إلى جانب النبيل مالكوم ماكدونالد
عضو مجلس العموم ووزير المستعمرات لجلالته
مقدمة لتقرير لجنة التقسيم "وودهيد"
وخلاصة عن التقرير نفسه
خلاصة تقرير اللجنة:
نرى لزاماً علينا أن نبسط الغايات التي ترمي إليها شروط اختصاصنا حسب رأينا كيما نوضح الشكل الذي سنقدم فيه استنتاجاتنا. فالصلاحيات المخولة لنا تقضي علينا أولاً أن نوصي بحدود الدولتين العربية واليهودية ومناطق الانتداب المقترح إنشاؤها بحيث تتوفر في تلك الحدود بعض الشروط وثانياً أن نقوم بدراسة الشؤون الاقتصادية والمالية التي ينطوي عليها التقسيم وأن نقدم تقريراً بذلك. ولقد ذكر صراحة في الكتاب الذي أرسله سلفكم إلى المندوب السامي بتاريخ 23 كانون الأول سنة 1937 بشأن شروط اختصاصنا أن المهام المنوطة بنا "في العمل كلجنة فنية أي الاقتصار على تعيين الحقائق والنظر مفصلاً في إمكان تطبيق أي مشروع من مشاريع التقسيم" وكذلك "تقديم اقتراحات لمشروع مفصل للتقسيم إلى حكومة جلالته" وقد ورد في الكتاب المذكور بعد تعيين شروط اختصاصنا أن حكومة جلالته هي التي تقرر ما إذا كان مشروع التقسيم الذي سنعرضه كنتيجة لأبحاثنا عادلاً وعملياً على أنه لم يطلب إلينا أن نقدم تقريراً في عدالة التقسيم أو إمكان تطبيقه بصورة عامة. وقد ذهب معظمنا في تأويل التعليمات كما يلي:
1 - أن حكومة جلالته ترغب في أن نقدم لها على كل حال أفضل مشروع للتقسيم نستطيع تقديمه وإذا رأينا أن ذلك المشروع لا تتوفر فيه بعض الشروط أو أنه غير عملي فهي تريد منا أن نقول ذلك وأن نبين الأسباب التي تدعونا إلى ذلك الرأي.
2 - أنه لا يطلب منا وليس من حقنا أن نناقش مبدأ التقسيم بصورة عامة من حيث كونه مطابقاً للعدالة أو الضمير ذلك أننا عينا كهيئة فنية ونرى أن خير ما نقدمه من المساعدة لحكومة جلالته هو أن نعني بألا تتأثر آراؤنا في المسائل الفنية بأية آراء نكون قد كوناها كأفراد بشأن المبدأ الذي ينطوي عليه التقسيم.
ثم إننا نود أن نبين بتأكيد أن مسألة "قابلية التطبيق" هي مسألة تحتاج إلى أخذ ورد ولا يمكن الإعراب عن رأى نهائي فيها دون أن تؤخذ بعين الاعتبار مسائل أخرى كالنتائج التي تنشأ عن رفض التقسيم وعدالة الحلول التي قد تقدم بدلاً منه وقابليتها للتطبيق وقد أخرجت هذه المسائل من نطاق اختصاصنا.
لقد أتينا في الفصل الحادي عشر والرابع عشر تحت عنوان المشروع (ج) على وصف أفضل مشروع للتقسيم تمكنا من استنباطه. وسنلخص الآن في عناوين مختلفة النقاط الرئيسية التي نرى لزاماً على حكومة جلالته أن تنظر إليها بعين الاعتبار لدى تقريرها فيما إذا كان هذا المشروع عادلاً وعملياً أم لا وسنبين آراءنا بشأن كل نقطة من تلك النقاط.
حجم الدولة اليهودية:
لقد أعربت لجنة الانتدابات الدائمة عن الرأي التالي في تقريرها الذي رفعته إلى مجلس عصبة الأمم في دورته الثانية والثلاثين غير الاعتيادية.
"ولذلك يشترط في أي حل كيما يكون مقبولاً ألا يؤدي إلى حرمان العرب إلا من أقل عدد ممكن من الأمكنة التي يعلقون عليها أهمية خاصة إما لوجود منازلهم الخالية فيها أو لدواعٍ دينية ويشترط فيه أيضاً أن تكون المناطق المخصصة لليهود متسعة وخصبة وملائمة للمواصلات البحرية والبرية إلى درجة يتسنى معها تحسين تلك المناطق تحسيناً اقتصادياً واسع النطاق وجعلها بالتالي قابلة للاستيطان المحتشد السريع".
وتدل الحقائق التي أتينا عليها في تقريرنا على أن هذه الغايات لا يمكن التوفيق بينها فإذا كان المراد أن ينتزع من العرب أقل عدد ممكن من منازلهم وأن تشتمل الدولة اليهودية على أصغر عدد ممكن من العرب وحسب ما جاء في شروط اختصاصنا فإن الدولة اليهودية لا يمكن أن تكون دولة كبيرة ولا يمكنها أن تشتمل على مناطق قابلة للتحسين والاستيطان بالمعنى الذي رمت إليه لجنة الانتدابات الدائمة فهل يجعل هذا الأمر وحده مشروع التقسيم الذي اقترحناه غير قابل للتطبيق؟ وإننا لا نرى هذا الرأي ما دام في الإمكان تهيئة السبيل لاستمرار هجرة خاضعة للمراقبة إلى معظم المناطق التي نقترح الاحتفاظ بها تحت الانتداب البريطاني وتحسين تلك المناطق بغية إفساح المجال لاستيطان اليهود فيها استيطاناً خاضعاً للرقابة أيضاً. ولكن هذا الأمر يتطلب إرصاد مصروفات وافرة من الخزينة العامة لتحسين المناطق المنتدب عليها وإنشاء الخدمات الأخرى فيها وهذه المصروفات (ونقترح ألا تتجاوز مليون جنيه للخدمات غير المتكررة ومبلغاً لا يزيد عن 75,000 جنيه سنوياً للخدمات المتكررة لمدة عشر سنوات فقط) لا يمكن الحصول عليها إلا من حكومة المملكة المتحدة ذلك أن حكومة المناطق المنتدب عليها ستكون على كل حال عاجزة عن موازنة ميزانيتها وسنبحث في تأثير هذا الأمر فيما يلي باعتباره جانباً من المشكلة المالية العامة التي ينطوي عليها التقسيم.
أما حجم الدولة اليهودية المقترحة من حيث كونه عاملاً يتوقف عليه أمر الأسواق الأهلية المقترحة لأصحاب المصانع من اليهود فسنبحث فيه على حدة.
