسلو .
وفي 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005، توصلت الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، بمشاركة نشطة من ممثل اللجنة الرباعية
كان لفك الارتباط عن غزة عواقب سياسية وإستراتيجية، وقد كان بعضها بعيد الأثر. في إسرائيل، ضعفت سيطرة شارون على حزب الليكود، فدعا في 21 تشرين الثاني 2005، إلى انتخابات مبكرة وأعلن عن تشكيل حزب جديد، هو حزب كاديما
، وطلب من أتباعه في الليكود الانضمام إليه. أما على الساحة الداخلية الفلسطينية، بدا أن حركة "