بعد أن احتلت طبريا
قبل عشرة أيام، تشن
استقبلت سوريا الموجة الأولى من الهجرة الفلسطينية بعد نكبة فلسطين عام 1948، وقُدّر عدد أفرادها بـ85 ألف لاجئ انحدر حوالي 40 في المئة منهم من صفد وقضائها، وحوالي 22 في المئة من حيفا وقضائها، وحوالي 16 في المئة من طبرية وقضائها، وتوزع الباقون بنسب متفاوتة على مدن عكا والناصرة ويافا وبيسان والناصرة. وأعقب موجة اللجوء الأولى تلك لجوء أعداد أخرى في فترات مختلفة، من لبنان والمناطق الحدودية المنزوعة السلاح في الخمسينيات، ومن الضفة الغربية وقطاع غزة بعد العدوان الإسرائيلي في حزيران/ يونيو 1967، ومن الأردن إثر الصدامات التي وقعت في سنتي 1970 و1971، بين الجيش الأردني وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، ومن لبنان إثر الاجتياح الإسرائيلي صيف سنة 1982.
ووفق تقديرات "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا)، بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا قبل اندلاع الأزمة السورية مطلع ربيع 2011، نحو 528 ألف لاجئ، بيد أن العدد الفعلي للفلسطينيين المقيمين في سوريا قبل وقوع الأزمة، قد يصل إلى نحو 600 ألف شخص، نظراً إلى أن "الأونروا" لم تُسجّل في سجلاتها معظم الفلسطينيين الذين وفدوا إلى سوريا بعد موجة عام 1948، من الأردن ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة.
وأقام اللاجئون الفلسطينيون بعد وصولهم الأراضي السورية في مواقع وتجمعات ومخيمات أو داخل بعض المنشآت الحكومية والجوامع، كما استقر آخرون في حي الأليانس (حي الأمين) وسط العاصمة دمشق، الذي كان يضم عدة آلاف من اليهود السوريين الذين كانوا غادروا سوريا نحو فلسطين. وبين الأعوام 1953 و1955، استطاعت "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب" توزيع الأراضي على اللاجئين للسكن الموقت، وذلك إلى أن تمّ بناء التجمع الفلسطيني الأكبر في سوريا في منطقة بساتين الميدان والشاغور جنوب دمشق، وأُطلق عليه اسم "مخيم اليرموك".
ويعيش نحو 71 في المئة من مجموع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى "الأونروا" في مخيمات، بينما تقيم نسبة 29 في المئة منهم داخل المدن. وتستأثر العاصمة دمشق، وريفها بنحو 67 في المئة من إجمالي مجموع اللاجئين الفلسطينيين، يتوزع القسم الأكبر منهم على ثمانية مخيمات، ثلاثة منها لا تعدّها "الأونروا" مخيمات رسمية لكنها تقدم لها كل الخدمات في مجالات التعليم والصحة والتأهيل المهني، وأهم هذه المخيمات الثلاثة "مخيم اليرموك"، الذي كان يقطنه، وفق معطيات "الأونروا" حتى كانون الأول/ ديسمبر 2012 أكثر من 160 ألف شخص، من ضمنهم عدة آلاف من السوريين. وخارج محافظة دمشق وريفها، يتوزع اللاجئون الفلسطينيون على مخيمين في محافظة حلب، وعلى مخيم واحد في كل من محافظات حمص، وحماه، واللاذقية، ودرعا.
وتشرف على شؤون اللاجئين الفلسطينيين في سوريا "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب"، التي تأسست بموجب القانون رقم 450 تاريخ 25 كانون الثاني/ يناير 1949، وكانت تتبع في البدء لوزارة الداخلية ثم - بعد عام 1958 - لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وتحددت مهامها في تنظيم سجلات بأسماء اللاجئين وأحوالهم الشخصية ومهنهم، وإيجاد الأعمال المناسبة لهم، واستلام ما يخصص لهم من التبرعات والهبات. وتعتبر هذه الهيئة مسؤولة عن الإشراف على نشاطات "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا)، التي أُنشئت بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 302 تاريخ 8 كانون الأول/ ديسمبر 1948، وباشرت مهامها في أيار/ مايو 1950، وصارت تقدم خدماتها للاجئين الفلسطينيين في مجالات التربية والصحة والشؤون الاجتماعية، عبر إدارتها عدداً من المدارس والمعاهد والمجمعات الطبية ومراكز الخدمة الاجتماعية.
ويخضع اللاجئون الفلسطينيون المسجلون في قيود "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب" للقوانين السورية، من حيث المساواة مع المواطن السوري في كل المجالات، ما عدا حق الانتخاب والترشح للبرلمان السوري وللإدارات المحلية، فقد ساوى القانون الرقم (260)، الصادر بتاريخ 10 تموز/ يوليو 1956، اللاجئ الفلسطيني بالمواطن السوري، من حيث الأنظمة المتعلقة بحقوق التوظيف والعمل والتجارة وخدمة العلم، مع الاحتفاظ بالجنسية الفلسطينية. كما تمتع اللاجئ الفلسطيني بحق تملك أكثر من محل تجاري، واستثمار المتاجر، والحق في تملك شقة سكنية واحدة. وفي 2 تشرين الأول /أكتوبر 1963، صدر القرار رقم (1311)، الذي قرر بموجبه وزير الداخلية إعطاء اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في الجمهورية العربية السورية وثائق سفر، على أن يكونوا مسجلين لدى "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب". ويتمتع صاحب وثيقة السفر هذه بحق العودة إلى سوريا من دون تأشيرة عودة.