موقف العرب واليهود:
لقد ذكرنا فيما سبق أن السكان العرب في فلسطين سيقفون كما نعتقد موقف عداء مستحكم من التقسيم مهما كان شكله وإننا موقنون أن المشروع الذي أوصت به اللجنة الملكية من شأنه أن يؤدي إلى نشوب ثورة عامة لا يمكن إخمادها إلا بإجراءات عنيفة طويلة الأمد. ولكن لا ندري ماذا يكون موقف العرب من المشروع (ج) فقد كان من رأي أحد الشهود الرسميين الذين استطلعنا آراءهم بشأن المشروع (ج) قبيل مغادرتنا فلسطين في أوائل شهر آب أن العرب سيقاومون بالعنف كل مشروع للتقسيم مهما كان شكله ولم يكن في وسع أحد من هؤلاء أن يقول إن العرب سيقبلون بالمشروع بهدوء وطيبة خاطر. وقد أدى هؤلاء الشهود شهادتهم في جلسات سرية على شكل لا يستحسن معه أن ننقل مقتبسات موجزة من آرائهم ولكن الفكرة العامة التي انطبعت في أذهاننا من شهادة الأشخاص الذين استطلعنا آراءهم بشأن المشروع (ج) كانت أن بعض الشهود على الأقل لا يستبعدون إمكان التسوية على هذا الأساس في حين أنه لم يكن من بينهم من يتفاءل بالخير بيد أننا موقنون أنه لو عدنا إلى استشارة هؤلاء الأشخاص اليوم لرأيناهم أشد تشاؤماً من ذي قبل. ومن سوء الحظ أنه لم يواجهنا أحد من العرب ليطلعنا على وجهة النظر العربية بهذا الشأن. ونحن نرى أن أحكم استنتاج يمكن أن يتوصل إليه بهذا الصدد هو أنه تستحيل معرفة موقف العرب إزاء المشروع (ج) قبل أن تنشر تفاصيله على الرغم من أن هذا المشروع يكلفهم تضحيات تثل كثيراً عن التضحيات التي يقتضيها المشروعان الآخران اللذان تناولناهما بالبحث.
تشتمل مقررات المؤتمر الصهيوني العشرين المنعقد في زيوريخ في شهر آب سنة 1937 على المقررات التالية:
"إن المؤتمر يرفض ما أكدته اللجنة الملكية لفلسطين من ثبوت عدم قابلية الانتداب للتطبيق ويطلب إنجازه كما يطلب إلى اللجنة التنفيذية أن تقاوم كل تجاوز يقع على حقوق الشعب اليهودي المضمونة دولياً بواسطة وعد بلفور وصك الانتداب.
ويصرح المؤتمر بأن مشروع التقسيم الذي عرضته اللجنة الملكية لا يمكن قبوله.
ويخول المؤتمر اللجنة التنفيذية صلاحية الدخول في مفاوضات للتأكد من حقيقة الشروط التي تفرضها حكومة جلالته بشأن الدولة اليهودية المقترح إنشاؤها.
ولا يجوز للجنة التنفيذية لدى قيامها بهذه المفاوضات أن تربط نفسها أو تربط الجمعية الصهيونية بشئ ولكن إذا أسفرت المفاوضات عن مشروع معين لإنشاء دولة يهودية وجب عرض هذا المشروع على مؤتمر ينتخب من جديد لاتخاذ القرار بشأنه".
وقد ألحت علينا الوكالة اليهودية أكثر من مرة بوجوب اطلاعها على ما يدور بخلدنا لتضمن بذلك أن توصى المؤتمر الصهيوني بقبول مشروع التقسيم الذي قد تتقدم به إذا كان مما يمكنها قبوله. وقالت في معرض البحث أن عبارة "بعد التشاور مع الجماعات المحلية"، الواردة في رسالة سلفكم تشير إلى أن حكومة جلالته كانت ترمي إلى تلك الغاية. ولكننا لم نستطع قبول هذا الرأي. فلو كان في الإمكان التشاور مع ممثلين للعرب واليهود معاً على أمل الوصول إلى مشروع يحتمل أن يرضى به الفريقان لأمكن اعتبار التشاور الذي طلبته الوكالة اليهودية أمراً مرغوباً به. ولكن ذلك كان مستحيلا في تلك الظروف ولذلك رأينا أن التشاور على الوجه الذي ترغب فيه الوكالة اليهودية سيكون ضرره أكثر من نفعه. فقصرنا تشاورنا معاً على توجيه الأسئلة إليها لاستطلاع رأيها شفوياً وتحريرنا في أي شأن من الشؤون التي اعتبرنا أن رأيها فيها قد يساعدنا في مهمتنا على أن هذه الشؤون لم تتناول المقترحات المفصلة التي يشملها المشروع (ب) أو المشروع (ج) فيما يتعلق بحدود المناطق المختلفة أو بتحسين المناطق التي سيحتفظ بها تحت الانتداب بغية فسح المجال لاستيطان اليهود فيها. ولقد قيل لنا في معرض البينة أن اليهود لن يقبلوا بأي مشروع يمكنهم من إنشاء دولة لا تفي بحاجاتهم ولا سيما إذا كانت تلك الدولة لا تشمل حيفا والجليل وقسماً من القدس ولكنه يلوح لنا أن قرارهم النهائي بهذا الصدد لا بد من أن يتوقف على ما قد تعرضه حكومة جلالته عليهم كبديل من التقسيم في حالة رفضهم للتقسيم ويبدو لأكثريتنا أن إبداء الرأي حول قرارهم النهائي المحتمل يكون سابقاً لأوانه قبل أن تعرف ماهية ذلك البديل بيد أنه ليس من السهل علينا أن نبين كيف يمكن اعتبار إنشاء دولة قائمة بنفسها في المنطقة العربية أو المنطقة اليهودية أمراً قابلا للتطبيق سواء من الوجهة الإدارية أو السياسية إذا كانت الجماعة المختصة سترفض قبول الاستقلال المعروض عليها وفقاً لهذه الشروط.
