شكّل
بدورها، شكّلت اتفاقيّة أوسلو (في أيلول/ سبتمبر 1993) الوثيقة الإسرائيليّة- الفلسطينيّة الأولى من نوعها التي في وسعها تمهيد الطريق أمام إسرائيلَ ومنظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف.) لإنهاء عقود من الصراع. ورغم الترحيب الواسع الذي لاقته، لما تقدّمه للفلسطينيّين من حكم ذاتيّ قد يمهّد لإقامة دولة فلسطينيّة بعد عدة عقود من الاحتلال المتواصل، رأى كثير من الفلسطينيّين أنّ اتفاقيّة أوسلو لم تقدّم شيئاً يذكر لبلورة ظروف ملائمة تجعل دولة فلسطينيّة مستقلّة – ولا نقول التحرير – هدفاً يحتمل التحقيق.
ومع هزيمة العراق
على أيدي تحالف عسكريّ بقيادة الولايات المتحدة
في
تطلّبت التحضيرات لعقد المؤتمر الدولي، بين أمور أخرى، إيجاد مخرج لمسألتين مهمتين: طبيعة التمثيل الفلسطيني ومرجعية المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية. ولما كانت إسرائيل والولايات المتحدة متفقتين على استبعاد منظمة التحرير الفلسطينية، لم يكن في وسع الأخيرة بعد أن ضعفت وفقدت الدعم العربي بسبب موقفها الذي اعتُبر مؤيداً للنظام العراقي في غزو الكويت ، إلا أن تمنح مباركتها لتشكيل وفد أردنيّ- فلسطينيّ مشترك لا ينتمي أعضاؤه الفلسطينيون إلى المنظمة رسمياً. وذهبت الولايات المتحدة أبعد من ذلك، إذ وافقت على الشروط الإسرائيلية بأن على هؤلاء الأعضاء أن يكونوا من الضفة الغربية وقطاع غزة حصراً، واستثناء القدس الشرقية والشتات. أما بالنسبة إلى المرجعية، فمع أن المفاوضات على جميع المسارات كانت خاضعة لقرار مجلس الأمن رقم 242، إلا أن الفلسطينيين كانوا مطالَبين بالموافقة على إجراء المحادثات أولاً بشأن ترتيبات مرحلية لحكم ذاتي لمدة خمس سنوات، وبألا يتم الاستناد إلى القرار المذكور إلا في مفاوضات الوضع النهائي بعد أن تكون ترتيبات الحكم الذاتي قد وضعت موضع التنفيذ.
انعقد مؤتمر السلام في مدريد في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 1991، برعاية أميركية-سوفييتية رسمية مشتركة. وأُعطيَ رئيس الجانب الفلسطينيّ في الوفد الأردني- الفلسطيني المشترك حيدر عبد الشافي ، المكانةَ ذاتها التي منحت لرؤساء سائر الوفود (الأردن ، سوريا، لبنان وإسرائيل)، ولمّا كان من المعروف أن الأعضاء الفلسطينيين معيَّنون من منظمة التحرير وينسّقون معها في المفاوضات، دلَّ ذلك على أن إسرائيل تتفاوض بحكم الأمر الواقع مع المنظّمة. وفور انتهاء الافتتاح الرسمي للمؤتمر، عقد الوفد المشترك والوفد الإسرائيلي جولة أولى من المحادثات اتفقا في أثرها على ان المفاوضات ستجرى "على مسارين: مسار فلسطيني- إسرائيلي ومسار أردني- إسرائيلي".
خلال الأشهر العشرين اللاحقة، عقد الفلسطينيون والإسرائيليون تسع جولات تفاوضية في
وبينما كانت المحادثات الثنائيّة الرسميّة بين حكومة إسرائيل، بزعامة يتسحاق شامير
، والفلسطينيّين تراوح مكانها في واشنطن، نتيجة دعم الإدارة الأميركية إسرائيلَ وضغطها على الفلسطينيين للقبول بكل ما كان الوفد الإسرائيلي يعرضه عليهم، بدأت محادثات سرية بين إسرائيل ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة في
وفي 13 أيلول، جرى رسمياً في البيت الأبيض توقيع "إعلان المبادئ"، ونصَّ على انسحاب إسرائيل من قطاع غزّة ومنطقة أريحا ، على أن تتبع هذه الخطوة الأولية إقامة مجلس منتخب وتوسيع صلاحياته في الضفة الغربية، باستثناء القدس والمستعمرات والمواقع العسكرية. وأُجِّلت هذه المسائل، بالإضافة إلى مسائل أخرى كاللاجئين والترتيبات الأمنيّة والمياه والحدود، إلى مفاوضات الوضع النهائيّ. ولم يتضمن إعلان المبادئ التزاماً إسرائيلياً بتجميد النشاطات الاستيطانية في الضفة الغربية، بما فيها القدس، ولم يحدد المدى الفعلي للمستعمرات والمواقع العسكرية التي سيعيد الجيش العسكري انتشاره منها، وبالتالي الأراضي التي ستنقل إلى الولاية الفلسطينية في المرحلة الانتقالية.
حَكَمَ التوسع الاستيطاني والنقل المحدود للأراضي اللذان شهدتهما السنوات اللاحقة على اتفاقيّة أوسلو بالفشل، فبنظرة إلى الوراء يمكن القول إن كون إعلان المبادئ لم ينص على التحكيم الملزِم ولم يتضمن إلا مبادئ عامة يحتاج تطبيقها إلى مزيد من التفاوض، أعطى إسرائيل اليد العليا في السنوات اللاحقة.
وعلى رغم إشادة العالم بالاتفاق كبداية للتفاوض حول إنهاء الصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، فإن كثيراً من الفلسطينيين، وخصوصاً في الشتات، رفضوا "إعلان المبادئ" بسبب فرضه التنازلات كافة على الطرف الفلسطيني من دون إنجاز المشروع الوطني الفلسطيني في مقابلها. وكانت فصائل عشرة (منها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
، و
وشهدت السنوات العشرون منذ التوقيع على اتفاقيّة أوسلو، مرور سنوات خمس أولى من دون التوصل إلى معاهدة سلام نهائيّة، واندلاع الانتفاضة الثانية في العام 2000، وغياب مفاوضات مجدية بين إسرائيل والفلسطينيّين، وربما الأهم من ذلك، استمرار توسّع وترسيخ الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربيّة، إلى جانب الحصار الخانق على قطاع غزة. وبالتالي، فإنّه يمكن اعتبار نتائج اتفاقيّة أوسلو إعادةَ تشكيل للاحتلال بدلاً من كونها خطوة نحو إقامة الدولة أو التحرير.
تماري، سليم. "مستقبل اللاجئين الفلسطينيين: أعمال لجنة اللاجئين في المفاوضات المتعددة الأطراف واللجنة الرباعية". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1996.
الخطيب، غسان. "السياسة الفلسطينية وعملية سلام الشرق الأوسط: الإجماع والتنافس ضمن الوفد الفلسطيني المفاوض". ترجمة عارف حجاوي. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2014.
سعيد، إدوارد. "نهاية عملية السلام: أوسلو وما بعدها". بيروت: دار الآداب، 2002.
عباس، محمود. "طريق أوسلو: موقِّع الاتفاق يروي الأسرار الحقيقية للمفاوضات". بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1994.
قريع، أحمد. "الرواية الفلسطينية الكاملة للمفاوضات: من أوسلو إلى خريطة الطريق". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2005.
منصور، كميل. "نظرة عامة إلى مفاوضات السلام الفلسطينية - الإسرائيلية وتقويم لها". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 14، ربيع 1993.