جدول الأحداث الكلي

جدول الأحداث الكلي

Highlight
العمالة الفلسطينية في إسرائيل
سوق متقلبة خاضعة للمصالح الإسرائيلية

عقب حرب حزيران/ يونيو 1967، وقيام إسرائيل باحتلال الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة، برزت ظاهرة توجّه عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين إلى العمل في إسرائيل، واستمرت هذه الظاهرة بعد توقيع اتفاقية أوسلو سنة 1993 وإقامة السلطة الفلسطينية. وطوال هذه الفترة، كانت الاعتبارات الاقتصادية والأمنية المتفاوتة تتحكم بالسياسة الإسرائيلية تجاه تشغيل الفلسطينيين في إسرائيل وفي المستوطنات.

تطور العمالة الفلسطينية منذ سنة 1967

شهد اقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة في الفترة 1967-1993 عملية تغيير بنيوي جعلته تابعاً لإسرائيل، وتحوَّل الاقتصاد من اقتصاد زراعي بالدرجة الأولى إلى اقتصاد خدماتي يفتقر إلى الوظائف والطاقات الإنتاجية، وبالتالي ازداد تدفق العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل حيث أدى ثلاثة أدوار رئيسية: مكّن من دمج سوق العمل في الضفة الغربية وقطاع غزة في سوق العمل الإسرائيلية، وحدد طبيعة التنمية الفلسطينية، وقدم مصدراً مهماً للدخل الفلسطيني على المستويين الفردي والوطني.

مرّ الاعتماد الفلسطيني على سوق العمل الإسرائيلية، وفق ليلى فرسخ، بخمسة مراحل رئيسية. كانت المرحلة الأولى التي امتدت من سنة 1968 إلى سنة 1973 سريعة النمو، إذ ارتفعت نسب استيعاب العمال الفلسطينيين في إسرائيل بأكثر من 38% سنوياً، في حين شهد التوظيف المحلي، باستثناء مجال الخدمات، نمواً سلبياً في تلك الفترة.

امتدت المرحلة الثانية من سنة 1974 إلى سنة 1980، واستقر فيها تدفق العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل بمعدل نمو سنوي متوسط بلغ 1.5%، وقد شهدت عمالة الفلسطينيين المعروضة توازناً بحلول سنة 1974، عند تلاقي كل من سوق العمل الإسرائيلية وسوق العمل في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكان للعمالة الفلسطينية في تلك الفترة منفذان، الأول هو الخليج للعمال المهرة والثاني هو إسرائيل للعمال غير المهرة.

في المرحلة الثالثة (1981-1987)، انخفضت الهجرة إلى الدول المجاورة، مع هبوط الطلب على العمال الفلسطينيين، واتسمت هذه المرحلة بالاندماج الكامل لسوقي العمل الإسرائيلية والفلسطينية بسبب حرية الحركة بينهما، وكذلك شهد التوظيف المحلي نمواً لأول مرة بمعدل 3.4% سنوياً في الضفة الغربية و2.6% في قطاع غزة، كانت النسبة الأكبر منه في قطاع الخدمات الذي كان في جميع الأحوال منخفضاً مقارنة بنظيره الإسرائيلي.

أمّا المرحلة الرابعة (1988-1993)، فكانت المرحلة الأقل استقراراً، إذ اندلعت فيها الانتفاضة الأولى ووقعت حرب الخليج، وبدأت إسرائيل فرض القيود الأمنية على حركة العمال، فبدأت سوق العمل الفلسطينية تنفصل عن السوق الإسرائيلية.

وشكّلت سنة 1993 نقطة تحول في اقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ جاء بروتوكول باريس الاقتصادي الذي ادعى، من خلال ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي عبر الاتحاد الجمركي، مساعدة الاقتصاد الفلسطيني على النمو، ليعمّق تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي.

وكان لدى الاقتصاد الفلسطيني عمالة فائضة، وذلك بفعل النمو السريع للقوة العاملة، والمعدلات المنخفضة للمشاركة، لكن البروتوكول الاقتصادي لم يحاول حل هذه المشكلة، إنما أعاد صوغها بطريقة مهدت لتحويل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مستودعات لليد العاملة، وخصوصاً مع غموض المادة السابعة في البروتوكول الاقتصادي، المراد منها تحديد آليات حركة اليد العاملة إلى المناطق الإسرائيلية في الفترة الانتقالية.

