عشية النكبة، كان لواء غزة يشكل أحد الألوية الخمسة في فلسطين الانتدابية، وكان يشمل قضاءي غزة وبئر السبع. وفي إثر العمليات الحربية، سيطرت دولة إسرائيل على قضاء بئر السبع بكامله، وعلى الجزء الأكبر من قضاء غزة. وما تبقى خارج الاحتلال من قضاء غزة أضحى تحت الإدارة العسكرية المصرية وعُرف لاحقاً بقطاع غزة، بمساحة بلغت 361 كم2، أي ما لا يزيد على 1.33 بالمئة من مساحة فلسطين. وقد رافق احتلال القسم الأعظم من اللواء تدمير 49 قرية وتهجير سكانها. فبلغ عدد الذين لجأوا إلى قطاع غزة من لواء غزة، وأيضاً من لواء اللد، أكثر من 200 ألف نسمة، في حين أن عدد الذين كانوا يسكنون أصلاً في القطاع لم يتجاوز آنذاك 80 ألف نسمة.
اُستقبل اللاجئون بداية في المساجد والمدارس والبيوت وبعض الثكنات والأرض العراء. وجرّاء اتفاق مع الأمم المتحدة، اضطلعت "لجنة خدمة الأصدقاء الأميركيين" (AFSC) التابعة لجمعية "الكويكرز" الأميركية بمسؤولية إغاثة اللاجئين، فأنشأت 8 مخيمات على أراضٍ حكومية خصصتها الإدارة المصرية (جدول رقم 1)، وأُعطيت لها أسماء المدن والبلدات المجاورة. وأشرفت الجمعية على هذه المخيمات حتى تشكيل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأونروا"، بناء على قرار الجمعية العامة رقم (302) في 8 كانون الأول/ ديسمبر 1949، ومباشرة عملها في 1 أيار/ مايو 1950. ومنذ ذلك الوقت، مثلت مخيمات قطاع غزة شاهداً على ما حاق بسكانها من اقتلاع وتشريد، وظلت رمزاً للمعاناة المستمرة؛ إذ تجمّع نفر كثير من الناس في مساحة محدودة في المكان والإمكانات. ومنذ سنة 1948 وحتى يومنا هذا، استحوذت مخيمات غزة على مكانة مميزة في مجرى الصراع، بوصفها ساحة اشتباك مع الاحتلال، وكفاح ضد أسباب المعاناة.
جدول رقم 1: مخيمات اللاجئين في قطاع غزة
اسم المخيم |
المحافظة |
سنة الإنشاء |
المساحة عند الإنشاء (دونم) |
جباليا |
شمال غزة |
1948 |
1403 |
الشاطئ |
غزة |
1951 |
447 |
النصيرات |
الوسطى |
1948 |
788 |
البريج |
الوسطى |
1952 |
528 تقلصت إلى 478 |
المغازي |
الوسطى |
1949 |
599 تقلصت إلى 548 |
دير البلح |
الوسطى |
1949 |
156 تقلصت إلى 132 |
خانيونس |
خانيونس |
1949 |
549 زادت إلى 564 |
رفح |
رفح |
1949 |
1074 |
المصدر: موقع "الأونروا" unrwa.org
بعد شتاء 1950 القارس، شرعت الأونروا في إسكان اللاجئين من خلال بناء مساكن من الطوب والحجر بعد أن كانوا يقيمون في الخيام؛ فتمّ بناء 48.000 مأوى (المأوى 150 متراً مربعاً) في المخيمات الثمانية، توسعت لاحقاً لاستيعاب الزيادة السكانية (جدول رقم 2). كما قدمت الحصص الغذائية والخدمات الصحية. ومن أجل المساهمة في اعتماد اللاجئين على النفس، قامت الأونروا منذ ذلك الحين حتى اليوم، بتوفير التعليم الابتدائي والتدريب المهني، وأحياناً العمل. وقد أدارت الأونروا خدماتها وأعمالها، منذ نشأة المخيمات، من خلال مكتب في كل مخيم بالإضافة إلى مدير المخيم، الذي لا تنحصر مهمته في تيسير الوصول إلى خدمات الأونروا فحسب، بل تتعداها إلى إدارة وتنسيق جوانب أخرى من الحياة داخل المخيم. وغالباً ما يتم اختيار المدير من النخبة السياسية أو المثقفة في المخيم. ومع حلول تسعينيات القرن الماضي، بدأت الوكالة بمنح قروض صغيرة (بما فيها للنساء)، لتشجيع اللاجئين على القيام بمشاريع مدرِّة للدخل. كما أنها أدت في أوضاع معينة (خلال الانتفاضة الأولى مثلاً)، دوراً بارزاً في حماية اللاجئين من ممارسات الجيش الإسرائيلي التعسفية إزاء تظاهرات الشبان الفلسطينيين.
