جدول الأحداث الكلي

جدول الأحداث الكلي

Highlight
اتفاقيات كامب ديفيد، 1978-1979
تحطيم الجبهة العربية

في السابع عشر من شهر أيلول/ سبتمبر سنة 1978، وقّع الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن  اتفاقيات كامب ديفيد ، وهي اتفاقيات إطار لإبرام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في سنة 1979، وكانت بمثابة التعبير الأول لرغبة دولة عربية في التوصل إلى اتفاقية سلام منفردة مع إسرائيل خارج إطار أي اتفاقية شاملة. وقد شكّل هذا التطور، مقروناً بأهمية مصر في العالم العربي، ضربة خطيرة للمواقف التفاوضية للدول العربية الأخرى، وبشكل خاص للفلسطينيين، الذين لم يتم استبعادهم من المفاوضات وحسب، بل كان منبع الخطر الأساس في الاتفاقيات تهميش المفهوم الذي كان سائداً بأن إسرائيل لا يمكنها تحقيق السلام مع جيرانها العرب إلا من خلال معالجة المسألة الفلسطينية أولاً.

مهّدت التطورات السياسية بعد حرب عام 1967 الطريق إلى كامب ديفيد، فالحرب كانت أقنعت كثيرين في النخب السياسية العربية والمثقفين بأن إسرائيل واقع دائم في المنطقة، ثم جاءت حرب عام 1973 فبدت كأنها قد أزالت وصمة عار الهزائم السابقة، وشرّعت في الوقت ذاته إمكانية التوصل إلى تسوية مع إسرائيل.

إثر انتخاب جيمي كارتر سنة 1976 رئيساً لـ الولايات المتحدة ، أعادت إدارته السعي لعقد مؤتمر جنيف تحت رعاية أميركية سوفييتية مشتركة (الذي لم يشهد سوى عقد جلسة واحدة يتيمة في 21 كانون الأول/ ديسمبر 1973) للتفاوض بشأن تسوية عربية إسرائيلية في أعقاب حرب عام 1973. وعلى رغم إحراز بعض التقدّم، كان احتمال التوصل إلى اتفاق شامل موضع شك، بسبب الصراعات العربية الداخلية وفوز حزب الليكود بزعامة مناحيم بيغن في إسرائيل في أيار/ مايو 1977، وهو حزب يطالب بسيادة يهودية كاملة على "إسرائيل الكبرى" (بما فيها الأردن )، ما دفعه منذ اللحظات الأولى إلى تكثيف النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية وغزة . وإزاء صعوبة تحقيق تسوية شاملة والرغبة في لتطوير علاقات وثيقة مع الغرب، قرّر السادات الدخول في محادثات ثنائية مع إسرائيل، فأعلن في أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر 1977، استعداده للذهاب إلى القدس لمخاطبة الكنيست ، ليقوم بيغن، بعد أن رأى فرصة لكسر الجبهة العربية الموحدة في وجه إسرائيل، بتوجيه دعوة إلى السادات، الذي وصل القدس في 19 تشرين الثاني.

وفي الكنيست، وعلى رغم لهجة السادات التصالحية، وعلى رغم أن حضوره أمام الكنيست كان دليلاً على "موافقة العرب على العيش معكم بسلام دائم قائم على العدالة"، قوبلت كلمته برفض حادّ من بيغن، الذي ألقى اللوم في فشل التوصل إلى السلام على الدول العربية، مكرراً شروط إسرائيل الثابتة لأي اتفاقية. ومع ذلك، مضى السادات قدماً في المحادثات المصرية - الإسرائيلية، فهو كان قد فقد دعم الجهات العربية الفاعلة وكان حريصاً على استمرار الدعم الأميركي.

في 11 آذار/ مارس 1978، قامت فرقة تابعة لـ "فتح " (ومن أعضائها دلال المغربي ) بهجوم على إسرائيل، فاختطفت حافلة ركاب وأخذت ركابها رهائن للتفاوض على إطلاق سراح سجناء فلسطينيين داخل إسرائيل، وللطعن في المفاوضات الإسرائيلية - المصرية. وأدى اقتحام القوات الإسرائيلية الحافلة إلى مقتل 36 إسرائيلياً و8 من فرقة الكوماندوس، وإلى اجتياح إسرائيل جنوب لبنان حتى نهر الليطاني ، ثم الانسحاب جزئياً بضغط أميركي. وبما أن الرئيس كارتر كان استثمر "رأسمالاً ديبلوماسياً" كبيراً لحل الصراع العربي-الإسرائيلي، قام - في محاولة لإنقاذ الموقف- بدعوة بيغن والسادات إلى كامب ديفيد ، فوصلاها في 5 أيلول 1978.