اتسمت المرحلة الخامسة التي دامت حتى سنة 2000، بتقلبات -كبرى، وهبط عدد العمال الفلسطينيين بنسبة 51% في الفترة (1992-1996).

ملاحظة: معطيات سنة 1994 غير متوفرة بسبب نقل السلطة من الجانب الإسرائيلي إلى الجانب الفلسطيني.

يوضح الشكل (2) كيف كانت أعداد العمال الفلسطينيين في إسرائيل ترتفع في حالات الاستقرار السياسي وتنخفض لدى بروز حالات من عدم الاستقرار، إذ من خلال تتبع الرسم البياني نلاحظ أن عدد هؤلاء العمال قارب 140 ألفاً سنة 1998، أي في فترة  الاستقرار السياسي النسبي، بينما تراجع بصورة واضحة ليبلغ نحو 40 ألفاً في السنوات الأولى للانتفاضة الثانية وبعد بناء جدار الفصل. وبحسب نتائج مسح القوى العاملة السنوي لسنة 2021 الذي أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في نيسان/ أبريل 2022، بلغت نسبة العاملين من الضفة الغربية في إسرائيل والمستوطنات 18.8% من حجم قوة العمل الفلسطينية في الضفة الغربية في سنة2021.

أمّا بالنسبة إلى قطاع غزة، فلم يتمكن أي عامل، في ظل الحصار الإسرائيلي، من العمل في إسرائيل من سنة 2007 حتى نهاية سنة 2019. وفي كل من سنة 2020 و2021، لم تتعدَ نسبة العاملين من قطاع غزة في إسرائيل 0.1% من قوة العمل الغزاوية. والجدير بالذكر أن القطاع يشهد معدلات بطالة مرتفعة، إذ وصل المعدل خلال الربع الأول من سنة 2022 في قطاع غزة، إلى 46.6% وبلغت النسبة بين الشباب (15-29 عاماً) إلى 62.5% خلال الفترة نفسها، الأمر الذي يجعل العمل في إسرائيل يبدو كأنه الأمل الوحيد في تحسين أوضاعهم الاقتصادية، ويجعل الحصول على تصاريح عمل وسيلة ابتزاز على المستوى الفردي وعلى المستوى السياسي العام (التصاريح في مقابل الهدوء الأمني).

وتشير بعض الدراسات إلى أن 48% من عمال الضفة الغربية يتوافدون إلى إسرائيل من مناطق ريفية، يليهم العمال القادمون من المخيمات بنسبة 23%، في حين أن 39% من مجموع عمال قطاع غزة العاملين في إسرائيل يتوافدون إليها من المخيمات. ويتركز معظم العمال الفلسطينيين العاملين في سوق العمل الإسرائيلية، بحسب ما تشير إليه النتائج التي توصل إليها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بين فئات الشباب العاملين بين سن 15 وسن 44، ويقل عدد العمال كلما زادت فئات العمر لتصل إلى 16.5% لأكثر من 55 سنة. ويستقطب قطاع الإنشاءات في إسرائيل النسبة الأكبر من عدد هؤلاء العمال، يليه قطاع الزراعة ثم الصناعة والخدمات.     

عمالة النساء والأطفال الفلسطينيين في إسرائيل

تعمل معظم النساء في قطاع الزراعة والصناعة في المستوطنات الزراعية في منطقة الأغوار، أو في المستوطنات الصناعية مثل مستوطنة "ميشور أدوميم"، ومستوطنة "معالي أدوميم"، في أوضاع عمل قاسية وساعات عمل طويلة تتراوح بين 10-12 ساعة يومياً. وتتم عملية تشغيل النساء في المستوطنات عبر وسيط "سمسار"، ويقوم السماسرة بالتنسيق مع المشغل الإسرائيلي لتوظيف الباحثات عن عمل في المزارع أو المصانع التابعة للمستوطنات.

وفيما يتعلق بعمل الأطفال، أظهرت بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني المتعلقة بسنة 2021، أن الأطفال العاملين ضمن الفئة العمرية (15-17 سنة)  يشكلون 5.3% من العدد الكلي لأطفال الضفة الغربية وقطاع غزة من هذه الفئة، وقد توزعوا بواقع 7.8% في الضفة الغربية و1.7% في قطاع غزة. ويتركز نحو 63% من الأطفال العاملين ضمن الفئة العمرية (10-17 سنة) في نشاطات التعدين والتشييد والبناء والزراعة. وأوضحت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها (2015)، أن مئات الأطفال الفلسطينيين يعملون في أوضاع “خطرة” في المستوطنات. وفي هذا الإطار، أكدت سارة ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة أن “المستوطنات الإسرائيلية تربح من انتهاك حقوق الأطفال الفلسطينيين”.