الأقلية العربية في الدولة اليهودية:
لقد افترضت اللجنة الملكية أن الوسائل اللازمة ستتخذ لنقل معظم السكان العرب الموجودين في الدولة اليهودية نقلاً إجبارياً إذا اقتضى الأمر وبموجب مشروع توافق عليه كلتا الدولتين. ولكن سلفكم بين في كتابه المؤرخ في 23 كانون الأول سنة 1937 أن حكومة جلالته لم توافق على اقتراح النقل الإجباري وقد رأينا نحن أنه يستحيل علينا أن نفترض أن مشكلة الأقلية يمكن حلها بنقل السكان نقلاً اختيارياً وأن حراجة الموقف التي يسفر عنها ذلك الأمر هي السبب الأكبر في حملنا على رفض مشروع اللجنة الملكية الذي يكاد يكون بموجبه عدد العرب الذين يقطنون أراضي الدولة اليهودية مساوياً لعدد اليهود فيها. غير أنه قد يقال إذا كان من الخطأ من حيث المبدأ وضع نحو من 300,000 عربي ضد إرادتهم تحت سيطرة اليهود السياسية حسب مشروع اللجنة الملكية فكيف يكون صواباً وضع 50,000 عربي على هذه الصورة بمقتضى المشروع (ج)؟ إنه لمن الصعوبة بمكان كبير تقدير الناحية الأدبية لهذه المسألة فلو توبع الجدل فيها إلى آخر حدود المنطق لقضت هذه الحجة على التقسيم بالمرة إذ يستحيل تخطيط حدود من شأنها ألا تدخل أحداً من العرب في الدولة ولكن مما لا يمكن تصوره أن اللجنة الملكية لدى تحبيذها التقسيم أو أن حكومة جلالته لدى قبولها به كأفضل حل يُرجى لهذه المشكلة اعتبرت هذه الحقيقة في نفسها كافية للقضاء على أي مشروع للتقسيم. وشروط اختصاصنا تنطوي في الواقع على أن حكومة جلالته كانت قابلة بإدخال عدد من العرب في الدولة اليهودية وعدد من اليهود في الدولة العربية وإن كانت تود أن يكون هذا العدد أقل ما يمكن في كلتا الحالتين. ولذلك يلوح أنه من المسلم به أن هذه المسألة هي مسألة أخذ ورد أكثر منها مسألة مبدأ ولذلك إذا نظرنا إلى المواقف من هذه الناحية نرى أنه ليس ثمة من داعٍ يبرر لنا رفض المشروع (ج) لكونه يحتم اشتمال الدولة اليهودية على 50,000 نسمة من العرب.
الدفاع:
إن الدولة اليهودية حسب المشروع (ج) على الرغم من صغرها تؤلف مجموعة متراصة يسهل الدفاع عنها كأحسن ما تكون عليه أية دولة يسفر عنها تقسيم فلسطين ولكن السلطات العسكرية قد أقنعتنا بأنه لا يوجد غربي نهر الأردن حد يصلح لأن يكون خطًا عسكرياً مرضياً إذا أخذت أساليب الحروب الحديثة بعين الاعتبار فجل ما يمكن عمله بمقتضى أي مشروع للتقسيم هو تعيين خط يمكن الدفاع عنه عسكرياً ضد غارات الأشخاص المسلحين بالبنادق والمدافع الرشاشة ولا يمكن اعتبار الحد المرسوم في المشروع (ج) صالحاً لضمان السلامة الكافية للمناطق المقترحة إلا من وجهة النظر هذه. والضمانة الحقيقية الوحيدة لأي جزء مقتطع من فلسطين هي أن يعيش مع الجزء المجاور له بسلام وصداقة وقد كنا في بدء عهدنا بالتحقيق نعلق أملاً معقولاً على إمكان وضع مشروع للتقسيم يؤدي إلى هذه النتيجة ولكن الحوادث التي جرت في الأشهر الأخيرة لابد أن يحسب حسابها لدى تقدير العواقب التي يحتمل أن يسفر عنها تنفيذ أي مشروع من مشاريع التقسيم بصورة فعلية.
الإدارة:
من البديهيات المسلم بها التي لا تحتاج إلى جدل أن المصالح التي يمكن تقسيمها تقسيماً تاماً كالمعارف مثلاً ستقل الفائدة منها بعد التقسيم بالنسبة للأموال التي تنفق عليها كما أن مصالح المواصلات التي تؤمن الاتصال بين المناطق الناتجة عن التقسيم أو داخل تلك المناطق كالسكك الحديدية والبريد والبرق ستكون بمجموعها أقل كفاية وأكثر نفقة من ذي قبل. أما ما يتعلق بالحرية الشخصية للتنقل بين المناطق المختلفة فلا مفر من فرض بعض القيود على الأشخاص الذين يعتبرون الآن فلسطينيي الجنسية حتى ولو عمل بالشروط التي أوصينا بها في الفصل الرابع عشر كما أن مقدار الإزعاج والنفقة مما سيتحمله الفرد والدولة في سبيل مراقبة ذلك على أي شكل من الأشكال يكون كبيراً. وأخيراً سيكون قيام الدولتين العربية واليهودية كحاجز بين منطقة القدس الخاصة والمنطقتين الأخيرتين من الأراضي المنتدب عليها مصدراً للصعوبات الإدارية ولكن هذه الصعوبات ليست مما لا يمكن تذليله ولا يمكن اعتبارها بحد ذاتها كافية لجعل المشروع (ج) غير عملي.
المالية:
أما مسألة المالية فهي من المصاعب الرئيسية الكبرى. وقد أدى بنا البحث في الفصل الثامن عشر إلى أنه يستحيل إنشاء دولة عربية تكون قادرة على سد نفقاتها بذاتها مهما كانت الحدود التي توصى بها. فالتخمين الذي أعده لنا مدير مالية فلسطين ورضينا به بعد أن أدخل عليه بعض التعديلات وهو أقرب شيء يمكن الوصول إليه لتقدير ميزانية كل إدارة من الإدارات المختلفة المنصوص عليها في المشروع (ج) يشير إلى عجز سنوي في ميزانية الدولة العربية (بما فيها شرق الأردن) يبلغ مقداره 610,000 جنيه تقريباً وعجز سنوي في ميزانية المناطق المنتدب عليها يبلغ مقداره 460,000 جنيه في السنة تقريباً ويشير في الوقت ذاته إلى وفر سنوي في ميزانية الدولة اليهودية يبلغ 600,000 جنيه تقريباً باستثناء نفقات الدفاع لكل من تلك المناطق. وقد وجدنا أنه لا يمكن تكليف الدولة اليهودية بتقديم إعانة مباشرة إلى الدولة العربية كما أنه ليس من الممكن ولا من الإنصاف إنشاء دولة عربية تقل إيراداتها عن مصروفاتها بمبلغ كبير كهذا ونستنتج من ذلك أنه أريد تنفيذ التقسيم فلا يبقى مناص من تكليف البرلمان بتقديم إعانة للدولة العربية على وجه من الوجوه بحيث تكون تلك الإعانة كافية لتمكين الدولة العربية من موازنة إيراداتها بمصروفاتها.
وبالإضافة إلى ذلك تكون حكومة المملكة المتحدة بحكم العرف المتفق عليه مضطرة لمساعدة المناطق المنتدب عليها على موازنة ميزانيتها وسيدخل في تلك المساعدة مبلغ قدره 175,000 جنيه في السنة تقريباً للإنفاق على أعمال التحسين والعمران في المناطق المشار إليها في الفقرة 2888. وهذا يعني أن التقسيم سيكلف المكلف في المملكة المتحدة نفقة سنوية مقدارها 1,250,000 جنيه فلسطيني على وجه التقريب باستثناء نفقات الدفاع. ومن الجهة الأخرى ستتمكن الدولة اليهودية من توقع وفر في ميزانيتها يقرب من 600,000 جنيه في السنة بقطع النظر عن نفقات الدفاع. ويمكننا أن نقول بصورة عامة إن هذه النتائج ستبقى على هذا الشكل تقريباً بموجب أي مشروع للتقسيم يمكن التفكير فيه.