بفضل تمتعهم بهذه الحقوق، انخرط اللاجئون الفلسطينيون في سوريا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلد بصورة أفضل من غيرهم من اللاجئين الفلسطينيين في بلدان الشتات، إذ استطاع عدد منهم الوصول إلى مراتب عليا في الهيئات الحكومية. وفي ما يتعلق بتوزع قوة العمل الفلسطينية، لوحظ أن قطاع الخدمات، العامة والخاصة، استوعب النسبة الأكبر من إجمالي قوة العمل هذه، تلاه قطاع البناء، ثم قطاع الصناعة التحويلية، وقطاع التجارة، وأخيراً قطاع الزراعة. وعلى الصعيد الاجتماعي، حقق الفلسطينيون المقيمون في سوريا نجاحاً مرموقاً في قطاع التعليم، حيث استفادوا بشكل كامل من مراحل التعليم الحكومي المجاني المفتوح أمامهم، ومن خدمات "الأونروا" التعليمية، ما مكَّنهم من الحصول على وظائف أفضل، ومن تقليص نسبة الأمية بين صفوفهم إلى حد كبير. وعلى الرغم من تراجع خدمات "الأونروا" الصحية في السنوات الأخيرة، إلا أن الوضع الصحي للاجئ الفلسطيني في سوريا يبقى متقدماً على نظيره الفلسطيني في لبنان على سبيل المثال، نتيجة استفادته من مجانية الاستطباب في المشافي الحكومية السورية أسوة بنظيره المواطن السوري.
أما على الصعيد السياسي، فقد نشط بين صفوف اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، بعد انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، مختلف الفصائل الفلسطينية، بيد أن نشاطها هذا لم يتطبع بطابع عسكري –كما حصل في لبنان- بل اتسمّ بطابعه السياسي المدني، نتيجة قدرة الدولة السورية وأجهزتها الأمنية على التحكم به. وقد نجحت السلطات السورية، ولا سيما بعد الانشقاق الذي وقع في صفوف "حركة فتح" في ربيع سنة 1983، في استقطاب الفصائل المعارضة للقيادة الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومكّنتها قبل اندلاع الأزمة السورية، من التحوّل إلى قطب فاعل في ساحة العمل الوطني الفلسطيني.
انتهت الأوضاع المستقرة التي عاشها اللاجئون الفلسطينيون في سوريا بعد اندلاع الأزمة في هذا البلد مطلع ربيع سنة 2011، على رغم حرص معظم القوى والفصائل الفلسطينية على تحييد المخيمات وعدم التدخل في الشأن الداخلي السوري، فصار هؤلاء اللاجئون يعانون من أوضاع مأسوية صعبة في مخيماتهم، التي تحوّل بعضها ساحات للمواجهة بين قوات المعارضة المسلحة والجيش السوري، ففي "مخيم اليرموك"، اضطر نحو 130 ألفاً من اللاجئين الفلسطينيين إلى النزوح منه، فيما عانى الباقون من حصار قاسٍ، ومن مجاعة أدت إلى موت العشرات منهم. ومن ناحية أخرى، بلغ عدد اللاجئين الذين لقوا مصرعهم خلال الصدامات حتى تاريخ 28 شباط/ فبراير 2013، 1036 فلسطينياً، وفق "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا"، التي تقوم بتوثيق أسماء القتلى الفلسطينيين في سوريا، وظروف مقتلهم وتاريخه ومكانه.
وقد بلغ إجمالي عدد النازحين الفلسطينيين من سوريا إلى خارجها نحو 15 في المائة من مجمل فلسطينيي سوريا، في حين بقي مثلهم تقريباً داخل المخيمات، ونزح الباقون إلى مناطق أخرى في سوريا ومعظمهم في العاصمة دمشق. وتشير الإحصاءات غير الرسمية إلى دخول ما يزيد عن 53715 لاجئاً فلسطينياً من مخيمات سوريا إلى لبنان حتى نهاية شهر كانون الثاني/ يناير 2013. واستقر معظم هؤلاء النازحين عند أقارب لهم في مخيمات لبنان، أو عند عائلات لبنانية فتحت لهم بيوتها، أو في مراكز إيواء موقتة. بيد أن سيل هذا النزوح من سوريا إلى لبنان توقف بعد قيام السلطات اللبنانية، في أيار/ مايو 2014، باتخاذ إجراءات مشددة لمنع الفلسطينيين القادمين من سوريا من دخول لبنان.
كما تمكنت آلاف قليلة من هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين من النزوح إلى الأردن، وعلى رغم إجراءات السلطات الأردنية الصارمة لمنع دخولهم أراضيها، يُعتقد أن أعداداً منهم استقروا في "مخيم الزعتري" للاجئين السوريين من دون الكشف عن وثائقهم الفلسطينية.
من ناحية أخرى، استفاد عدد من اللاجئين الفلسطينيين من القرار الذي اتخذته السلطات المصرية في بداية الأزمة السورية، بالسماح باستقبال اللاجئين الفلسطينيين من سوريا من حملة الوثائق موقتاً، وذلك قبل أن تتراجع عن قرارها هذا ويصبح من المتعذر السماح لفلسطينيي سوريا بالسفر إلى مصر من مطار بيروت.
وتتحدث الأرقام عن وصول نحو 250 عائلة من فلسطينيي سوريا إلى قطاع غزة قادمة من مصر. وقد غامرت بعض عائلات اللاجئين الفلسطينيين بحياة أفرادها في قوارب الموت وعلى المعابر الدولية، فنجح بعضها في الحصول على لجوء في أحد البلدان الأوروبية، وبخاصة الإسكندنافية، بينما ابتلعت مياه البحر الأبيض المتوسط بعضها الاخر.