كان السادات قد تخلّى عن الرصيد الذي تشكلّه جبهة عربية موحّدة وعن ورقة الاعتراف بإسرائيل التي خسرها جراء زيارته القدس. فكان تحت وطأة ضغط كبير للخروج من كامب ديفد بنوع من الاتفاقية. أما بيغن، فلم يكن يواجه ضغوطات داخلية تُذكر، لأن موقفه التفاوضي كان قوياً، ويتمثل في أن سيناء هي ورقة المساومة الرئيسية، وفي الاستعداد لمبادلة أرضها فقط مقابل السلام من دون التخلي عن أي جزء من "إسرائيل الكبرى".

وبعد ثلاثة عشر يوماً من المفاوضات المتوترة، توصّلت الأطراف الثلاثة إلى نص "إطار معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل"، تقوم إسرائيل بموجبه بالانسحاب من سيناء مقابل علاقات ديبلوماسية طبيعية مع مصر وحرية المرور عبر قناة السويس ومضيق تيران ، إضافة إلى تقييد التسلح المصري في سيناء وإقامة منطقة منزوعة السلاح على طول الحدود الإسرائيلية. وفي 26 آذار 1979، وقّع السادات وبيغن في واشنطن العاصمة معاهدة سلام مبنيّة على هذه المبادئ.

أما اتفاقية "إطار السلام في الشرق الأوسط "، فقد نصّت على مبادئ لعملية سلام شامل مبني على قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338 "في كافة أجزائهما". ودعا الجزء الأول من "الإطار" إلى انتخاب "سلطة حكم ذاتي في الضفة الغربية وغزة" من سكان تلك المناطق، ضمن عملية يتم الاتفاق عليها خلال مفاوضات بين مصر وإسرائيل والأردن، لتبدأ بعدها "مرحلة انتقالية" مدّتها خمس سنوات، تجرى خلالها مفاوضات لتحديد الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة، وتكون ذروتها "معاهدة سلام بين إسرائيل والأردن".

أما الجزء الثاني، فتناول العلاقات المصرية - الإسرائيلية التي ستحكمها اتفاقية سلام بين الطرفين. ونص جزء ثالث على الأحكام التي يجب تطبيقها في معاهدات السلام بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، بما في ذلك الاعتراف الكامل والتنمية الاقتصادية وانهاء المقاطعة، إضافة إلى اضطلاع الولايات المتحدة بدور مميّز في عملية التفاوض.

اعتبر كثير من العرب اتفاقية "الإطار" محكومة بالفشل، فقد تم التفاوض من دون إشراك معظم الجهات الفاعلة الرئيسية، وأبرزها منظمة التحرير الفلسطينية ، كما أنها شديدة الغموض حول القضايا الرئيسية (مثل القدس، التي لم يتم ذكرها ولم يستطع بيغن والسادات التوصل إلى اتفاق في شأنها).

وبعد مواجهة الضغوط الكبيرة داخل حزبه، بدأ بيغن بالمراوغة: فإسرائيل كما ادّعى، لن تتخلى أبداً عن السيادة على الضفة الغربية وغزة، أما "سلطة الحكم الذاتي المنتخَبة" المذكورة في الاتفاقية، فما هي سوى أكثر بقليل من حكم ذاتي إداريّ محدود (وكان بيغن يفسّر قرار مجلس الأمن رقم 242 علناً بأنه لا يُلزم إسرائيل بالتنازل عن الضفة الغربية وغزة).

رفضت منظمة التحرير الفلسطينية الاتفاق لعدد من الأسباب، أهمها أن القبول بـ "مرحلة انتقالية" تمتد خمس سنوات دون النص على مصير الأراضي المحتلة بعد انقضائها يمنح الاحتلال صفة الشرعية كما يعطيه الوقت لإقامة المزيد من المستوطنات. ورفضت الجمعية العامة للأمم المتحدة أيضاً "إطار عملية السلام في الشرق الأوسط"، لأنه أُبرم من دون مشاركتها ومشاركة الطرف المعني الأساسي، منظمة التحرير الفلسطينية. وفي 5 تشرين الثاني 1978، أدانت القمة العربية، بغداد، 1978 اتفاقيات كامب ديفيد، وحذّرت مصر من أنها ستخضع لمقاطعة اقتصادية وسياسية في حال إبرامها سلاماً مستقلاًّ مع إسرائيل، كما نقلت مقرّ الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس .

لم يكسر توقيع اتفاقية ثنائية بين إسرائيل والدولة العربية الأكبر والأقوى، الجبهةَ العربية الواحدة فحسب، وإنما صعّب التوصل إلى صيغة تسوية مبينة على مبدأ الأرض مقابل السلام على الجبهات الأخرى وإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة.

جدول الأحداث الكلي
E.g., 2024/11/22
E.g., 2024/11/22