وغني عن البيان أن مثل هذه الحالة لا يمكن للخزينة البريطانية أن ترضى عنها ولكن قبل إصدار القرار في عدم صلاحية التقسيم بالمرة بناءً على هذا الاستنتاج يجب أن ينظر في مقدار ما تكلف فلسطين المكلف البريطاني في الأحوال الحاضرة. إن أكثريتنا ترى أنه لا يمكن إجراء مقارنة صحيحة بين نفقات التقسيم وبين ما يحتمل أن يكون عليه الوضع المالي في فلسطين دون تقسيمها على فرض أن الأمن قد استرد فيها وأن الأحوال رجعت إلى مجراها الطبيعي. ومما لا شك فيه أنه من الميسور إحلال السلم بفلسطين في يوم واحد بناءً على شروط معينة أما إذا كانت تلك الشروط لا تنطوي على إحداث انقلاب تام في الكيان المالي والاقتصادي من شأنه أن يستلزم تخفيض المستوى الحالي للخدمات تخفيضاً فعالاً لموازنة الدخل بالخرج فتلك مسألة أخرى بالمرة. ولذلك لا تصح مقارنة نفقات التقسيم إلا بالنفقة التي تدفعها المملكة المتحدة في الأحوال الحاضرة. وتقدر هذه النفقة بما يتراوح بين مليونين ونصف مليون جنيه وبين ثلاثة ملايين جنيه في سنة 1938 وغني عن البيان أنه على الرغم من استحالة التنبؤ بطول المدة التي ستظل فيه نفقاتنا بهذا المقدار فالاستعاضة عن الوضع الحاضر بمشروع يكلف الخزينة البريطانية دفعات سنوية مستمرة قد تبلغ 1,250,000جنيه في السنة باستثناء نفقات الدفاع ليس من الضروري أن يخرج المشروع من نطاق البحث بالمرة لأسباب مالية إذا ظهر أن ذلك المشروع قابل للتطبيق من نواحٍ أخرى. ولكن إذا أجيز دفع المبلغ على أن تفرض الرقابة المالية التي تفرض عادة على كل بلاد تابعة للإمبراطورية تنال إعانة مالية منها فلا يمكن اعتبار الدولة العربية دولة مستقلة وإننا لم نتمكن من استنباط وسيلة من شأنها أن تذلل هذه الصعوبة لو قدمت الإعانة المذكورة مباشرة كمنحة.
المصالح الاقتصادية:
1 - التعريفات وإدارة الجمارك:
لقد تبين لنا لدى البحث في حدود المناطق المقترحة بمقتضى شروط اختصاصنا أن جعل المناطق المنتدب عليها وحدة سياسية منفصلة هو أمر أساسي لأي مشروع لتقسيم يمكننا التوصية به. ولكن جعل تلك المناطق وحدة منفصلة فيما يتعلق بالتعرفة الجمركية سيكون ضربة قاضية على اقتصاديات الدولة اليهودية التي يجب عليها توسيع صناعاتها بغية إيجاد العمل لعدد عديد من المهاجرين الجدد ذلك أن الدولة اليهودية لا تستطيع أن تأمل تحقيق ذلك دون أن تضمن لمنتجاتها سوقاً أوسع من السوق التي يؤلفها سكان تلك الدولة وحدهم كما أن بقاء الدولة العربية من الناحية الاقتصادية يتوقف على إيجاد سوق خارج أراضيها لتصريف ما تستطيع تصديره من الحاصلات الزراعية التي تنتج منها كمية كبيرة تفيض عن حاجاتها وخاصة القمح. فنستنتج من ذلك أنه لا بد من وجود نوع من الاتفاق الجمركي ما بين المناطق المنتدب عليها وكل من تينك الدولتين. وإنه لا يفي في الحقيقة بحاجات الدولة اليهودية والمناطق المنتدب عليها إلا اتحاد جمركي تام وتجارة حرة متحدة في التعرفة في حين أن وجود ما يماثل هذه الترتيبات بين الدولة العربية والمناطق المنتدب عليها يعتبر أمراً مرغوباً فيه كثيراً ولو لم يكن أساسياً. إن مقتضيات الدولتين العربية واليهودية قد تختلف والحق يقال اختلافاً جوهرياً من حيث التعرفة إذ يحتمل أن تفضل الدولة العربية
التي أغلب سكانها من المزارعين فرض تعرفة متوسطة من أجل الإيرادات مع حماية حبوبها وحاصلاتها الزراعية الأخرى إلى درجة لا تقل عن درجة الحماية الحالية في حين أن اليهود يحتمل أن يأخذوا بسياسة التعرفات المرتفعة لحماية صناعاتهم وأن يعملوا على حفظ سعر القمح أو بالأحرى سعر الحاصلات الزراعية على وجه العموم في أدنى درجة ممكنة ولكننا على الرغم من ذلك نعتقد أن بين الدولتين والمناطق المنتدب عليها من الأسس المشتركة ما يكفي لتوحيد التعرفة وأن حاجة كلتا الدولتين إلى اتخاذ تعرفة موحدة هي حاجة ماسة إلى الدرجة القصوى إذ أنه دون هذه التعرفة الموحدة لا يمكن تأمين البقاء الاقتصادي لإحداهما أو التوسع الصناعي للأخرى بمقتضى المشروع (ج).
ثم إنه يبدو لنا أن إنشاء اتحاد جمركي من شأنه أن يتيح الفرصة لتخفيف العبء المالي الذي سيلقى على عاتق حكومة جلالته بسبب التقسيم ولو كان ذلك التخفيف جزئياً ونرى أن إيجاد سوق مضمونة لليهود في سائر أنحاء فلسطين يبرر دفعهم مقابل ذلك إعانة خاصة للإيرادات تقيد لحساب الدولة العربية مما يخفف العبء الذي تضعه هذه الدولة على عاتق المكلف البريطاني وقد وجدنا أنه إذا طبقت القاعدة التي وضعناها في الفصل الحادي والعشرين واستعملت الأرقام التخمينية للميزانية التي قدمها لنا مدير المالية وأوردناها في الفصل الثامن عشر فينتظر أن ينقص هذا الترتيب صافي الكلفة التي يتحملها المكلف البريطاني نحو 175,000 جنيه في السنة الأولى أي أنه ينقصها من 1,250,000جنيه إلى نحو 1,075,000 جنيه وهذه الزيادة في موارد الدولة العربية يرجع بعضها إلى المناطق المنتدب عليها التي سيزداد العجز في ميزانيتها من جراء ذلك بمبلغ يربو على 100,000 جنيه (وهذا العجز ستغطيه الخزينة البريطانية) ولكن يرجع القسم الأكبر منه إلى الدولة اليهودية التي سيبقى في ميزانيتها مع ذلك وفر يبلغ نحو 400,000 جنيه بقطع النظر عن نفقات الدفاع.
