ينشئ القرار وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط "أونروا" (UNRWA) لتحلّ محلّ لجنة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيّين التي أنشئت بموجب قرار الجمعية العامة 212 بتاريخ 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 1948.
أَنشأت الجمعية العمومية في الأمم المتحدة وكالةَ الأونروا، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، في كانون الأول/ ديسمبر 1949، من أجل تقديم الإغاثة إلى اللاجئين الفلسطينيين وتعزيز إعادة اندماجهم الاجتماعي-الاقتصادي. شمل ذلك حوالى 800 ألف لاجئ وجدوا أنفسهم في محنة بعد فقدانهم منازلهم وسبل عيشهم خلال حرب فلسطين سنة 1948 وفي أعقابها.
وأصبحت الأونروا، إلى جانب النظام الدولي لحماية اللاجئين ممثَّلاً بـ"المفوضية العليا للاجئين" التي استُبعد منها اللاجئون الفلسطينيون، واحدة من أكثر المنظمات التابعة للأمم المتحدة تأثيراً. ويشكّل الخمسة ملايين شخص -عدد اللاجئين الأصليين وذرّيتهم- المسجَّلون حالياً في مناطق عمل الأونروا (الأردن، لبنان، سوريا، الضفة الغربية، قطاع غزة)، العددَ الأكبر من اللاجئين في العالم.
وتشمل خدمات الأونروا وبرامجها التي يعمل فيها يومياً حوالى 30 ألف موظف، قطاعَ التعليم (المرحلة الابتدائية غالباً، وتشمل في لبنان المرحلة الثانوية)، والتدريب المهني، والرعاية الصحية (الوقائية والعلاجية معاً)، والخدمات الاجتماعية، وتمويل المشاريع الصغيرة، وتحسين البنى التحتية في مخيمات اللاجئين التسعة والخمسين، وكل هذا أعطى الوكالة مظهراً مدنياً "شبه حكومي". إضافة إلى ذلك، وفّرت البرامج الطارئة للوكالة الحمايةَ المباشرة للاجئين أثناء الصراعات الدامية العديدة التي اندلعت في منطقة الشرق الأدنى (على سبيل المثال الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة خلال صيف سنة 2014).
لكن الأمر الذي يعطي الوكالة فرادتها هو المضمون السياسي لنشاطها، فهي الوكالة الوحيدة التابعة للأمم المتحدة التي تقدّم الدعم لجماعة واحدة من اللاجئين (اللاجئين الفلسطينيين)، وكانت الشاهدَ على محنتهم، إضافة إلى كونها عنوان الالتزام الدولي بمعالجة وضعهم، لاسيما تطبيق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 بتاريخ كانون الأول/ ديسمبر 1948، الذي نصت الفقرة 11 منه على عودة اللاجئين إلى ديارهم أو إعادة توطينهم مع التعويض.
وعلى رغم الأهمية التي اكتسبتها الوكالة خلال أكثر من ستة عقود، إلا أن وضعها القانوني لم يتطوّر، إذ ظلت هيئة موقتة (تم تحديد عملها بدايةً بعمليات إغاثة تنتهي في كانون الأول/ ديسمبر 1950) يتم التجديد لها بانتظام لفترات تمتد من ثلاثة أعوام إلى خمسة. وعلاوة على ذلك، لا يزال تمويلها يتم عبر التبرعات المقدَّمة من أعضاء المجتمع الدولي، وقد أعاقت هذه الهشاشة التأسيسية الوكالة عن وضع خطط طويلة الأجل لأعمالها.
وفي الوقت الذي كانت الأونروا تحاول جاهدة التكيّف مع وضعها من أجل تلبية احتياجات اللاجئين المتغيرة، كان عليها أيضاً التعامل مع الضغوط التنافسية من مختلف شركائها، وأهمهم: المانحون الرئيسيون، القوى الغربية التي يمكن تفسير مشاركتها الحاسمة في إنشاء الأونروا وتمويلها بحرصها على الحفاظ على الاستقرار في المنطقة من أجل مصالحها الجيوسياسية، البلدان المضيفة التي لعبت برامج الوكالة فيها دوراً فعالاً في التقليل من تأثير أزمة اللاجئين على اقتصادها، وأخيراً اللاجئون أنفسهم، الذين لم تكن حيازتهم بطاقة "لاجئ فلسطيني" من الأونروا وسيلةً للحصول على الخدمات الإنسانية وحسب، وإنما أيضاً -وهذا هو الأهم- دليلاً على حقهم في العودة والتعويض. وبالنتيجة، كانت قرارات الأونروا تفسَّر عادة أو يتم تأييدها أو محاربتها تبعاً لملاءمتها تلك الحقوق.