في بداية الخمسينيات، بعيد إنشاء وكالة الغوث، حاولت جهات دولية (الولايات المتحدة أولاً) طرح مشاريع لتوطين اللاجئين، باستغلال الأوضاع القاسية التي يكابدونها لإجبارهم على القبول. ففي سنة 1951، بدأت الأونروا، تنفيذ برنامج لنقل 2500 لاجئ إلى ليبيا، باقتراح بريطاني، وموافقة ليبية. ثم شرعت بعد ثورة تموز/ يوليو 1952، في التفاوض مع الحكومة المصرية لبلورة مشروع توطين 12.000 أسرة من لاجئي القطاع على أراضٍ واقعة شمال غرب سيناء. وفي سنة 1953 توصل الطرفان إلى اتفاق بهذا الشأن كان تنفيذه يتطلب استصلاح الأراضي عن طريق إيصال قسط من مياه النيل سنوياً. غير أن هبّة آذار/ مارس 1955، التي تفجرت غداة غارة إسرائيلية على معسكر للجيش المصري في مدينة غزة وشهدت تعبئة جماهيرية وتظاهرات حاشدة ضد مشاريع التوطين عكست توق اللاجئين إلى العودة، ورفضهم حياة البؤس، واستعدادهم للتضحية المتمثلة بالعمل الفدائي. وقد أدت الهبّة إلى استجابة الرئيس جمال عبد الناصر لطرح مشروع التوطين جانباً، وإلى إبراز قضية اللاجئين بوصفها قضية سياسية ونضالية لا إنسانية فحسب.
أمّا فيما يتعلق بمعالجة الأحوال المدنية للاجئين، فقد قامت الإدارة المصرية بمهمات تسجيلهم مع سائر المقيمين الأصليين في غزة، وإصدار الأوراق الثبوتية. وحملت وثيقة السفر التي كانت تُعطى للراغبين في السفر اسم حكومة عموم فلسطين، على الرغم من أن هذه الحكومة التي أُعلنت في مدينة غزة في أيلول/ سبتمبر 1948 لم تمارس أي صلاحية فعلية في القطاع. وفي سنة 1961، أصدرت السلطات المصرية وثائق سفر جديدة لم تعد تتضمن اسم حكومة عموم فلسطين، بل حملت إشارة إلى "اللاجئين الفلسطينيين"، وكانت تُعطى للمقيمين الفلسطينيين بقطاع غزة وفي الإقليم المصري، دون التمييز بين اللاجئ وغير اللاجئ.
ومن الجدير بالذكر أن السلطات المصرية لم تمنح وضعاً قانونياً خاصاً للاجئين في قطاع غزة. ولعلّ الاستثناء القانوني – السياسي الوحيد تمثل في القانون الأساسي لقطاع غزة الذي أصدرته الحكومة المصرية في سنة 1955 والذي وُضع في حيز التنفيذ سنة 1958. ففي فصله الثالث المتعلق بالمجلس التشريعي، نصّ القانون الأساسي على كيفية تشكيل هذا الأخير (علماً بأن سلطاته محدودة على أية حال): أعضاء المجلس التنفيذي الـعشرة؛ 10 أعضاء يمثلون البلديات؛ 7 أعضاء من أهالي القطاع يختارهم المجلس التنفيذي من أصحاب المهن. وإلى جانب سالفي الذكر، نص القانون الأساسي على ضم 4 أعضاء من اللاجئين الفلسطينيين يختارهم المجلس التنفيذي أيضاً. أمّا النظام الدستوري لقطاع غزة الذي صدر سنة 1962، فلم يذكر اللاجئين في تشكيل المجلس التشريعي: أعضاء المجلس التنفيذي؛ 10 أعضاء يعينهم الحاكم العام؛ 22 عضواً ينتخبهم أعضاء اللجان المحلية للاتحاد القومي العربي الفلسطيني.
من الممكن أن المسؤولين المصريين الذين وضعوا النظام الدستوري لسنة 1962 لاحظوا أنه لم تعد ثمة حاجة إلى تخصيص مقاعد للاجئين في المجلس التشريعي، بسبب ازدياد الفرصة لتعيينهم أعضاء فيه جرّاء ثقلهم الديموغرافي، واندماجهم بالتدريج في حياة القطاع الاقتصادية والاجتماعية. ففي حين اقتصرت مصادر دخل اللاجئين في سنوات اللجوء الأولى على تلقي خدمات الأونروا، بدأ اللاجئون فيما بعد ممارسة مهنة الصيد وبعض الأعمال التجارية الصغيرة والانخراط في الوظائف الرسمية في الأونروا أو في المديريات التابعة للمجلس التنفيذي الحاكم.
أمّا بالنسبة إلى العلاقات الاجتماعية مع أهل القطاع، فلم يكن الاندماج مكتملاً عشية حرب 1967. ففي البداية، لدى تدفق اللاجئين إلى قطاع غزة، استقبلت أسر وعائلات من السكان المحليين أعداداً كبيرة من اللاجئين إلى أن انتقل معظمهم إلى العيش في المخيمات بعد تأسيسها، أو السكن في الحي نفس عبر امتلاك البيوت أو استئجارها. ثم شهد القطاع توترات لم تصل أبداً إلى حد العداء؛ وبقيت محصورة في إطار التعبيرات اللفظية، وبعض الممارسات الاجتماعية السلبية (رفض المصاهرة مثلاً). ومع مرور الأيام، توطدت العلاقات الاجتماعية، وساهم في ذلك استثمار اللاجئين في التعليم، الذي شكل آلية من آليات التكيف. وستتوطد العلاقات بين المجموعتين أكثر بعد حرب سنة 1967 واحتلال قطاع غزة من قبل القوات العسكرية الإسرائيلية.