ويستحسن وضع الدولة العربية المالي بهذا المقدار أيضاً غير أن ميزانيتها سيظل فيها عجز بمقدار 334,000 جنيه والطريقة الوحيدة التي نستطيع اقتراحها لتغطية هذا العجز هي إعادة توزيع حصة الدولة العربية والمناطق المنتدب عليها المشتركة من واردات الجمارك توزيعاً تحكمياً بحيث يغطي العجز على حساب مناطق الانتداب وهذا يعني بالطبع زيادة الإعانة التي ستقدمها المملكة المتحدة إلى المناطق الواقعة تحت الانتداب بهذا المقدار غير أن القاعدة التي اقترحناها في الفصل الحادي والعشرين (المادة ب - الفقرة 473) تنص على إمكان إجراء تخفيضات تدريجية في هذا العبء الإضافي الذي سيقع على عاتق الخزينة البريطانية إذا ازداد الوفر الصافي في إيرادات الاتحاد الجمركي.
وتنص القاعدة نفسها أيضاً على إمكان نيل الدولة العربية بعض النصيب من أية زيادة في إيرادات الجمارك تنشأ عن توسع التجارة وازدياد الرخاء في باقي فلسطين ومن رأينا أن إحدى الحجج الرئيسية التي يمكن أن يدلى بها ضد التقسيم أن كل مشروع من مشروعات التقسيم يبنى على أساس إدخال أصغر عدد ممكن من اليهود والمشروعات اليهودية في المملكة العربية والعكس بالعكس وعلى إيجاد منطقة القدس الخاصة وممرها يحتم ترك القسم الأعظم من الثروة التي يملكها العرب في فلسطين خارج الدولة العربية وبذلك تحرم بصورة خاصة من الموارد الطبيعية والممتلكات المصطنعة والثروة الموروثة ويحتمل أن تظل بلاداً فقيرة كل الفقر ويصبح تأخرها النسبي بارزاً إذا أسفرت مشروعات التحسين والعمران المقترحة في المشروع (ج) عن تحسن كبير في أحوال العرب المادية في المناطق المنتدب عليها. ولذلك فإنه يرحب بأي ترتيب ينطوي على إدخال بعض الزيادات في إيرادات تلك الدولة بحيث لا تكون تلك الزيادة على شكل مساعدة من دولة أجنبية مع ما تتطلبه تلك المساعدة من الإشراف المالي. ويلوح أن الحاجة لن تتطلب الإشراف المالي بموجب هذا الترتيب إذ أن حسابات الدولة العربية ستسوي نفسها بنفسها بموجب القاعدة (ب) المبسوطة في الفصل الحادي والعشرين ولذلك يبدو لنا أن مثل هذا الترتيب يسير شوطًا بعيداً في تذليل الصعوبات المالية الملازمة للتقسيم ويهيئ في الوقت نفسه الاستقرار الاقتصادي اللازم لكلتا الدولتين العربية واليهودية.
غير أننا لأسباب دستورية وجدنا نفسنا لسوء الحظ عاجزين عن التوصية بإنشاء اتحاد جمركي إلا على شروط تضمن الغلبة لرغبات الدولة المنتدبة في وضع سياسة التعرفة وحيث أن هذا يتعارض مع منح الاستقلال المالي للدولتين العربية واليهودية فقد اضطررنا إلى التخلي عن فكرة إنشاء اتحاد جمركي بين دولتين مستقلتين كحل للمشاكل المالية والاقتصادية الناشئة عن التقسيم.
2 - التأثير الذي قد تحدثه سياسة الهجرة التي تتبعها الدولة اليهودية في أنحاء فلسطين الأخرى:
إن هذه الناحية من نواحي المشروع (ج) التي نرى من الضروري لفت الأنظار إليها بوجه خاص لما يترتب عليها من نتائج اقتصادية ومالية. إن من الصعوبة بمكان عظيم أن يتنبأ الإنسان بالمستقبل الاقتصادي للدولة اليهودية لأن ذلك المستقبل سيتوقف على مزيج من العوامل الاقتصادية والسياسية والعنصرية والعاطفية. وقد سلم الشهود اليهود بأن الدولة اليهودية يجب عليها أن تتوقع المصاعب واجتياز فترات من الضيق إذا اتبعت سياسة فعالة للهجرة ولكننا نرى أنهم كانوا يميلون إلى الإنقاص من شدة التقلبات الاقتصادية التي يحتمل أن تتعرض لها الدولة اليهودية حين تأخذ على عاتقها كدولة مستقلة جميع المسؤولية المتعلقة بالهجرة وقد أكد لنا هؤلاء الشهود أنفسهم مدفوعين برغبتهم الشديدة في إيضاح سياسة الدولة اليهودية المستقبلة بهذا الشأن أن عدد العمال المهاجرين الذين يسمح بدخولهم في أي وقت معين لا بد من تقديره على أساس العدد الذي ينتظر إيجاد عمل له والموارد المتيسرة للإنفاق على هذا العمل. ونحن لا نشك في أن تلك اللحظة هي ما ينوي الزعماء انتهاجه ولكن يساورنا كثير من الشك في مقدرتهم على المحافظة على هذه القاعدة الصارمة إزاء الضغط الشديد الذي يوجه إلى الدولة الحديثة لقبول مئات الألوف من اليهود المضطهدين الذين سيطلبون ملجأ في الدولة اليهودية كحق من حقوقهم القومية.
ومما لا شك فيه أنه حالما تنشأ الدولة اليهودية تصبح المسؤولية كلها في هذه الأمور ملقاة على عاتق اليهود وإن من مغريات التقسيم الخاصة في الواقع أن يتولى اليهود أنفسهم منذ ذلك الحين معالجة هذا الموضوع المتنازع فيه مع ما هو عليه من الأهمية العظمى. وهذه الحجة تنطوي على الافتراض بأن الدولة اليهودية هي وحدها التي ستتعرض للمخاطر المتصلة باتباع سياسة فعالة للهجرة كما أنها هي وحدها التي ستجني فوائدها غير أنه ليس من المحقق أن يثبت الاختبار صحة هذا الافتراض مهما كانت الظروف التي ستقام فيها الدولة اليهودية.. ثم إنه إذا نفذ المشروع (ج) الذي يتحتم معه عقد اتحاد جمركي بين المناطق الثلاث مع كل ما يشتمل عليه ذلك من العلاقات المالية والاقتصادية فمن المؤكد أن حكومتي الدولة العربية والمناطق المنتدب عليها لا يسعهما أن تنظرا دون مبالاة إلى حدوث انهيار اقتصادي في الدولة اليهودية فإذا وقع شيء من ذلك فلا مفر من أن ينال النظام الاقتصادي والميزانية في تينك المنطقتين ضرر فادح مما يجره ذلك الانهيار من العواقب.