نظام تصاريح العمل

فـي سنة 1970، أصـدر الحاكـم العسـكري "تصريحـاً عامـاً" تمكـن بموجبـه كل العمـال الفلسـطينيين مـن الضفـة الغربيـة وقطـاع غـزة مـن دخـول إسـرائيل للعمـل فيهـا. أتـاح هـذا القـرار دخـول مئـات الآلاف مـن الفلسـطينيين للعمـل فــي إســرائيل بحيــث أنــه فــي منتصــف ثمانينيــات القــرن الماضــي كان نحو 40% مــن القــوى العاملــة الفلســطينية يعملــون داخــل إســرائيل. وفي سنة 1991 تــم إلغــاء "التصريــح العــام" وفــرض إغلاق شـامل علـى الضفـة. لاحقاً، وبموجـب قانـون العمالـة الأجنبية لسنة 1991، توجـب علـى كل عامـل فلسـطيني يرغـب بالعمـل داخـل إسـرائيل أن يحصـل علـى "تصريـح فـردي" تصدره سـلطة السـكان والهجـرة التابعـة لـوزارة الداخليـة الإسرائيلية بناء على طلب من مشغّل إسرائيلي يكون قد حصل على "كوتا" معينة من التصاريح. بقيـت هـذه الطريقـة سـارية المفعـول حتـى سنة 2020 عندما اعتُمد نظام جديد لمنح التصاريح.

وفــق النظــام الجديــد، أنشــأت الإدارة المدنيــة الإسرائيلية منصــة إلكترونيــة يقوم العامــل الفلســطيني من خلالها بطلب تصريح في قطاع اقتصادي معيّن (بناء، زراعة...)، دون أن يكون منح التصريح مربوطاً بمشغل محدد. وكان الهدف من النظام الجديد أن تشكل المنصة البوابة الوحيدة لتشغيل العمال الفلسطينيين، مما يسمح للإدارة المدنية بتشديد الرقابة على العامل الفلسطيني، في مقابل أن يتمتع العامل الذي يحصل على تصريح عمل بفرصة التنقـل بيـن المشـغلين (شـرط أن يكـون لـدى أي مُشـغل يعمـل لديـه إذن بتشـغيل عمـال فلسـطينيين)، بالإضافة إلى الحد من قدرة صاحب العمل على استغلال العامل وانتهاك حقوقه. وكان من المأمول أن ينهي النظام الجديد ظاهرة "السوق السوداء" في تجارة التصاريح. ففي سنة 2018 مثلاً، حصل نحو 45% من أصل 94.254 عاملاً على تصريح للعمل في إسرائيل من خلال سماسرة جنوا من تجارتهم ما قد يصل إلى ثلث الأجر السنوي للعامل. غير أن تطبيق النظام الجديد ابتداء من سنة 2020 لم يؤدِّ إلى إنهاء ظاهرة السمسرة.

من جهة أُخرى، يتطلب الحصول على تصريح حيازة بطاقة هوية بيومترية يصدرها الذراع العسكري الإسرائيلي في المناطق المحتلة، واجتياز فحص أمني يشتمل، فيما يشتمل، على اعتبارات "غير أمنية" مثال أن يكون العامل متزوجاً ويزيد عمره عن 22 عاماً.

وفيما يتعلق بقطاع غزة، ومع استئناف منح تصاريح عمل للعمال من القطاع، أعلنت السلطات الإسرائيلية في صيف سنة 2022 أنها تنوي تغيير نوع التصريح الممنوح لسكان غزة من “حاجات اقتصادية” إلى “عامل”، وإلزام المشغل إعطاء العامل قسيمة الأجر وليس الاكتفاء بإعطائه أجره نقداً.

حقوق العمال الفلسطينيين

قررت الحكومة الإسرائيلية في سنة 1970 تطبيق قانون العمل الإسرائيلي على العمال الفلسطينيين في إسرائيل، وأقرت المحكمة العليا الإسرائيلية في سنة 2007 أن القانون ينطبق على العمال في المستوطنات. غير أنه في واقع الأمر عانى العمال الفلسطينيون من ظروف عمل سيئة، افتقرت إلى تدابير السلامة والتأمين الملائمة، وإلى تمييز كبير فيما يتعلق بالأجور وساعات العمل والإجازات السنوية والإجازات المرضية والتقاعد.