كان تمسّك اللاجئين بحق العودة واحداً من أهم الأسباب التي أدّت إلى إخفاق الأونروا في مهمتها الأساسية المتمثلة بوضع حدّ للتبعية المادية للاجئين، من خلال إدماجهم كلياً في اقتصاد البلد المضيف، لاسيما عبر مشاركتهم في مشاريع أعمال البنى التحتية، ولهذا حوّلت الأونروا مهمتها أواخر الخمسينات في اتجاه الإدماج الفردي، عبر التعليم الأساسي والتدريب المهني، فحاز نهجها الجديد رضى اللاجئين، الذين وجدوا فيه فرصة للحراك الاجتماعي الذي لا يهدّد حقهم بالعودة. وتمّ بدايةَ الأمر اعتبار برنامج الوكالة التعليمي نشاطاً إغاثياً ثانوياً، لكنه بات اليوم صاحب أكبر حصة في موازنة الوكالة (حوالى النصف)، ويعمل فيه ثلثا موظفيها. في الوقت نفسه، أصبح المستفيدون من البرامج الإغاثية التي كانت تحظى سابقاً بالأولوية، حوالى 5 في المئة فقط من اللاجئين المسجَّلين (تتراوح النسبة بين 11 في المئة في لبنان و2 في المئة في الضفة الغربية). وقد حققت سياسة التعليم التي انتهجتها الأونروا نتائج ملحوظة: قفزت النسبة المئوية للاجئين الحاصلين على التعليم الرسمي من 27 في المئة عام 1951 إلى 100 في المئة منذ الثمانينات. وفي غضون بضعة عقود، تحوّل السكان المهمَّشون اقتصادياً قوةَ عمل تلعب دوراً مهماً في إدارة عملية التنمية في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في دول الخليج.
بدأت الأونروا منذ التسعينات بدعم إنشاء المشاريع الصغيرة وإعادة تجديد البنية التحتية في المخيمات، فعلى رغم أن ثلث اللاجئين المسجلين فقط يعيشون اليوم في المخيمات (تتراوح النسبة بين 18 في المئة في الأردن و50 في المئة في لبنان)، يُنظر إلى المخيم تقليدياً كرمز قوي لمعاناة اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948، ويفسِّر هذا لماذا بقي مفهوم إعادة تجديد المخيم مرفوضاً لفترة طويلة واعتُبر مرادفاً لتطبيع محنة اللاجئين. أما اليوم، فإن مشاركة اللاجئين في مشاريع إعادة تجديد البنى التحتية في المخيم تعكس موقفاً براغماتياً يفيد في تحسين شروط الحياة فيه من دون المساس بمشروعية حق العودة. ومما لا شك فيه أن تهميش موضوع اللاجئين في المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية عزّز هذه البراغماتية.
أثارت العلاقة الوثيقة الفريدة بين الأونروا ومجتمعات اللاجئين توتراً مع الجهات المانحة الغربية الرئيسية ومع إسرائيل، فبنظرهم تحولت الوكالة، التي يشكّل الموظفون المحليون فيها 99 في المئة وغالبيتهم من اللاجئين، مؤسسة هجينة حياديتُها السياسية موضعُ تساؤل، ولاسيما بعد انبعاث الحركة الوطنية الفلسطينية في الستينات، حيث اتُّهمت الوكالة مراراً عديدة بأنها سمحت للمدرِّسين فيها باستغلال منصبهم من أجل زيادة الوعي السياسي لدى الأجيال الشابة من اللاجئين، كما اشتكت إسرائيل بأن الأونروا سمحت للمنظمات "الإرهابية" باستعمال البنى التحتية للوكالة في لبنان والأراضي المحتلة للقيام بأعمال معادية لإسرائيل.
بذلت الأونروا جهوداً كبيرة من أجل الحفاظ على طابعها الحيادي والإنساني، وكان ذلك في بعض الأحيان مبعث توتر مع اللاجئين وممثِّليهم. ربما تكون برامج الوكالة قد استُخدمت في بعض الأحيان من أجل تعزيز أجندات سياسية فلسطينية، إلا أن مانحيها الرئيسيين ظلّوا -بالتعاون مع موظفيها الدوليين- هم من يقرّر سياساتها، فعلى رغم الضغوط المتكرّرة التي مارستها منظمة التحرير الفلسطينية في الستينات والسبعينات من أجل جعل برامج الأونروا التعليمية أكثر "فلسطينية"، ظلّت هذه البرامج تسترشد ببرامج البلدان المضيفة. وعلاوة على ذلك، أدى الانخفاض النسبي في موازنة الوكالة (نصيب الفرد) منذ السبعينات إلى تآكل خدماتها كماً ونوعاً، ما دعّم الادعاء بأن الوكالة تسعى إلى التخلص تدريجياً من قضية اللاجئين.
وأخيراً، في ما يخص الأداء الداخلي للوكالة، فإن وجود الموظفين المحليين كان في المراتب الأدنى وظيفياً، ولذا اقتصر عملهم على تنفيذ السياسات المقرَّرة من "أعلى"، وهذا ما أثار استياءهم على الدوام، وهو استياء تفاقم منذ عام 2000، بسبب زيادة القيود المفروضة على منظماتهم النقابية وأنشطتهم السياسية، إضافة إلى ازدياد الطابع القاسي للمفاوضات المتعلقة بسلّم الرواتب.
لكن هذه الخلافات لا تقود إلى التشكيك في الأهمية العملانية والسياسية للوكالة في نظر اللاجئين، فعلى مر السنين أصبحت الأونروا، بشكل أو بآخر، جزءاً من "الأسرة" الفلسطينية، ولو كانت في بعض الأحيان "زوجة الأب المتعجرفة"، كما قال الكاتب الفلسطيني فواز تركي ساخراً.