فالحالة إذن كما يلي: إذا أنشئت دولة يهودية واضطلعت تلك الدولة بالمسؤوليات المطلقة بشأن سياسة الهجرة.. فلا بد في رأينا من التسليم باحتمال حدوث ضائقة اقتصادية فائقة الخطورة. وقد قال أولئك الشهود اليهود أنفسهم في معرض الجدل إن الضائقات إذا حدثت لا تدوم إلى الأبد وإن من المعقول توقع استرداد الدولة اليهودية رخاءها في النهاية كما حدت في بلاد أخرى ومما لا ريب فيه على كل حال أن الطائفة اليهودية ترى أن كفة الفوائد ترجح على كفة المخاطر مهما عظمت. أما حكومة جلالته فالمسألة التي تعنيها في هذه القضية هي هذه هل تكون الأخطار التي تصيب السكان العرب وحكومة المناطق المنتدب عليها ومن وراء ذلك الحكومة البريطانية من جراء التقسيم بالغة إلى درجة تجعل الشروع في التقسيم أمراً غير حكيم؟ وجواب ذلك فيما يتعلق بالعرب هو أنه إذا كان من المحتمل أن يتعرضوا لضرر من جراء حدوث ضائقة من الدولة اليهودية فإنهم سينتفعون أيضاً حين تكون تلك الدولة في رخاء وفي الواقع أن هذا الأمر هو من أركان القاعدة التي افترضناها في الفصل الحادي والعشرين.
ثم إنه إذا رؤي أن ميل الدولة اليهودية الاقتصادي قد يكون متجهاً في طريق يؤدي إلى زيادة الثروة والرخاء على مرور الزمن فمن المحتمل أن يؤدي اتصال العرب الاقتصادي بالدولة اليهودية في نهاية الأمر إلى نفعهم أكثر من ضررهم وتنطبق الحجة نفسها إلى حد كبير على حكومة المناطق المنتدب عليها وعلى الحكومة البريطانية إذ أنهما كلتيهما لا تستطيعان أن تتوقعا التمتع بالفوائد التي تأتي بها القواعد المقترحة دون أن تكونا مستعدتين لقبول ما يلازمها من الأخطار. ولكن الخطر لا يتوقف بالكلية على قبول هذه القواعد ولو أن عواقبه ستكون أبلغ إذا قبلت تلك القواعد. فالخطر في رأينا ملازم للتقسيم مهما كان شكله وتختلف درجته باختلاف الشكل الذي يتخذه، وعلى حكومة جلالته قبل اتخاذ قرار في كون المشروع (ج) أو أي مشروع آخر للتقسيم عملياً أن تسائل نفسها عما إذا كانت مستعدة للدخول في ترتيب يحتمل بمقتضاه أن تتضرر النظم الاقتصادية والمالية للجماعتين التي تتحمل مسؤولية مالية تامة تجاه إحداهما ومسؤولية جزئية تجاه الأخرى تضرراً موقتاً على كل حال من جراء سياسة تتبعها دولة مجاورة لأسباب عنصرية في جوهرها وليس لحكومة جلالته شيء من الرقابة عليها.
3 - الحاجة إلى أعمال إضافية يعمل فيها مزارعو الدولة العربية بعض الوقت تكملة للدخل الذي يجنونه من زراعتهم:
لقد أشرنا في الفصل العاشر إلى أهمية حيفا كمورد لأعمال إضافية يستخدم فيها الفلاحون الذين ليس لهم أراض أو الذين لا يستطيعون كسب الرزق الكافي من أراضيهم سواء أكانت إقامتهم العادية في المناطق المنتدب عليها أم في الدولة العربية أم اليهودية ولكن حيفا ليست المورد الوحيد لمثل هذا الاستخدام في الوقت الحاضر، ففي جهات السهل الساحلي تنشأ الحاجة إلى العمل الإضافي في (بيارات) بساتين الأثمار الحمضية خلال موسم القطاف الذي يبتدئ في شهر تشرين الأول وينتهي في شهر نيسان ويجذب من القرى العربية عمالاً موقتين.
وحتى في أيامنا الحالية لا يزال الرخص النسبي في الأجور العربية يؤدي إلى إقبال أصحاب الأعمال اليهود إقبالاً محسوساً على استخدام العمال العرب بالرغم مما يحاوله المتحيزون من جعل العمل في المزارع اليهودية مقصوراً على العمال اليهود دون سواهم. ويجب ألا ننسى أن العرب يملكون نحوا من 56,000 دونم من مجموع الأراضي المغروسة بالأشجار الحمضية في الدولة اليهودية المقترحة وقد قال لنا الشهود اليهود إن هجرة العمال العرب الوقتية إلى الدولة اليهودية ستحظر. وليس في وسعنا أن نعين عدد العمال العرب الذين يستخدمون استخداماً وقتياً في بيارات البرتقال والذين ستقع أماكن إقامتهم خارج الدولة اليهودية وليس لدينا إحصاءات بهذا الشأن. ولكننا نعتقد أننا لا نبالغ إذا قلنا إن كثيرين من سكان القرى العربية الواقعة خارج تلك الدولة سيحرمون بعد التقسيم هم وعائلاتهم من وسيلة هامة من الوسائل الإضافية لكسب الرزق وسيكون لفقدهم ذلك المورد من الرزق أثر خطير في حالتهم الاقتصادية.
4 - ازدياد السكان:
تبين لنا في الفصل الثالث أنه بالنظر لمعدل الزيادة الطبيعية الخارقة للعادة الذي ازداد به عدد السكان العرب تحت حكم الانتداب يمكن منذ الآن القول بأن الحالة الاقتصادية لهؤلاء السكان ستتعرض في المستقبل للخطر ما لم يحدث أحد التطورات التالية: كارتفاع مستوى الزراعة بحيث تصبح الأرض قادرة على أن تعيل عدداً أكبر من السكان أو ازدياد الأعمال الصناعية وبذلك تتاح الفرصة للاستخدام الثانوي أو تحديد عدد العائلة (تحديد المواليد) أو النزوح عن البلاد وإذا نفذ التقسيم تظل الحالة الاقتصادية في الدولة العربية مهددة بالأخطار نفسها ويقل في الوقت نفسه احتمال وقوع أي تحسن في تلك الحالة لدى وقوع أي أمر من الأمرين الأولين المذكورين ويحرم العرب بعد التقسيم من فرصة إيجاد عمل إضافي في الدولة اليهودية كما أن وقوع تحسن في مستوى الزراعة سيكون بعيد الاحتمال إذ لن يتيسر بعد التقسيم المال اللازم لمثل هذا التحسين. ثم إنه ليس من المحتمل أن يلجأ العرب إلى تحديد المواليد أو أن يقل معدل الزيادة الطبيعية في سكان الدولة العربية من جراء أي ارتفاع محسوس في معدل الوفيات ينشأ عن تخفيض مستوى الخدمات الإدارية تخفيضاً كبيراً. وفي الواقع أنه إذا أرغمت الدولة العربية على الاعتماد على مواردها الخاصة اعتماداً كلياً ولم يقدم أحد من سكانها على المهاجرة فقد يتوقع حصول ارتفاع في معدل الوفيات مع مرور الزمن بسبب التزاحم على وسائل المعيشة. ولكنه يحتمل قبل ذلك أن يؤدي هذا التزاحم المتزايد إلى حمل فضلة السكان على الاعتماد أكثر فأكثر على مناطق الانتداب المجاورة في سبيل إيجاد عمل إضافي لهم وسيتوقف مقدار هذا العمل الإضافي من حين إلى آخر على مقدار رؤوس الأموال التي يأتي بها المهاجرون اليهود إلى تلك المناطق وبالتالي على التقلب بين الرخاء والضيق الناشئ عن سياسة الهجرة اليهودية بوجه عام.