وبفضل إصدار التقارير الدولية (منظمة العمل الدولية، الاتحاد الدولي للنقابات...)، ونشاطات جمعيات حقوق الإنسان الفلسطينية والإسرائيلية، بالإضافة إلى مطالب العمال أنفسهم، عملت السلطات الإسرائيلية بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية في صيف سنة 2022 على اعتماد آلية جديدة من شأنها أن تساهم في التطبيق الفعلي لقانون العمل الإسرائيلي. وتتضمن هذه الآلية تحويل رواتب وأجور العمال الفلسطينيين في إسرائيل إلى البنوك الفلسطينية، الأمر الذي قد يحد من دفعها نقداً من جانب المشغل الإسرائيلي، وقد يلزم هذا الأخير بدفع الحد الأدنى للأجور وسائر التحويلات الاجتماعية.  

غير أن البدء بتطبيق التحويل البنكي في آب/ أغسطس 2022، أثار ريبة العمال الفلسطينيين نظراً إلى العلاقة غير المستقرة مع السلطة. وتجسدت أبرز تخوفاتهم من زيادة الضرائب من جانب السلطة الفلسطينية، وخصوصاً أنهم يدفعون ضريبة للسلطات الإسرائيلية قبل تحويل رواتبهم، وزاد على ذلك عدم وضوح السلطة في هذا الملف كون المسؤولين فيها أكدوا في البداية أن التحويل البنكي مطلب فلسطيني ليتبين لاحقاً أنه قرار إسرائيلي. وفي جميع الأحوال، وبما أن نسبة معينة من عمال الضفة الغربية الذين يعملون في إسرائيل لا يحملون تصاريح عمل وبالتالي تعتبر السلطات الإسرائيلية أنهم خرقوا إجراءاتها أصلاً ( شكّلوا ما يقارب 30% من عمال الضفة الغربية في إسرائيل سنة 2019)، فمن غير المتوقع أن يستفيدوا من الحماية التي من المفترض أن يمنحها قانون العمل الإسرائيلي بشكل عام ونظام التحويل البنكي بشكل خاص. 

خاتمة

تُعتبر سوق العمل في إسرائيل بالنسبة إلى الفلسطينيين سوقاً مُداراة، يخضع تشغيلها للقرارات السياسية المتخذة في إسرائيل وليس للتوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للسلطة الوطنية الفلسطينية. وتتحكم في السياسة الإسرائيلية جملة اعتبارات (اقتصادية واستراتيجية وأمنية) لا تسير باتجاه واحد، إنما تتغير بحسب الظروف والمنطقة المعنية. ويمكن تلخيص هذه الاعتبارات كما يلي:

- هدف استراتيجي – اقتصادي عام، وهو السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال السيطرة على الاقتصاد الفلسطيني، كجزء من مجالات وأدوات سيطرة أُخرى.

- هدف اقتصادي داخلي، وهو تلبية حاجة الاقتصاد الإسرائيلي إلى عمالة خارجية في قطاعات لا تجتذب العمال الإسرائيليين اليهود، وحيث يمكن غض النظر عن مسعى أرباب العمل التهرب من التزاماتهم القانونية لتحقيق أقصى الأرباح، وخصوصاً تجاه العمال "غير الشرعيين" أي الذين لا يحملون تصاريح عبور إلى إسرائيل. وقد تلجأ السلطات الإسرائيلية إلى منح تصاريح عمل لمئات من العاملين الفلسطينيين في قطاع التكنولوجيا، نظراً إلى حاجة إسرائيل الماسة لذوي الاختصاص في هذا القطاع.

- اعتبار أمني-سياسي مرتبط بمحاولة الحفاظ على الوضع القائم وامتصاص نضال الفلسطينيين ومطالبهم السياسية عن طريق تشغيلهم، وهذا الهدف كان أساسياً في الفترة الأولى للاحتلال وما زال يشكّل جزءاً من سياسات "السلام الاقتصادي" الذي تمارسه إسرائيل.

جدول الأحداث الكلي
E.g., 2024/11/22
E.g., 2024/11/22

يرجى محاولة عملية بحث جديدة. لا يوجد أي نتائج تتعلق بمعايير البحث الحالية. هناك العديد من الأحداث في التاريخ الفلسطيني والجدول الزمني يعمل جاهدا لالتقاط هذا التاريخ.