نخرج من هذه الملاحظات بالاستنتاجات التالية:
(أ) ليس هنالك من سبب يدعو إلى الافتراض بأن المعدل الحالي للزيادة الطبيعية في عدد السكان المسلمين في الدولة العربية سينخفض بعد التقسيم إلا إذا وقعت مجاعة حقيقية وأسفرت عن زيادة معدل الوفيات.
(ب) وبسبب هذه الزيادة المستمرة في عدد السكان ستصبح الحالة الاقتصادية في الدولة العربية إذا تركت وليس لها سوى مواردها الخاصة على شفا الخطر ويزداد خطرها بمرور الزمن.
(جـ) وذلك من شأنه أن يضاعف الحاجة إلى تهيئة السبيل لإيجاد عمل إضافي للسكان العرب الزائدين في المناطق المنتدب عليها.
(د) ولكن هذا العمل لا يمكن تهيئته بمقدار كاف إلا بواسطة رؤوس الأموال اليهودية التي يأتي بها المهاجرون اليهود إلى المناطق المنتدب عليها. ولذلك فإن من صالح العرب أنفسهم إفساح المجال لهذه الهجرة بل والعمل على تشجيعها على أن تكون خاضعة للإشراف الذي اقترحناه في الفصلين الثالث عشر والرابع عشر ويلوح لنا أننا لا نخالف الواقع إذا قلنا إن العرب المقيمين خارج الدولة اليهودية سيجابهون في حالة توقف إعمار المناطق المنتدب عليها من جراء إيقاف الهجرة مشاكل اقتصادية أشد هولاً من المشاكل التي يحتمل أن يجابهوها لو فسح المجال لاستمرار الهجرة مقيدة بالشروط المقترحة في ذينك الفصلين.
(هـ) ومن المحتمل كما أشرنا في الفقرة (501) أن يؤدي تشابك العلاقات الاقتصادية القائمة بين الدولة العربية والمناطق المنتدب عليها من الجهة الواحدة والدولة اليهودية من الجهة الأخرى - ذلك التشابك الذي لا مندوحة عنه بعد التقسيم - إلى رد فعل سيئ في الدولة العربية ومناطق الانتداب عندما يحدث الضيق المحتوم في الدورة الاقتصادية للدولة اليهودية التي ستجابه حالة رخاء يعقبها أزمة. وكلما ازداد اعتماد الدولة العربية على المناطق المنتدب عليها من الناحية الاقتصادية ازداد خطر ذلك التأثير على حكومة المناطق المنتدب عليها وبالتالي على حكومة المملكة المتحدة نفسها.
وإذا نظرنا إلى جميع هذه الأمور بعين الاعتبار لا نجد بداً من القول إننا غير قادرين على التوصية بحدود للمناطق المقترحة من شأنها أن تنطوي على أمل معقول بإنشاء دولة عربية وأخرى يهودية تكون كل منهما في النهاية قادرة على سد نفقاتها بذاتها ما دمنا ملزمين بعدم تجاوز شروط اختصاصنا. ولكننا لا نعتقد أن إنهاء تحقيقنا بمجرد استنتاج سلبي يتفق ورغباتكم أو الصالح العام. ولذلك رأينا أن نسير في طريقنا خطوة أخرى وإن كنا نتجاوز بذلك شروط اختصاصنا من إحدى نواحيها. ولذلك فإنا نرى الآن أن حكومة جلالته قد ترى بدلاً من إهمال فكرة التقسيم بالمرة على اعتبار أنه غير عملي أن من الملائم أن تشترط لتنازلها عن الانتداب الحالي الذي لا يجوز إدخال تغيير عليه إلا بموافقة عصبة الأمم أن تكلف الدولتان العربية واليهودية بالدخول في اتحاد جمركي مع المناطق المنتدب عليها وفقًا للشروط التالية:
1 - تدير الحكومة المنتدبة مصلحة الجمارك لجميع فلسطين.
2- تقرر الحكومة المنتدبة السياسة المالية للجمارك حسبما تستصوب بعد التشاور مع ممثلي كل من الدولة العربية والدولة اليهودية وبعد النظر بعين الاعتبار إلى مصالح ( أ ) جميع المناطق المشمولة بهذا الاتحاد و(ب) خزينة المملكة المتحدة ما دامت حكومتها تدفع إعانة مالية لتسديد العجز في ميزانية حكومة أي قسم من فلسطين. ويجب أن ينطوي هذا الترتيب على أن الحكومة المنتدبة لن تسير السياسة المالية للاتحاد على وجه ينيل التجارة البريطانية معاملة ممتازة.
3 - من النواحي الأخرى تكون الترتيبات المالية ما بين المناطق المختلفة مطابقة للقاعدتين ( أ ) و(ب) المقترحتين في الفصل الحادي والعشرين مع مراعاة التعديلات التي قد يقرر إدخالها فيهما عن طريق المفاوضة بين حكومة جلالته وممثلين عن العرب واليهود.
ومما لا ريب فيه أن الدول التي تنشأ خاضعة لمثل هذه الشروط وتكون محرومة من حق تقرير سياستها المالية لا تكون بالطبع دولاً ذات سيادة واستقلال بالمعنى الذي قصدته اللجنة الملكية. وكذلك لا نستطيع أن نعتبر حتى الترتيب الذي يوضع على هذا الأساس موضعاً لرضاء خزينة حكومة جلالته رضاء تاماً لأن الحسابات التي أجريناها ليست على كل حال سوى حسابات تقديرية مبنية على الحدس واستمرار أية قاعدة تتفق عليها ينبغي أن يعتبر أمراً غير محقق كما أن المبلغ الذي لا بد من مطالبة البرلمان بتخصيصه كإعانة لتسوية العجز في ميزانية المناطق المنتدب عليها (بما في ذلك ما دعوناه "بالحصة الإضافية" للدولة العربية) سيزيد في بادئ الأمر على مليون جنيه. وخير ما نرجوه هو التوصل إلى وضع ترتيب يمكن من تقديم هذه الإعانات على وجه يكون أقل مما يمكن تعرضاً للاعتراضات الدستورية كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الفصل الحادي والعشرين ومما لا شك فيه أن ترتيباً كهذا من شأنه أن يزيد في احتمال وقوع الخطأ الذي وصفناه في الفقرة (500) وهو أن كل أزمة اقتصادية تحل في الدولة اليهودية من جراء سياسة الهجرة اليهودية قد يمتد أثرها إلى الدولة العربية والمناطق المنتدب عليها ويؤدي إلى إحداث أسوأ تأثير في أنظمتها المالية والاقتصادية ولكن إذا أريد اللجوء إلى التقسيم لا بد من قبول هذا الخطر عظم أم صغر فهذا الخطر ليس بالإمكان إزالته بالمرة بيد أننا مع مراعاة هذه التحفظات نرى أنه يمكن أن يقال الآن بأن الاحتياجات المالية والاقتصادية للدولتين العربية واليهودية قد وفيت على وجه مُرض ونرى أنفسنا مستعدين للقول مع اعتبار التحفظات الآنفة الذكر إن الحدود التي أوصينا بها في المشروع (ج) تنطوي على أمل معقول بأن تنشأ دولة عربية وأخرى يهودية تكون كل منهما في النهاية قادرة على سد نفقاتها بذاتها. وعندما يبقى على حكومة جلالته أن ترى رأيها إذا اعتبرت مشروع التقسيم الذي عرضناه عادلاً وعملياً من النواحي الأخرى في أفضلية قبول المسؤولية المالية التي يتضمنها أم رفض التقسيم بالمرة واللجوء إلى طريقة أخرى بدلاً منه.
وقبل ختام هذا الفصل من تقريرنا نضيف ملاحظتين وجيزتين:
1 - إذا قررت حكومة جلالته أن ترتيباً كهذا من شأنه أن يهيئ حلاً مرضياً لمشاكل التقسيم المالية والاقتصادية كان في ذلك ما يغري على السير خطوة أخرى ووضع حل مشابه لهذا الحل بشأن بعض المشاكل الإدارية التي ألمعنا إليها في سياق بحثنا وإذا احتفظت الدولة المنتدبة بإدارة المواصلات بين المقاطعات - من سكك حديدية وبريد وتلغراف (بما في ذلك التليفونات) ولو كان ذلك خلال خمس سنوات في بادئ الأمر فإننا نرى أن هذا يكون بلا ريب أنفع للجمهور من تقسيم تلك المصالح بين ثلاث إدارات. ولكننا ندرك أنه ليس من الممكن لأسباب سياسية أن تخص مصلحة الإذاعة اللاسلكية بمنطقة واحدة إلا باتفاق الدول ذات الشأن.
2 - وإذا أريد وضع اصطلاح لوصف الإجراء الدستوري الذي اقترحناه فقد تكون عبارة (التحالف الاقتصادي) وافية بالمرام. وقد استعمل هذا الاصطلاح فعلاً شاهد يهودي درس الموضوع دراسة خاصة. ولما سئل ذلك الشاهد نفسه لماذا لا يرضى بأن تقام الدولتان طبقاً لمشروع التقسيم ومن ثم يترك لهما أمر الدخول في تحالف اقتصادي إذا رغبتا في ذلك أجاب قائلا: "إنني موقن بأن ذلك سيكون عبارة عن سياسة انتحار فأول أمر لا بد من وقوعه حتماً هو أن تتجه الدولة العربية نحو دمشق وبغداد بدلاً من اتجاهها نحو القدس وحيفا". وهذا تعليق حافل بالمعاني.
ونحن لا نود مطلقاً عرقلة حركة تؤدى إلى تقوية الاتحاد بين الدولة العربية والأقطار العربية الأخرى ولكننا موقنون بأنه إذا حدث شيء من ذلك كان في صالح الدولة اليهودية أن يفسح لها المجال للانضمام إلى تلك الحلقة السياسية والاقتصادية نفسها.
ويبدو لنا أن من فوائد المشروع الذي اقترحناه قبل قليل أن تنفيذ مثل هذا الترتيب إذا سبقه ضم المناطق التي تتألف منهما فلسطين وشرق الأردن في اتحاد جمركي يكون أسهل بكثير منه إذا كانت منفصلة اقتصادياً هذا إذا كانت الحالة السياسية تواتي مثل هذا التطور. على أن الفطنة تقضي بأن يسار في الأمر بتؤدة على سبيل التجربة وأن يشجع الفرقاء على التعاقد على اتفاق اقتصادي كخطوة أولى - أما الانتقاد الذي كثيراً ما وجه ضد التقسيم من أنه سير إلى القهقرى لدى اعتباره مجرد سياسة نظرية ففيه ما فيه من القوة - ولسنا نجرؤ على التنبؤ بأن التحالف الاقتصادي سيؤدي في النهاية إلى حلف سياسي ولكن ذلك إن وقع لن يكون موضعاً للدهشة والاستغراب وفي الوقت ذاته نعتقد أن كلاً من اليهود والعرب قد يشعرون بعد ما حدث في العام الماضي من نزاع مُضن مرير بالميل إلى تحبيذ مشروع يقضي ببقاء فلسطين وحدة غير مجزأة في جهة واحدة على الأقل أي أن تظل مرتبطة باتحاد جمركي ونظام مشترك للمواصلات.
الخاتمة:
وفي وسعنا الآن أن نلخص الموقف فنقول إن مسألة كون التقسيم قابلاً للتطبيق على اعتبارات عملية وسياسية فالاعتبارات العملية تتعلق بصورة خاصة بالمالية والاقتصاد. والصعوبات الإدارية كبيرة ولكن إذا توفرت الإدارة لإيجاد حل لا يمكن أن يقال إنها لا تذلل. غير أن الصعوبات المالية والاقتصادية التي وصفناها في هذا الفصل وهى من نوع لا نستطيع معه أن نجد ضمن نطاق شروط اختصاصنا حلاً ممكناً لتذليلها ولكننا بدلاً من أن نقر بعجزنا عن استنباط أي مشروع عملي اقترحنا في الفقرة 506 شكلاً معدلاً للتقسيم على إدارة شؤونهما المالية أنه يصلح بعد مراعاة بعض التحفظات لأن يكون أساساً للتسوية إذا كانت حكومة جلالته مستعدة لتحمل ما ينطوي عليه من التبعة المالية الكبرى.
وبعد ذلك تبقى الصعوبات السياسية. إننا لا نستطيع أن نتجاهل أن أحد الفريقين أو كليهما يمكن أن يرفض التقسيم مهما كان شكله. وليس من واجبنا باعتبارنا لجنة مهمتها البحث في الحقائق أن نشير بما يقتضي عمله في تلك الحال.
ولكن احتمال قبول الفريقين بتسوية معقولة لا يزال قائماً. ومع أنه لا يسعنا أن نعتمد على إمكان ذلك فقد أوردنا المقترحات التي أدرجناها في هذا الفصل آملين أن تكون أساساً لتسوية تأتى عن طريق المفاوضة.
المصدر: "ملف وثائق فلسطين: مجموعة وثائق وأوراق خاصة بالقضية الفلسطينية"، الجزء الأول من عام 637 إلى عام 1949، (القاهرة: وزارة الإرشاد القومي، الهيئة العامة للاستعلامات، 1969)، ص 641 – 659.